خيارات المعارضة المصرية من الانتخابات الرئاسية 2018
تبدو انتخابات الرئاسة المصرية المزمع إجراؤها في ربيع ٢٠١٨ الحدث الأهم على الساحة السياسية في مصر(١)، والتي ينتظر أن تمتد آثارها إلى منطقة الشرق الأوسط بالكامل، موقف المعارضة المصرية من هذا الحدث يبدو مرتبكًا ومنقسمًا، بدءًا من تقديره لقيمة هذه الانتخابات وانتهاء بتحديد دوره تجاهها، ومع ذلك قد تؤدي توجهات بعض فصائل المعارضة إلى اختراق سياسي مؤثر ونتائج مهمة، بالرغم من ضيق مساحة وأدوات الحركة المتوفرة لها.
إن رصد مواقف المعارضة من خلال تصريحات وكتابات رموزها، يمكن بلورته بثلاثة تقديرات متمايزة ومحددة.
أولًا: تقدير موقف القوى الليبرالية
ترى العديد من القوى الليبرالية المعارضة في مصر، أن موقفها – ودورها أيضًا – في انتخابات الرئاسة المقبلة سيتم تركيزه حول محورين:
الأول: كشف (أو فضح) النظام الحاكم، ضمن عمل يتعلق بمحاولة ترشح السيسي للانتخابات(٢) والتأكيد على أنه “مرشح الضرر” للوطن وللشعب وللجماعة الوطنية، بعد أن رأى البعض أنه “مرشح الضرورة” في انتخابات ٢٠١٤.
الثاني: سعي هذا الفصيل من المعارضة إلى تقديم “لائحة اتهام” لنظام السيسي وسياساته مقابل ما يتوقع من تقديم السيسي لبرنامج انتخابي، وبحيث تكون لائحة الاتهام أكثر إقناعًا للمواطن المصري من برنامج السيسي الانتخابي، ودحضًا للوعود التي سيُمَني بها الناخبين، وإبطالًا لحديث الإنجازات الذي ستقوم حملته الانتخابية عليه. ربما توسع المعارضة هذين المحورين بحيث تغطي عدة ساحات ومساحات، منها:
-
- المحافل الدولية.
-
- منظمات حقوق الإنسان المحلية والإقليمية والدولية.
-
- الدبلوماسية الشعبية والتواصل البرلماني في الغرب.
-
- التواصل مع المؤسسات المدنية والرسمية الأفريقية.
-
- التواصل مع النظم الرسمية، وفضح النظم المتعاونة في الغرب، رغم التزامها الرسمي بمقولات حول الديمقراطية وحمايتها، والتحول الديمقراطي.
- وسائل الإعلام المختلفة، وخاصة وسائل التواصل الاجتماعي.
ويرى العديد من رموز ونشطاء هذه المعارضة ضرورة تفنيد اللافتات التي يستند عليها السيسي في سياسته الداخلية، وفي حرصه على الدعم الإقليمي والدولي، بعد أن أمن لنفسه قدرًا كبيرًا من الاعتراف الرسمي الخارجي.
أهم هذه القضايا التي تسعى هذه المعارضة لتفكيكها والهجوم عليها:
-
-
- دعوى “محاربة الإرهاب”، ويبدو أن المعارضة ستركز خطابها على مقارنة “حالة الإرهاب” عند استلام السيسي السلطة، وحالتها بعد أربع سنوات من حكمه، لبيان أن سياساته هي التي دفعت البلاد إلى هذا المنحدر، وأن السيسي يتكسب سياسيًّا بهذه الظاهرة، وأن نظامه حريص على بقائها ووجودها دائمًا في دائرة الأحداث.
-
- إن إشاعة الخوف والقلق على المستقبل، يدفع الناخبين إلى الرضا بالسيئ مخافة أن يأتي الأسوأ. نعتقد أن المعارضة ستحقق نتائج في هذا المجال، خاصة أن بين أيديها وعودًا ومواثيق من السيسي بالقضاء التام على الإرهاب سريعًا، وأنه أكد في ٢٠١٥ أنه تم القضاء على أكثر من ٩٥٪ من الإرهابيين في سيناء.
