خطة ترامب لا يراها السياسيون ولا العسكريون تحقق نصرا، ولكنها في سقفها الأعلى تمنع الهزيمة، وربما تكتفي فقط بتأجيل الهزيمة. الاستراتيجية الأمريكية الجديدة تهدف إلى الضغط على طالبان حتى تفهم أنها لن تنتصر في ساحة المعركة، مما يدفعها للقبول بالجلوس أمام الولايات المتحدة على طاولة المفاوضات، وتسهيل وجود طريق للمصالحة ومحادثات السلام وضمانها.
فبعد تردد طويل ومخاض عسير، أعلن الرئيس الأمريكي دونالد ترامب عن استراتيجية إدارته الجديدة تجاه الحرب في أفغانستان، وقد جاءت الخطة مغايرة لوعوده الانتخابية بالانسحاب من أفغانستان، لتؤكد على البقاء هناك حتى “تحقيق النصر”. وقال ترامب إن النصر الذي يعنيه هو:
- مهاجمة الأعداء
- القضاء على تنظيم الدولة
- سحق تنظيم القاعدة
- منع طالبان من السيطرة على أفغانستان
- وإيقاف الهجمات الإرهابية ضد الأمريكيين قبل حدوثها.
وحتى يحقق هذه الأهداف حدد ترامب في خطته أربعة محاور أساسية:
-
- زيادة عدد القوات الأمريكية في أفغانستان (ذكرت مصادر وزارة الدفاع لاحقا بأن الزيادة ستكون حوالي أربعة آلاف جندي)
-
- الضغط على باكستان لتتوقف عن إيواء ودعم الإرهابيين
-
- مطالبة الهند أن يكون لها دور أكبر في دعم اقتصاد أفغانستان
- عدم تحمل مسئولية بناء الدولة الجديدة في أفغانستان.
هل تتمكن الولايات المتحدة فعلاً من تحقيق “النصر” بهذه الخطة؟
أو على الأقل هل يمكنها “حلحلة” الوضع الحالي الذي تبدو فيه الحرب مفتوحة بلا نهاية منظورة؟
لا تبدو السياسة الأمريكية الجديدة مختلفة عما كانت عليه قبل مغادرة أوباما للبيت الأبيض، ويمكن تناول المحاور الأربعة للخطة الاستراتيجية الجديدة بشيء من التحليل:
أولا: زيادة عدد القوات
للولايات المتحدة الآن ٨٥٠٠ عسكري بأفغانستان، لكنهم لا يشتركون في عمليات قتالية منتظمة، وينحصر دورهم في التدريب والاستشارات العسكرية والدعم في حالات الطوارئ. وبجانب هؤلاء لم يبق من التحالف الذي أنشأته الولايات المتحدة عام ٢٠٠١ إلا حوالي ٥٠٠٠ عسكري من حلف الناتو. الزيادة المقترحة للقوات لا يتوقع أن تكون لها نتائج على موازين القوى على الأرض، فما لم تحققه قوات أمريكية تخطت المائة ألف (وكان معها أربعون ألفا من قوات التحالف) في أطول حرب دخلتها في تاريخها، لن تحققه هذه الزيادة الطفيفة في عدد القوات على الأرض، ولن توقف التراجع الواقع للقوات الحكومية الأفغانية أمام التمدد الذي تحققه قوات طالبان منذ ثلاث سنوات بحيث أصبحت نصف البلاد تقريبا تحت سيطرتها.
كيف وصل ترامب لقرار زيادة القوات؟
ظل ترامب قبل وأثناء ترشحه للرئاسة ضد الوجود الأمريكي في أفغانستان، ووصف الحرب في أفغانستان عدة مرات أنها “إهدار لأموال الولايات المتحدة” وأنها “كارثة تامة” وأن “الولايات المتحدة ينبغي أن تنسحب فورا من أفغانستان”، لكن كل هذا تغير مع مواجهة الحقائق بعد وصوله للرئاسة. وقد صرح عدة مسئولين بالبيت الأبيض[1] أن عملية اتخاذ قرار بشأن أفغانستان قد بدأت منذ شهور، وأنها تراوحت بين آراء متضادة أحدثت خلافات ضخمة في إدارة ترامب. وقد بلغت هذه الخلافات ذروتها في شهر يوليو باجتماع عاصف عبر فيه ترامب عن انزعاجه الشديد من عدم الوصول لقرار واضح، وهدد بأنه قد يضطر للانسحاب الكامل من أفغانستان، أو توكيل شركة أمنية خاصة للقيام بالمهام المطلوبة هناك (وتمت الإشارة إلى إسناد هذا الأمر إلى إريك برنس المؤسس لشركة الخدمات الأمنية المثيرة للجدل بلاك ووترز). في ذلك الاجتماع العاصف، انحاز وزير الدفاع جيمس ماتيس ومستشار الأمن القومي هربرت مكماستر إلى زيادة عدد القوات، بل وطالب مكماستر أن تصل الزيادة لعشرات الآلاف من الجنود، وكلا الرجلين جنرال سابق في الجيش الأمريكي بخبرة عملية في أفغانستان.
