في هذه الدراسة نستعرض ملامح التيار المدخلي، ونركز على جنوحه إلى التورط في النزاع المسلح في كل من اليمن وليبيا، مع قراءة في هذا التحول الهائل في مسيرته.
مدخل
تعد بداية الظهور العلني للتيار المدخلي في المملكة العربية السعودية إبان حرب الخليج الثانية 1991م. وقد ظهر في المدينة المنورة علي يد محمد أمان الجامي (1930-1996)، لذلك يطلق البعض على التيار اسم “الجامية”، وتطور ليصبح بصورته الحالية على يد ربيع بن هادي المدخلي (١٩٣١م- ) بصورة أساسية، وإليه يُنسب التيار (المدخلي)، ويُعد الشخصية الأبرز والمرجعية الأكبر لهذا التيار، ولا يزال يؤلف ويعقد المجالس بالمدينة المنورة ويؤثر في أتباعه.
وَفَد الجامي ذو الأصول الإثيوبية إلى السعودية للحج سنة 1949م واستقر فيها، ثم عمل مدرسًا بالمعهد العلمي في “صامطة” بمنطقة جازان، قبل أن ينتقل للتدريس في الجامعة الإسلامية والمسجد النبوي بالمدينة المنورة. ومن أبرز تلامذته ربيع بن هادي، ومقبل بن هادي الوادعي.
وقد برز التيار المدخلي كفكر مضاد لـ”دعاة الصحوة” بالسعودية، الذين استنكروا الاستعانة بالقوات التي تقودها الولايات المتحدة الأمريكية في محاربة العراق، باعتباره شعباً مسلماً
وقد برز التيار المدخلي كفكر مضاد لـ”دعاة الصحوة” بالسعودية، الذين استنكروا الاستعانة بالقوات التي تقودها الولايات المتحدة الأمريكية في محاربة العراق، باعتباره شعباً مسلماً؛ فواجه المدخليون دعاة الصحوة قائلين بمشروعية دخول القوات الأجنبية السعودية والاستعانة بها ضد العراق، وكان هذا توجه العلماء الرسميين أيضاً، وحذّر المدخليون من رموز الصحوة وأبرزهم كان سلمان العودة، ومحمد سعيد القحطاني، وعائض القرني وسفر الحوالي.
الأمر الآخر الذي جعل التيار المدخلي يحذر من “دعاة الصحوة” هو اهتمامهم بالشأن السياسي الدولي والمحلي، وتبنيهم لأفكار الأستاذ سيد قطب، مما جعل المدخليين يطلقون عليهم لقب “قطبيين”.
ثم تطور التيار بعد ذلك ووسع من دائرة نقده ليشمل أي معارضين إسلاميين للسلطة داخل السعودية أو خارجها، سواء جماعات أو أفراد، وحجتهم أنهم “خوارج” لأنهم يخرجون على “ولي الأمر” بالقول (النقد العلني) والمظاهرات والمعارضة عموماً، فيحرضون الناس على الخروج بذكر مساوئ الحكومات في العلن، مما يؤدي إلى “الفتن”، وهذا ليس منهج أهل السنة والجماعة والسلف، من وجهة نظرهم.
ولم يكتفِ التيار المدخلي بتبديع المعاصرين من الدعاة والعلماء، بل ركز نقده أيضاً على أدبياتهم ومراجعهم الفكرية، ككتب سيد قطب وأبي الأعلى المودودي على سبيل المثال، لما تحويه من اهتمام سياسي.
وظل التيار داخل هذا الإطار من التعبير عن الرأي دون أي مشاركة سياسية، ولو بالتعليق على الأحداث السياسية، فضلاً عن المشاركة النيابية أو المنافسة الحزبية، أو التظاهرات… إلخ.
وعملياً ليس بين عناصره ارتباطات تنظيمية ظاهرة للعيان كما لا توجد له زعامة موحدة بل زعامات كثيرة متنوعة، يتقارب بعضها وتجتمع في بعض المسائل ويحصل بينها افتراق واختلاف أحيانًا قد يصل إلى حد القطيعة، وإنما يجمع عناصر هذا التيار تشابه المنهج في التعامل مع المخالف ومحاولة احتكار التسمي بالسنة والسلفية وتضليل بقية التيارات، والحث على طاعة ولاة الأمور وعدم الخروج عليهم مهما فعلوا لأن هذا يثير الفتن ولا يتفق مع منهج السلف.
ووقف التيار المدخلي في البلاد العربية موقفاً حازماً ضد ثورات الربيع العربي وحرّم المشاركة فيها بكل صرامة([1])، أفتى الشيخ ربيع المدخلي بحرمة الثورات إبانها على موقعه الرسمي.
لكن بعد الثورات بأشهر قليلة بدأ التيار المدخلي في الظهور السياسي بصورة تدريجية، حتى وصل إلى الانخراط في العمل المسلح في بعض البلدان، الأمر الذي نستعرض ملامحه فيما يلي.
أولًا: اليمن
المؤسس
يعد الشيخ مُقبل بن هادي الوادعي (ت: ٢٠٠١) مؤسس السلفية المعاصرة في اليمن، ومن أهم رؤوسها على الإطلاق في زمننا القريب، جنباً إلى جنب الشيخ الألباني وابن باز وابن عثيمين وباقي تلك الأسماء الكبيرة على الصعيد المرجعي السلفي.
وهو يشكل في الوقت نفسه بداية تأثر بالفكر المدخلي في اليمن، لما اتصف به من حدة شديدة على مخالفيه، وتوسُّع في رمي أصحاب الأفكار المخالفة له بالوقوع في “البدعة” ووصفهم بالألفاظ القوية( 2)، ولحثه على طاعة ولي الأمر “علي عبد الله صالح”، لكن الشيخ مقبل قد انشغل أحياناً بأمور السياسة، فانتقد رؤوس النظام السوري والمصري والتونسي على سبيل المثال نقداً لاذعاً، الأمر الذي فعله أيضاً مع النظام السعودي، ولكنه تراجع عن الأخير في آخر حياته.