- أسطورة أهل الشر، والتأكيد على أن مثل هذه المقاربات تنشر خطاب الكراهية بين أبناء الشعب الواحد، وتعمق الاستقطاب من أجل مصالح سياسية هي أقرب للانتهازي.
-
https://www.youtube.com/watch?v=ix_fo-HnQ-Q
-
- دعوى المحافظة على الأمن القومي المصري، وتتجه المعارضة في إبطال هذه الدعوى إلى التذكير دومًا بالتنازل عن جزيرتي تيران وصنافير، وهو من أوليات التفريط في الأمن القومي، علاوة على عمليات التهجير لأهالي رفح وما حولها من أجل حماية أمن إسرائيل؛ كما صرح السيسي بهذا بنفسه، علاوة على ما يثار من أحاديث حول خطط للتنازل عن أجزاء من سيناء كوطن بديل لبعض الفلسطينيين.
- دعوى الوعد بالمستقبل في الرخاء ضمن خطاب إعلامي يتحدث عن الصبر والانبطاح والخنوع، وتبدو هذه الدعوى سهلة على المعارضة أن تنقضّ بها على الوعود المتكررة التي قطعها السيسي على نفسه، بأن تتحسن الأحوال المعيشية للشعب قبل نهاية ٢٠١٥، ثم طلب مهلة ٦ أشهر ثم مهلة سنتين.
إن إشاعة الخوف والقلق على المستقبل يدفع الناخبين إلى الرضا بالسيئ مخافة أن يأتي الأسوأ.
سياسات الإعداد لقائمة اتهام النظام:
“لائحة اتهام لا برنامج انتخابي”، تحت هذا الشعار تتجه المعارضة إلى تبني مبادرة للحساب الشعبي لفترة حكم السيسي، خاصة مع غياب أي رقابة أو محاسبة برلمانية، وخضوع البرلمان تمامًا لإملاءات السلطة التنفيذية. تعتقد المعارضة أن هذه المقاربة سيكون لها مردود إيجابي في تفاعل الشارع المصري، وانتقال شرائح من حزب الكنبة إلى الميدان الوطني الواسع. لا نستطيع الجزم بتأثير مثل هذه اللائحة، ونعتقد أن الأمر سيتوقف على فاعلية الأنشطة الداعمة لها وقدرتها على الانتشار أفقيًّا وفكريًّا.
ترى المعارضة أن هذه اللائحة ينبغي أن تكون وطنية وليست حزبية ضيقة، وبحيث تركز على ما تراه نظام حكم يهدم وطنا ويضعف الدولة ويخرب الموارد ويرهن المستقبل بديون متراكمة وتفريط في أصول حيوية لاقتصاد البلاد، وأن السيسي فقد شرعيته الوطنية قبل السياسية بإسقاط أحكام القضاء الباتة، وتنازله عن أراض مصرية من أجل أهداف مريبة. ربما تنجح المعارضة في تركيزها على إخفاقات حكم السيسي أن تحطم كتلته الصلبة وحلفه اللصيق ودائرته الضيقة، لكن هذا قد يتطلب منها خطوات واضحة لإعداد قائمة الاتهامات التي ستتبناها، والتي يقول بعض رموز المعارضة إنها يجب أن تعتمد على ما يلي:
- اختفاء ٣٠ مليار دولار من القروض الخليجية في عامي ٢٠١٣ و ٢٠١٤
- الزج بـ ٦٠ ألف معتقل في غياهب السجون، الآلاف منهم بلا محاكمات، وإصدار أكثر من ١٠٠٠ حكم بالإعدام
- إهدار المال العام في مشروعات وهمية دون دراسات جدوى ودون عرضها على مجلس الشعب
- بيع جزيرتي تيران وصنافير برغم صدور أحكام قضائية باتة
ربما تنجح المعارضة في تركيزها على إخفاقات حكم السيسي أن تحطم كتلته الصلبة وحلفه اللصيق ودائرته الضيقة، لكن هذا قد يتطلب منها خطوات واضحة لإعداد قائمة الاتهامات التي ستتبناها.