في المقابل حذر كبير مستشاري الاستراتيجية السابق ستيفن بانون من زيادة القوات، وأكد على التجارب التاريخية التي أثبتت أن أفغانستان دحرت كل القوات الغازية لها في نهاية المطاف. أجل ترامب اتخاذ قرار إلى شهر أغسطس. بعد إقالة بانون، أصبح الرأي الراجح هو زيادة القوات، وعزز هذا التوجه جون كيلي رئيس موظفي البيت الأبيض والذي فقد ابنا له في الحرب الأفغانية، وأكد مع الجنرالات الآخرين أن الانسحاب من أفغانستان ستكون له عواقب وخيمة وتداعيات خطرة على المنطقة كلها، وأنه سيسرع انهيار الحكومة الأفغانية، وسيراها حلفاء الولايات المتحدة تخليا عن حليف مهم في جهود التصدي للإرهاب. ويذكر في هذا الصدد أن مستشار الأمن القومي مكماستر أطلع ترامب على صورة فوتوغرافية ترجع إلى عام ١٩٧٢ من العاصمة الأفغانية كابول تظهر فيها فتيات أفغانيات يرتدين التنانير القصيرة، وأكد له أن العادات الغربية كانت موجودة في أفغانستان، وأنها يمكن أن تعود لها مرة أخرى.
ثانيا: الضغط على باكستان
استخدم الرئيس ترامب أسلوبا قاسيا في هجومه على باكستان ووصفها بأنها دولة “يجب أن تعلن التزامها بالحضارة والنظام والسلام” وتكف عن إيواء الإرهابيين، وهو ما يعني أنها دولة غير متحضرة. هذا الهجوم لا يتوقع منه استجابة من باكستان، والتي أعلن رئيس أركانها مباشرة عقب خطاب ترامب أن بلاده لا تؤوي إرهابيين، ثم أعلن رئيس الوزراء الباكستاني شهيد خاقان عباسي في بيان شديد اللهجة رفضه للاتهامات الأمريكية، واعتبرها هروبا من فشل السياسة الأمريكية التي تريد أن تجعل من باكستان كبش فداء لتلك السياسة.
لقد جربت الولايات المتحدة نفس الضغوط سابقا وأتت بنتائج عكسية، ففي عام ٢٠١١ أدلى مايك مولن رئيس الأركان المشتركة آنذاك بشهادته أمام الكونجرس وقال إن شبكة حقاني الأفغانية هي أخطر الشبكات الإرهابية وأنها تعمل بالتنسيق مع وكالة الاستخبارات الباكستانية. بعدها قامت وزيرة الخارجية حينها هيلاري كلينتون وبصحبتها مدير وكالة الاستخبارات الأمريكية ديفيد باتريوس بزيارة باكستان “للضغط بقوة على حكومتها لوقف تعاونها مع الشبكات الإرهابية” بحسب تصريح كلينتون وقتها. تلك التصريحات أثارت غضب باكستان، فقررت بعدها إغلاق طرق الإمداد التي تستخدمها القوات الأمريكية للوصول لأفغانستان لسبعة أشهر كاملة.
وقد صرح وزير الخارجية تيلرسون بأن بلاده ربما توقف أو تجمد مساعداتها لباكستان إن لم تتجاوب مع الطلبات الأمريكية (المساعدات الأمريكية تبلغ حوالي ٧٠٠ مليون دولار سنوياً كمساعدات عسكرية واقتصادية). هذا التصعيد السياسي ربما يؤدي لنتائج عكسية، كما يقول مايكل كوجلمان نائب رئيس البرنامج الآسيوي لمركز ويلسون “إن فكرة النفوذ الأمريكي على باكستان مبالغ فيها للغاية، ومهما بلغت العقوبات أو التهديدات الأمريكية فإن السياسة الباكستانية لن تتغير، حيث إن لها مصالح استراتيجية صلبة في الحفاظ على علاقتها بطالبان لأنها تمثل رادعا للنفوذ الهندي في أفغانستان”[2].
