التقارب العراقي السعودي: قراءة في الدلالات والمآلات
شهدت العلاقات العراقية السعودية في الآونة الآخيرة حراكاً سياسياً بين المسؤولين على مستويات مختلفة بين البلدين؛ بغية تجسير الهوة وتقريب وجهات النظر بينهما على الأقل في القضايا المشتركة، خاصة بعد متغيرات كثيرة شهدتها المنطقة في السنوات القليلة الماضية في بعديها الإقليمي والدولي، وبهذا الحراك وما تضمنه من زيارات ومحادثات واتفاقات متبادلة تتجاوز العلاقات العراقية السعودية القطيعة السياسية التي دامت أكثر من ربع قرن منذ الغزو العراقي للكويت عام 1990م.
ولا شك أن الناظر في البعد التاريخي لهذه العلاقات يقف على خطوط متباينة يغلب عليها التوتر منذ تأسيس الدولتين في النصف الأول من القرن الماضي حتى يومنا هذا، دون أن يكون للتغاير في صور ومظاهر الحكم السياسي الذي شهده العراق طيلة عقود طويلة أثر في تجاوز حالات التوتر هذه، وعلى الرغم من التوافق السياسي الذي شهدته العلاقات إبان الحرب العراقية الإيرانية ما بين 1980م-1988م إلا أنه لم يكن في حقيقته سوى تقاطع مصالح ضد التوسع الإيراني في المنطقة[1]، لترسم لنا المراحل الزمنية المتطاولة في تاريخ هذه العلاقات حالة عدم الاستقرار الدائمة، وعدم القدرة على إيجاد توازن طبيعي في السلوك السياسي من البلدين سواء على مستوى العلاقات البينية أو حيال القضايا الإقليمية والدولية، ومرجع ذلك كما هو ظاهر تغاير التكوين الفكري والمرجعي لكلا النظامين على الرغم من عدم استقرار الحكم السياسي في العراق في إطار مرجعي واحد في العهدين الملكي والجمهوري، مع الأخذ بنظر الاعتبار طبيعة الاستقطابات الدولية والإقليمية التي تؤثر على صياغة المواقف لدى البلدين[2].
وجاء الاحتلال الأمريكي للعراق عام 2003م ليكون منعطفاً في العلاقات العراقية السعودية، فقد كانت المملكة تهدف من وراء إسقاط نظام صدام حسين إلى الانفتاح في إطار علاقات متوازنة بعيداً عن التوتر والتأزم، ولكن ظهور متغير جديد في المشهد العراقي وهو المتغير الإيراني جعل العلاقات العراقية السعودية تزداد تأزماً؛ لأن الأخيرة وجدت نفسها أمام منظومة سياسية عراقية تستحكم فيها إيران من خلال قيادات وأحزاب وجماعات أغلبها احتضن وشكل في أراضيها، وكانت لها مواقف معارضة للنظام السعودي سواء على مستوى سياستها الداخلية أو الخارجية، واستمر هذا الحال حتى عام 2014م[3].
ثم بعد التغير الشكلي في المنظومة السياسية في العراق بتشكيل العبادي لوزارة جديدة، كانت له فيما يظهر بعض الرؤى التي تعبر عن الانفتاح على دول الجوار دون أن يكون له تأثير على مرجعية النظام السياسي ومساره، وبموجب ذلك شهدت العلاقات العراقية السعودية بعض الانفتاح الذي تجسد في إطار لقاءات للمسؤولين في البلدين في مناسبات مختلفة بجدة وباريس ونيويورك، أعقبه فتح السفارة السعودية ببغداد عام 2015م، ثم عادت العلاقات إلى التوتر عقب أزمة المعارض الشيعي السعودي نمر النمر الذي أعدمته السلطات السعودية، وتصريحات السفير السعودي في العراق الذي انتقد السياسة الطائفية التي ينتهجها النظام العراقي ليطغى التوتر على العلاقات بين البلدين في عام 2016م[4].