ثانيًا: تقدير موقف القوى الوطنية الراغبة في المنافسة الانتخابية
يرى فصيل من المعارضة يضم أطيافًا عدة أن التوافق على مرشح واحد يتقدم لمنافسة السيسي، ستتحقق به مكاسب أكبر من الخسائر التي تسببها المشاركة في انتخابات معلوم سلفا أنها لن تكون نزيهة أو حرة. ويحتج هذا الفصيل بأن الغياب عن المشهد الانتخابي سيحقق للسيسي نجاحًا سهلًا وأنه لن يعجز عن الدفع بمنافس صوري يقوم بدور “المحلل” لإضفاء شكلًا تمثيليًّا على الانتخابات. ويرى هذا الفصيل من المعارضة أن الغياب سيشل فاعلية المعارضة ويقصيها عن التواجد في الشارع بالكلية، وربما يقوض جهودها السياسية مستقبلًا.
يرى فصيل من المعارضة يضم أطيافًا عدة أن التوافق على مرشح واحد يتقدم لمنافسة السيسي ستتحقق به مكاسب، أكبر من الخسائر التي تسببها المشاركة في انتخابات معلوم سلفًا أنها لن تكون نزيهة أو حرة.
المحافظون داخل هذا التيار يرون ضرورة “ضبط” هذه المشاركة الانتخابية بضوابط وحدود بل وبخطوط حمراء، تضمن نجاح فكرة المشاركة وبصرف النظر عن نتائجها. يرى هؤلاء ثلاثة ضوابط – أو شروط – للالتفاف حول مرشح منافس للسيسي في الانتخابات القادمة:
الأول: تحديد المواصفات الأساسية للمرشح والشروط الثابتة لانتخابه، وبحيث تجيب على التساؤل المهم:
من يحكم مصر وما هو الحكم الذي يليق بها؟
في هذا السياق توضح المعارضة أن من يحكم مصر عليه أن يكون على مستوى مشاكلها والتعامل معها، سواءً تلك التي كانت في الماضي والتي تراكمت والتي استجدت ضمن قاعدة ذهبية “إذا تعددت المشاكل وتعقدت واجتمعت فاجتمع أنت وغيرك بمواجهة تلك المشاكل”، أو ما يعرف بـ “صناعة البديل”.
الثاني: في إطار ما قام به الرئيس السيسي خلال فترة حكمه من صناعة الكراهية وافتعال أزمات قد تؤدي بالدفع للمجتمع إلى حافة الحرب الأهلية والاقتتال، فإن من الضرورات المجتمعية أن يقوم من يحكم مصر في الفترة القادمة بمصالحة مجتمعية شاملة، من أراد أن يتقدم فمهمته الأساسية إنقاذ وطن وشعب، وحيث ترى المعارضة أن السيسي ليس أهلًا لذلك بل هو من تسبب في إشكالات تتعلق بصناعة الفرقة وزراعة الكراهية، فإن من أهم مواصفات المرشح المنافس أن تكون هذه المصالحة المجتمعية على قمة أولوياته، وأن يتصدى للاحتقان المجتمعي والصدع في حالة تماسك الشعب، وأن يكون حذرًا من صناعة الفرقة أو صناعة الفوضى.
من أهم مواصفات المرشح المنافس أن تكون هذه المصالحة المجتمعية على قمة أولوياته، وأن يتصدى للاحتقان المجتمعي والصدع في حالة تماسك الشعب، وأن يكون حذرًا من صناعة الفرقة أو صناعة الفوضى.
الثالث: أن المعارضة ليست في الحقيقة تبحث عن مرشح بمواصفات شخصية فقط، وإنما تبحث عمن يقوم بمهمة ووظيفة محددة تتعلق بضرورات الحفاظ على الوطن وإنقاذ الشعب واعتصام الجماعة الوطنية، من رأى في نفسه وفي غيره من يساعده أو يدعمه فليتقدم لتحقيق كل الضرورات المجتمعية بلا إبطاء او تأجيل. فكأن المعارضة ترى باختصار أن المطلوب ممن يريد أن يحكم هذا البلد أن يقدم لائحة مفصلة بسياسات وخطوات يزيل من خلالها آثار العدوان على الشعب والوطن، وأن من دخل سوق الانتخابات هادفاً لمصلحته الأنانية أو رغبة سلطوية فإن مظالم هذا الشعب ستطارده وتلعنه، وأن المنافسة السياسة في خضم هذه المحنة الوطنية كلها مغارم وليس فيها من مغنم.