أما في باكستان فقد وحدت الخطة الأمريكية الحكومة والمعارضة في رفضها، وخرجت مظاهرات كبيرة في المناطق الحدودية وفي إسلام آباد حاملة لافتات ضخمة موحدة “قولوا لا لأمريكا”. وقد قام وزير الخارجية الباكستاني خواجة عاصف بإلغاء رحلة كان على وشك أن يقوم بها إلى واشنطن، وأعلن أنه رتب بدلا عنها زيارة إلى الصين وروسيا وتركيا، وطلبت وزارة الخارجية الباكستانية من أليس ويلز المسئولة الرفيعة بوزارة الخارجية الأمريكية تأجيل زيارتها الوشيكة إلى باكستان إلى أجل غير مسمى. وقد عبر وزير الخارجية الباكستاني عن موقف بلاده بمرارة وقدم صورة معاكسة للرؤية الأمريكية، وقال إن الجنود الأفغان كانوا يبيعون الأسلحة الأمريكية إلى مقاتلي حركة طالبان.
وأشار عاصف – فى تصريحات تلفزيونية نقلتها صحيفة (ذا نيوز إنترناشونال) الباكستانية [3]– إلى أن 90% من الهجمات على باكستان تم تنفيذها من الجانب الأفغاني، وتابع أنه إذا كانت الولايات المتحدة تفتقد الثقة في باكستان، فإن عليها إعادة توطين الملايين من اللاجئين الأفغان، وإن مئات البلايين من الدولارات التي أنفقتها الولايات المتحدة في أفغانستان، إذا أنفقت عدة بلايين منها لاستقرار الأوضاع في أفغانستان، لتغيرت الأحوال على الأرض، ولعاد ملايين اللاجئين الأفغان من باكستان (باكستان تؤوي حاليا ١.٤ مليون لاجئ أفغاني على أراضيها بحسب إحصاء الأمم المتحدة – مايو ٢٠١٧)
وأكد عاصف، أن السلام الذي يعد في مصلحة باكستان يمكن استعادته في أفغانستان، لافتًا إلى أن نحو 200 ألف جندي باكستاني تم نشرهم للتعامل مع الإرهاب.
ويرى مراقبون أن التصعيد الأمريكي ضد باكستان ربما يدفعها لمزيد من التقارب مع روسيا والصين وإيران، مما يعقد المشهد أكثر ويضعف النفوذ الأمريكي في المنطقة برمتها. واللافت هنا أن الصين سارعت بالدفاع عن سياسة باكستان، وأصدرت الخارجية الصينية بيانا تعرب فيه عن أسفها لهجوم الرئيس الأمريكي على باكستان، وقالت إن باكستان تقف في مقدمة الدول المحاربة للإرهاب وأنها قدمت تضحيات عظيمة في هذه الحرب وأن الصين تطالب المجتمع الدولي بالاعتراف بالجهود المهمة التي تبذلها باكستان في هذا الصدد”.[4] هذا الاستعداء لباكستان في الملف الأفغاني من شأنه عرقلة الجهود الأمريكية، لأنه من الصعب دعم الحكومة الأفغانية بمعاداة جيرانها المؤثرين خاصة باكستان وإيران. وعلى ذكر القوى المؤثرة، فإن الدول العربية لا يبدو لها تأثير يذكر الآن على الساحة الأفغانية، وحتى السعودية التي كانت مؤهلة لدفع التقارب بين الحكومة الأفغانية وطالبان بما لها من ثقل إسلامي لدى الطرفين، فإنها وتحت وطأة أزمتها مع قطر هاجمت – ولأول مرة – حركة طالبان على لسان القائم بالأعمال في السفارة السعودية بكابول مشاري الحربي حيث صرح لإذاعة “بي بي سي” البريطانية بأن طالبان حركة إرهابية، وأن مكتب طالبان السياسي في قطر يعمل خارج اختصاصاته السياسية وأن قطر تدعم المنظمات الإرهابية الأخرى، بما فيها حركة طالبان الأفغانية. [5]
ثالثا: مطالبة الهند بلعب دور أكبر في أفغانستان
كرر ترامب طلبه من الهند – التي تربح بلايين الدولارات من تجارتها مع الولايات المتحدة على حد وصف ترامب – أن تزيد من إسهامها في إعادة بناء أفغانستان وأن تلعب دورا أكبر في استقرارها. هذه المطالبة ستراها باكستان استفزازية لمصالحها ولعدائها التقليدي مع الهند، وستزيد من حالة التوتر بين الجارتين النوويتين في حالة استجابة الهند لهذا النداء الأمريكي. إن زيادة الدور الهندي في أفغانستان من شأنه أن يزيد باكستان تمسكا بموقفها، لأن آخر ما تريده هو رؤية تصاعد النفوذ الهندي على حدودها الغربية.
