تطورات الصراع بين إيران وإسرائيل: احتمالات توسع الحرب.. وموقف الدول العربية منها
خلاصة تنفيذية:
تستعرض هذه الدراسة ثلاثة سيناريوهات بشأن احتمالية توسع الصراع في المنطقة، مع تحليل آثارها على مختلف الأطراف المعنية، وتتناول الدراسة مدى إمكان حدوث كل احتمال من هذه الاحتمالات الثلاثة في حال فوز أي من ترامب أو كاملا هاريس في الانتخابات الأمريكية القادمة.
تقدم هذه الدراسة تقدير موقف حول الحرب الحالية بين إيران وإسرائيل، مستعرضةً قدرات الجانبين على الدخول في حرب موسعة، إذ يتمتع كلا الطرفين بقدرات عسكرية متقدمة، حيث تمتلك إيران شبكة من المليشيات المدعومة في المنطقة، في حين تتمتع إسرائيل بتفوق جوي وتقنيات عسكرية متطورة.
تستعرض هذه الدراسة ثلاثة سيناريوهات بشأن احتمالية توسع الصراع في المنطقة، مع تحليل آثارها على مختلف الأطراف المعنية، وتتناول الدراسة مدى إمكان حدوث كل احتمال من هذه الاحتمالات الثلاثة في حال فوز أي من ترامب أو كاملا هاريس في الانتخابات الأمريكية القادمة.
السيناريو الأول: توسع الصراع إلى حرب إقليمية واسعة:
يتناول هذا السيناريو احتمالية حدوث نزاع مسلح شامل بين إسرائيل وإيران، مما قد يتسبب في تدخل دول إقليمية بل وقوى دولية، مما قد يعيد تشكيل خريطة القوى في المنطقة.
السيناريو الثاني: استمرار التوترات المحدودة:
يركز هذا السيناريو على احتمال استمرار الاشتباكات في إطار قواعد اشتباك محددة، حيث تبقى الأوضاع متوترة دون الوصول إلى حالة حرب شاملة، مما قد يؤثِّر على الاستقرار الإقليمي.
السيناريو الثالث: التهدئة بين الأطراف:
ويعرض هذا السيناريو إمكان التوصل إلى اتفاقيات تهدئة قد تخفِّف من حدَّة الصراع، مما يفتح المجال للدبلوماسية وسيلة لاحتواء هذا النزاع.
وتعرض الدراسة مواقف الدول العربية إزاء هذا الصراع، حيث تسعى مصر من جانبها للحفاظ على عدم توسُّع الحرب، لكونها دولة مجاورة لغزة التي ستنخرط في هذه الحرب حال توسعها، بينما يميل الأردن إلى تعزيز تحالفاته مع الولايات المتحدة والاحتلال الإسرائيلي.
من جهة أخرى، تظل السعودية في موقف دقيق، تحاول موازنة مصالحها مع رغبتها في تحسين العلاقات مع إيران، رغم الضغوط الإقليمية، ومع تقدُّم خطوات التقارب بين الرياض وطهران، ستظل العلاقات محكومة بمدى قدرة الطرفين على تجاوز عقبات الماضي وبناء إطار جديد للتعاون يتجنَّب صدام المصالح.
هذه الحساسية الشديدة ستلازم كذلك الموقف العراقي من توسُّع الحرب، لأن العراق يتأثر بشكل كبير بدور المليشيات العراقية الشيعية المدعومة من إيران.
وتتناول الدراسة كذلك موقف كل من البحرين وقطر والكويت والإمارات واليمن وسورية ولبنان من هذه الحرب؛ إذ تعكس المواقف العربية تباينًا كبيرًا في الاتجاهات، نتيجة الاعتبارات المختلفة والتحالفات المتعدِّدة بين محورين عربيين داخل المنطقة هما محور الدول المطبِّعة، والمحور الإيراني.
تؤكد الدراسة في النهاية على أن المنطقة على شفا تغيير كبير في ظل هذه التوترات والأحداث المتسارعة، حيث إن تصاعد النزاع بين إيران وإسرائيل، قد يؤدي إلى إعادة تشكيل خريطة القوى الفاعلة السياسية والعسكرية، ويبقى مستقبل المنطقة معتمدًا على قدرة هذه المحاور على التعامل مع هذه المتغيرات والصراعات.
مقدمة:
يتجاوز الصراع الحالي بين إيران والاحتلال كونه نزاعًا إقليميًّا بين طرفين، فهو جزء من شبكة أوسع من الصراعات الاستراتيجية التي تمسُّ قضايا سياسية جوهرية كبرى في السياسة الدولية، فإيران وإسرائيل تمثِّلان طرفين متعارضين في كثير من القضايا الأساسية: من القضية الفلسطينية، إلى النفوذ الإقليمي، وصولًا إلى البرامج النووية، وما يزيد تعقيد الأمر هو التباين في المصالح بين القوى الكبرى؛ أمريكا والغرب من ناحية، وروسيا والصين من ناحية أخرى، وقد تطور هذا الصراع مؤخرا ليصبح أحد أبرز مظاهر التوتر في المنطقة.
تاريخيًا قبل عام 1979، كانت العلاقات بين إيران وإسرائيل تتَّسم بالتعاون الوثيق، خاصَّة في المجالات العسكرية والاستخباراتية، ومع سقوط نظام الشاه حدث نوع من التحول في العلاقات؛ فالخلافات قد امتدَّت بمرور الوقت عقب دعم إيران للجماعات المسلحة مثل حزب الله، ما جعلها الآن في صدام مباشر مع إسرائيل التي ترى في هذه الجماعات تهديدًا لأمنها القومي.
العوامل المحفزة للتوترات بين إيران وإسرائيل:
– المنافسة الإقليمية على النفوذ:
المنافسة على النفوذ الإقليمي بين إيران وإسرائيل هي عامل مهمٌّ يزيد من حدَّة الصراع، فإيران تسعى لتوسيع نفوذها في المنطقة عبر دعم حلفائها في العراق وسورية ولبنان واليمن، في محاولة لبناء ما يُعرف بـ “الهلال الشيعي”، من ناحية أخرى، إسرائيل تعمل على إقامة تحالفات مع دول الخليج العربية، مثل الإمارات والبحرين والسعودية، وذلك لمواجهة النفوذ الإيراني المتنامي، وهذه التحالفات تُعزِّز من عزلة إيران على المستوى الإقليمي.
– البرنامج النووي الإيراني:
البرنامج النووي الإيراني هو من بين أكثر القضايا إثارة للجدل بين إيران وإسرائيل؛ فإيران تقول إن برنامجها النووي هو للأغراض السلمية، ولكن إسرائيل والعديد من الدول الغربية يشكون في أن إيران تسعى لتطوير سلاح نووي، بينما ترى إسرائيل في امتلاك إيران للسلاح النووي تهديدًا لا يمكن قبوله تحت أي ظرف، وقد قامت بعمليات سرية، بما في ذلك اغتيال علماء نوويين، لتعطيل هذا البرنامج.
لهذا يشكل الصراع بين إيران وإسرائيل أحد أبرز التحديات الأمنية في المنطقة، وقد شهد هذا الصراع تصعيدًا ملحوظًا خلال الفترة الأخيرة.
وفي ظل هذا التصعيد الأخير الذي شهدته المنطقة، تبرز بقوة احتمالات توسُّع الصراع العسكري بين المشروعين الإيراني والإسرائيلي، فقد شهدت الأشهر الماضية تصعيدًا غير مسبوق في المواجهات بينهما، مما يعكس تحولًا استراتيجيًّا في تفاعلات الصراع الإقليمي، ويزيد من احتمالات نشوب نزاع أوسع، نظرًا لتكثيف الأعمال العدائية من قبل الأطراف المتنازعة، فمن جهة، تسعى إيران إلى تعزيز نفوذها الإقليمي من خلال دعم فصائل مسلحة مثل الحوثيين وحزب الله اللبناني، ومن جهة أخرى، تسعى إسرائيل، بدعم من الولايات المتحدة، إلى الحفاظ على تفوقها الأمني من خلال تنفيذ عمليات عسكرية تستهدف تقويض قدرات خصومها والحدَّ من زيادة نفوذها في الإقليم، لذلك كان من الضروري فهم حدود هذا الصراع وعوامل تصاعده، ومتابعة تحركات القوى الفاعلة في المشهد، وفهم أبعاد تحركات كل منها، لتقدير احتمالات توسُّع الحرب، والأثر المحتمل في حال حدوثها خاصة فيما يخصُّ انحيازات الدول العربية، في ظل هذه التوترات المتصاعدة بين أطراف الصراع.
أولًا: تصاعد المواجهات بين إيران وإسرائيل:
شهدت الأسابيع الأخيرة تصعيدًا ملحوظًا في المواجهات بين إسرائيل من جهة وإيران وحزب الله من جهة ثانية، تبادل الطرفان فيها الضربات عبر الحدود.
شهدت الأسابيع الأخيرة تصعيدًا ملحوظًا في المواجهات بين إسرائيل من جهة وإيران وحزب الله من جهة ثانية، تبادل الطرفان فيها الضربات عبر الحدود.
خلال تصعيد القصف المستمر مع إسرائيل منذ عشرة أشهر، تكبد حزب الله خسائر كبيرة شملت قياديين عسكريين مبرزين ومئات من المقاتلين، وقد أسفر التصعيد عن نزوح عشرات الآلاف من المدنيين على جانبي الحدود وتدمير واسع النطاق.
هذه الاغتيالات توضح بشكل جلي تحوُّل إسرائيل إلى استراتيجيات استخدم القوة والعنف ضد كبار قادة معارضيها، مما زاد من تفاقم حالة التوتر في المنطقة.
في سياق هذه التصعيدات، قامت إسرائيل في إبريل الماضي بقصف السفارة الإيرانية في دمشق، مما أسفر عن مقتل 16 شخصًا، من بينهم محمد رضا زاهدي، الذي كان ثاني أعلى رتبة عسكرية في “فيلق القدس” التابع للحرس الثوري الإيراني، فردَّت طهران على هذا الهجوم بقصف الأراضي الإسرائيلية، وهو ما يعكس تصعيدًا ملحوظًا في النزاع.
