انقلاب عدن خطوة خطيرة نحو تقسيم اليمن
سقطت أغلب أحياء ومعسكرات عدن في يد المجلس الانتقالي الجنوبي في ٣٠ يناير ٢٠١٨ بعد قتال سريع استمر ليومين وأوقع عشرات القتلى والجرحى. تأتي هذه التطورات بعد إنذار وجهه المجلس للرئيس عبد ربه منصور هادي بالتخلص من رئيس وزرائه بن دغر خلال أسبوع واحد وإلا سيقوم المجلس بما يتوجب عليه.
يسعى المجلس الانتقالي الجنوبي (انفصاليون مدعومون من الإمارات) إلى إنشاء دولة اليمن الجنوبي التي كانت موجودة قبل الوحدة في عام ١٩٩٠، وقد ساعدوا القوات الحكومية في حربها على المتمردين الحوثيين المدعومين من إيران، ولكن خلافات نشبت بين الطرفين في الفترة الأخيرة. حكومة بن دغر ما زالت في القصر الرئاسي الذي تم تطويقه بقوات إماراتية وأخرى تابعة للمجلس الانتقالي الجنوبي.
تأثير الانقلاب على السلطة “الشرعية” في عدن حتى إذا تم احتواؤه سعوديا بخطوات رمزية، قد يؤدي لعواقب وخيمة، أهمها:
- وقوع حرب أهلية جديدة، من المتوقع لها أن تؤدي لكيانات (سلطنات) جنوبية عديدة وليس لدولة واحدة للجنوب، كما ستزيد من احتمالات انجراف اليمن لفوضى كاملة.
- تأكيد دعاوى عبد ربه منصور هادي المتكررة بأن قوات الإمارات هي قوات احتلال، ولها أجندة مخالفة لما يعلنه التحالف العربي. صورة الإمارات التوسعية على الأرض ستكون لها تداعيات عكسية على أنشطتها في ليبيا وتونس ومصر والقرن الأفريقي.
- القتال الحالي قد يحدث شرخا في العلاقات السعودية الإماراتية، حيث يدعم كل منهما طرفا من طرفي الصراع في عدن، على الأقل في ظاهر الأمر، وإلا فإن مراقبين يرون دعم الانفصاليين الجنوبيين يتم بتنسيق سعودي إماراتي، وهو ما يعني تحول وجهة التحالف العربي من مواجهة الحوثيين إلى تقسيم اليمن. التحالف العربي في واقع الأمر يكاد ينحصر حاليا في السعودية والإمارات، مع بعض المشاركات الرمزية الأخرى غير المؤثرة. موقف السعودية من انقلاب عدن يبدو حتى الآن مرتبكا، بطيئا، تائها، وبلا استراتيجية حاكمة.
- دعوات الجنوبيين للانفصال قديمة ولم تمت بعد الوحدة مع الشمال، لكن الطارئ هنا هو حاضنتها الإماراتية، وتداعيات ذلك على الوضع العربي الذي يشهد تدخلا سافرا لدولة عربية في دولة عربية أخرى ضد رغبة حكومتها الشرعية، وحكومتها المنقلبة على حد سواء. هذا الاحتواء الإماراتي لانفصال الجنوب سيعمق احتمالات الحرب الأهلية الجديدة، خاصة وأن قيادة الانفصاليين خاضعون تماما للتوجهات الإماراتية، ويكفي أن نرى توصيف أحد قادتهم (هاني بن بريك نائب رئيس المجلس الانتقالي) للاحتفالات بالسيطرة على عدن بقوله في تغريدة له:
“بعض أفراح شباب وأهالي عدن قبيل فجر اليوم، نسوا كل الآمهم وجراحاتهم، نسوا الهموم المتراكمة فرحة بانتصارهم الثالث في ثلاث سنوات :
ضد الحوثي وعفاش
ضد القاعدة وداعش
ضد مفرخة القاعدة وداعش أمهم الكبرى خُوَّان المسلمين أذناب قطر”.
هذا التوصيف يضع قتال الجنوبيين لأبناء شعبهم على أجندة إماراتية، ومن شأنه أن يزيد تعقيدات الحرب الأهلية عمقا ومرارة. ظهور المجلس الانتقالي كأداة إماراتية يعزز احتمالات فشل الانقلاب الجديد.
- التطورات الأخيرة ستضاعف المعاناة الإنسانية للشعب اليمني على كافة الأصعدة، فإذا كانت تقديرات الأمم المتحدة قبل التطورات الأخيرة أن المأساة الإنسانية اليمينة هي الأكبر في العالم منذ خمسين عاما، فإن آثار انقلاب عدن سيكون كارثيا على معاناة الملايين.
- سيطرة المجلس الجنوبي على عدن وصمت التحالف سيغري المجلس بتعزيز مطالب الانفصال، وتبني سياسات على الأرض لا علاقة لها بحكومة هادي. وقد صرح عيدروس الزبيدي رئيس المجلس بأن “ما بعد ٣٠ يناير ليس كما كان من قبل”.
- إذا اندلعت حرب أهلية جديدة، فمن المتوقع أن تتيح مساحة لتمدد تنظيم القاعدة وجماعات مسلحة أخرى، وكان لافتا قيام التنظيم بعملية كبيرة قتل فيها ١٢ عنصرا من قوات “نخبة شبوة” المدعومة إماراتيا أيضا في نفس يوم السيطرة على عدن.
- وأخيرا، فإن موقف الرئيس هادي كان – كالعادة – ضعيفا وعاجزا، وحتى ورقة “الشرعية” الوحيدة التي يمتلكها فشل أن يلوح بها، وبدا بالفعل وكأنه تحت الإقامة الجبرية في الرياض.