ترى هذه المعارضة أن تجربة منافسة حمدين صباحي للسيسي في انتخابات ٢٠١٤ كانت في حقيقتها مساندة للسيسي لإضفاء لون من الشرعية على الانتخابات، وأن المرشح الذي يقوم بمثل هذا الدور يعتبر خائنًا للشعب ولمستقبله، وأنه يعتبر مشاركًا في واقع الأمر في كل التراجع الذي شهدته مصر منذ تلك الانتخابات.
وقد طالب بعض رموز هذه المعارضة أن يكون المرشح المنافس فريقًا وليس فردًا واحدًا، وهي فكرة قد تحقق قبولًا شعبيًّا أوسع، كما أن التوافق على “فريق رئاسي” سيكون أقرب وأيسر من التوافق على شخصية واحدة، إلا أن الخطوات العملية في ذروة المنافسة الانتخابية قد تثبت بطء وترهل – وربما نزاعات – الفريق الرئاسي، مقابل توحد موقف المعارضة وراء مرشح واحد. وأيًّا ما كان توجه المعارضة في ذلك فنعتقد أن كل ذلك سيتطلب الحضور المحسوب والتدبير المطلوب في مساحة زمنية محدودة. وفي كل الأحوال فإن المعارضة من الآن بدأت تتحدث عن ضمانات تراها ضرورية لمشاركتها.
فكأن المعارضة ترى باختصار أن المطلوب ممن يريد أن يحكم هذا البلد ان يقدم لائحة مفصلة بسياسات وخطوات يزيل من خلالها آثار العدوان على الشعب والوطن، وأن من دخل سوق الانتخابات هادفاً لمصلحته الأنانية أو رغبة سلطوية فإن مظالم هذا الشعب ستطارده وتلعنه، وأن المنافسة السياسة في خضم هذه المحنة الوطنية كلها مغارم وليس فيها من مغنم.
معركة الضمانات الانتخابية
-
- لا شك أن هذه المعركة من المعارك الأساسية التي يجب على من سيقرر دخول الانتخابات، أن يخوضها بالجدية الواجبة وبالاعتبار الذي يؤشر أن هؤلاء من المرشحين الطامحين فعلًا للتغيير وخدمة الوطن، ويبدو أن المعارضة ستطالب بالضمانات التالية ونعتقد أنها قابلة لتعلية أو تخفيض سقفها بحسب الحراك السياسي على الأرض:
-
- إلغاء حالة الطوارئ؛ فلا يمكن أن تجري انتخابات حقيقية في ظل حالة الطوارئ، التي قد تستهدف المعارضين والمرشحين وتضعهم في دائرة الاتهام والإجرام.
-
- الشفافية التامة لأعمال “الهيئة الوطنية للانتخابات”، التي تم تشكيلها مؤخرًا، وبحيث تكون قادرة على مراجعة الكشوف الانتخابية وضمان تحديثها، وأن تكون للهيئة الاستقلالية الكاملة عن السلطة التنفيذية.
-
- الإجراءات التفصيلية الانتخابية؛ لسد مداخل التزوير والتزييف.
-
- الرقابة الدولية على الانتخابات؛ لضمان جديتها ونزاهتها في سياق إشراف منظمة الأمم المتحدة وهيئات دولية أخرى.
- الرقابة الداخلية الواسعة من كافة منظمات المجتمع المدني، وتمكينها من المتابعة لإجراءات الانتخاب والفرز.
في حالة عدم تحقيق هذه الضمانات، فربما تجد المعارضة نفسها مضطرة للانسحاب، لكن تقدير قرار كهذا سيتطلب مهارة سياسية فائقة من المعارضة وموازنة لتوقيته، وما يلزمه من تنسيق مع أطياف المعارضة الأخرى.