تواصلت حملة الاغتيالات الجديدة التي تستهدف مناهضي ومعارضي إسرائيل في مختلف أنحاء الشرق الأوسط، ومن أبرز هذه الاغتيالات، قتل الزعيم السياسي لحركة حماس، إسماعيل هنية، في طهران في 31 يوليو الماضي، أثناء زيارته لحضور حفل تنصيب الرئيس الإيراني الجديد، مسعود بزشكيان، إذ كان هنية يقوم بدور رئيس في المفاوضات بين إسرائيل وحماس؛ كونه رئيس الحركة آنذاك، وقبل ذلك بيوم، استهدفت غارة إسرائيلية حي الضاحية في بيروت، مما أسفر عن مقتل فؤاد شكر، المسؤول العسكري المبرز في حزب الله ومستشار حسن نصر الله، رئيس الحزب.
في 20 يوليو 2024، نفذت إسرائيل غارة على ميناء الحديدة اليمني، ردًّا على هجوم بطائرة مسيرة من الحوثيين استهدف تل أبيب، الهجوم الإسرائيلي على هذا الميناء الذي يُعدُّ شريان الحياة الاقتصادي للحكومة الحوثية، أدى إلى تدمير خزانات النفط وتسبب في خسائر بلغت ما يزيد على 20 مليون دولار أمريكي ومقتل ستة أشخاص وجرح نحو 80 آخرين، مما زاد من معاناة المدنيين في المناطق التي يسيطر عليها الحوثيون([1]).
وفي خطوة تصعيدية غير مسبوقة من حيث حجم الخسائر في شهر سبتمبر المنصرم، انفجرت آلاف أجهزة النداء (البيجر) في لبنان، ما أسفر عن مقتل عدد من الأفراد التابعين لحزب الله وإصابة ما يقرب من ثلاثة آلاف آخرين، من ضمنهم السفير الإيراني في بيروت، مجتبى أماني جراء انفجار جهاز بيجر كان يحمله.
كان حزب الله قد لجأ إلى استخدام هذه الأجهزة من أجل تنسيق الأنشطة بين أفراد الحزب، تجنبًا للمراقبة الإسرائيلية عبر الهواتف الذكية، وذلك في إطار تصعيد إسرائيل لهجماتها ضد قادته وجنوده منذ ما يقارب العام.
في المقابل، استهدف حزب الله قاعدة عسكرية إسرائيلية في مرتفعات الجولان، مما أسفر عن تضرر عدد من المنازل وحصول بعض الإصابات خلال الهجوم الذي تضمَّن إطلاق عدد كبير من الصواريخ، بينما تمكنت الدفاعات الجوية الإسرائيلية من اعتراض معظمها.
وفي 27 سبتمبر 2024 وجه جيش الاحتلال ضربة قوية ومكثفة على لبنان، حيث استهدف مقر قيادة حزب الله في الضاحية الجنوبية، في عملية تُعدُّ الأكثر خطورة وضراوة حتى الآن، أدت لاغتيال الأمين العام لحزب الله، حسن نصر الله، مع عدد كبير من قيادات الحزب، مما أدى إلى تحطيم سلسلة القيادة في الحزب بعد مقتل فؤاد شكر، القائد العسكري للحزب، وإبراهيم عقيل، رئيس العمليات، إضافة إلى قادة الجبهات والوحدات القتالية والقوة الجوية والوحدة الصاروخية. أسفرت هذه الهجمات عن حدوث فراغ غير مسبوق في البنية الهيكلية لحزب الله، الذي أكَّد خبر مقتل قائده من خلال بيان نعي صدر بعد قرابة يوم من الهجوم.
وكان الرد المقابل خلال كتابة هذا التقرير هو أن شنت إيران هجومًا صاروخيًّا غير مسبوق على كيان الاحتلال الإسرائيلي، مستهدفة مواقع عسكرية مختلفة في فلسطين المحتلة.
أعلن الحرس الثوري الإيراني أن هذا الهجوم جاء ردًّا على اغتيال قادة من حزب الله وحماس، وتصاعد الجرائم الإسرائيلية المدعومة أميركيًّا ضد الشعبين الفلسطيني واللبناني. الصفارات دوّت في أنحاء إسرائيل، مما دفع المستوطنين إلى الملاجئ، مع توعد الحرس الثوري بالمزيد من الهجمات إذا ردَّ الاحتلال. الإعلام الإسرائيلي وصف الهجوم بأنه “إعلان حرب”، وسط تحذيرات من تصعيد شامل.
فيما يتعلق بالتصعيد، كان نائب رئيس المجلس التنفيذي في حزب الله، علي دعموش، قد أكد أن المقاومة مصمِّمة على ردٍّ ميداني مؤلم ورادع، مهما كانت التداعيات، وشدَّد دعموش على أن الاغتيالات الإسرائيلية في طهران وبيروت، والتي استهدفت القائدين فؤاد شكر وإسماعيل هنية، لن تمرَّ دون عقاب، وقد حمَّل دعموش الولايات المتحدة وبريطانيا وألمانيا مسؤولية ما يحدث بسبب تزويدها إسرائيل بالسلاح، وأشار إلى أن الردَّ المرتقب من المقاومة سيأتي خارجًا عن الضوابط المعتمدة في المعركة، ولن يفلت العدو من العقاب مهما تأخَّر ردُّ المقاومة([2]).
في هذا السياق، يظهر الحوثيون باعتبار أنهم عنصر رئيس في الاستراتيجية الإيرانية، إذ يلعبون دورًا مهمًّا في شنِّ هجمات عسكرية تهدف إلى إزعاج حلفاء إسرائيل وعلى رأسهم أمريكا، ومن خلال تعزيز قدراتهم العسكرية، تسعى إيران إلى الضغط على المصالح الغربية والإسرائيلية، وكان آخر هذه الهجمات الحوثية إطلاق صاروخ فرط صوتي أصاب تلَّ أبيب.
في العراق، تنسق إيران كذلك الضغوط العسكرية مع الميليشيات المسلحة هناك من أجل تأثير أكبر على مصالح حلفاء إسرائيل، وخاصة الولايات المتحدة، ويبقى في مقدمة الحلف الإيراني، حزب الله الذي يتولى دورًا محوريًّا، منسقًا مع الحوثيين والميليشيات العراقية لدعم الأهداف الإيرانية وتعزيز موقفها الاستراتيجي، سعيًا نحو فرض توازن ردع مع كل من إسرائيل وحلفائها، كل هذه الأنشطة تشكل جزءًا من استراتيجية إيرانية شاملة لتوزيع الأدوار بين أذرع المحور الإيراني، مما يشعب المواجهة بالنسبة للغرب وإسرائيل.
إنَّ المتتبع للشأن الإقليمي حاليًّا يدرك أن الصراع في صورته الراهنة يتجاوز كونه مجرد منافسة على الهيمنة والنفوذ والتأثير على موازين القوى؛ فهو صراع يطرح في عمقه مسألة الوجود وضمان البقاء مقابل الزوال وتحديات الاستمرارية في تصور الاحتلال، إذ يدرك الإسرائيليون تمامًا أن دخولهم في حرب منفردة مع حزب الله وإيران يمثل “استنزافًا وخرابًا” على المدى المتوسط والبعيد، مهما كانت الضمانات والنتائج التي قد تحصدها.
على المستوى المحلي الإسرائيلي، يمرُّ بنيامين نتنياهو بأسوأ فترات حياته السياسية، فقد أظهرت استطلاعات الرأي تراجعًا ملحوظًا في شعبيته منذ إعلانه الحرب على حزب الله وإيران، وقد بلغ الاستياء من سياسات نتنياهو “المتطرفة” أعلى مستوياته منذ بداية العدوان على غزة، إذ واصلت عائلات الأسرى الإسرائيليين احتجاجاتها منذ السابع من أكتوبر، مطالبة “حكومة الحرب” بإيجاد حلٍّ فوري وسريع.
في سياق تآكل شعبية نتنياهو، يتبع استراتيجية فتح جبهات جديدة للقتال، وفتح جبهات جديدة، مهما كانت نتائجه، يوفر لنتنياهو فرصة جديدة لإنقاذ نفسه والبقاء في الحياة السياسية، كما يظهر نجاحه النسبي في مواجهة حزب الله وإيران في لبنان وسورية، مما يعزِّز استمراريته السياسية، وهو بهذا التصعيد يهدف إلى تغطية فشل إسرائيل في المواجهة على أرض غزة، ويوسِّع نطاق الحرب ليشمل مناطق أخرى، ويضغط على المعارضة لدعمه أو على الأقل تهدئة الانتقادات.
كما يسعى نتنياهو إلى دفع حلفاء إسرائيل في الخارج إلى إعادة ترتيب موازين القوى، سواء من خلال جرِّ الولايات المتحدة إلى المشاركة في الحرب، أو من خلال مواصلة دعمها، مما ينذر بإمكانية حدوث حرب إقليمية شاملة، إضافة إلى إن ذلك يعطيه مزيدًا من الوقت في محاولة لترميم صورته على أنه حامي الأمن القومي الإسرائيلي.
يسعى نتنياهو إلى دفع حلفاء إسرائيل في الخارج إلى إعادة ترتيب موازين القوى، سواء من خلال جرِّ الولايات المتحدة إلى المشاركة في الحرب، أو من خلال مواصلة دعمها، مما ينذر بإمكانية حدوث حرب إقليمية شاملة
تصريحات نتنياهو الأخيرة أمام الكونغرس الأمريكي عكست بوضوح عزيمته على مواصلة الحرب، في ذات الوقت، يسعى نتنياهو إلى استثمار أي إنجازات ميدانية، مثل اغتيال القادة المبرزين، لتقديمها على أنها إنجازات داخلية، ومن بين هذه الاغتيالات كان اغتيال فؤاد شكر، المسؤول العسكري الأول وكبير مستشاري الأمين العام لحزب الله، وصولًا إلى إسماعيل هنية، الذي كان على رأس قائمة المطلوبين لدى إسرائيل وحلفائها في الغرب.
تأثير هذه العمليات امتد أثره إلى حلفاء إسرائيل، فرغم أن نتائج الهجوم الإيراني لم تكن كبيرة، إلا أن العديد من الدول الغربية أدانت طهران وأظهرت دعمها لإسرائيل، علمًا أن الأخيرة كانت السباقة في العدوان بقصف سفارة إيران في دمشق!