ولكن شهد هذا العام انفراجاً في علاقات البلدين تمثل في الزيارات المتبادلة على مستويات مختلفة، أعقبه خطوات عملية على التعاون المشترك، وقد تضمن البيان المشترك الذي نشرته وكالة الأنباء السعودية (واس) عقب زيارة العبادي إلى المملكة في العشرين من شهر يونيو من العام الحالي تبادل وجهات النظر حول آفاق وسبل تطوير العلاقات الثنائية، وتكثيف التعاون في المجالات كافة، بالإضافة إلى بحث القضايا الأقليمية والدولية ذات الاهتمام المشترك، وقد عبر البلدان عن تصميمهما على مواصلة جهودهما الناجحة لمحاربة ما أسماه البيان التنظيمات الإرهابية[5]، ولم يقف الأمر عند زيارات المسؤولين بل تجاوزه كذلك إلى محاولة استقطاب الشخصيات السياسية ذات الحضور الجماهيري الفاعل في المشهد السياسي العراقي، كما تمثل ذلك في زيارة مقتدى الصدر بدعوة من المملكة في الثلاثين من يوليو الماضي.
وإزاء هذه المعطيات في مشهد العلاقات العراقية السعودية تثار جملة من السؤالات:
-
- أيعد التقارب العراقي السعودي تغيراً في البعد الفكري للسياسة الخارجية السعودية، أم أن له بعداً مصلحياً؟ وما نوع العراق الذي تريده المملكة في المرحلة القادمة؟ وهل تمتلك المملكة أدوات التأثير في القرار السياسي العراقي؟ وهل للبعد الطائفي دور في مستقبل هذا التقارب؟
-
- أيعد التقارب العراقي مع المملكة خروجاً عن المنظومة الإيرانية المستحكمة في العراق؟ أم أنه مناورة مصلحية يقصد منها التعبئة السياسية للاستحقاقات القادمة؟
- ألا يعد التقارب العراقي السعودي استجابة لإملاءات إقليمية ودولية ترمي إلى إضعاف الدور الإيراني في العراق والمنطقة؟ أم أن مقتضيات المرحلة الراهنة دفعت باتجاهه دون أن تؤثر في المسارات المرجعية للمنظومتين؟
التقارب العراقي السعودي: الدلالات والرؤى:
تباينت الرؤى حول دلالات التقارب العراقي السعودي بعد الزيارات المتبادلة بين مسؤولي البلدين عقب مرحلة طويلة من الركود وقطع العلاقات، بعد الاحتلال الأمريكي للعراق وتسلم السلطة من قبل النخب السياسية الشيعية القريبة من إيران، والمشكل في هذا السياق أمران، الأمر الأول متعلق بطبيعة الشخصيات التي دعيت إلى زيارة المملكة، من أمثال وزير الداخلية العراقي قاسم الأعرجي، وهو شخصية تنتمي لمنظمة بدر[6] ذات العداء السافر للنهج السعودي، ومقتدى الصدر زعيم التيار الصدري ذي المواقف السياسية المتباينة وذي الشعبية الجماهيرية في الشارع العراقي. الأمر الثاني: طبيعة التصريحات التي أعقبت هذه الزيارات، وما حدث فيها من تجاذب وتباين في المضامين، وبخاصة تصريح وزير الداخلية العراقي الذي ضمَّنه أن السعودية طلبت من العراق التوسط بينها وبين إيران، وهو ما نفاه وزير الخارجية السعودي[7]، لتظهر لنا صورة من صور التجاذبات السياسية التي تستخدم فيها الوسائل بنوعيها المشروع وغير المشروع.
واللافت للنظر أن هذا التقارب في غالب تفاعلاته كان بعد الحملة العسكرية لتحرير الموصل من تنظيم الدولة، مما يعطي مؤشراً ظاهراً على التوافق في الرؤى على الأقل في إطار محاربة ما يسمى بالإرهاب، وإزاء هذه المستجدات في الموقف بين الطرفين، كان لا بد من الوقوف عند دلالات هذا التقارب ومحاولة استجلاء الموقف من خلال تصريحات المسؤولين في البلدين، وكذلك التحليلات السياسية التي حاولت استنطاق هذا الحراك السياسي بين البلدين، وقوفاً عند السيناريوهات المحتملة التي تجلي أو تقارب مقاصد هذا التقارب وأهدافه لدى مسؤولي البلدين، وما يمكن أن تؤول إليه سياسات البلدين في المرحلة القادمة في سياق إقليمي ودولي مضطرب.