الهند من جانبها بادرت بالترحيب بالإدانة الأمريكية لإيواء باكستان للإرهابيين وتوفير ملاذات آمنة لهم، وفي نفس الوقت – وبحماسة أقل – أعربت عن استعدادها لزيادة إسهامها في مساعدة الحكومة الأفغانية في جهود التنمية والإعمار. الهند التي تريد إرضاء الشريك الأمريكي المهم، لن تستطيع تقديم مساعدات اقتصادية تحقق نقلة كبيرة في استقرار أفغانستان، وقد ذكرت وزارة خارجيتها بأنها بالفعل قدمت بليوني دولار منذ اندلاع الحرب الأفغانية في ٢٠٠١. لا تريد الهند استقواء الجماعات المسلحة في أفغانستان وكلها تقريبا تحمل عداوات تقليدية للهند، لكنها في نفس الوقت لا تريد احتقان علاقاتها أكثر مع باكستان، ولن تكون بالتأكيد هي من يتحمل فاتورة تخبط السياسة الأمريكية في أفغانستان.
رابعا: تخلي الولايات المتحدة عن أعباء بناء الدولة الجديدة في أفغانستان
وهي ذات السياسة التي أعلنها أوباما من قبل (وبنفس الكلمات والعبارات بالضبط) فليس فيها جديد، اللهم إلا مزيدا من خفض أي إسهامات أمريكية في إعادة بناء أفغانستان بعد حرب مستمرة منذ ستة عشر عاما، فالمنتظر من سياسة ترامب المعلنة بأن “أمريكا أولا” أن تخفض من إنفاقها المتراجع أصلا في أفغانستان (من سقفه الأعلى ١٤ بليون دولار في ٢٠١١ إلى ٣ بليون في ٢٠١٥ ثم إلى أقل من ٢ بليون في ٢٠١٦)[6].
في عام ٢٠١٤ كتب الكولونيل روبرت كاسيدي تحليلا مطولا في نشرة القوات المسلحة الأمريكية [7] تحت عنوان (أفغانستان أم طالبانستان ؟) وتوصل إلى سيناريوهين متأرجحين بين تماسك الحكومة الأفغانية أو اجتياح طالبان للمدن الكبرى، ورهن كل احتمال بقدرة الغرب على مواصلة دعم الحكومة الأفغانية وتدفق المساعدات التنموية لها، والقدرة على كبح الدعم الباكستاني لطالبان. لقد أصبحت من المعطيات الأساسية في الحرب الأفغانية أنها لن تصل إلى حل أمريكي إلا عبر تدفق المساعدات الاقتصادية الكافية لأن يشعر المواطنون الأفغان بأن لهم مستقبلا مع حكومتهم المدعومة أمريكيا. إذا أرادت الولايات المتحدة دعم الجيش الأفغاني بالتدريب والمستشارين العسكريين وفي نفس الوقت سحب دعمها لبناء البلاد، فإن الأمرين لا يجتمعان في سياسة ناجحة. الشعب الأفغاني لن يتعاطف مع الجيش الحكومي بل مع بناء دولته ومؤسساته المنهارة. حتى شرائح الشعب التي تكره طالبان فإن غالبيتهم يكرهون الحكومة أكثر!
إن تأكيد ترامب أنه ترك الملف الأفغاني بين يدي البنتاجون، وأنه استمع طويلا لرأي الجنرالات على الأرض، هو شرط مهم لسياسة ناجحة ولكنه شرط غير كاف لأنه يحقق رغبة العسكريين في تجنب خسارة الحرب ولكنه لا يحقق الأهداف السياسية الأمريكية بكل تأكيد.