وما يجدر التنبيه عليه في هذا السياق أنه على الرغم من أن الاغتيالات الإسرائيلية الأخيرة قد تُعزِّز مكانة إسرائيل في سياق الصراع الحالي بين الطرفين، إلا إنها تحمل في طياتها مخاطر جسيمة قد تجرُّ المنطقة إلى حرب شاملة محتملة، وهذا التوسيع لدائرة الصراع وتعدُّد أطرافه، يخدم سياسة نتنياهو، ويطيل أمد النقاشات حول وقف إطلاق النار في غزة، ويوجه الاهتمام نحو إيران، وهو ما ينسجم مع استراتيجية نتنياهو الحالية.
إجمالًا، فإن التصعيد المستمر والاغتيالات يهدِّدان بتوسيع الحرب، خاصَّة مع استمرار تزويد إسرائيل بالأسلحة من قبل الولايات المتحدة، مما يفاقم من حدَّة الصراع، وقد كان العالم ينتظر ما إذا كانت إيران ستنفذ هجومًا مضادًّا على إسرائيل أم لا، في ظل استراتيجية طهران التي اتخذتها منذ عقود بعدم الانخراط في مواجهة مباشرة مع إسرائيل قد تؤدي إلى حرب شاملة وغير متكافئة، فطهران تدرك أن الاشتباك المباشر مع إسرائيل ليس في مصلحتها، مهما كانت النتائج المحتملة، ولذلك تُفضِّل تجنُّب المواجهات المباشرة والتركيز على دعم وكلائها الإقليميين، مثل الحوثيين وحزب الله.
رغم ذلك، تجد إيران نفسها مضطرة للردِّ العسكري لتفادي فقدان هيبتها، خاصَّة بعد الضربة الأخيرة التي تلقتها في طهران، وحول إمكان توسع الحرب، سنعرض في السطور القادمة احتمالاته من خلال تحليل قدرات الطرفين ودوافعهم في توسيع النزاع، بالإضافة إلى دوافع أمريكا في هذا الصراع، ومدى انحياز الدول العربية في حال حدوث هذا التوسُّع المحتمل.
ثانيًا: مُحدِّدات قدرات إيران وإسرائيل في ظل التصعيد الإقليمي:
الحالة الديموغرافية والتكنولوجية والاقتصادية للطرفين وأثرها على إمكانية توسع الحرب:
في ظل التصاعد المتسارع في حدَّة التوترات بين إيران وإسرائيل، ينبغي تسليط الضوء على التوازن العسكري بين هاتين القوتين الإقليميتين، باعتباره مؤشرًا مهمًّا على إمكانية توسُّع الحرب بين الطرفين خلال الفترة القادمة، في هذا السياق، تتجلَّى القدرات المتنوعة لكلا البلدين، والتي تقدم نظرة تفصيلية على توازن القوى النسبي بينهما.
من الناحية الديموغرافية: تتمتع إيران بميزة عددِّية واضحة؛ حيث يبلغ عدد سكانها حوالي 89 مليون نسمة، مقارنة بعشرة ملايين فقط في إسرائيل، هذه الفجوة السكانية تمنح إيران قاعدة أكبر بكثير من المجنَّدين المحتملين، إذ يُقدَّر عددهم بأكثر من 41 مليون فرد، مقابل حوالي ثلاثة ملايين في إسرائيل.
كذلك يتفوق عدد العسكريين النشطين في إيران، والذي يبلغ 610 آلاف جندي، على نظرائهم في إسرائيل الذين يقلُّ عددهم عن 200 ألف، وعند إضافة القوات شبه العسكرية وقوات الاحتياط، يصل العدد الإجمالي للقوات الإيرانية إلى مليون جندي، مقارنة بـ 642 ألف جندي في إسرائيل([3]).
على الرغم من هذا التفوق العددي، إلا أن التفوق المالي والتكنولوجي يميل لصالح إسرائيل، فميزانية الدفاع الإسرائيلية، التي تبلغ 24.4 مليار دولار أميركي، تفوق بأكثر من ضعفين ونصف ميزانية الدفاع الإيرانية التي تقدر بـ 10 مليارات دولار، هذا الفارق المالي يتيح لإسرائيل اقتناء وتطوير أسلحة أكثر تقدمًا، ويُعزِّز من جاهزية قواتها، وهو ما لا تستطيع إيران مجاراته([4]).
وعلى الرغم من تفوق إيران العددي في المعدَّات الثقيلة مثل الدبابات والصواريخ والمدفعية المقطورة، إلا أن جزءًا كبيرًا من هذه المعدات قديم وأقل قدرة مقارنة بالأنظمة الإسرائيلية المتقدمة تكنولوجيًّا، وتبرز القدرات النووية الإسرائيلية في النهاية عامل رادع مهم، إذ تمتلك إسرائيل ” ثالوثًا نوويًا” استراتيجيًّا يتيح لها تنفيذ ضربات نووية من البرِّ والجوِّ والبحر
من الناحية الاقتصادية: تعاني إيران في ظلِّ العقوبات الشديدة، من التضخُّم الذي يتجاوز 40%، والانحدار الحادِّ في قيمة عملتها، وانخفاض كبير في عائدات صادرات النفط، إذ قد يدفع الصراع المطول الاقتصاد الإيراني إلى حافة الانهيار، مما يؤدي إلى تفاقم الفقر وزيادة الاضطرابات الاجتماعية.
بالإضافة إلى ذلك، شهدت سوق الأسهم الإيرانية وأسواق الصرف الأجنبي تقلبات كبيرة بسبب التهديد الوشيك بالحرب، وقد أدت قضايا مثل انقطاع التيار الكهربائي المتكرر إلى تفاقم هذه المشاكل، مما خلق تحديات خطيرة في مختلف قطاعات الاقتصاد الإيراني.
رغم أن اقتصاد إسرائيل أقوى من اقتصاد إيران، فإنها لم تكن بمنأى عن التداعيات الاقتصادية الناجمة عن الصراعات الدائرة التي تخوضها إسرائيل حاليًّا، ورغم أن معدل التضخم في إسرائيل لا يزال أقل من 3%، فإن التكاليف الهائلة للحرب، والتي تقدر بنحو 54 مليار دولار أميركي، وتعطيل بعض طرق التجارة فرضت ضغوطًا على اقتصاد البلاد([5]).
وقد انخفضت قيمة الشيكل الإسرائيلي بنحو 8% في الأشهر الأخيرة، كما انخفضت توقعات نمو الناتج المحلي الإجمالي من 3% إلى حوالي 2.5%، ومن الممكن أن يؤدي ارتفاع الإنفاق الدفاعي، الذي يمثِّل أكثر من 6% من الناتج المحلي الإجمالي، إلى إبطاء النمو الاقتصادي وزيادة العبء على دافعي الضرائب.
بالإضافة إلى ذلك، فإن القطاعات الرئيسة مثل التكنولوجيا والسياحة معرَّضة لخطر الانخفاض الحادِّ في النشاط الاقتصادي، وتشير التوقعات إلى أن الوضع الاقتصادي في إسرائيل من المرجَّح أن يتدهور أكثر([6]).
ونظرًا لهذه التحديات الاقتصادية، تواجه إيران وإسرائيل مخاطر كبيرة في حالة تصعيد الوضع إلى حرب واسعة النطاق، لأن العواقب الاقتصادية قد تكون كبيرة لكلا البلدين.
الإمكانات العسكرية للجانبين:
يمكن القول إن أي تصعيد قد يؤدي إلى تداعيات خطيرة على المستوى الإقليمي، ولذلك يحسن عرض قدرات الطرفين عسكريًّا مما يسهم في تصور قدراتهما على الدخول في حرب واسعة وذلك كالآتي:
الأسلحة الإيرانية واستراتيجيات الهجوم:
استخدام الصواريخ والطائرات بدون طيار:
تعتمد إيران على مجموعة متنوعة من الأسلحة في هجماتها المحتملة، بما في ذلك الصواريخ الباليستية المتقدمة مثل “سجيل” و”خرمشهر 4″ و”فاتح”، وصواريخ كروز، والطائرات بدون طيار الانتحارية، هذه الأنظمة مصمَّمة لتحقيق التفوُّق التكنولوجي على الدفاعات الإسرائيلية من خلال القدرة على المناورة، والوصول إلى سرعات تفوق سرعة الصوت، والتهرُّب من أنظمة الدفاع الصاروخي([7]).
الهجمات والتكتيكات غير تقليدية:
تمتلك إيران قدرات هجومية، وهو ما أظهرته من خلال اختراق نظام الدفاع الإسرائيلي “القبة الحديدية”، بالإضافة إلى ذلك، تستخدم إيران هذه الهجمات لإرباك الدفاعات الإسرائيلية، مع تركيز جهودها على استهداف الدفاعات الصاروخية وإضعاف قدرات الاحتلال.
التنسيق مع “محور المقاومة الإيراني”:
إيران تستعين بوكلائها الإقليميين مثل حزب الله لتنفيذ جزء من الهجمات باستخدام الطائرات بدون طيار والصواريخ المجنَّحة، بينما تركز قواتها على استخدام الصواريخ الباليستية الأكثر قدرة، هذا النهج يعزز من عنصر المفاجأة ويزيد من صعوبة الدفاع الإسرائيلي.
إيران تستعين بوكلائها الإقليميين مثل حزب الله لتنفيذ جزء من الهجمات باستخدام الطائرات بدون طيار والصواريخ المجنَّحة، بينما تركز قواتها على استخدام الصواريخ الباليستية الأكثر قدرة، هذا النهج يعزز من عنصر المفاجأة ويزيد من صعوبة الدفاع الإسرائيلي.
قدرات الرد الإسرائيلي والأمريكي المقابل:
قدرات الردِّ الإسرائيلي:
إسرائيل تعتمد على تفوُّقها التكنولوجي والعسكري لمواجهة التهديدات الإيرانية، وتمتلك إسرائيل ترسانة متقدِّمة من الطائرات المقاتلة والمروحيات الهجومية، بالإضافة إلى الدفاعات الصاروخية مثل “القبة الحديدية” كما أن إسرائيل تمتلك سلاحًا نوويًّا استراتيجيًّا، يشمل القدرة على إطلاق ضربات نووية من البرِّ والجوِّ والبحر([8]).