عمليات الترشيح
في إطار المتاح من معلومات، فإن هناك مجموعات عدة تحاول تشكيل فريق رئاسي لدخول الانتخابات القادمة، وتتراوح هذه الأفكار ما بين ثلاثة أمور:
-
- تأسيس الخيار على اختيار مرشح من الجيش، والإعلان عن مدنيين مساعدين ومشاركين في السلطة (الفريق عنان والفريق شفيق).
-
- ترجيح مرشح مدني يكون ضمن فريقه عسكري سابق يقوم بالمساعدة والمعاونة.
- مرشح مدني ضمن فريق رئاسي مدني، يحاول أن يضع ملف العلاقات المدنية العسكرية على الطاولة.
تعاني عملية الترشح وسيناريوهاتها المحتملة من نقاط ضعف كثيرة:
-
- المرشح العسكري وإمكانات الترويج له.
-
- تعدد المرشحين من أطراف مختلفة.
-
- عدم الاطمئنان لبعض المرشحين في مواصلة المعركة الانتخابية؛ لإحداث الإحراج المطلوب للنظام ومرشحه السيسي.
-
- الإشكالات التي تتعلق بالسند الإقليمي والدولي.
- دخول الانتخابات وإضفاء شرعية على النظام الحالي.
تحليل أولي للكتلة الانتخابية
من المهم ونحن نرصد عناصر الكتلة الانتخابية أن نأخذ في الاعتبار مجموعة من النقاط الأساسية:
-
- المقاطعة الانتخابية والحالة الواسعة لرفض المشاركة في الانتخابات.
-
- الاهتمام بمعاش الناس ومطالبهم والانتخابات كفرصة لتمكين المطالبات.
-
- صعوبة تحريك الجماهير نحو حشدٍ انتخابي.
-
- عودة أحزاب الكنبة بقوة.
-
- يضاف إلى ذلك كتلة الخوف والتخويف (أحسن من سوريا والعراق) ومنطق (احمدوا ربنا).
-
- تناقض التعبير عن أهداف ثورية في ظل الشروع في حالة انتخابية داخل دائرة النظام السياسي القائم.
- ورطة أصحاب هذا المشروع وضرورة فهم الكتلة الانتخابية والتصويتية.
تبقى بعد ذلك كتلتان تصويتيتان ستحتاج المعارضة المشاركة في الانتخابات أن تتعامل معهما بمنهجية واضحة ومحددة، وهما:
الكتلة الإسلامية: إذ لا تزال تملك قوة تصويتية ويمكن أن تؤثر على الحالة الانتخابية، إلا أن تلك الكتلة في حالة سيولة نسبية. حجم مشاركة هذه الكتلة سيتوقف على قرار الانسحاب والمقاطعة أو قرار الانخراط التصويتي بشكل غير مباشر وبدون إعلان ولكن ذلك يصادف مشكلة كبرى، من يحرك لهذا الخيار وهذا المسار؟
الكتلة الشبابة التصويتية: أكثر الشباب الثوري يرى في الانتخابات ودخولها حالة هزلية، ومع ذلك قد يرى في الانتخابات فرصة مهمة للتوجهات المدنية. قدر كبير من الشباب أصيب بحالة من اللا مبالاة بالشأن السياسي فضلاً عن استحكام نفسية اليأس والإحباط به.
بعض شباب التيارات المدنية يعتبرها أيضاً فرصة لاستثمار حالة التيارات الإسلامية بالعزوف الجبري والاختياري عن المشاركة في العملية الانتخابية، وهو ما يمثل حالة استبعاد وإقصاء بدون قيامهم بذلك بشكل مباشر.
بعض الشباب يؤكد أن استثمار الحالة الانتخابية في هذا الوقت يعد وقتاً مثاليًّا، ولسان حالهم يقول “نستطيع أن نفعلها”. أهم إشكال سيواجه المعارضة في هذه الحالة هو إخراج الشباب من حال المقاطعة الى حال الانخراط، ولو بسقوف أدنى من الاحتجاج أو الثورية.
إلا أنه في ظل هذه الأوضاع ستكون إزالة كتلة الكنبة والخوف والتخويف من أهم مفاتيح الانتخابات القادمة، وهي تصب بين الإحجام أو الحركة في طريق تثبيت النظام القائم إعمالاً بالمبدأ الذهبي في الاستقرار (اللي تعرفه أحسن من اللي متعرفوش).