ففي الوجهة السعودية نجد قراءات متعددة في توجيه هذا التقارب، أغلبها تصب في مسارين:
الأول: المسار الأمني
والذي يعد الهاجس الأكبر في العقلية السعودية، إذ تدرك المملكة أن العراق ينطوي على مليشيات وجماعات مسلحة، كثير منها لا يخفي ارتباطه بإيران، وتعدها الرياض تنظيمات إرهابية تهدد الأمن القومي السعودي، ومن ثم فإن العبادي وحكومته مطالبون في ضوء الرؤية السعودية باتخاذ خطوة مهمة باتجاه تقويض عمل تلك المليشيات[8]، وهذا في الحقيقة ليس محل اتفاق بين الجانبين، إذ كانت هذه القضية بالذات سبباً في تأزيم الموقف بين البلدين بعد تصريحات السفير السعودي في العراق ثامر السبهان بشأن مشاركة الحشد الشيعي في معارك طرد تنظيم الدولة التي ترفضها القوى السنية والكردية على حد سواء[9]، وهذا يعطي مؤشراً إلى أن قضية المليشيات الشيعية المدعومة من التيارات السياسية في العراق لا يمكن المساس بها، الأمر الذي يضعف معه التأثير السعودي في هذا الاتجاه، خاصة بعد الانتصارات التي حققتها هذه المليشيات مع القوات العراقية في معركة الموصل وما أعقبه من تصريحات للمسؤولين العراقيين، وتبقى القضية المتفق عليها في هذا السياق هي تنظيم الدولة وضرورة طرده من الأراضي العراقية، وهذا الذي أشار إليه كثير من الإعلاميين السعوديين، أن التقارب جاء من منظور أمني تنظر المملكة من خلاله لكل ظواهر الإرهاب[10] في السياقين الإقليمي والدولي[11].
ثانياً: المسار السياسي
وأبرز دلالات التقارب في هذا السياق أن المملكة تحاول من خلاله الاستثمار السياسي في العراق في مرحلة ما بعد طرد تنظيم الدولة، خاصة وأن المملكة كما يرى بعض المراقبين تشهد تراجعاً في البعد الاستراتيجي بعد صعود محمد بن سلمان بانتهاجها لسياسة خارجية يصفها بعض الغربيين بأنها سياسة تدخل متهورة في الملفات الإقليمية والدولية[12]، وهذا يثير بدوره تساؤلاً حول مدى تغير السياسة الخارجية السعودية عن مسارها العام الذي شهدته في المراحل الزمنية السابقة، إذ أن التحرك الخارجي السعودي في الغالب لا يكون إلا في سياق الإملاء والدعم الأمريكي والدولي، بالإضافة إلى أن التقارب مع العراق يأتي في سياق إقليمي متأزم يشهد تراجعاً في الحملة السعودية في اليمن، وفي الأزمة مع قطر على حد سواء، فهذان عاملان رئيسان يدفع المملكة باتجاه هذا التقارب تبحث في أثنائه فيما يبدو عن نجاحات سواء على المستوى السياسي أو الاقتصادي دون أن تكون خارجة عن المنظومة الأمريكية، وكذلك محاولة التقليل من تأثير الهيمنة الإيرانية في المشهد العراقي باستقطاب الشخصيات الشيعية العربية، والمملكة في واقع الأمر لا تملك من الأدوات الفاعلة في التأثير على الساحة العراقية إلا ما كان في الإطار الدبلوماسي التي تغلب عليه لغة المجاملة والمداهنة، والمراهنة على تفعيل الدور الأمريكي في العراق بإضعاف المنظومة الإيرانية المستحكمة فيه.
في خضم هذا كله يمكننا القول: إن المملكة تبحث عن مصالحها في البعد الإقليمي على وجه الخصوص، وهذا الذي يفسر الدعوات الموجهة من قبل حكام المملكة للمسؤولين العراقيين والشخصيات السياسية البارزة في العراق، بمعنى أن النهج السعودي في سياسته الخارجية لم يتغير في بعده المصلحي النفعي منذ عقود، وإنما الذي تغير هو المظهر السافر له مع زيادة في درجة تصعيده المقترن بغياب العقلانية في المواقف.