القدرات البحرية:
الغواصات: تمتلك إسرائيل خمس غواصات من فئة دولفين، القادرة على تنفيذ عمليات ساحلية بفضل نظام الدفع المستقل عن الهواء، مما يسمح لها بالبقاء تحت الماء لأسابيع.
الأسلحة: الغواصات مسلحة بصواريخ كروز بوباي، التي يمكن إطلاقها تحت الماء، بمدايات تصل إلى 350 كيلومترًا.
هذه الغواصات يمكنها مهاجمة أهداف ساحلية إيرانية مثل سفينة القيادة “بهشاد”، التي أظهرت صور الأقمار الصناعية أنها في المياه الإقليمية الإيرانية([9]).
القدرات الجوية:
الطائرات المقاتلة: تمتلك إسرائيل طائرات شبح مثل F-15i Ra’am وF-35i Adir لضرب أهداف في عمق إيران. الطائرتان مصمَّمتان للطيران لمسافات طويلة، ولكن تحتاجان لإعادة التزود بالوقود إذا لم تسلكا طرقًا قصيرة للوصول إلى أهدافها، يمكن للطائرات المقاتلة استخدام خزانات وقود خارجية لزيادة مداها، ولكن ذلك يجعلها أكثر ظهورًا على الرادار، هناك تقارير عن خزانات وقود مصممة للطائرات F-35i Adir قد تحسن قدراتها الخفية([10]).
ولا يمكن أن نغفل في هذا السياق، ما أظهرته الهجمات الإسرائيلية المتكررة، سواء في طهران أو عبر استهداف قيادات من حزب الله، هذا الاختراق العميق يعكس ضعفًا في قدرة إيران على حماية حدودها ومنشآتها الحساسة من الهجمات الدقيقة، وهو ما يضع علامة استفهام كبيرة على فعالية أجهزتها الأمنية والاستخباراتية في التصدي للتحديات التي تواجهها في ظل التصعيد المتزايد مع إسرائيل.
الدعم الأمريكي لإسرائيل:
تعزز الولايات المتحدة من قدرات الدفاع الإسرائيلي من خلال نشر مجموعة من القدرات الإضافية في المنطقة، بما في ذلك سرب من طائرات F-22، وحاملة الطائرات يو إس إس ثيودور روزفلت، ومدمرات بحرية متطورة قادرة على التصدي للصواريخ الباليستية. هذه القدرات توفر دعمًا كبيرًا لإسرائيل، وتعزِّز من قدرة الردع الإسرائيلية.
في حالة تصعيد الصراع، قد تتخذ الولايات المتحدة إجراءات أكثر قوة لردع إيران، من بين هذه الإجراءات المحتملة نشر نظام الأسلحة الأسرع من الصوت “Dark Eagle” في المنطقة، وهو نظام قادر على ضرب أهداف تصل إلى 3000 كيلومتر بدقة عالية، هذا النوع من الردع الهجومي قد يكون حاسمًا في منع إيران من شنِّ هجمات مباشرة ضد المصالح الأمريكية أو حلفائها([11]).
قيود التصعيد بين إيران وإسرائيل من حيث القدرة العسكرية والتوازن الاستراتيجي:
إذا كانت هناك قدرات لدى الجانبين على خوض الحرب إلا أنه تظل هناك عوائق تحول دون ذلك، لتظل قدرة إيران وإسرائيل على التصعيد إلى مستوى الحرب الشاملة محدودة بسبب الاعتبارات السياسية، على الرغم من أن كلا الجانبين يمتلكان قوات دفاعية كبيرة، فإن القدرات العسكرية لكل منهما تتوازن بطرق مختلفة، مما يحد من إمكانية تصعيد الصراع إلى مستوى شامل.
بالفعل تتمتع إسرائيل بقدرات هجومية قوية، لكن ضرب عمق إيران يتطلب دعمًا لوجستيًّا كبيرًا، في المقابل تمتلك إيران صواريخ وأسلحة متطورة لكنها تواجه تحديات في الدفاع الجوي، كما أن التهديد النووي الإسرائيلي يتسم بالردع وليس بالهجوم، حيث تحافظ إسرائيل على سياسة الردع النووي، بالتالي، تظل خيارات التصعيد بين الجانبين محكومة بقدراتهما العسكرية وأهدافهما الاستراتيجية، مع عدم القدرة على التصعيد إلى حرب شاملة دون تداعيات كبيرة.
إيران تفتقر إلى القدرة على سحق إسرائيل عسكريًّا، حتى مع استثماراتها في الطائرات بدون طيار والصواريخ، بالمقابل لم تصمم إسرائيل قواتها المسلحة لخوض حروب طويلة خارج محيطها المباشر، حيث تركز على الدفاع عن أراضيها، في هذا السياق، تمتلك إيران قدرة محدودة على الردِّ بشكل فعَّال في مواجهة الدفاعات الصاروخية الإسرائيلية، بينما تعتمد إسرائيل على شركاء دوليين لتقوية دفاعاتها.
برزت إيران لاعبًا قويًّا في مجال الحرب غير التقليدية، من خلال هجماتها الإلكترونية واستخدام الطائرات بدون طيار، فقد تمكنت من اختراق نظام الدفاع الإسرائيلي “القبة الحديدية”، وأطلقت مؤخرًا ما بين 30 إلى 238 طائرة انتحارية بدون طيار ضد إسرائيل، وتشير التوقعات إلى أن إيران قد تصعد من هذه الهجمات، مع إمكان إشراك شركاء من أذرعها الإقليميين في هذا الصراع.
من ناحية أخرى، تعاني إيران من نقاط ضعف واضحة في قدراتها العسكرية التقليدية، خاصة عند مقارنتها بإسرائيل التي تتمتع بتفوق تكنولوجي كبير، ودعم عسكري وسياسي قوي من الولايات المتحدة، فعلى الرغم من أن إيران تمتلك برنامجًا قويًّا للصواريخ الباليستية والطائرات بدون طيار، إلا أن قدراتها في الاستخبارات والدفاع الجوي والدعم اللوجستي لا ترقى إلى مستوى يسمح لها بخوض حرب تقليدية واسعة النطاق ضد إسرائيل([12]).
هذا الواقع يجعل التهديدات الإيرانية بالانتقام تبدو في حدود إمكاناتها، فعلى الرغم من أن إيران قد تنفذ هجمات عبر وكلائها إلا أن لذلك أيضًا حسابات دقيقة وكثيرة تحدُّ من مداها، كما أن أي تصعيد كبير مع “إسرائيل” قد يؤدي إلى تدخل دولي واسع ضد إيران، مما يزيد من عزلتها على الساحة الدولية ويُعمِّق من أزماتها الداخلية، سواء الاقتصادية أو الاجتماعية.
في مواجهة هذه التهديدات، أظهرت إسرائيل استعدادًا قويًّا للرد، إذ حذر بنيامين نتنياهو من أن إسرائيل ستردُّ “بلا رحمة” على أي هجوم إيراني، ولم يقتصر الردُّ الإسرائيلي على التصريحات؛ فقد أرسلت الولايات المتحدة رسالة دعم قوية لحليفتها عبر نشر حاملة الطائرات “يو إس إس دوايت أيزنهاور”، مما يعزِّز التفوق التكنولوجي والعسكري الإسرائيلي.
بالتالي، وعلى الرغم من قوة الخطاب الإيراني، فإن طهران تدرك حدود قدراتها العسكرية، ولذلك تبقى حذرة في تصعيد الصراع بشكل مباشر مع إسرائيل.
نتيجة قدرات الطرفين:
في حال نشوب صراع واسع النطاق، قد تتمكن إسرائيل من تنفيذ ضربات استباقية ضد المنشآت النووية والصاروخية الإيرانية، إلا أن الامتداد الجغرافي الواسع لإيران وتوزيع مواقعها العسكرية والنووية يتطلب عمليات معقَّدة وموسعة، مما قد يستنزف موارد إسرائيل ويزيد من تعقيد العملية العسكرية.
من ناحية أخرى، تعاني إيران تحت وطأة العقوبات الشديدة من التضخم المرتفع الذي يتجاوز 40%، وتدهور قيمة عملتها، وانخفاض كبير في عائدات النفط، هذه الضغوط الاقتصادية، قد تدفع الاقتصاد الإيراني نحو حافة الانهيار، مما يؤدي إلى تفاقم الفقر وزيادة الاضطرابات الاجتماعية.
على الجانب الآخر، وبالرغم من قوة الاقتصاد الإسرائيلي مقارنةً بنظيره الإيراني، فإن إسرائيل ليست بمعزل عن التداعيات الاقتصادية الناتجة عن النزاعات المستمرة، فتكاليف الحرب، المقدرة بنحو 54 مليار دولار أميركي، والتأثيرات على طرق التجارة قد فرضت ضغوطًا كبيرة على الاقتصاد الإسرائيلي، فقد ارتفع معدل التضخم فيها إلى 3.6%.
بناءً على هذه التحديات الاقتصادية، تواجه كلٌّ من إيران وإسرائيل مخاطر جسيمة في حالة تصعيد الصراع إلى نطاق واسع، حيث قد تكون العواقب الاقتصادية كبيرة لكلا الطرفين.
في خضم هذه الإمكانات، تبقى إجابة السؤال من يملك اليد العليا موجودة بين ثنايا هذه القدرات العسكرية والاقتصادية والجغرافية للطرفين؟
ورغم أن الأرقام الظاهرية قد تشير إلى تفوق عددي لإيران من حيث القوة البشرية، إذ تمتلك إيران عددًا أكبر من الجنود والدبابات، ولديها واحدة من أكبر ترسانات الصواريخ الباليستية والطائرات بدون طيار في المنطقة، إلا إن إسرائيل تتفوق بميزانية دفاع أكبر وتكنولوجيا متقدمة، بما في ذلك أنظمة دفاع جوي متعددة المستويات وقوة جوية حديثة، بالإضافة إلى ذلك، تمتلك إسرائيل أسلحة نووية، مما يمنحها تفوقًا استراتيجيًّا حاسمًا، إلى جانب أن التفوق النوعي لإسرائيل، مدعوم بالدعم الأميركي، والذي قد يكون العامل الحاسم في حال اندلاع مواجهة مباشرة.