خلاصة:
ستة مؤشرات يمكن قراءتها من الخطة الاستراتيجية الأمريكية الجديدة للحرب في أفغانستان:
-
- خطة ترامب لا يراها السياسيون ولا العسكريون تحقق نصرا، ولكنها في سقفها الأعلى تمنع الهزيمة، وربما تكتفي فقط بتأجيل الهزيمة. فقد صرح وزير الخارجية تيلرسون بعد إعلان الخطة بأيام قليلة أن “الولايات المتحدة منفتحة على التفاوض مع طالبان بلا شروط مسبقة، وأن الدافع إلى هذا الجهد برمته (أي الاستراتيجية الجديدة) يهدف إلى الضغط على طالبان حتى تفهم أنها لن تنتصر في ساحة المعركة”، وقال “قد لا ننتصر نحن، ولكنكم لن تنتصروا أنتم أيضًا”. وأضاف: “في مرحلة ما، يتعين علينا أن نجلس إلى طاولة المفاوضات، ونجد طريقة لإنهاء الصراع. نحن هناك لتسهيل وجود طريق للمصالحة ومحادثات السلام وضمانها. ونحن نعتقد أن هناك بعض العناصر المعتدلة في طالبان”[8].
-
- العسكريون الأمريكيون على الأرض بدورهم يرون وعد ترامب بالنصر في هذه الحرب، مجرد وعد دعائي يعلم أنه بعد ستة عشر عاما من الحرب لن يستطيع أن يحققه. لذلك لم يكن مستغربا بعد يومين فقط من إعلان ترامب لخطته الاستراتيجية، أن يعقد قائد القوات الأمريكية في أفغانستان الجنرال جون نيكلسون وهوجو لورنز المسئول الرفيع بالسفارة الأمريكية في كابول مؤتمرا صحفيا مشتركا أكدا فيه على أهمية التوصل لتسوية سياسية مع حركة طالبان لإنهاء الحرب، وعلى أهمية مشاركة طالبان في عملية إعادة بناء البلاد التي مزقتها الحرب الطويلة الأمد. وأما تكرار بعض القادة السياسيين لتصريحات ترامب المشجعة، فدعائية أيضا، ومنها تصريح بول برايان رئيس مجلس النواب الأمريكي تعليقا على الخطة، بأن الولايات المتحدة لن تعطي طالبان أبدا موعدا لمغادرة القوات الأمريكية لأفغانستان لأن هذا سيعطيها الفرصة للانتظار حتى موعد رحيل القوات، هو في الحقيقة تصريح مكرر وغير ذات تأثير على الأرض لأن طالبان ببساطة يمكنها دائما الانتظار لأنها بلادها وتنتظر على أرضها بخلاف القوات الأجنبية. وهناك مقولة جيدة لقائد عسكري أمريكي شارك في الحربين الكورية والفيتنامية هو هاري سامرز ذكرها في كتابه (عن استراتيجية الحرب في فيتنام) حيث قال في مقدمة الكتاب: “قلت لضابط من فيتنام الشمالية في عام ١٩٧٥ وقبل سقوط سايجون: لتعرف أنكم لم تنتصروا علينا في جبهات القتال، فرد الضابط الفيتنامي: ربما، لكن لا أهمية لهذا”. يقول سامرز: “كل قوة محلية مقاتلة مركوز في عظامها أن القوى الأجنبية سترحل يوما ما”.[9]
-
- وهنا يبقى تساؤل مهم: لماذا غير ترامب وعده الانتخابي خاصة وأن الواضح أن خطته لن تحقق شيئا يذكر، وهو قد قال في إعلانه للخطة “إحساسي الغريزي الأصلي كان الانسحاب من أفغانستان، وتاريخيا أحب اتباع إحساسي الغريزي، ولكن القرارات تصبح مختلفة كثيرا عند الجلوس في المكتب البيضاوي بالبيت الأبيض”. ألم يكن حريا بترامب وهو رجل الأعمال وصاحب الخبرة التجارية الكبيرة أن يستجيب لإحساسه الغريزي وألا يتجاهل النصيحة التي غالبا ما يقدمها أساتذة الأعمال أن “التكلفة الغارقة” – المال والجهد الذي أنفقته سدى – لا تبرر في حد ذاتها المزيد من الاستثمار؟. نعتقد أنه يعرف هذا وأكثر ولكن الرجل ربما لم يرد أن يكون الرئيس المنسحب من أرض المعركة أو أن تلتصق باسم إدارته وصمة عار الهزيمة، وأنه يمكنه تجنب هذه الخسارة “السياسية” الكبيرة