الأمر شبه المؤكد في هذا المقام هو أن بعض هذه الكتلة لن يذهب إلى الانتخابات، وإن ذهبوا لن يصوتوا انتصاراً لعملية التغيير في إطار حالة اللا مبالاة والسلبية والخوف.
في ظل هذه الأوضاع ستكون إزالة كتلة الكنبة والخوف والتخويف من أهم مفاتيح الانتخابات القادمة
ثالثًا: تقدير موقف التيار الإسلامي
المقصود بالتيار الإسلامي هنا هم أفراد المسلمين الملتزمين بأداء فروض الإسلام والراغبون في رؤية الإسلام مرجعية واضحة للحياة، بالإضافة للكيانات المنظمة مثل الإخوان المسلمين وبعض التيارات السلفية والدعوية والصوفية. الغالب على هذا التيار التأثم من المشاركة في العملية الانتخابية، سواء على مستوى الترشح أو الذهاب لصناديق الانتخابات، واعتبار ذلك لونًا من شرعنة النظام القائم، وتنازلًا عن القصاص للقتلى والمصابين والمسجونين. ومع ذلك فقد تراود بعض أجنحة هذا التيار أفكار أخرى تجعلهم على مسافة أقرب من حدث الانتخابات تلبية لما قد يرونه “أخذًا بأعظم المصلحتين ودفعًا لأعظم المفسدتين”. هؤلاء قد لا يكونون راغبين في المشاركة ومنادين بالمقاطعة، لكنهم قد لا يرون مانعًا من الاستثمار في حدث الانتخابات لأنه حاصل سواء شاركوا هم أم قاطعوا.
في كل الأحوال ما زال التيار الإسلامي يتبنى حديث المخاطر بالنسبة للمشاركة في الانتخابات القادمة، أكثر من تبنيه حديث الفرص في هذه الانتخابات.
وهنا يبدو أن هناك إشكالين:
الأول: هو الشرعية وتأسيسها على ما يرونه “شرعية الرئيس مرسي”، لسان حال هؤلاء أن الانتخابات تضفي الشرعية على النظام القائم وتؤدي إلى إشكالات كثيرة، ورغم تبني هؤلاء للطريق الثوري إلا أن ذلك لا يجد له أثراً على أرض الواقع، خاصة أن الرهان على التعبئة الشعبية في ظل الغضب الشعبي واستنهاض القوة لمشروع ثوري وحشدي، لا زالت تعاني من أدوات عليلة وكليلة وأن البيئة قد لا تتضمن سياقات وقابليات مواتية، وأن بعض هؤلاء الذين يدعون إلى المواجهة قد يستهينون بأمور عدة لها تأثير كبير على مجرى الأحداث (الدولة العميقة، الثورة المضادة، المؤسسة العسكرية وقيادتها الحالية والمستقبلية، تحكم الأجهزة الأمنية، تحكم الإدارة والحالة البيروقراطية التي قد تمارس العصيان بلا عصيان).
ما زال التيار الإسلامي يتبنى حديث المخاطر بالنسبة للمشاركة في الانتخابات القادمة أكثر من تبنيه حديث الفرص في هذه الانتخابات
الإشكال الثاني يتعلق بتصور “الانفراجة”، رغم أن هذا التيار يجعل من “الانفراجة” تمنياً ورغبة لا بأس بها، من جرّاء طور المواجهة والشعور بالمظلومية والتضحية وعمليات الاستنزاف المستمرة التي تتعرض بالقتل خارج نطاق القانون والاختطاف القسري والاعتقالات والمطاردات، يبدو أن بعض هؤلاء ينتظرون من يأتي ليقوم بالانفراجة.
نعتقد في هذا المقام أنه من الممكن للتيار الإسلامي أن يضغط في اتجاه الانفراجة المحتملة وخرائطها ويجعلها في قلب الانتخابات الرئاسية، على الرغم من أنه قد ينظر إلى أن المسار الانتخابي على أنه اختيار فاشل لا يمكن قبوله. وبالرغم من ذلك فهناك أصوات متزايدة داخل التيار الإسلامي تنادي بمخرج جديد أو بطريق ثالث تراه، يمكن أن يسهم في تفعيل مسار رفض تجديد رئاسة السيسي من دون التورط والانخراط في المسار الانتخابي، وذلك من خلال:
أولاً: أنها لابد أن تبقى على خطابها بعدم الاعتراف بشرعية النظام، وأنها لا يمكن أن تقدم سندًا للانتخابات.