ثالثًا: دوافع الأطراف بشأن توسيع الحرب في الإقليم:
- دوافع إيران ومحورها في تجنب توسيع الحرب:
إيران، تتبنى موقفًا حذرًا تجاه توسيع الصراع الإقليمي، على الرغم من التوترات المتصاعدة والاعتداءات الإسرائيلية المتوالية ضد مصالحها، فمنذ السابع من أكتوبر، شهدت إيران تصعيدًا ملحوظًا في الهجمات الإسرائيلية، بما في ذلك مقتل أكثر من عشرين مسؤولًا كبيرًا في الحرس الثوري الإيراني، ومع ذلك، ورغم هذه التصعيدات، اتبعت طهران سياسة متوازنة في ردودها، متجنبة الانزلاق إلى حرب إقليمية واسعة.
في أبريل 2024، شنت إيران عملية عسكرية تضمنت إطلاق أكثر من ثلاثمائة طائرة بدون طيار وصاروخ على إسرائيل، ومع أن هذه العملية بدت قوية، إلا أنها كانت رمزية إلى حدٍّ كبير، إذ سعت طهران إلى تجنب إحداث أضرار جسيمة، وقد جاءت هذه العملية ردٍّا على الضربة الإسرائيلية ضد ملحق السفارة الإيرانية في دمشق في الأول من أبريل، والتي أسفرت عن مقتل ستة عشر شخصًا، بينهم سبعة أعضاء من الحرس الثوري.
كان الهجوم الإيراني على إسرائيل هو الأول من نوعه منذ تأسيس الجمهورية عام 1979، ومع ذلك فإن طهران أرسلت إشعارًا مدته 72 ساعة للدول المجاورة لتأمين مجالها الجوي وهو ما كان مؤشرًا على قرب الضربة.
بعد العملية، أعلنت إيران أنها لا تخطِّط لأي أعمال عسكرية أخرى واعتبرت “الأمر منتهيًا”، مما يشير إلى أن الهدف الأساسي من الهجوم كان الحفاظ على ماء الوجه والردَّ على الهجوم الإسرائيلي دون الانزلاق إلى صراع موسَّع.
تُشدِّد طهران على ضرورة تجنب حرب إقليمية شاملة مع إسرائيل والولايات المتحدة، والتي من شأنها أن تؤثر سلبًا على مصالحها الإقليمية، فأي تصعيد إسرائيلي شامل ضد لبنان، والذي سيكون له عواقب كارثية على حزب الله، قد يضعف نفوذ طهران في المنطقة ويجبرها على اتخاذ إجراءات دعم متسارعة لحلفائها.
تسعى إيران من خلال هذه السياسات إلى تحسين مكانتها السياسية في المنطقة؛ لضمان أفضل وضع ممكن في المفاوضات المستقبلية مع الولايات المتحدة، فيما يخصُّ البرنامج النووي وتخفيض العقوبات الموقعة عليها.
تدرك إيران حجم التفوق التكنولوجي الإسرائيلي والخطر المترتِّب على تصعيد الصراع إلى مستوى قد يتضمَّن تدخُّل الولايات المتحدة.
تتحرَّك إيران بدلًا من ذلك باستخدام حرب بالوكالة عبر أذرعها في الإقليم، وتعمل على توسيع هذه الاستراتيجيات ليشمل الهجمات الاقتصادية، أداة أخرى لتعطيل الاقتصاد الإسرائيلي، إذ بدأت إيران ومحورها بتوجيه الضربات عبر البحر الأحمر، مما ألحق أضرارًا كبيرة بالتجارة الدولية والنشاط التجاري في الموانئ الإسرائيلية.
هذه الاستراتيجيات تشير إلى عزم إيران التصعيد التدريجي وغير المباشر، مما يعكس رغبتها في تحقيق أهدافها دون الحاجة إلى مواجهة مباشرة قد تجرُّ الولايات المتحدة إليها أو تفاقم الصراع إلى مستوٍ أوسع.
تسعى إيران إلى تعزيز موقفها الإقليمي عبر استخدام القوات بالوكالة واستهداف الاقتصاد الإسرائيلي، وتشعر إيران بالقلق من تصعيد الصراع أن يؤدي إلى تدخل أمريكي مباشر
- دوافع حزب الله في عدم توسيع الحرب:
في خطاب ألقاه في السابع من أغسطس، بعد أسبوع من اغتيال شكر، أعلن الأمين العام لحزب الله حسن نصر الله، حينها أن الحزب سيقوم بالردِّ على العدوان الإسرائيلي على الضاحية الجنوبية لبيروت بعمل “أشد قسوة” من الردود السابقة، لكنه أضاف أن هذا الردَّ لن يكون متهورًا.
يُظهر هذا التصريح أن حزب الله يتبنى موقفًا حذرًا للغاية متسقًا مع الرؤية الإيرانية الجامعة، إذ يخشى الحزب أن يؤدي الردُّ غير المدروس إلى منح إسرائيل ذريعة لتوسيع نطاق الحرب، وبالفعل في 25 من أغسطس، جاءت الموجة الأولى من ردِّ الحزب دون المستوى المناسب لحجم خسائر الحزب من قيادته الميدانية والذين كان على رأسهم فؤاد شكر رئيس أركان الحزب، إذ أحبط الردُّ الإسرائيلي السريع جزءًا من العمليات، مما يشير إلى أن الحزب لم يتمكَّن من تحقيق التفوق الكامل الذي يروج له، وهذا يعكس واقعًا متراجعًا في قدرته على تنفيذ تهديداته.
أحد دوافع الحزب الأساسية في عدم توسيع نطاق الحرب تكمن أولًا في الحفاظ على الاستقرار الداخلي وعدم إشعال الصراع الطائفي مع من يعتقد تقاربهم مع الغرب وأمريكا، إضافة إلى ذلك، يشير التصعيد العسكري الإسرائيلي إلى أن الحزب قد يواجه تحديات كبيرة في حال توسيع الحرب، فقد أدت الهجمات الإسرائيلية إلى قتل أعداد كبير مؤثرة من عناصر وقيادات حزب الله في لبنان وسورية منذ السابع من أكتوبر، وذلك في إطار الهدف الإسرائيلي المعلن بإجبار الحزب على سحب قواته شمال نهر الليطاني.
حزب الله يعترف بأن التصعيد من قبل إسرائيل هو خيارها الاستراتيجي، ويعمل على تجنُّب التصعيد الذي قد يؤدي إلى نشوب حرب شاملة، في سياق هذه التحركات، يسعى الحزب إلى تحقيق توازن بين الردِّ على الهجمات وحماية المصالح الطائفية والحفاظ على الاستقرار الداخلي.
حزب الله يواجه كذلك تراجعًا في الدعم الشعبي العربي خارج الشارع الشيعي، مما يزيد من تعقيد استراتيجيته، بالتالي يُعزى تجنُّب حزب الله لتوسيع نطاق الحرب إلى اعتبارات تتعلَّق بالحفاظ على استقرار لبنان الداخلي وحماية بنيته.
استراتيجية الصبر الإيرانية: تعتمد إيران بحسب عدد من المراقبين سياسة التروي الاستراتيجي في الردِّ على ضربات إسرائيل، وتُفضِّل الانتظار حتى تكون الظروف مواتية لتحقيق أكبر تأثير في ردِّها، هذا يعكس تجنُّبها للاندفاع في ردود الفعل، وتفضيلها لترقُّب اللحظة المناسبة التي تحقِّق فيها أهدافها بأقل تكلفة ممكنة.
ويمكن القول إن توجهات إيران الاستراتيجية وأذرعها في التعامل مع التصعيدات الإسرائيلية في إطار عدة محدِّدات منها:
- استراتيجية الصبر الإيرانية:
تعتمد إيران بحسب عدد من المراقبين سياسة التروي الاستراتيجي في الردِّ على ضربات إسرائيل، وتُفضِّل الانتظار حتى تكون الظروف مواتية لتحقيق أكبر تأثير في ردِّها، هذا يعكس تجنُّبها للاندفاع في ردود الفعل، وتفضيلها لترقُّب اللحظة المناسبة التي تحقِّق فيها أهدافها بأقل تكلفة ممكنة، وهذا النهج يمكن أن يكون بهدف إعداد ردود نوعية تُربك الحسابات الإسرائيلية وتعزِّز من موقفها الإقليمي.
- الاعتبارات التكتيكية:
إيران تدرك جيدًا ميزان القوى الحالي وأن الردَّ المتسرِّع قد يجرُّها إلى مواجهة مباشرة غير مرغوبة، وبالتالي تفضل إعداد ساحة المعركة بعناية، بما في ذلك تحشيد الحلفاء والاستعداد الكامل قبل أي تحرُّك عسكري.
- تعزيز الردع دون تصعيد شامل:
من خلال تأخير الردِّ وخروج بعض التصريحات الإيرانية مثل تصريح مسؤول عمليات فيلق القدس الإيراني: قد تكون فترة انتظار الردِّ على اغتيال هنية طويلة حتى تتوفَّر الظروف المناسبة، يمكن فهم أن إيران تسعى إلى الحفاظ على الردع دون الاضطرار للدخول في صراع شامل([13]).
- التنسيق مع مكوِّنات محورها:
إيران تأخذ في الحسبان ضرورة التنسيق مع حلفائها في المنطقة، مثل حزب الله والفصائل الفلسطينية، لذلك فالردُّ الإيراني على اغتيال هنية قد يعتمد على كيفية دمج ردود الفعل في استراتيجية إقليمية أوسع تتجاوز الردَّ المباشر وتستهدف مصالح إسرائيل وحلفائها بشكل غير تقليدي، مما يعكس حرص إيران على أن تكون ردودها متناسقة مع توجُّهات محورها.
- التأثير على سياسة الردع الإسرائيلية:
إيران تدرك أن الردَّ المتأخر والمتأنّي يمكن أن يضعف من سياسة الردع الإسرائيلية، وهذا من شأنه أن يضعف من فعالية استراتيجيته القائمة على الردع السريع والقوي.