درس الوادعي في الجامعة الإسلامية بالمدينة المنورة، وتأثر هناك بمبادئ الدعوة الوهابية والسلفية، وهو الرجل ذو النشأة الزيدية، وأسس لاحقاً دار الحديث في “دَمَّاج” بمحافظة “صَعْدة” باليمن، وبعد علاقة حسنة لم تستمر طويلاً مع “التجمع اليمني للإصلاح” – وهم الممثلون لفكر جماعة الإخوان المسلمين في اليمن – هاجمهم الوادعي واتهمهم بالحزبية العصبية، والتساهل الفقهي في إجازة التصوير (الفوتو جرافي) ومشاهدة التلفاز، وأنهم ليسوا من أهل العلم بل ينفرون من العلم وطلابه، وألف الوادعي كتاب “المخرج من الفتنة” لنقد الإخوان المسلمين بحدة بالغة(3 ).
أسس بعض تلاميذ الوادعي جمعية الحكمة اليمانية الخيرية في أوائل التسعينيات، فهاجمهم شيخهم، ثم انشق بعض مؤسسي الحكمة ليؤسسوا جمعية الإحسان الخيرية(4)، فهاجمهم أيضاً الوادعي بالرغم من بقائهم داخل الإطار السلفي الفكري.
وقد جمعت بين الوادعي والشيخ ربيع بن هادي المدخلي علاقة وثيقة ودية علمية، حكت بعض تفاصيلها زوجة الوادعي في كتابها عن حياته(5).
وقد انتقلت المنهجية في التعامل مع “المخالف” من الوادعي إلى طلابه المنتمين إلى بلاد مختلفة، مقترنة بمنهج التعامل مع “ولاة الأمور” والذي يتمثل في السمع والطاعة لهم، مما جعلها بيئة خصبة لنمو الفكر المدخلي.
سار الحجوري على درب الوادعي، بل وتجاوزه بخطوات واسعة في “التجريح” و”التبديع” لرفاقه في المنهج السلفي قبل غيرهم من الجماعات والشخصيات الأخرى، ورسخ الحجوري في دعوته وجوب طاعة ولي الأمر وحرمة منازعته والخروج عليه
الخليفة
بعد وفاة الوادعي (٢٠٠١م) خلفه تلميذه المقرب يحيى بن علي الحجوري، وذلك بناء على وصية الوادعي بأن يخلفه الحجوري على كرسيه في دار الحديث، واصفاً له في وصيته بأنه “ناصح أمين”(6).
سار الحجوري على درب الوادعي، بل وتجاوزه بخطوات واسعة في “التجريح” و”التبديع” لرفاقه في المنهج السلفي قبل غيرهم من الجماعات والشخصيات الأخرى، ورسخ الحجوري في دعوته وجوب طاعة ولي الأمر وحرمة منازعته والخروج عليه، ووقف موقفاً صارماً ضد الثورة اليمنية فبراير ٢٠١١، فهاجم مَن يطالبون بتنحي علي عبد الله صالح من العلماء والمتظاهرين، وأكد أن معظم الشعب يحب الرئيس(7).
في وقت مضى كان الحجوري يصف المدخلي بأنه “إمام الجرح والتعديل” في هذا العصر، ولكن بعد سنوات أصبح المدخلي “أحد المتآمرين على الدعوة السلفية في اليمن” كما صرح الحجوري نفسه، وأصبح الحجوري عند المدخلي أضر شخص على الدعوة السلفية، بعد أن كان المدخلي يثني عليه ويكيل له المديح سابقاً.
وهذا الانشطار السريع في العلاقات المدخلية/المدخلية، هو علامة مميزة لهذا التيار عموماً، وليس في اليمن وحدها، فربيع المدخلي الذي كان يثني على القيادي المدخلي/ فالح الحربي لم يجد أي غضاضة في أن يؤلف كتاباً كاملاً في الحُكم عليه بالبدعة ومخالفة السنة، والعكس صحيح أيضاً، ففالح الذي كان يرى في ربيع المدخلي إمام السنة في هذا الزمان، انقلب عليه ورماه بالخروج عن دائرة أهل السنة.
بعد ثورة فبراير، تزايدت تدريجياً تعليقات الحجوري على الأحداث السياسية في اليمن، ولم تخرج عن الأجندة الإماراتية والسعودية في معظمها؛ فهاجم دولتي قطر وإيران ووصفهما بأنهما “أشد المنافقين في هذه الأزمنة”، وأن قطر “تخدم المنافقين والكافرين بأموالها وجهودها ونفسها، وتطبع الكتب وهي تنخر في الإسلام وتفت في عضده بشتى الأفكار”.
وعلق على الوضع الليبي رابطاً إياه برابط قطر أيضاً؛ فنسب إليها أن “لها الفضل في ضرب ليبيا وكذلك في فتنة اليمن وكثير من الفتن”.
ثم تعدى الأمر مجرد التعليق العادي، إلى أن أفتى الحجوري أبناء محافظة (أبين) بأنه إذا تم الاعتداء عليهم من قبل مسلحي تنظيم (قاعدة الجهاد) فإنه يجوز لهم أن يردوا عليهم، وأنه لا يجوز لأي شخص أن يرفع السلاح على جنود الجيش الذي يقاتل ضد القاعدة(8).
ورأى خليفة الوادعي وجوب محاربة الحوثيين وقاد الحرب بنفسه، هو وطلبته في مواجهات متعددة مع الحوثيين، انتهت بسيطرة الحوثيين على دمّاج مقر دار الحديث التي يرأسها الحجوري، ونسف الحوثيون دار الحديث التي استمرت سنوات عدة كمركز ضخم للتيار المدخلي في اليمن يتوافد عليه الطلاب من كل العالم، وقُتل من تلاميذه العشرات وقتل ابنه في المواجهات، وهُجّر الحجوري وكثير من طلبته وأُخرجوا من دماج كلها مطلع عام ٢٠١٤م.
وتجدر الإشارة إلى أن الحجوري يقيم في أراضي المملكة منذ تهجيره من دماج.
كتيبة أبي العباس
“تعلمنا أن الجهاد يكون تحت راية من ولّاه الله أمرنا، وقد فعلنا وقاتلنا تحت راية فخامة رئيس الجمهورية الوالد عبد ربه منصور هادي”.
هكذا لوّح الشيخ المدخلي/ عادل عبده فارع (وكنيته: أبو العباس) منشئ كتائب أبي العباس السلفية أو “حماة العقيدة” بـ (تَعْز) بإنهاء دوره في القتال، بعد تصنيفه من قبل السعودية والإمارات في قائمة الداعمين للإرهاب.
