استشهاد السنوار: تداعيات الثبات والصمود على المجتمع المقاوم
“إن موت السنوار يمنحنا جميعًا فرصة كبيرة للتقدم.” بهذه الكلمات عبَّر وزير الدفاع الأميركي لويد أوستن عن اعتقاده بأن اغتيال يحيى السنوار قد يُضعف حركات المقاومة في فلسطين، مما يُعدُّ فرصة استراتيجية لا تُعوَّض في ظنِّه للحدِّ من تصاعد الروح الجهادية في غزَّة، إنها تصريحات تعكس نمطًا ممتدًّا للسياسات الغربية، التي تبنَّت رؤية عسكرية تعتمد على القوة والتكنولوجيا المتقدمة لتوسيع نفوذها، وهو النهج الذي بدا واضحًا منذ بروز القوة الغربية قبل مائتي عام، بهدف السيطرة على موارد وثروات الشعوب من خلال الغزو، والذي يعتبر القوة المادية هي مفتاح الهيمنة!
وتلك تصريحات قاصرة الرؤية، نعم قد يُؤثِّر فقدان القادة أصحاب الحضور المميَّز على سير المعارك، لكن هذا لا يعني بالضرورة أن المعركة قد حُسمت، فالمعركة ليست محصورة في فرد بعينه، بل تعتمد على هيكل تنظيمي متماسك، وقادة آخرين يمتلكون القدرة على توجيه الفعل المقاوم واستمرار العمليات العسكرية، وهذا ما أظهرته المقاومة في الأسابيع الأخيرة عقب مقتل السنوار، فقد قُتل عشرون جنديًّا من قوات الاحتلال خلال المعارك، كما لقي تسعة إسرائيليين مصرعهم في عمليات متفرقة داخل المدن المحتلة، فاستمرار المقاومة بهذا الشكل بحدِّ ذاته؛ هو دليل واضح على أن العمليات في القطاع ليست مرتبطة بشخص واحد تنهار بغيابه، بل تعتمد على منظومة متكاملة من القيادة والهياكل المنتظمة.
تاريخيًّا، لم تُحقِّق الاغتيالات الإسرائيلية نصرًا حاسمًا للاحتلال، بل أسهمت في تعزيز المقاومة، فلو كانت الاغتيالات نصرًا، لما نفذت كتائب القسام عملية طوفان الأقصى بعد عشرين عامًا من اغتيال القادة المؤسِّسين وعلى رأسهم الشيخ أحمد ياسين، ورغم نجاح الاحتلال في اغتيال يحيى السنوار، رئيس حركة حماس، وعدد من قادة الحركة، إلا أن إسرائيل لا تزال تواجه تحديات كبيرة في السيطرة على قطاع غزة، فالمقاومة الفلسطينية تظهر قوة وقدرة على تنفيذ ضربات في مختلف الاتجاهات، مما يدل على وجود بنية تحتية قوية ومرونة في استراتيجياتها.
لقد كان تدمير حماس وإلى الأبد، هو الهدف المعلن من قبل بنيامين نتنياهو، لكن الأحداث أثبتت أن الاحتلال لم يُحقِّق هذا الهدف، وفي 25 يونيو الماضي، صرح بيني غانتس، الوزير المستقيل من مجلس الحرب وزعيم حزب معسكر الدولة، بأن “حماس فكرة لا يمكن تدميرها” معترفًا بما لم يقدر على كتمانه من أن مصدر القوة الأساسية لحركة حماس ليس في العوامل المادية، بل يكمن في قدرتها على التجذُّر المجتمعي الذي يُمكِّنها من بناء قاعدة شعبية راسخة، وجذب أجيال جديدة من المقاتلين المستعدِّين للتضحية بحياتهم من أجل القضية، والتي تمثل بُعدًا عقائديًّا في نفوس أبنائها، مما يُمَكِّن المقاومة من الصمود والاستمرار في مواجهة التحديات، اعتمادًا على جذور عميقة في المجتمع الفلسطيني المقاوم.
تاريخيًّا، لم تُحقِّق الاغتيالات الإسرائيلية نصرًا حاسمًا للاحتلال، بل أسهمت في تعزيز المقاومة، فلو كانت الاغتيالات نصرًا، لما نفذت كتائب القسام عملية طوفان الأقصى بعد عشرين عامًا من اغتيال القادة المؤسِّسين وعلى رأسهم الشيخ أحمد ياسين.