وفي ظل هذا التوصيف نجد أن الاستثمار السياسي للتقارب مع العراق تُقرأ منه عدة أهداف تتفاوت من حيث القوة والضعف بحسب قراءات المراقبين، ومنها[13]: لعب دور محوري في المنطقة ومنها العراق بعد تأييد أمريكي بجعل المملكة فاعلاً سياسياً يهدف إلى احتواء الدور الإيراني وإضعافه تدريجياً، أو على الأقل التنافس معه، وإحداث اختراقات داخل البيت الشيعي بتفضيل بعض الفرقاء على غيرهم في إطار قاعدة أهون الشرين، وتطويق ما يسمى بالإرهاب والقضاء عليه وبخاصة تنظيم الدولة الذي سيطر على أراضٍ شاسعة في سوريا والعراق، وحماية أمنها وحدودها منها، والدفع باتجاه إحكام النظام العراقي السيطرة على المليشيات المسلحة وتعزيز سلطة النظام على المشهد السياسي العراقي، ومحاولة ترميم الصف السني بدعم المشروع الموحد لأبناء السنة، وإن كان هذا الهدف في ضوء النهج السعودي ومتغيراته الحالية بعيد المنال، وإعادة العراق إلى الحاضنة العربية باستغلال فرصة التوتر ظاهراً في العلاقات الأمريكية الإيرانية في عهد الإدارة الأمريكية الجديدة، وهذا الهدف الأخير ظاهر الضعف بسبب استحكام التوغل الإيراني في الشأن العراقي بجميع مفاصله.
وأما في الوجهة العراقية، فيظهر مساران يصبان في توجيه هذا التقارب، وهما:
الأول: المسار السياسي
ويتمثل في إطارين، الأول: محاولة الساسة في العراق كسب الدعم الإقليمي والدولي للنهج المتبع في المنظومة السياسية العراقية بعد اتهامها بالطائفية، واستهداف القرب من المحضن العربي والإقليمي؛ وهي قضية في غاية الأهمية، إذ يقصد منها تحسين الصورة خارجياً، وإعادة الفاعلية إلى العراق في البعدين الإقليمي والدولي، ولذلك يشير بعض المراقبين إلى أن العراق بحاجة إلى إعادة النظر في بنيته الداخلية وتجاوز كثير من بؤر التأزم في البناء الاجتماعي والسياسي العراقي سواء في بعده الطائفي أو العرقي، والنأي عن نظام الوجهة الواحدة الذي كان متبعاً في عهد نوري المالكي؛ ليتسنى له لعب دور إقليمي كما كان شأنه قبل الاحتلال[14]، وهي رؤية بعيدة المنال في ظننا؛ لأن الناظر في الواقع السياسي العراقي بادي الرأي يدرك هشاشة بنائه السياسي الذي على وشك الانهيار في سياق التقسيم، والمثال الكردي حاضر بقوة في هذا المشهد، هذا من جهة، ومن جهة أخرى أن إيران التي تعد اللاعب الرئيس في العراق يرى مراقبون أنها هي التي أعطت الإذن للعراق بفتح المسار للتقارب مع المملكة؛ بحكم تغلغل إيران في مفاصل الدولة العراقية، وأن عليها -حسب رأيه- إزاء ذلك أن تتقبل فكرة انحسار بعض نفوذها في المنطقة[15]. والإطار الثاني: هو الاستحقاقات السياسية القريبة، فجميع السياسيين يرمون إلى كسب معركة الانتخابات القادمة، وهذا يستدعي بطبيعة الحال كسب التأييد داخلياً وخارجياً.
وتثار في هذا المسار إشكالية البعد الطائفي وأثرها في مستقبل التقارب بين البلدين، وهذا البعد تداولته وسائل الإعلام ومراكز البحوث بقوة على الأخص عقب زيارة مقتدى الصدر[16] زعيم التيار الصدري بدعوة من ولي العهد السعودي في الثلاثين من يوليو الماضي؛ بحكم التغاير في المنهج والرؤية والمنظور، ويعد في حقيقته أحد التحديات التي تواجه علاقات البلدين في المرحلة القادمة.