درس أبو العباس في “دار الحديث” وتتلمذ على يد الوادعي والحجوري، وظل مع الحجوري حتى أُخرج ضمن من أخرجوا من دماج، إلى أن استقر في تعز، منشئاً فيها حركة مسلحة لقتال الحوثيين.
أمدت الإمارات والسعودية أبا العباس بأحدث المعدات العسكرية التي لا تتوفر عند أي فصيل آخر في تعز، وهو المسؤول المالي للتحالف العربي أيضاً في تعز، ومن خلاله تتدفق أموال التحالف لبقية الفصائل.
لذلك عدّ مراقبون وضعه مؤخراً على قائمة الإرهاب السعودي والإماراتي من قبيل الاستباق الإعلامي لا أكثر، حتى لا تتهم الدولتان بدعم حركة سلفية مسلحة.
لقد أفرزت الثورة اليمنية، ثم الحرب القائمة بين قوات التحالف العربي والمقاومة من جهة والحوثيين وعلي عبد الله صالح من جهة أخرى، صعودًا جديداً للتيار المدخلي المسيس والمسلح، فظهرت كتائب أبي العباس بقيادة الرجل المعروف برفضه للحزبية وللسياسة والديمقراطية وتمسكه بالولاء لعلي عبد الله صالح وتجريمه الخروج عليه ومعاداته لثورة فبراير ٢٠١١.
استقر أبو العباس في تعز جامعاً تحت إمرته مقاتلين من أفكار شتى، وقد أثبت حضورًا مهمًا في القتال ضد الحوثيين، واستطاع تحرير مناطق في تعز من أهم نقاط تمركز الحوثيين.
وبعد 6 شهور من الحرب في تعز فرض أبو العباس نفسه في الجبهة الشرقية بتعز وأقام مراكز شرطة وقضاء للفصل في المنازعات، ونجح وجماعته في كسر حصار الماء على تعز. وقد مكنه ذلك النشاط المتصاعد من الحصول على دعم خليجي مباشر بعد أن كان الدعم يأتي له عن طريق قيادات “التجمع اليمني للإصلاح”.
في ٢٠١٥ خرج وزير الدولة للشؤون الخارجية في دولة الإمارات العربية المتحدة بتصريح صحفي هاجم فيه حركة الإخوان المسلمين ممثلة بحزب الإصلاح، واتهم الإصلاح بالتآمر وتعطيل عملية تحرير تعز، وفي ذات التصريح أشاد بالجبهة الشرقية ودورها القتالي، في إشارة عالية المستوى لجبهة أبي العباس السلفية(9).
ورأى باحثون أن السعودية والإمارات تسعيان إلى الاستفادة من تجربة إيران في اليمن في دعمها للحوثيين، وستقدم الدعم السخي للمداخلة، إلى جانب مشايخ القبائل والشخصيات ذات التأثير المجتمعي، فدعمهما لهم لن يثير حساسية عندهما لأنهم ليس لديهم مشروع سياسي سلطوي، ولأنهم رهان السعودية والإمارات في الحرب على “الإرهاب” بجنوب اليمن.
ووصف أبو العباس علاقته بالإمارات بأنها تأتي في إطار “التحالف العربي”، وأنها -أي الإمارات- تهدف إلى مساعدة اليمن ولا تحمل عداوة لحزب الإصلاح، ولكنها اكتشفت أنه لا يرغب في التحرير، بعد أن كانت تدعمه في البداية، يعني الإصلاح.
أما عن العلاقة بالسعودية، فأشار إلى لقائه بالأمير فهد بن تركي، الذي وصفه بالمتواضع، والمقدِّر لجهود أبي العباس وجماعته في تعز، وحرص الأمير على تخليص اليمن من الفكر الرافضي -وفق تعبير أبي العباس-. أما الزعيم الملهِم له، فذكر الملك سلمان بن عبد العزيز على مستوى الخارج، والرئيس السابق، علي عبد الله صالح، على مستوى الداخل، مؤكدًا -في الوقت ذاته- رفضه لثورة 11 فبراير، بوصفها كانت خروجًا على ولي الأمر -حينذاك- أي صالح، معلنًا رفضه للديمقراطية، مع إعلانه طاعة ولي الأمر، الرئيس هادي، كجزء من المنهج السلفي -وفق تعبيره-(10) .
وقد ألقت الرواسب العدائية المنهجية مع جماعة الإخوان المسلمين بظلالها على كتائب أبي العباس، وظهر هذا من خلال الاشتباكات التي تحدث من حين لآخر مع التجمع اليمني للإصلاح، وكذلك في اتهامات أبي العباس للإصلاحيين بأنهم “قطاع طرق” و”مختلسون لأموال التحالف”.
هاني بن بريك.. الوزير المدخلي
“وبالنسبة للأخ هاني بن بريك، فبيننا ارتباط من قبل أن يصبح وزيرًا، وهو يتواصل مع بعض الإماراتيين لجمع معونات للجبهة”(11).
هكذا صرح أبو العباس عن صديقه الشيخ هاني بريك.. صاحب النفوذ الأمني الأول في عدن، والذي يعد أول شخص من التيار المدخلي يعين وزيرًا، قبل أن يعزله رئيس اليمن هادي عبد ربه منصور في أبريل من العام الجاري.
تتلمذ بريك على يد الوادعي في دار الحديث بدماج، وعين وزيراً العام السابق لما أثبته من نشاط في قتال الحوثيين وقوات صالح (بعد أن كان يدين له بالطاعة) ولشعبيته المتنامية كمقاوم لهم، وللسبب الأهم وهو علاقاته الوطيدة مع دولة الإمارات والتي حدثت بعد دوره البارز كنائب رئيس المقاومة الشعبية بعدن، قبل إخراج الحوثيين منها.
وقد أثنى عليه ربيع المدخلي قائلاً إنه “من خيار السلفيين، ومن خيار الدعاة إلى الله تبارك وتعالى، وله نشاط في غير اليمن، في المملكة، وفي تركيا، وفي الشام وفي غيرها، لا يدعو إلا إلى المنهج السلفي بارك الله فيكم فأنا أنصح بالدراسة عليه”(12).
بعد “تحرير” عدن أواخر عام ٢٠١٥، صرح بريك بأنه لن يسعى لسلطة أو يكون أمير حرب وسيعود إلى مسجده ومنبره لينشغل بالدعوة والتعليم، وهو الأمر الذي لم يفِ به؛ بل فعل ضده تماماً(13).