من المرجَّح بناء على ذلك أن تُفضل طهران التحرُّك بحذر ودقَّة، متجنِّبة الانجرار إلى ردود فعل عاطفية قد تضرُّ بمصالحها الإقليمية، فالاستراتيجية الإيرانية تقوم على الترقُّب والصبر، مع استعداد دائم لاستغلال اللحظات المناسبة لإحداث تغيير نوعي في ميزان القوى لصالحها، مما يعزِّز من موقفها باعتبارها قوة إقليمية قادرة على فرض إرادتها متى توفَّرت الظروف الملائمة.
- دوافع إسرائيل في تصعيد النزاع:
الدوافع الإسرائيلية في تصعيد النزاع مع إيران ومحورها تنبع من مزيج من الاعتبارات الأمنية والسياسية والعسكرية، مع تركيز كبير على تعزيز الردع وإضعاف قدرات إيران، إذ تسعى إسرائيل من خلال هذه التحرُّكات إلى الحفاظ على تفوُّقها العسكري والسياسي في المنطقة.
إسرائيل تهدف بوضوح إلى دفع الصراع الإقليمي إلى أقصى حدٍّ ممكن، والتصريحات المتكررة لمسؤولين إسرائيليين مثل وزير الدفاع يوآف غالانت التي تشير إلى إمكانية تصاعد النزاع إلى حرب واسعة تدلُّ على أن الاستراتيجية الإسرائيلية تتضمَّن استغلال التوتُّرات لدفع طهران وحزب الله إلى تصعيد النزاع وتوسيع نطاقه طمعًا في تدخل أمريكي ساحق لصالحها.
وعلى الرغم من أن حزب الله أبدى ضبط النفس في مواجهة الضغوط الشديدة، فإن حكومة الاحتلال بقيادة بنيامين نتنياهو، تعمل على استفزاز طهران وحزب الله لزيادة حدَّة النزاع سعيًا إلى جرِّ الولايات المتحدة إلى صراع إقليمي أوسع، ولكن واشنطن، تحاول تجنُّب التدخُّل المباشر في نزاع موسَّع، ولم تمنح إسرائيل الضوء الأخضر، وهذا بلا شكٍّ يُقلِّل من قدرة إسرائيل على التعامل مع مواجهة إقليمية موسَّعة.
في الوقت نفسه، استخدمت الولايات المتحدة قنوات دبلوماسية للضغط على إيران وحزب الله لتجنُّب التصعيد، محذِّرة من أن أي ردٍّ شامل قد يؤدي إلى تصعيد التوترات ويدفع نحو مواجهة مباشرة مع إسرائيل، التي ستحظى بدعم أميركي، لكن على الرغم من هذه التطمينات الظاهرة، سمحت الولايات المتحدة فعليًّا لإسرائيل بالتصرف دون عقاب، فقد قدمت لها معدَّات عسكرية متقدِّمة، وشجَّعت على تنفيذ العمليات العسكرية الواسعة النطاق، بما في ذلك الهجمات على اليمن ولبنان وسورية.
في 13 أغسطس، وافقت الولايات المتحدة على بيع أسلحة لإسرائيل بقيمة 20 مليار دولار، وهو ما يعزِّز التزام واشنطن طويل الأمد بدعم إسرائيل، وقد كان جزء كبير من هذه الصفقة يشمل طائرات مقاتلة من طراز إف-16، مما يدلُّ على الدعم الاستراتيجي الأميركي لإسرائيل في التصعيدات المستقبلية([14]).
ومع تزايد الدعم الدولي الذي يحظى به نتنياهو ضد إيران، فهو قد يسعى نحو إشعال حرب إقليمية أوسع نطاقًا، يستفيد منها لتعزيز موقفه، وتسعى لتحقيق أهداف أمنية وجيوسياسية محدَّدة، بما يمكن تلخيصه في النقاط التالية:
- تعزيز الردع:
أحد الدوافع الرئيسة لإسرائيل في تصعيد النزاع هو تعزيز مساحة الردع، خاصَّة في مواجهة إيران ووكلائها، إذ تسعى إسرائيل من خلال عملياتها النوعية إلى إرسال رسالة واضحة بأن أي تهديد لأمنها سيُقابل بردٍّ قاسٍ وفوري، مما يهدف إلى ردع الخصوم عن التفكير في أي هجمات أو تصعيد ضدها.
- إضعاف القدرات العسكرية لإيران ووكلائها:
إسرائيل تعتبر القدرات العسكرية الإيرانية، وخاصَّة تطوير الصواريخ والطائرات بدون طيار، تهديدًا مباشرًا لأمنها؛ من هذا المنطلق، ترى إسرائيل أن تصعيد النزاع قد يسهم في إضعاف هذه القدرات أو إبطاء نموها، سواء من خلال ضربات مباشرة على منشآت إيرانية، أو من خلال عمليات تستهدف كوادر وشبكات الدعم اللوجستي التي تعمل على تعزيز تلك القدرات في المنطقة.
- السيطرة على التحولات الإقليمية:
في ظل التحوُّلات الإقليمية السريعة، مثل التقارب بين دول عربية وإيران، تسعى إسرائيل إلى فرض وجودها وتأثيرها على المعادلة الإقليمية، فتصعيد النزاع مع إيران قد يكون وسيلة لإسرائيل لتأكيد كونها قوةً إقليمية مركزية وضمان عدم تجاهل مصالحها في أي ترتيبات أمنية جديدة في المنطقة.
- تخفيف الضغوط الداخلية:
في السياق السياسي الداخلي، يمكن أن يكون التصعيد وسيلة للقيادة الإسرائيلية، خاصة في ظل حكومات يمينية أو تحت قيادة نتنياهو، لتخفيف الضغوط الداخلية على نتنياهو وصرف الأنظار عن قضايا الفساد التي تهدده، ولتعزيز شعبية حكومته من خلال إظهار القوة والقدرة على مواجهة التهديدات الأمنية.
- حث الحلفاء الدوليين للضغط على إيران:
التصعيد يمكن أن يكون جزءًا من استراتيجية مقصودة، لتعزيز الضغوط على إيران ضمن سياسات أوسع تشمل العقوبات الاقتصادية والعزلة الدبلوماسية، فإسرائيل ترى في التصعيد أداة لدفع الحلفاء نحو موقف أكثر تشددًا تجاه إيران وتأكيد التزاماتهم الأمنية تجاه إسرائيل.
- منع التموضع الإيراني في سورية ولبنان:
من الأهداف الرئيسة لإسرائيل هو منع التموضع الإيراني العسكري في سورية ولبنان، إذ تخشى إسرائيل من إنشاء قواعد عسكرية دائمة قد تُستخدم لشنِّ هجمات مباشرة عليها، لذا فالتصعيد العسكري يمكن أن يُستخدم لإضعاف هذا التموضع وإرسال رسالة إلى إيران ووكلائها بأن أي محاولات للتوسُّع العسكري قرب الحدود الإسرائيلية ستُقابل بعمل عسكري قوي.
- التأثير على البرنامج النووي الإيراني:
ترى إسرائيل في تصعيد النزاع فرصة لتوجيه ضغوط إضافية على إيران فيما يتعلَّق ببرنامجها النووي، سواء من خلال توجيه ضربات مباشرة للمنشآت النووية، أو من خلال توجيه رسائل واضحة بأن التقدُّم في هذا البرنامج سيؤدي إلى ردود عسكرية حاسمة.
والخلاصة هي: أن الدوافع الإسرائيلية في تصعيد النزاع مع إيران ومحورها تنبع من مزيج من الاعتبارات الأمنية والسياسية والعسكرية، مع تركيز كبير على تعزيز الردع وإضعاف قدرات إيران، إذ تسعى إسرائيل من خلال هذه التحرُّكات إلى الحفاظ على تفوُّقها العسكري والسياسي في المنطقة، وفي الوقت ذاته ترسل رسائل واضحة إلى إيران وحلفائها بأن أي تهديد لمصالحها سيُقابل بردٍّ لا هوادة فيه، مما يُعزِّز من موقفها رادعًا إقليميًّا قويًّا لا يمكن تجاهله.
الولايات المتحدة الأمريكية.. استراتيجيات الضغط والتفاوض:
في الوقت الذي تسعى فيه الولايات المتحدة لتفادي الصراع المباشر، فإنها تعمل على دعم إسرائيل على المستويين العسكري والسياسي، وبالتالي ممارسة الضغط على إيران.
هذا الضغط قد يهدف إلى إضعاف خصوم الولايات المتحدة وحلفائها في المنطقة، مثل إيران وحزب الله، وبالتالي تعزيز موقف الولايات المتحدة في أي مفاوضات مستقبلية، وتعزيز قدرة إسرائيل على تحقيق أهدافها الأمنية وتوسيع نفوذها، بالإضافة إلى الالتزام الأمريكي بدعم حلفائها الرئيسيين في المنطقة، غير أنه لا يمكن إغفال السخط المتزايد في وسط شباب الجمهوريين والأصوات العربية في الولايات المتحدة والتي ترفض زيادة المساعدات الأمريكية لإسرائيل، الأمر الذي يشكل ضغطًا على إدارة بايدن ويؤثر على سياساتها، هذا السخط يعكس التوترات الداخلية والانتقادات للسياسات الخارجية الأمريكية، مما قد يؤثر على قرارات الإدارة بخصوص توسيع أو تقليص الدور الأمريكي في النزاعات الإقليمية؛ لذلك تسعى واشنطن إلى تجنُّب توسيع النزاع الإقليمي المباشر لأسباب عدة، منها الحفاظ على استقرار حليفتها إسرائيل، وضمان عدم تصعيد الصراع إلى مستوى يخرج عن السيطرة.
في هذا السياق، يمكن رصد محاولة أمريكية لتجنب التصعيد الواسع النطاق، إذ قدمت الولايات المتحدة عروضًا لإيران تتعلَّق ببرنامجها النووي، باعتبارها جزءًا من استراتيجيتها لتهدئة التوترات ومنع تصعيد النزاع إلى صراع أوسع، إذ أبدت واشنطن استعدادها للتفاوض على تخفيف بعض العقوبات الاقتصادية، وتقديم حوافز اقتصادية في مقابل التزام إيران بالقيود الصارمة على برنامجها النووي، كان الهدف من هذه العروض هو إقناع إيران بالامتناع عن توسيع نطاق ردودها العسكرية على الهجمات الإسرائيلية، ومِن ثَمَّ تقليل فرص وقوع ضربة عسكرية قوية قد تؤدي إلى إشعال نزاع إقليمي شامل([15]).