ويظهر أن المملكة لا ترمي من وراء التقارب إزالة الانقسام الطائفي في المنطقة؛ لأنه مستحكم في واقع الأمر، بل ترمي من ورائه فيما يظهر تحسين صورتها عند الشيعة؛ تناسباً مع مقاصدها في لعب دور هام في السياق الإقليمي، وأما تجاوب الصدر مع الدعوات السعودية فيأتي في إطار مساعيه لتعزيز سمعته العربية والقومية[17]، وهذه قضية ظاهرة في الشأن العراقي، إذ إن هناك مؤشرات للصراع داخل البيت الشيعي بين طرفيه العربي والفارسي، وهذا بدوره يستدعي أمثال الصدر ذي النسب العربي أن يستقطب العرب خارج الدائرة العراقية.
الثاني: المسار الاقتصادي
ويلزم حضوره بقوة في هذا التقارب، إذ من المعلوم أن العراق يعاني من عدة مصاعب اقتصادية؛ بسبب ميزانية الحرب ضد تنظيم الدولة، إضافة إلى تراجع أسعار النفط الذي أدى إلى اختلالات وعجز قياسي في الموازنة العامة، والتكاليف المرتفعة لمشاريع الإعمار التي تشهد تباطؤاً وفساداً، وبالنظر إلى مسيرة العلاقات الاقتصادية بين العراق والسعودية فإنه لا يتجاوز معدل التبادل التجاري بينهما خلال السنوات العشر الماضية ملياري دولار سنوياً، وكان أعلى ما وصله هو 18.3 مليار دولار في 2009م[18]، ومعلوم لمن يطلع على المشهد العراقي من الداخل حجم التوغل الإيراني في مفاصل الحياة، ومنها المشهد الاقتصادي، ومن شأن الدعم السعودي للعراق اقتصادياً تحييد الدور الإيراني في الداخل العراقي، لهذا كان أحد مضامين التقارب بحث العلاقات التجارية بينهما، ويشهد لهذا البيانُ الرسمي الذي أعلن عقب الزيارة الرسمية لرئيس الوزراء العراقي حيدر العبادي، حيث ضمن الاتفاق على تأسيس مجلس تنسيقي بينهما للارتقاء بالعلاقات إلى المستوى الاستراتيجي المأمول وفتح آفاق جديدة من التعاون في مختلف المجالات، وكان المشهد الاقتصادي حاضراً بقوة في هذا البيان[19]، وتأتي الزيارة الأخيرة لوزير التجارة والاستثمار السعودي إلى بغداد في الثاني والعشرين من الشهر الجاري لتعزيز هذا التوجه[20].
الخاتمة: في مآلات التقارب:
جاء التقارب العراقي السعودي في الآونة الأخيرة؛ ليدلل على مراجعة واضحة في المواقف المشتركة بين البلدين على مختلف الأصعدة، وتجسد ذلكم التقارب في زيارات متبادلة على مستوى القيادات والشخصيات السياسية، وقد أثار هذا التقارب تساؤلات وإشكاليات في سياقات متعددة؛ وقوفاً عند دلالاته ومضامينه، وقد وقفنا عندها في سياق هذا التقدير، ومن المهم البحث عن مآلات هذا التقارب، وهنا يبرز في رأينا سيناريوهان لهذا التقارب يشكل فيهما التدافع الإقليمي عاملاً فاعلاً باتجاه أحدهما:
الأول: أن هذا التقارب يتجه نحو تجاوز الإشكاليات التي تغذي التوتر والقطيعة بين البلدين، وخاصة ما تعلق منها بالبعد الطائفي، ليدلل على أن المملكة العربية السعودية والعراق يرسمان سياسة مصلحية نفعية في إطار تدافع إقليمي يصب في هذا الاتجاه، فالمملكة تغلب مصالحها بنهج يتوافق مع الإملاءات والرؤى الأمريكية على حساب دعوتها المنهجية التي غلبت على خطابها الظاهر لعقود طويلة، وفي المقابل نجد أن العراق يحاول كسب التأييد الإقليمي والدولي من جهته السياسية، وتسويق الشعائر والطقوس الدينية الشيعية على أنها حرية شخصية، وبهذا تفسر مطالبة شيعة العراق بفتح المجال لبعض طقوسهم وشعائرهم في أرض الحجاز، ويظهر أن الخطوات التي اتخذت بين الجانبين عقب الزيارات تشير إلى أن هذا التقارب يذهب أبعد مما هو عليه الآن، ولكن مع كل هذه المؤشرات على مآلات التقارب، إلا أنه لا يصل إلى حد التطابق في النهج السياسي وإطاره المرجعي.