يقود بريك قوات “الحزام الأمني” في محافظة عدن، والتي أسستها وتدعمها الإمارات فيما يشبه الجيش المصغر للسيطرة الأمنية على عدن، وبعض المراقبين يرى أن بريك هو حاكم عدن الفعلي؛ فهو المتحكم الوحيد بمداخل عدن ويجمع تحت قيادته ١٢ ألف مقاتل، ولا يأتمر بأوامر الحكومة فيما لا يروق له، فقد كان يرفض مثلاً أوامر وزير الداخلية حسين عرب ورئيس الوزراء بن دغر، ووصل الأمر إلى تجاهل رئيس الجمهورية، كما عرف بدعواته المتكررة إلى انفصال الجنوب.
وقابل ابن بريك إقالة منصور له بالانضمام إلى “المجلس الجنوبي الانتقالي في عدن” الذي يتجمع فيه دعاة الانفصال الجنوبي، وصار بريك نائبًا لرئيسه اليساري عيدروس الزبيدي، وقاد ابن بريك في مايو من العام الجاري تظاهرة احتجاجية كبيرة تلوح بالانفصال.
وهنا يظهر التناقض الشديد في منهج بن بريك، فأفعاله العصيانية والانفصالية، تتعارض كلياً مع ركن أساسي في الفكر المدخلي، وهو طاعة ولي الأمر، والذي هو في حالته عبد ربه منصور.
على صعيد آخر، تحول الخلاف الفكري لبريك بصفته مدخلياً، مع دعاة وعلماء آخرين، إلى تحرك مسلح، حيث قامت قواته، بحملة اعتقالات واسعة لخطباء وعلماء مناوئين له فكرياً لا أكثر، وحدثت عمليات اغتيالات متكررة لشيوخ سلفيين بل ورموز مدخلية كعبد الرحمن العدني، وأئمة مساجد لا يوافقون على توجهات بريك وممارساته، وتحدثت عدة تقارير ومراقبون عن تورط بريك في ذلك، وطالبت شخصيات يمنية بارزة كتوكل كرمان بالتحقيق معه بإزاء تلك الاغتيالات؛ فقالت: “إن أصابع الاتهام التي توجه إلى بن بريك بكثافة مع كل حادث اغتيال لها ما يبررها وزيادة”. مؤكدةً أن “المطلوب التحقيق مع بن بريك كمتهم ومتورط”(14).
وكذلك اتهمه مراد القدسي رئيس حزب السلم والتنمية السلفي بالتحريض على السلفيين والدعاة، عبر حساباته في تويتر، باتهام المساجد والجمعيات بتفريخ الإرهاب(15).
بعد إقالته من منصبه كوزير، انتقد الوزير الإماراتي للشؤون الخارجية أنور قرقاش إعفاء “بن بريك” من منصبه، ووصفه مدير عام مجلس أبوظبي للتعليم بأنه “بطل المقاومة الحقيقي”. وطالب ضاحي خلفان نائب شرطة دبي بتغيير منصور. مما يدل على مدى حظوته لدى النظام الإماراتي.
يمكث بريك في الإمارات كثيرًا، ويلتقي برموز إماراتية رفيعة باستمرار، مثل نائب رئيس دولة الإمارات، محمد بن زايد، الذي التقى به في 30 مايو 2017، على مائدة إفطار رمضانية حضرها بعض أفراد أسرة محمد بن زايد، إلى جانب وزير الدولة للشؤون الخارجية، أنور قرقاش.
مما يؤكد أن ابن بريك ما هو إلا أداة إماراتية تعبث في الجنوب اليمني.
ثانياً: ليبيا
وصل الفكر المدخلي إلى ليبيا، وشرع الطلاب السلفيون في السفر إلى اليمن لتلقي العلم الشرعي بدار الحديث بدماج، ومع زيادة الإقبال على شبكة الإنترنت والمزاج السلفي العام بداية الألفية الثانية، بدأت تجمعاته في الظهور وفي دعوة رموز مدخلية عربية لإلقاء المحاضرات في ليبيا، واحتضن نظام معمر القذافي هذا التيار عن طريق ابنه الساعدي، لما يسوّق له من حرمة الخروج على الحاكم ووجوب طاعته، الأمر الذي أتى إلى القذافي على طبق من ذهب، ولأن التيار يواجه بطريقة دينية الجماعات الإسلامية المناوئة للنظام، خاصة حركة شهداء الإسلام، والجماعة الإسلامية الليبية المقاتلة، واستخدم النظام شيوخ التيار للتأثير الفكري على الجهاديين، الذين شاركوا في الجهاد الأفغاني في الثمانينيات ثم العراق، فيما عرف بمراجعات نبذ العنف عام ٢٠٠٧(16).
دعم التيار المدخلي القذافي طيلة ثورة ١٧ فبراير ٢٠١١م، وعارض الثورة وأفتى رموزه بحرمة المشاركة فيها، وبعد سقوط القذافي وإبان الثورة اعتقل المتظاهرون رموزاً مدخلية متهمين إياها بالعمالة لنظام القذافي، مما أوجد حنقاً عند أفراد التيار المدخلي يضاف لحنقهم السابق على المعارضين للقذافي مجملاً والإسلاميين منهم خاصة كونهم يرونهم “خوارج”.
بعد سقوط القذافي بدأ التيار في تنظيم نفسه والقيام بحملات دعوية وأمنية وخدمية، مستثمراً في جو الانفتاح الذي عقب حقبة القذافي، وقامت عناصره بمواجه مروجي المخدرات واللصوص، وقاموا أيضاً بهدم أضرحة مساجد باعتبار ذلك “شركاً بالله” في إطار حملتهم ضد الصوفية بالبلاد. وبالطبع عزف التيار عن المشاركة السياسية، ونظروا إلى انتخابات المؤتمر الوطني العام 2012 على أنها “بدعة” لا يجوز الخوض فيها.