هذه العروض تضمَّنت ضمانات بتحسين العلاقات الدبلوماسية وتقديم دعم اقتصادي لتخفيف الأضرار الناتجة عن العقوبات، كما سعت واشنطن من خلال هذه المبادرات إلى تجنب التهديدات المباشرة ضد إيران والتقليل من احتمالات اتخاذها خطوات تصعيدية قد تجرُّ المنطقة إلى صراع أوسع، وكان الهدف النهائي هو توفير مسار للحوار والمفاوضات يُقلِّل من حدَّة التوترات، مما يتيح للولايات المتحدة إعادة تركيز استراتيجياتها على التحديات الجيوسياسية الكبرى في شرق آسيا، إذ تعتبر الصين أكبر تهديد شامل وخطير للأمن القومي الأمريكي، وكذلك تصدَّرت روسيا قائمة التهديدات الحادَّة للأمن القومي الأمريكي وفقًا لاستراتيجية الدفاع الوطني لعام 2022.
لذا، تحاول واشنطن من خلال تجنُّب الصراعات الإقليمية المتسارعة أن تركز مواردها وجهودها على التصدي لتحديات الصين وروسيا في الساحة العالمية.
تدرك الولايات المتحدة أهمية استقرار الوضع في الإقليم من أجل الحفاظ على مصالحها، وأن أي تراجع في هذا الاستقرار قد يضرُّها ويؤثر سلبًا على مصالحها العالمية، من هذا المنطلق تتعامل الولايات المتحدة مع إيران، فالولايات المتحدة تحتاج إلى الحفاظ على توازن دقيق، بين استخدام الأدوات الدبلوماسية والعسكرية لمواجهة إيران، وسياسة الاحتواء والضغط التي تنتهجها أميركا تستهدف تقليص نفوذ إيران في المنطقة، مما يساعد على حماية مصالحها الاقتصادية والاستراتيجية، بصورة تضمن عدم تفوُّق إيران على منافسيها من حلفائها الإقليميين، ومنعها من تعزيز قدرتها العسكرية.
محصلة دوافع الأطراف بشأن توسع الحرب:
في هذا السياق وفي ظل هذه التوترات المتصاعدة، تتباين دوافع الأطراف الرئيسة الفاعلة بشأن توسُّع الحرب على النحو التالي:
دوافع إيران:
تسعى إيران إلى تعزيز موقفها الإقليمي عبر استخدام القوات بالوكالة واستهداف الاقتصاد الإسرائيلي، وتشعر إيران بالقلق من تصعيد الصراع أن يؤدي إلى تدخل أمريكي مباشر، لذا تحاول استغلال عمليات الهجوم المحدود لتعطيل تصعيد هجوم إسرائيل، مع السعي إلى تعزيز نفوذها في المنطقة، بجانب تركيزها على الهجمات الاقتصادية عبر البحر الأحمر، والتي تهدف إلى إضعاف الاقتصاد الإسرائيلي، وتحقيق أهداف استراتيجية على المدى الطويل.
دوافع إسرائيل:
تسعى إسرائيل إلى تفجير الصراع الإقليمي وسيلةً لتأمين وجودها في ظل قلق وجودي متجذِّر من تصاعد القوة الإيرانية. يعكس هذا القلق، المستند إلى فكرة “لعنة العقد الثامن” التاريخية، تصعيدًا في السياسات العدوانية ضد إيران وما اصطلح على تسميته محور المقاومة، يهدف هذا التصعيد إلى إطالة عمر إسرائيل وتعزيز عملية التطبيع مع دول المنطقة، لكنه على الجانب الآخر، قد يؤدي إلى صراع إقليمي واسع يصعب السيطرة على تداعياته، والخلاصة أن إسرائيل ترى في إشعال الصراع وسيلة لتعزيز موقفها السياسي في المنطقة استنادًا للدعم الأمريكي والغربي.
دوافع الولايات المتحدة:
تقوم الولايات المتحدة بدور محوري في تجنُّب تصاعد الحرب، وتعمل على تقليل احتمالات تدخلها المباشر في الصراع وتمارس ضغوطًا على إيران مصحوبة بوعود تخفيف العقوبات من أجل إنجاح استراتيجيتها.
تقوم الولايات المتحدة بدور محوري في تجنُّب تصاعد الحرب، وتعمل على تقليل احتمالات تدخلها المباشر في الصراع وتمارس ضغوطًا على إيران مصحوبة بوعود تخفيف العقوبات من أجل إنجاح استراتيجيتها.
وبذلك تسعى واشنطن إلى تحقيق توازن بين دعم حلفائها_ وخاصة إسرائيل_ وبين منع حصول حرب موسَّعة، يدعم هذا التوجُّه ما تلاقيه الولايات المتحدة من ضغط سياسي داخلي، خاصَّة بين الشباب، بشأن موقفها الداعم عسكريًّا لإسرائيل، إضافة إلى مخاوفها المتصاعدة من تداعيات الصراع الإقليمي على استراتيجيتها الموجَّهة نحو روسيا والصين، مما يجعلها تسعى لإيجاد حلول تضمن استقرار المنطقة لتدعم مصالحها الاستراتيجية.
رابعا: احتمالات توسُّع الحرب بين الجانبين:
بناءً على التطورات الأخيرة، يمكن تحديد ثلاثة سيناريوهات محتملة بشأن توسع الصراع الإقليمي، تتفاوت في حجم تأثيراتها واحتمالاتها خاصة في حالة وجود كلٍّ من دونالد ترامب أو كاملا هاريس..
ونعرض السيناريوهات الثلاثة المحتملة للصراع الإيراني-الإسرائيلي وذلك كالآتي:
السيناريو الأول: توسع الصراع إلى حرب إقليمية واسعة:
يتبنى هذا التوجُّه اليمين المتطرف الديني في إسرائيل، ولعلَّ حماس ترجو كذلك تحوُّل الإسناد الحاصل من محور إيران إلى اشتباك كامل على كلِّ الجبهات.
في هذا السيناريو، قد تتبنى إسرائيل في البداية استراتيجية شنَّ ضربات نوعية تستهدف المنشآت الإيرانية، خاصة العسكرية منها، والتي تشمل مراكز تصنيع الصواريخ ومنشآت الطائرات بدون طيار، وذلك بهدف إضعاف قدرات إيران وتقليص نفوذها الإقليمي.
يقود هذا التوجه الموسِّع للحرب رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، الذي يسعى لتعزيز الردع الإسرائيلي ضد إيران ومنع أي تصعيد إضافي من وكلائها، مثل حزب الله.
في هذا السيناريو، قد يتسارع الصراع ليشمل نطاقًا إقليميًّا أوسع، سواء من خلال هجمات صاروخية من أراضي إيران، أو من خلال دعم مكثَّف لحلفائها مثل حزب الله، وقد يفضي هذا التطور إلى صراع إقليمي شامل، يشمل لبنان وسورية والعراق والخليج، مما يستلزم كذلك مشاركة أمريكية مباشرة لحماية مصالحها وتعزيز استقرار المنطقة.
هذا السيناريو يحمل في طياته احتمالات قوية لتصعيد النزاع لتشمل استهداف المصالح الأمريكية في المنطقة، كما يمكن أن يثير هذا التصعيد تدخلًّا دوليًّا أكبر مع مرور الوقت.
باختصار، يظل هذا السيناريو محتمل الحدوث إذا ما اعتبرت إسرائيل الضربات النوعية ضرورية لضمان التفوُّق العسكري، وللحدِّ من التهديدات التي تواجهها، ولكن تبقى مخاطره عالية وقد يقود إلى تداعيات كبيرة تُهدِّد وضع الإقليم برمته.
في هذا السيناريو، ستتخذ إيران قرارًا بالتصعيد إلى مستوى الحرب الإقليمية الشاملة، مدفوعة بتفاقم التوترات والتهديدات إذا شعرت أن مصالحها الحيوية مهدَّدة تهديدًا حقيقيًا، وقد تستخدم قدراتها العسكرية عبر “محور المقاومة” لتوسيع نطاق الصراع ليشمل عدَّة جبهات، في المقابل قد تقرِّر الولايات المتحدة اتخاذ خطوات ملموسة لدعم حلفائها، بما في ذلك تنفيذ هجمات استباقية على المواقع الإيرانية أو دعم إسرائيل عسكريًّا.
– الآثار المحتملة لهذا السيناريو:
– تصعيد الأزمة إلى نطاق إقليمي واسع، مما يزيد من احتمال تأثُّر الوضع العالمي وأسواق الطاقة.
– تعقيد الأوضاع العسكرية في دول الإقليم كلِّه.
– زيادة الضغط على الولايات المتحدة لدعم إسرائيل والاستجابة للأحداث بشكل فعَّال.
إمكانات حدوث هذا السيناريو:
تسعى إسرائيل إلى هذا السيناريو خاصة عقب الضربات الأخيرة والتي أدت لمقتل زعيم حزب الله حسن نصر الله، وقد يحدث ذلك الاحتمال إذا نجح اليمين المتطرف في جرِّ الحكومة ومِن ثَمَّ أمريكا له، وهو غير مرجَّح حتى الآن، فهذا السيناريو يُعدُّ أقصى ح
تسعى إسرائيل إلى هذا السيناريو خاصة عقب الضربات الأخيرة والتي أدت لمقتل زعيم حزب الله حسن نصر الله، وقد يحدث ذلك الاحتمال إذا نجح اليمين المتطرف في جرِّ الحكومة ومِن ثَمَّ أمريكا له، وهو غير مرجَّح حتى الآن
دٍّ متصوَّر في التصعيد، ومن غير المحتمل حاليًّا أن تصل الأمور إلى مثل هذا المستوى من التصعيد.