الثاني: أن العلاقات العراقية السعودية ستعود إلى مربعها الأول من التوتر والبرود السياسي بين البلدين؛ بسبب ما تنطوي عليه المنظومتان من التباين الفكري والمنهجي، ووجود مليشيات مستحكمة في الواقع السياسي والأمني العراقي وهي مدعومة من إيران، وبسبب الخشية من تحويل العراق إلى ساحة حرب بالوكالة بين السعودية وإيران، وهو أمر تمليه البنية الداخلية للعراق وإطاره الإقليمي على حد سواء، ويظهر أنه مستبعد في بعده الزمني القريب.
[1] قُدر الدعم السعودي للعراق إبان الحرب العراقية الإيرانية بما يقرب من ثمانية وعشرين مليار دولار. انظر: جوزيف مكميلان، تقرير خاص رقم 157: المملكة العربية السعودية والعراق: النفط والدين وتناحر طويل مستمر، مركز السلام الأمريكي: https://goo.gl/spnbgU، يناير 2006م، ص5.
[2] علي بشار أجوان، السياسة الخارجية العراقية بين النظرية والتطبيق: دراسة حالة العلاقات العراقية السعودية حتى عام 2014م وآفاقها المستقبلية، مركز أنقرة لدراسة الأزمات والسياسات، Bölgesel Araştırmalar Dergisi، مايس، 2017م، ص41.
[3] د.مؤيد الونداوي، العلاقات العراقية السعودية: إلى أين؟، وكالة أخبار العرب: https://goo.gl/1DL2rA، 13/6/2017م.
[4] تطور العلاقات السعودية العراقية: الدوافع والتحديات (تقدير موقف)، مركز الفكر الاستراتيجي للدراسات: https://goo.gl/pahcph، 28/7/2017م.
[5] بيان مشترك بين المملكة العربية السعودية والعراق، وكالة الأنباء السعودية: https://goo.gl/tLu6yd،20/6/2017م.
[6] منظمة بدر: منظمة شيعية مسلحة، أنشئت عام 1982م بإرادة إيرانية في عهد الخميني، وكانت في أولى مراحلها الجناح العسكري للمجلس الأعلى الإسلامي بزعامة محمد باقر الحكيم، وهي إحدى المنظمات التي ساهمت في تشكيل عراق ما بعد الاحتلال، ثم في عام 2012م حدث الانفصال بين المنظمة والمجلس الأعلى على خلفية التباين في المواقف السياسية في إدارة الدولة، يعد هادي العامري وزير النقل السابق أبرز رموزها، وهو شخصية مثيرة للجدل؛ بسبب الولاء المطلق لإيران، وتتهم المنظمة بتصفية الكوادر والنخب العراقية انتقاماً لسنوات الصراع مع إيران، بإلاضافة إلى جرائم القتل والتهجير والاعتقال الممنهج منذ عام 2006م، يقدر عدد المنظمة بنحو مائة ألف عنصر مسلح، انظر: بدر: مليشيا عراقية حاربت صدام وقاتلت مع الأسد، موسوعة الجزيرة: https://goo.gl/xcxriR، 11/2/2016م.
[7] ينظر بشأن التصريحات: الأعرجي: السعودية طلبت وساطة العراق مع إيران، الجزيرة نت: https://goo.gl/q4obmY، 14/8/2017م.
[8] صافيناز محمد أحمد، العلاقات السعودية العراقية: دلالات التقارب في ضوء المتغير الإيراني، مركز الأهرام: https://goo.gl/HqacBj، 5/4/2017م.
[9] برنامج: حوار خاص، قناة السومرية: https://goo.gl/JXLZEe، 23/1/2016م.
[10] مفهوم أو مصطلح (الإرهاب) TERRORISM هو من أكثر المفاهيم التي كانت وما زالت عرضة للتلاعب والاستخدام المزدوج من أطراف كثيرة في مقدمتها الولايات المتحدة والغرب وكثير من الأنظمة التسلطية والتعسفية والدكتاتورية؛ محاولين تطويع هذا المفهوم واستخدامه ذريعة للبطش بالمناوئين والمعارضين والتنكيل بحركات التحرر من الاستعمار والظلم والاستبداد. انظر: د.أكرم مشهداني، الإرهاب بين المفهوم القانوني والاستخدام السياسي المزدوج، مجلة البيان: https://goo.gl/c9kVvN، 27/6/2011م.