ولكن التيار انخرط في العمل المسلح بصورة كبيرة بمجرد ظهور عملية الكرامة في ليبيا منتصف ٢٠١٤ بقيادة اللواء المتقاعد خليفة حفتر، فرأى التيار المدخلي في حفتر القائد الذي تجب له السمع والطاعة والقتال تحت رايته، ضد هيئات وفصائل ثورة ١٧ فبراير من جانب، وضد تنظيم الدولة الإسلامية (داعش) من جانب آخر، وقد أيدوا حفتر خلافاً لمنهجهم القائم على عدم الخروج على ولي الأمر، الذي كان وقتها “المؤتمر الوطني العام”، ولكن أوضح مراقبون أن التيار قد حصل على فتاوي من رموزه أن المؤتمر الوطني العام انتهت صلاحيته وولايته في السابع عشر من فبراير 2014، وذلك تماهياً مع حركة “لا للتمديد” التي ظهرت بعد هذا التاريخ رافضة استمرار المؤتمر الوطني العام وداعية إلى مرحلة انتقالية ثالثة على رأسها مجلس للنواب(17).
مما حدا بحفتر أن يستخدم التيار المدخلي كما فعل القذافي، لمواجهة الجماعات الإسلامية والحركات السياسية المناهضة له، وأيضاً لمقاومة الخطاب الديني المعارض له، والذي يمثله مفتي طرابلس المناصر للثورة “الصادق الغرياني”، والتيار الديني.
فتأسست كتائب مسلحة مدخلية، ككتيبة 604 مشاة، وكتيبة التوحيد، ورصّت وحدات قتالية سلفية مماثلة صفوفها حول حفتر، ولاحقاً قام حفتر بحل بعض الكتائب ودمجها وتوزيعها علي كتائب الجيش المختلفة، مما سمح للمداخلة بتحقيق انتشار أكثر، حيث سيطروا علي مواقع عسكرية في بنغازي وأجدابيا والجبل الأخضر، وعلى فرق عسكرية مهمة مثل الكتيبة 210 مشاة والكتيبة 302 صاعقة(18).
وقد أرجع مراقبون استهداف رموز مدخلية في سلسلة الاغتيالات التي هزّت بنغازي منذ منتصف العام 2013 حتى بداية 2014 مثل الرمز المدخلي كمال بزازة الشرارة، هو ما دفع كثيراً من التيار إلى التحرّك المسلح، ورأى آخرون أن هذه العمليات مدبرة لدفع التيار دفعاً إلى قتال فصائل الثورة وتنظيم الدولة الإسلامية.
قال محمد ربيع المدخلي: “نحن مسرورون بحركة حفتر، ونسأل الله سبحانه وتعالى أن ينصره بدون سفك دماء كثيرة إن شاء الله… إذا كان عند حفتر قُوة يفعل كما فعل السيسي، يعتقل الرؤوس الكبار ويدخلهم السجن حتى يمشي الشعب وراءه بكل راحة وهدوء بإذن الله
تحدثت تقارير عن دعم سعودي وإماراتي للتيار، خاصة بعد أن أفتاهم شيخهم الأكبر ربيع المدخلي بقتال الإخوان وغيرهم في ليبيا فقال: “وعلى السلفيين في ليبيا النصرة لدين الله تعالى وحمايته من الإخوان المسلمين وغيرهم؛ فالإخوان المسلمون أخطر الفِرق على الإسلام منذ قامت دعوة الإخوان المسلمين، وهم من أكذب الفرق بعد الروافض؛ عندهم وحدة أديان، ووحدة الوجود، وعندهم علمانية” وقال عن بني غازي: “فعلى السلفيين أن يلتفوا لصدّ عدوان الإخوان المفلسين، ولا يُمكنوا الإخوان من بنغازي”(19).
ولتزكية رموز مدخلية أخرى لخليفة حفتر؛ حيث قال محمد ربيع المدخلي: “نحن مسرورون بحركة حفتر، ونسأل الله سبحانه وتعالى أن ينصره بدون سفك دماء كثيرة إن شاء الله… إذا كان عند حفتر قُوة يفعل كما فعل السيسي، يعتقل الرؤوس الكبار ويدخلهم السجن حتى يمشي الشعب وراءه بكل راحة وهدوء بإذن الله”(20).
ولانتشار دور نشر تابعة للتيار بمدن الشرق الليبي، تبيع كتب رموز المدخليين بطبعات فاخرة وأسعار رخيصة، خاصة تلك الكتب التي تنتقد أتباع الحركات الإسلامية الأخرى ومنظريهم، وتحث على طاعة ولي الأمر.
ومن علامات ذلك أيضاً قيام صحف سعودية وإماراتية التوجه بمدح التيار المدخلي المسلح في ليبيا في تقارير منشورة وبما يشبه صناعة النجوم(21).
سيطر التيار المدخلي على كثير من مقرات وزارة الأوقاف، ووظف عدداً كبيراً من أتباعه كأئمة وخطباء بمساجد الوزارة، والتي يستخدمونها بدورهم لدعم حفتر في في محاولاته لتمكين انقلابه العسكري من كامل التراب الليبي، ولتعبئة الشارع ضد خصومه.
وقد مكّنهم حفتر من تولي العديد من المناصب في الجيش، كتولي العقيد ميلود الزوي المدخلي البارز، مهمة الناطق باسم القوات الخاصة في بنغازي، والرائد علي الثابت ناطقاً باسم قوات البحرية في بنغازي، والملازم محمد البوعيشي كآمر لقوة مكافحة الإرهاب في أجدابيا.
وحسب شهادات نقلتها مواقع وصحف للمُفرج عنهم من قبل تابعين لحفتر فإن بعض الذين حققوا معهم لمعرفة منهجهم الديني كانوا من التيار المدخلي، حيث كانوا يصنفون المقبوض عليهم، إما منتسبين إلى جماعة الإخوان المسلمين الليبية، أو إلى أحد التيارات السلفية الجهادية.
يهدف التيار المدخلي من خلال تحالفه مع حفتر إلى تحقيق مزيد من السيطرة على المجال العام في ليبيا؛ وقد نجح في زيادة أعداد المنتسبين إليه من خلال السيطرة علي الخطاب الديني، واجتذاب الكثير من الشباب العاطل للانضمام للكتائب المدخلية التي توفر مرتبات جيدة للعاملين فيها نتيجة الدعم الخارجي لها، وحصولهم على امتيازات العسكريين. فالمناخ مناسب لها لاجتذاب المزيد من المنتسبين لها نتيجة السيطرة علي الخطاب الديني الرسمي، وكذلك القدرة العسكرية الكبيرة نسبياً على الأرض(22).