لقد امتلكت حركة حماس قوة الفكرة المتجسِّدة في مقاومتها للاحتلال باعتبارها سبيلًا للنصر، مما يمنحها جاذبية واسعة بين الفلسطينيين، في الوقت نفسه، تفتقر أي أيديولوجية مضادة إلى جاذبية واسعة بين الفلسطينيين فحركة فتح، التي تُمثِّل قيادة السلطة الفلسطينية، تعاني من تراجع ملحوظ بسبب الإحباط من العملية السياسية وعدم قدرتها على مواكبة تطلعات الشعب الفلسطيني.
إن اغتيال يحيى السنوار قد زاد رصيد حركة حماس بشكل ملحوظ مما قد لا يدركه الاحتلال، فلقد قدم يحيى السنوار نموذجًا ملهمًا في حياته حتى في أحلك الظروف، فقد تمكن من تحويل فترة سجنه إلى مرحلة إعداد استراتيجية مهمة، فخلال هذه الفترة، قام بترجمة كتب كثيرة تتعلَّق بأجهزة الأمن الصهيونية، مثل كتاب “الشاباك بين الأشلاء” لكارمي غيلون، الذي يُسلِّط الضوء على دور جهاز الأمن الداخلي الصهيوني، لقد درس السنوار الوضع الأمني للاحتلال، وفهم طبيعة العدوِّ، وعرف نقاط ضعفه تجاه حرب موسَّعة، قبل أن يذوق الحرية ويصل إلى ميدان النزال في غزة.
ولقد كان استشهاد يحيى السنوار وخاتمته البطولية، تجسيدًا ملهما لروح المقاومة؛ فهو قائد سياسي فلسطيني يُستشهد خلال الاشتباك مع العدو، وهو القائد الحريص على البقاء في الصفوف الأمامية للمواجهة، لقد كشفت خاتمته للمجتمع الفلسطيني أن قادة المقاومة في مقدمة الصفوف لا كما يدعي الاحتلال بأنهم في مأمن بعيدًا عن المواجهات، كما أظهرت أن هذا القائد لم يأكل لمدة ثلاثة أيام مشاركًا أهل غزة الجوع، فهو واحد من أبناء غزة يعاني مما يعانونه، مما ألهم هذا المجتمع المقاوم مزيدًا من البسالة والثبات، وهو ما رأيناه في صور عديدة من صمود هذا الشعب الصابر أفرادًا، ورأيناه في صورة مشرقة جماعية من إصرار كثير من سكان شمال القطاع على عدم الانصياع للأوامر الإسرائيلية بالنزوح نحو الجنوب، وفقًا لخطة الجنرالات.
وفي ذات السياق، ألهمت خاتمته حتى غير العرب والمسلمين، إذ صوَّره مغردون يابانيون على أنه ساموراي، ليصبح السنوار أيقونة عالمية للفداء والنضال، لتجتاز تضحياته حدود الجغرافيا ، محولةً قصته إلى رمز عالمي يُعبِّر عن القوة والإصرار في وجه الظلم.
كل هذه العوامل السابق ذكرها تشير إلى أن تداعيات استشهاد السنوار، على المدى المتوسط والبعيد، ستكون غير مُواتية لإسرائيل، وستؤدي الضغوط المتزايدة على الجيش الإسرائيلي والقلق المتنامي في المجتمع الإسرائيلي من عدم القدرة على الانتصار على غزة إلى تفاقم الوضع، مما يجعل استراتيجيات الاحتلال في مواجهة المقاومة أكثر تعقيدًا.
من ناحية أخرى، يُتوقَّع أن تواصل الحركة الحفاظ على مكتسباتها وذلك باتخاذ موقف واعٍ يراعي عدم تقديم تنازلات في ملف الأسرى في أي صفقة تُطرح، بما يناسب تضحيات وبطولات هذا المجتمع المقاوم، والذي يعيش وضعًا إنسانيًّا صعبًا في غزة لا يمكن إغفاله، وهو وإن كان يُعدُّ التحدي الرئيس والأكثر صعوبة في المرحلة القادمة، لكنَّ المقاومة خلال معركة طوفان الأقصى قد أثبتت قدرتها على صمود وثبات عَزَّ نظيره، وعوَّدتنا تحقيق نجاحات مستمرة، وهو ما يجعلنا نستشرف نهجًا واعيًا في مسارها القادم.
علاء أبوبكر