[11] محمد محفوظ، المملكة ومكافحة الإرهاب في العراق، صحيفة الرياض: https://goo.gl/6SsU19، 28/2/2017م.
[12] إلى أين تتجه السعودية بعد اقتراب ابن سلمان خطوة من العرش؟، قناة DW: https://goo.gl/namjpj، 21/6/2017م.
[13] التقارب العراقي السعودي يستفز إيران، فكيف سترد؟، القرطاس نيوز: https://goo.gl/8CPd7K، 10/8/2017م، تطور العلاقات السعودية العراقية: الدوافع والتحديات، مرجع سابق، تركي الدخيل، السعودية والعراق فضاءات العروبة، الشرق الأوسط، العدد (13972): https://goo.gl/xRxZP2، 28/2/2017م.
[14] حسين درويش العادلي، العلاقات العراقية السعودية: نظرة من الداخل، الصباح العراقية: https://goo.gl/paVKnf، 28/1/2016.
[15] مازن حماد، ما وراء زيارة الجبير لبغداد، الوطن القطرية: https://goo.gl/NLWNPY، 28/2/2017م.
[16] مقتدى الصدر يعد حالياً من أبرز الزعماء الشيعة في العراق في بعده السياسي، ولد عام 1973م، والده محمد الصادق الصدر زعيم الحوزة الناطقة بالنجف، وقد اغتيل مع ولديه عام 1999م، برز مقتدى الصدر كزعيم سياسي بعد الاحتلال الأمريكي للعراق عام 2003م، فقام بتأسيس التيار الصدري، وكان في بداياته يمارس المعارضة السلمية للاحتلال وحكومته، ولكن بعد مواجهات بين المتظاهرين السلميين والقوات الأمريكية قام بتأسيس جيش المهدي الذراع العسكري للتيار الصدري؛ ليدخل فيما بعد في مواجهة عسكرية مع القوات الأمريكية والقوات العراقية بالنجف عام 2004م، ولم تنته إلا بعد تدخل المرجع الشيعي في العراق علي السيستاني، شهد التيار الصدري عقبها تغيراً بقبوله المشاركة في العملية السياسية، دون أن يترتب عليها إلغاء الذراع العسكري الذي توجه إليه اتهامات بالتصفية الطائفية، حتى تم تجميد أنشطته وتغيير هيكلته عام 2008م، وشهدت المرحلة اللاحقة تجاذبات بين التيار الصدري وحكومة المالكي، أفضت إلى الاعتزال السياسي لزعيمه مقتدى الصدر ما بين عامي 2007م و2011م، ثم بعد اعتزاله عاد بقوة في المشهد السياسي وقام في يونيو عام 2014م بتشكيل سرايا السلام للدفاع عن المراقد والمساجد والكنائس بالاتفاق مع الحكومة العراقية، شهد شهر أبريل من عام 2016م اعتكافاً للسيد مقتدى الصدر واقتحاماً لأنصاره في المنطقة الخضراء والبرلمان العراقي، على إثر تجاذبات سياسية حول شكل حكوم حيدر العبادي، ولا شك أن مقتدى الصدر وتياره السياسي يقوم على أساس جماهيري له قوته في المشهد السياسي، وعلى وجه الخصوص في بغداد والنجف. انظر: مقتدى الصدر، موسوعة الجزيرة: https://goo.gl/mg3pco، 4/12/2014م.
[17] التقارب السعودي العراقي: خطوة ضد الطائفية أم للالتفاف على إيران؟، عبدالرحمن عمار، قناة DW: https://goo.gl/imhhSs، 17/8/2017م.
[18] هل تنتصر محفزات الخليج الاقتصادية على نفوذ إيران في العراق؟، https://goo.gl/LTLyRX، 31/3/2017م.
[19] بيان مشترك بين جمهورية العراق والمملكة العربية السعودية، https://goo.gl/vsBkC5، 20/6/2017م.
[20] الدكتور القصبي يبحث تنمية العلاقات التجارية والاستثمارية مع رئيس الوزراء العراقي، وكالة الأنباء السعودية: https://goo.gl/kXX8wC، 23/8/2017م.