• أبرز الرموز المدخلية المسلحة الليبية
محمود الورفلي
يعد من أبرز قادة التيار المدخلي وأعنفهم في صفوف قوات حفتر، وهو آمر محاور قوات الصاعقة، ومطلوب دولياً من قبل محكمة الجنايات الدولية لتورطه في “جرائم حرب”، كما وصفتها المحكمة(23).
برز اسم النقيب محمود الورفلي متزامناً مع انتشار عدة مقاطع مصورة ينشرها أتباعه له، ويقوم فيها الورفلي بتصفية ميدانية بلا محاكمة وخارج القانون لعدة أشخاص، أبرزها مقطع مصور لإعدام عشرين إنساناً من قبل مسلحين وقيادته(24).
يردد الورفلي في مقاطعه المنشورة أن ضحاياه “كلاب أهل النار” و”خوارج العصر”، كما انتشرت بعض المقاطع الأخرى لقيادات بارزة من التيار المدخلي كعبد الفتاح غلبون، ومجموعات أخرى تصدر بيانات يدعمون فيها الورفلي ويسمونه بـ”قاهر الخوارج والإخوان والتكفيريين”، ويمدحون غيره من القيادات العسكرية المدخلية(25).
قجة الفاخري
أحد مسلحي التيار المدخلي الليبي، شارك في قتال مسلحي “مجلس شورى بنغازي”، وكلف بإمرة قوة سلوق في بنغازي، التي يتكون أغلب مقاتليها من أتباع التيار المدخلي، أعلن وكيل وزارة داخلية حكومة الوفاق، فرج قعيم، قبضه على الفاخري، لتورطه في تنفيذ مذبحة الأبيار في بنغازي، والتي راح ضحيتها 38 مدنياً وجدت جثثهم ملقاة في قارعة أحد طرقات المنطقة(26).
أشرف الميار
رائد بجيش حفتر وينتمي إلى التيار المدخلي، يعتبر المؤسس الأول لأولى كتائب السلفية بقوات حفتر، والتي اشتهرت بكتيبة التوحيد، ونشرت فروعاً لها في بنغازي وأجدابيا. اشتهر بوصف “مفتي حفتر” لدعواته المتتالية للسلفيين بالانضمام لحفتر. والميار هو صاحب الفتوى بقتل أسرى خصومه لأنهم كما يدعي “آمنوا ثم كفروا”(27).
وتقوم وسائل إعلام إماراتية بتسليط الضوء على الميار سعياً لإظهاره كبطل؛ فيتاح له المجال كقائد ميداني بارز للحديث عن خصومه من الإخوان المسلمين بصورة أساسية(28).
أحمد الحاسي
آمر فرقة القبض الخاصة، المشكّلة من قبل قيادة حفتر، اتهم من قبل عدد من قيادات حفتر والسياسيين الموالين له بالتورط في عمليات اختطاف وتصفيات، أبرزها اتهامه من قبل وزير داخلية حكومة البرلمان عمر السنكي، باختطاف وكيل وزير الخارجية حسن الصغير، ووكيل وزارة الدفاع مسعود ارحومة.
واتهم الحاسي صراحة من قبل فرج قعيم، آمر قوة المهام الخاصة التابعة لحفتر، في تسجيل مصور مسرب أمام زعامات قبلية، بتنفيذه لعمليات اغتيال وتصفية بأوامر من حفتر ورئيس أركانه عبد الرزاق الناظوري، وأنه عمل على تصفية معارضيه.
ونقل المركز الإعلامي لمدينة البيضاء عن مصادره، تورط الحاسي في تفجيرات بمدينة البيضاء، أمام مبنى البنك المركزي ومبنى لجنة صياغة الدستور.
قُتل الحاسي في ظروف غامضة، حيث أعلنت بعض وسائل الإعلام خبر مقتله دون تفاصيل عن مكان مقتله أو أسبابه(29).
خلاصة
يتنامى نفوذ التيار المدخلي المسلح في اليمن وليبيا، وقد حدث هذا بصورة مفاجئة للكثير من المتابعين، الذين لم يستشرفوا دوراً سياسياً فضلاً عن عسكري لهذا التيار، وهو التيار المنشغل بالتثبيت السلمي والفكري لسلطة “ولاة الأمور”، وبالهجوم على الجماعات والرموز الإسلامية المعارضة سياسياً للأنظمة، ولكن كما بدا من العرض السابق أن التيار المدخلي قد انتقل في اليمن وليبيا إلى طور جديد من “منافحته” عن “ولاة الأمور”، أولئك الولاة الذين يبدو أن من شروطهم تنفيذ الأجندة الخليجية حتى “تجب طاعتهم”.
فالآن يُستخدم التيار المدخلي بوضوح تام لتأدية دور وظيفي خليجي في كل من اليمن وليبيا؛ ففي اليمن يعمل التيار على الحدّ من النفوذ الإيراني، وفي الوقت نفسه يعمل على تقليم أظافر المعارضين السنة، تارة بالوجود على الأرض وملء الساحة حتى لا يتزايد نفوذ الحركات السنية المعارضة، وتارة باغتيال المعارضين الإسلاميين لمشروع “التحالف العربي” في اليمن.
وفي ليبيا يساعد التيار المدخلي حفتر في محاولته القضاء على المعارضين لنفس المشروع الخليجي في ليبيا، ولا يتوانى في أثناء ذلك عن الفتك بمعارضيه لأنهم في نظره “خوارج” ويجب التخلص منهم لأنهم “كلاب أهل النار” وما شابه ذلك من شعارات يُلبسها ثوب الدين لتحقيق أجندات سياسية غير نظيفة.
لقد رأى “التحالف العربي” في التيار المدخلي أفضل خيار للحد من النفوذ الإيراني من ناحية، ومن البؤر السياسية السنية في المنطقة من ناحية أخرى؛ فالتيار المدخلي ليس له فيما يبدو أحلام توسعية أو سلطوية، ويتحرك بالفتاوي الدينية للقيادات المدخلية المقيمة بأراضي السعودية والمتحركة بجهاز تحكم خليجي، وينطلق من منطلق عقدي في قتال الشيعة و”الخوارج” كما هو تعريفهم الخاص للحركات والشخصيات السنية المعارضة والمساندة للتغيير.
لا يوجد فيما يبدو ترابط مباشر بين أفراد المداخلة المسلحين في اليمن وليبيا، فالأوضاع السياسية مختلفة وكذلك العسكرية، ولكن يتأكد بشكل متزايد من المعلومات المتوافرة وجود تنسيق أو ترتيب أدوار تقوم به الأجهزة الاستخباراتية المختصة بهذا الملف في كل من السعودية والإمارات.