ثانيًا: أنها تقدم روشتة الضرورة لإنقاذ وطنٍ وشعب وفق استراتيجياتٍ ثلاث:
-
- السكوت عن هؤلاء الذين سيدخلون هذه العملية الانتخابية من التيارات المدنية، وعدم انتقادهم أو هجائهم.
-
- استراتيجية فضح النظام، وتصوير مرشحه الذي يجب محاكمته وأنه المستبد الذي يجب إزاحته.
- تمرير الانفراجة وتبنيها لتفرض على أجندة الوطن والمرشحين.
وبالرغم من ذلك فهناك أصوات متزايدة داخل التيار الإسلامي تنادي بمخرج جديد أو بطريق ثالث تراه يمكن أن يسهم في تفعيل مسار رفض تجديد رئاسة السيسي، من دون التورط والانخراط في المسار الانتخابي
ما ينادي به هؤلاء يمكن ترجمته للخطوات العملية التالية:
-
- ألا يتورط التيار الإسلامي في هذا المشروع الانتخابي بشكل مباشر.
-
- أن يحرص على تأسيس خطابٍ يركز على المرشح السيسي؛ ليقوم بعمليتي فضح وتحطيم هذه المنظومة على نحو ممنهج وباستراتيجيةٍ واضحة.
-
- الإسهام في تحديد المواصفات والشروط التي تتعلق بمن يحكم مصر.
- وضع المصالحة المجتمعية وإدارة الانفراجة في قلب الأولويات، التي تتعلق بالمرشحين في الانتخابات القادمة.
إن المنادين بهذه المقاربة من التيار الإسلامي يرون أن المشهد القادم سيفرض نفسه شاءوا أم أبوا، وتصور السياسية الذي يؤكد على أنها في أحد تعريفاتها هي فن صناعة البدائل وأنه في السياسة عدم الوجدان لا يعني عدم الوجود، وأن أشخاصًا قد لا يكونون موضع تقدير التيار الإسلامي أو لهم عليهم ملاحظات وتحفظات، ولكنهم يتقدمون لتلك الساحات والمساحات التي تستهدف إحراج النظام وحصاره في الزاوية، كما أن السياسة تعني أن الحضور أولى من المغيب على أن يجمع هذا في هذا المشهد، بينما يمكن تسميته أيضًا بالحضور المحسوب والتدبير المطلوب، والسياسة تعني كذلك أن الفراغ لابد وأن يُملأ وأن الفراغ يملأ بك أو بغيرك، فهل يمكن لهذا التيار أن يبحث عن موضع قدم تأثير في تلك المساحات (فضح النظام، الانفراجة، إمكانية الالتئام في الفترة القادمة مع التيار المسمى بالمدني).
وفق ذلك لابد أن يكون لهذا التيار حساب للمخاطر والفرص والقدرات والإمكانات وتمايز المواقف والسياسات.
————————————————————————————
(1) من المرتقب أن تكون العملية الانتخابية فى مصر لانتخاب رئيس الجمهورية خلال الفترة من فبراير ٢٠١٨ حتى شهر مايو ٢٠١٨ ، حيث ستبدأ كما هو متوقع مع شهر فبراير فتح باب الترشح للانتخابات، بعده تتم عملية فرز أوراق المتقدمين للترشح من قبل اللجنة القضائية المشرفة على الانتخابات، وبعد إعلان من يحق لهم الترشح ستبدأ الحملة الدعائية للمرشحين، حيث سيعلن كل مرشح برنامجه الانتخابى، بعد ذلك الصمت الانتخابى يعقبه انتخابات الرئاسة المصرية التى ستتم في الداخل والخارج، على أن يتم تنصيب الرئيس الجديد فى يونيو 2018.
(2) تنتهي فترة ولاية عبد الفتاح السيسي في 7 يونيو 2018 .