بتكلفة زهيدة من زيادة قليلة للقوات مع خفض المساعدات الاقتصادية وتحميل عبء ذلك إما على الهند أو على التبرير بفساد الحكومة الأفغانية. لذلك يمكن القول إن خطة ترامب “الجديدة” لا تبدو معها نهاية للحرب الأفغانية (ولا للتورط الأمريكي فيها)، وإنما هي ترحيل لحل الأزمة إلى ظروف تكون أفضل للانسحاب الكلي من المستنقع الأفغاني. ويمكن صياغة هذا الاستنتاج أيضا بأن خطة ترامب هي ترجمة حقيقية لإفلاس السياسة الخارجية الأمريكية تجاه الوضع الأفغاني بحيث لم يبق أمامها إلا إعادة تجربة قد أثبتت فشلها من قبل. في نفس الوقت فإن إدارة ترامب محقة في رفض فكرة الانسحاب الكامل من أفغانستان، للأضرار البالغة التي ستلحق بالولايات المتحدة خاصة مع تزايد الشكوك الأوروبية في فكرة الاعتماد على الحليف الأمريكي وتصاعد أصوات تدعو إلى أن تعتمد أوروبا على نفسها فقط في الدفاع عن مصالحها وأمنها.
-
- خطة أفغانستان الجديدة تلقي الضوء على الطريقة التي يتخذ بها ترامب قرارات كبرى، واتضح منها أنه يحمل توقيرا وتقديرا وإعجابا بجنرالات الجيش أكثر من تقديره لآراء وأحكام السياسيين والمستشارين الآخرين، وأن هذا الميل الشخصي ربما يجنح به بعيدا في قضايا استراتيجية أكثر تعقيدا كالنزاع المتصاعد الآن مع كوريا الشمالية. هذه الميول يصفها ويؤكدها صديق ترامب المقرب وواحد من أهل ثقته في الدائرة الضيقة المحيطة به، توماس باراك في تصريحات له عقب الإعلان عن الخطة الاستراتيجية الجديدة للحرب في أفغانستان.[10]
-
- إذا صحت التصريحات الأمريكية المتكررة حول دور باكستان في الحرب الأفغانية ودعمها لحركة طالبان، فإنها تعطي مؤشرا بأن الدول النامية يمكنها أن تحقق مصالحها الاستراتيجية التي تراها إذا تمتع قرارها السياسي بالاستقلالية وعدم التبعية، وإذا أدركت عوامل القوة والضعف الجيوسياسية المحيطة بهذه القرارات.
- الدول العربية لم يصبح لها دور يذكر في القضية الأفغانية، برغم المشاعر الدافئة التي يحملها الأفغان – على طرفي الأزمة – لها، وذلك إما لضعف الاهتمام العربي، أو لانصرافها التام وانكفائها على مشاكلها الداخلية.
[1] https://www.washingtonpost.com/politics/its-a-hard-problem-inside-trumps-decision-to-send-more-troops-to-afghanistan/2017/08/21/14dcb126-868b-11e7-a94f-3139abce39f5_story.html?utm_term=.66ea67ccbb0f
[2] http://edition.cnn.com/2017/08/21/politics/trump-afghanistan-pakistan-india/index.html
[3] https://www.thenews.com.pk/latest/226045-Taliban-operate-from-Afghanistan-no-basis-in-Pakistan-Asif
[4] https://tribune.com.pk/story/1488053/world-responds-trumps-new-afghan-strategy/
[5] http://www.albawabhnews.com/2653247
[6] موقع المنح الأمريكية https://explorer.usaid.gov/
[7] http://armedforcesjournal.com/afghanistan-or-talibanistan/
[8] Charlie May, “Rex Tillerson undercuts Trump on Afghanistan: “We may not win”,” Salon, August 22, 2017, accessed on 29/8/2017, at: http://bit.ly/2wwgTv9
[9] http://articles.latimes.com/1991-02-23/news/mn-1502_1_vietnam-war
[10] https://thinkprogress.org/pentagon-has-been-underreporting-the-number-of-u-s-troops-in-afghanistan-by-thousands-5828d61ca666/١٧