عناصر التيار المدخلي توجد في كل بلاد العالم تقريباً، مما يزيد الأمر خطورة إذا تقرر استخدامهم عن طريق الفتاوي والدعم المادي؛ لاغتيال شخصيات بارزة، سواء سياسيون أو رجال دين، وسيكونون دائماً حجر عثرة أمام أي مشروع تغييري على غير هوى الدولتين، سواء عن طريق الفتاوي والحرب الفكرية الدينية، أو عن طريق العمل المسلح إذا اقتضى الأمر.
إضافة إلى استمرارهم في أداء دورهم الأول المنوط بهم، وهو الحث على طاعة أولي الأمر والتحذير من الشخصيات والجماعات المعارضة سياسياً بصفتهم من الخوارج و”أهل البدع”، مما يكون له دور في تثبيت الأنظمة العربية الوظيفية.
من المهم في إطار السعي للحد من تنامي هذا التيار:
التناول التثقيفي للمفاصل الكلية التي من الممكن أن تقوض هذا التيار الوظيفي، كبيان كيف تضبط بوصلتهم لـ”ولي الأمر” بطريقة برجماتية وهوائية، فعند استقرار النظام يأتي تأييدهم وحثهم للشعوب على طاعته، وعند سقوط النظام شعبياً يعمل التيار على معارضة إجراءات التغيير أولاً، ثم يساعد قوى الثورة المضادة ثانياً لصالح النظام السابق، وكأنه أحد أركانه تماماً. فتيار كهذا يميل إلى الاستقرار وعدم السعي إلى الفتنة، كيف تصحّ دعواه إذا حمل السلاح وقاتل أبناء وطنه؟ فليس بعد ذلك فتنة جرياً على أصوله ومذهبه.
ويظهر التناقض في الأصول الفكرية للتيار من خلال الخلافات الشديدة بين مشايخه، فلو أن هناك أصولاً منضبطة ومنهجاً علمياً، لما وجدنا الشيخ منهم يثني على آخر ويرفعه إلى سماء العلم والديانة، ثم بعد أشهر قليلة يحكم عليه بالبدعة والمروق من السلفية والسنة، وهذه ليس حالات فردية بل أصبحت سمة للتيار ووصفاً يتصف به. فهو مشروع تفتيتي وتفريقي للأمة الإسلامية بامتياز.
تسليط الضوء أيضاً على الجرائم التي يقوم بها أفراد ينتمون للتيار في ليبيا واليمن، كفيل بتقويض هذا التيار
فجرائم شخص كمحمود الورفلي في ليبيا، وكهاني بن بريك في اليمن، لا يقدم عليها شخص “سلفي” متدين بحال من الأحوال، بل مجرم يستحق العقوبة. وهذان الشخصيتان وغيرهما نتاج عملي لفتاوي “التبديع” للمخالفين ووجوب قتلهم استدلالاً بأحاديث قتل الخوارج.
أيضاً من المهم معرفياً بيان الموقف من الأنظمة السياسية المعاصرة الفاسدة، ومواقف علماء السلف الصالح من الدخول على السلاطين حتى مع استقامتهم، فبيان ذلك سيؤدي إلى عدم التحاق الشباب بهذا التيار، بالعكس سيرون فيه تزلفاً وسعياً لتثبيت مُلك تلك الأنظمة، وستضعه الجماهير في خانة “علماء السلاطين” ساقطي العدالة.
مع الأخذ في الحسبان أن التيار موجود بجانب الدول العربية في أوروبا والولايات المتحدة واستراليا وغيرها من البلاد، نعم ليس بصورة جماهيرية ولكنه موجود ومترابط، وساهم في ذلك جهل المسلمين الجدد سواء من الناحية العلمية الدينية أو من ناحية الإلمام بخطر هذا التيار، مما يجعلهم يلتحقون به لحديثه المشوق عن التمسك بالسنة وبالإسلام كما كان عليه الصحابة؛ لذلك من وسائل الحد من انتشار التيار المدخلي ملء الفراغ الحاصل في دعوة المسلمين الجدد والتواصل معهم بشكل أوسع وأقوى.
ملحق: جدول رموز التيار المدخلي المذكورة في البحث
الاسم | عام
الولادة/ الوفاة (إن وُجدت) |
معلومات |
محمد الجامي | توفي: ١٩٩٤م | إثيوبي، وفد إلى السعودية عام 1949 واستقر فيها.
درّس بالمعهد العلمي بصامطة، ثم بالجامعة الإسلامية والمسجد النبوي بالمدينة المنورة. من أبرز تلامذته ربيع بن هادي، ومقبل بن هادي الوادعي. يُنسب إليه تأسيس ما يعرف بالتيار الجامي أو التيار المدخلي. |
ربيع المدخلي | وُلد: ١٩٣٢م | سعودي، درس على يد محمد الجامي بالمعهد العلمي بصامطة.
المؤسس الفعلي للتيار المدخلي. رئيس قسم السنة بالدراسات العليا بالجامعة الإسلامية بالمدينة المنورة. |
مُقبل الوادعي | توفي: ٢٠١١م
|
يمني، مؤسس التيار السلفي في اليمن وأحد أبرز المرجعيات لدى التيار السلفي المعاصر.
ومؤسس دار الحديث بـ(دماج) بـ(صعدة) باليمن.
|
يحيى الحجوري | وُلد: ١٩٥٨م
|
يمني، يُعد خليفة مقبل الوادعي بناء على وصيته على كرسي دار الحديث بدماج باليمن، وأقرب تلاميذه إليه.
قاد بطلابه حرباً ضد الحوثيين انتهت بمقتل العديد من طلابه وولده، وتهجيره والباقين خارج دماج مطلع ٢٠١٤ ونسف دار الحديث |
عادل عبده فارع (أبو العباس) | وُلد: ١٩٧١. | يمني، درس في “دار الحديث” وتتلمذ على يد الوادعي والحجوري.
منشئ كتائب أبي العباس السلفية بـ(تَعْز) وهي كتائب مسلحة تقاتل الحوثيين بدعم إماراتي سعودي.
|
هاني بن بريك | غير متوفر
(يُقدَّر أنه في العقد الرابع) |
يمني، وزير سابق قبل أن يعزله الرئيس اليمني هادي عبد ربه منصور.
قائد قوات الحزام الأمني في عدن، بدعم إماراتي سعودي. بعد قرار إقالته انضم إلى دعاة انفصال الجنوب بـ”المجلس الجنوبي الانتقالي” في عدن، وأصبح نائباً لرئيسه. متهم باغتيال دعاة وأئمة مساجد يخالفونه في عدن. |
محمود الورفلي | وُلد: ١٩٧٤م | ليبي، من أبرز قادة التيار المدخلي وأعنفهم في صفوف قوات اللواء حفتر، وهو آمر محاور قوات الصاعقة، ومطلوب دولياً من قبل محكمة الجنايات الدولية لتورطه في “جرائم حرب”.
|
قجة الفاخري | غير متوفر
(يُقدَّر أنه في العقد الرابع) |
ليبي، آمر قوة سلوق في بنغازي.
متهم في تنفيذ مذبحة الأبيار في بنغازي، والتي راح ضحيتها 38 مدنياً. |
أشرف الميار | غير متوفر
(يُقدَّر أنه في العقد الرابع) |
ليبي، رائد بجيش حفتر.
مؤسس كتيبة التوحيد. يُعرف بـ”مفتي حفتر” لدعواته المتتالية للسلفيين بالانضمام لحفتر. |
أحمد الحاسي | توفي: ٢٠١٧ | ليبي، آمر فرقة القبض الخاصة، المشكّلة من قبل قيادة حفتر.
متهم بالتورط في عمليات اختطاف وتصفيات. قتل في ظروف غامضة. |
( 1) أفتى الشيخ ربيع المدخلي بحرمة الثورات إبانها على موقعه الرسمي.
( 2) من أمثلة ذلك كتابه: “إسكات الكلب العاوي يوسف بن عبد الله القرضاوي”. في الرد على بعض المسائل العادية التي يسوغ فيها الخلاف الفقهي.
( 3) للتوسع حول نشأة الوادعي والسلفية في بلاد اليمن عامة، ينظر: د. أحمد محمد الدغشي، (السلفية في اليمن مدارسها الفكرية ومرجعياتها العقائدية وتحالفاتها السياسية)، مركز الجزيرة للدراسات، ط: الدار العربية للعلوم، لبنان، ٢٠١٤، ط١.
( 4) صدر بيان من رئيس جمعية الإحسان عبدالله اليزيدي بحل الجمعية بتاريخ ١٣-١١-٢٠١٧م.
( 5) أم سلمة السلفية، (الرحلة الأخيرة لإمام الجزيرة)، ص٢٠، ط: دار الآثار، صنعاء، ٢٠٠٣م، ط١.
( 6) (الرحلة الأخيرة لإمام الجزيرة)، مصدر سابق، ص٤١.
( 7) يحيى بن علي الحجوري، (لماذا جل الشعب اليمني يحب الرئيس علي عبد الله صالح)، 6 رجب 1432هـ .
(8 ) الحجوري يفتي بجواز المشاركة في القتال ضد تنظيم القاعدة، ١٢-٤-٢٠١٢م.
( 9) ينظر: سلفيو اليمن صعود ضارب يقوده لاعب كرة قدم سابق، نون بوست، 26-11-2015.
( 10) ينظر: أحمد محمد الدغشي، المدخلية باليمن: تعارضات سياسية وتوظيفات خارجية، مركز الجزيرة للدراسات، ٢٣-١٠-٢٠١٧م. والقصة الكاملة للقيادي السلفي أبو العباس قائد الجبخة الشرقية بتعز، المندب نيوز، ٢٣-١٠-٢٠١٦م.
( 11) قائد المقاومة أبو العباس في حوار جريء وصريح، الوحدوي نت، ٢٣-١٠-٢٠١٦م.
( 12) شبكة الآجري، تزكية الشيخ ربيع والشيخ عبيد الجابري للشيخ هاني بن بريك، ديسمبر ٢٠١٤.
( 13) يوتيوب: مقطع بعنوان: (اليمن: فيديو يكشف حقيقة هاني بن بريك وطموحه في السلطة).
( 14) كرمان تفتح النار على بن بريك وتطالب بالتحقيق معه حول اغتيالات عدن، يمن برس، ١-٩-٢٠١٧م.
( 15) الجزيرة نت، رئيس حزب سلفي يمني يدعو للتحقيق مع بن بريك، ١٩-١٠-٢٠١٧.
( 16) ينظر: آمنة يوسف الباز، التدخل الإيطالي في الصراع في ليبيا، المكتب العربي للمعارف، القاهرة.
( 17) السلفية المدخلية بليبيا، ليبيا الخبر، 13-9-2014م.
(18) حفتر والسلفية.. اللعبة لخطرة، مركز رفيق الحريري للشرق الأوسط، ٦/٦/٢٠١٧.
( 19) موقع ربيع المدخلي: نصيحة للمسلمين عمومًا والسلفيين خاصة، في ليبيا وغيرها من البلاد.
( 20) مداخلة هاتفية على قناة البصيرة ١٩/٥/٢٠١٤.
(21) على سبيل المثال جريدة الشرق الأوسط، تقرير: «التيار المدخلي».. صداع في رأس «داعش ليبيا» ٧/١١/٢٠١٦، حيث ذكرت أنه: “يدعو في خطابه إلى الوسطية ونبذ العنف.. ويحظى بقبول في أوساط قبلية”.
(22) حفتر والسلفية.. اللعبة لخطرة، مركز رفيق الحريري للشرق الأوسط، ٦/٦/٢٠١٧.
(23) فرانس ٢٤، المحكمة الجنائية الدولية تصدر مذكرة اعتقال ضد قائد عسكري ليبي مقرب من حفتر، ١٦/٨/٢٠١٧.
(24) مقطع فيديو، موقع العربي الجديد، ٢٤/٧/٢٠١٧.
(25) يوتيوب: مقطع فيديو بعنوان: “المداخلة في ليبيا وقتالهم مع مجرم الحرب حفتر”.
(26) ينظر: قادة التيار المدخلي.. أداة حفتر لبسط نفوذه غرب ليبيا، العربي الجديد، ١٩-١١-٢٠١٧.
(27) مقطع فيديو لأشرف الميار .
(28) مثل قناة سكاي نيوز الإماراتية، في لقائه معها أواخر عام ٢٠١٤.
( 29) المصدر السابق.