حالة توسع الصراع إلى حرب إقليمية واسعة بين قيادتين أمريكيتين:
تتجنَّب إدارة بايدن تبني هذا السيناريو بسبب مخاوفها من توسيع دائرة الصراع وإشعال حرب إقليمية شاملة، مفضلةً مسار الدبلوماسية والعقوبات الاقتصادية على المواجهة المباشرة، لكن سيكون الموقف الأمريكي من حصول حرب إقليمية واسعة مختلفًا بحسب الرئيس القادم الذي يحكم أمريكا وذلك على النحو التالي:
دونالد ترامب:
من المرجح أن يتبنى ترامب موقفًا متشددًّا تجاه إيران، كما فعل خلال رئاسته الأولى عندما انسحب من الاتفاق النووي الإيراني وفرض عقوبات اقتصادية شديدة على طهران.
في هذا السيناريو، قد يُقدِّم ترامب دعمًا غير مشروط لإسرائيل، وقد يدفع نحو مواجهة إيران، مستخدمًا القوة العسكرية والضغط الاقتصادي كأدواتٍ رئيسة.
قد يسعى ترامب لتصعيد الردع من خلال استعراض القوة، بما في ذلك نشر قوات إضافية في المنطقة، أو توجيه ضربات عسكرية محدودة ضد أهداف إيرانية، لإظهار الدعم لإسرائيل، ومنع إيران من التحرُّك بحرية.
كاملا هاريس:
من المرجح أن تتبنى هاريس موقفًا أكثر حذرًا وتوازنًا، ساعيةً لتفادي تصعيد الحرب.
قد تدفع باتجاه الحلول الدبلوماسية وإعادة إحياء المفاوضات مع إيران، ربما من خلال وسطاء دوليين، أو عبر إعادة التفاوض على الاتفاق النووي بشروط جديدة، تشمل مزيدًا من القيود على البرنامج الصاروخي الإيراني وسلوكياته الإقليمية.
تسعى هاريس لتجنُّب انخراط الولايات المتحدة المباشر في نزاع عسكري موسع، مركزةً على العمل مع الحلفاء الأوروبيين لتعزيز العزلة الدبلوماسية والاقتصادية على إيران، دون اللجوء إلى القوة العسكرية.
السيناريو الثاني: استمرارية التوترات المحدودة في إطار قواعد الاشتباك:
في إطار هذا السيناريو، تسعى إيران إلى الحفاظ على التوتُّرات في مستوًى يمكن التحكُّم فيه، دون الانزلاق إلى حرب شاملة، وتتبنى إيران هذا النهج لتجنُّب تصعيد النزاع إلى مستويات غير قابلة للإدارة، مما يسمح لها بممارسة الضغوط وتعزيز مواقفها الإقليمية بفعالية أكبر دون المخاطرة.
تقوم إيران ووكلاؤها، مثل حزب الله، بردود فعل عسكرية محدودة على الهجمات والاغتيالات الإسرائيلية، إذ يقتصر هذا الردُّ على عمليات انتقامية مكثفة لكن محصورة جغرافيًّا، دون أن تتجاوز حدود النزاع الشامل، قد تشمل هذه العمليات قصفًا على أهداف عسكرية إسرائيلية محدودة التأثير، أو غير مؤثِّرة بصورة كبيرة، لكن دون توسيع نطاق الصراع بشكل كبير.
ستواصل إيران سعيها في رفع العقوبات التي فُرضت عليها، مما يساعدها على تعزيز قدرتها الاقتصادية والتمويلية، وهو ما قد يعزِّز قدرتها العسكرية، في المقابل إذا وصل ترامب للحكم، فقد تستمر العقوبات وربما تزداد، مما قد يضغط على إيران اقتصاديًّا.
بهذه الطريقة، تسعى إيران إلى تحقيق توازن بين الحفاظ على استقرار الوضع، والحفاظ على قدرتها على ممارسة الضغوط والتأثير، دون المخاطرة بدخول صراع موسَّع.
وفقًا لهذا السيناريو قد تستمرُّ التوترات بين إسرائيل وحزب الله على طول الحدود الشمالية ضمن إطار قواعد الاشتباك المعتمدة، دون تصعيد إلى صراع شامل، بينما تُركِّز إيران على تعزيز موقفها الدفاعي وتجنُّب الدخول في مواجهة مباشرة.
ويسعى كل طرف إلى تحقيق أهداف محدَّدة دون توسيع نطاق الصراع، مع الحفاظ على “روتين القتال”، ومن الممكن أن يتضمَّن ذلك تبادلًا محدودًا للهجمات من خلال وكلاء إيرانيين آخرين مثل الحوثيين، في هذا السياق تحافظ الأطراف على عمليات انتقامية منسَّقة وتبادل محدود للهجمات.
الآثار المحتملة لهذا السيناريو:
من المتوقع أن تسفر ردود الفعل العسكرية المحدودة عن أضرار متزايدة في المناطق المستهدفة، مثل الضاحية الجنوبية في بيروت أو المناطق الحدودية مع إسرائيل، ومع ذلك فإن احتمال بقاء هذه الأضرار ضمن نطاق معين احتمال متوقَّع، مما يعني أن التأثير العام على المدنيين قد يكون محدودًا نسبيًّا.
إمكانات حدوث هذا السيناريو:
من المحتمل أن تلتزم إيران بهذا السيناريو، إذا كانت تُفضِّل تجنُّب تصعيد النزاع إلى حرب واسعة، لكن الضربات الأخيرة التي وجَّهتها إيران قد تؤثر على احتمالية وقوع هذا السيناريو.
وقد تدعم الولايات المتحدة هذا السيناريو في إطار سعيها إلى منع تصعيد النزاع والحفاظ على استقرار المنطقة، مما يتيح لها التركيز على قضايا أخرى مثل الصراعات الدولية مع الصين وروسيا.
إمكانات حدوث هذا السيناريو:
يعتبر هذا السيناريو ممكنًا في حالة استمرار إيران في تبني هذه الاستراتيجية، وسيناسب هذا إسرائيل خاصَّة بعد الضربات الأخيرة التي شنَّتها إسرائيل ضد إيران ومحورها، فقد تجد إسرائيل نفسها عندئذ في موقف مائل نحو الحفاظ على هذا المستوى من الصراع، مما قد يدفع إيران إلى الاستمرار في هذا النهج من سياسة التوترات المحدودة.
حالة استمرارية التوترات المحدودة في إطار قواعد الاشتباك بين قيادتين أمريكيتين:
لا شكَّ أن الموقف الأمريكي في هذا السيناريو سيختلف بحسب الرئيس القادم الذي سيحكم، والمتوقع أن يكون على النحو التالي:
دونالد ترامب:
قد يواصل ترامب استراتيجيته بالضغط الأقصى، عبر فرض المزيد من العقوبات الاقتصادية وتكثيف الدعم العسكري لإسرائيل، وقد تبقى التوترات ضمن نطاق يمكن السيطرة عليه.
قد يدعم ترامب زيادة العمليات السرية والاستخباراتية لتعطيل الأنشطة الإيرانية وتقويض نفوذها في المنطقة، أو دعم عمليات إسرائيلية محدودة ضد أهداف إيرانية أو وكلائها.
كاملا هاريس:
من المرجَّح أن تُفضِّل هاريس إبقاء التوترات تحت السيطرة عبر التواصل الدبلوماسي وتفعيل قنوات حوار مفتوحة مع كلٍّ من إسرائيل وإيران.
قد تعمل على تعزيز قواعد الاشتباك التي تحول دون التصعيد الكبير، مع التركيز على تجنُّب أي خطوات قد تؤدي إلى مواجهة مباشرة.
من المرجَّح أن تُفضِّل هاريس إبقاء التوترات تحت السيطرة عبر التواصل الدبلوماسي وتفعيل قنوات حوار مفتوحة مع كلٍّ من إسرائيل وإيران.
ومن المتوقع أن تسعى لضبط الهجوم المتبادل بين الأطراف، مع تقديم حوافز اقتصادية لإيران للتراجع عن سياساتها العدوانية الإقليمية، وتهدئة التوترات.
السيناريو الثالث: سيناريو التهدئة بين الطرفين:
في هذا السيناريو، يفترض أن تركز الأطراف على الحلول الدبلوماسية لتخفيف حدَّة التوترات ومنع التصعيد العسكري الواسع، وأن تشمل الجهود الدبلوماسية التنسيق مع الأطراف الدولية لتحقيق تهدئة، وقد يتضمَّن هذا السيناريو تقديم تنازلات سياسية لوقف الأعمال العدائية، مما يساعد على تجنُّب تصعيد الصراع إلى حرب إقليمية موسعة ويعزز الاستقرار الإقليمي عبر الوساطة الفعالة.
في هذا السيناريو، فمطلوب من جميع الأطراف المعنية أن تسعى إلى خفض مستوى التوترات وتجنب أي مواجهات قد تؤدي إلى تصعيد النزاع.
في إطار سيناريو التهدئة بين الأطراف، تُعدُّ العروض الأمريكية لإيران من العوامل الرئيسة التي قد تسهم في تحقيق الاستقرار، والتي سيكون على رأسها رفع العقوبات، فقد تعرض الولايات المتحدة رفع بعض العقوبات الاقتصادية على إيران، خاصة تلك التي تؤثر على الاقتصاد الإيراني بشكل كبير.
إمكانات حدوث هذا السيناريو:
تزداد احتمالية حدوث هذا السيناريو في حال وجود حوافز قوية للتوصُّل لهذه التهدئة، قد تدعم إيران هذا السيناريو إذا رأت في الوساطة فرصة لتجنب تصعيد النزاع، وتعزيز موقفها من خلال القنوات الدبلوماسية، وتحقيق مكاسب سياسية بدون الدخول في صراع واسع.
وقد تجد إسرائيل محفِّزات قوية لقبول سيناريو التهدئة بين الأطراف إذا تحقَّق التوازن بين العروض الأمريكية والتنازلات الإيرانية، فيمكن أن تشمل هذه المحفزات التهدئة الأمنية، الأمر الذي يقلِّل من المخاطر على الأمن القومي الإسرائيلي، خاصَّة عقب الضربات الأخيرة؛ فلا بد من تدخل القوى الكبرى، إن أرادت الوصول لهذا الحلِّ.
الآثار المحتملة لهذا السيناريو:
التهدئة: تجنُّب اندلاع حرب شاملة، مع تحسين الأوضاع الإنسانية.
الاستقرار: استقرار نسبي في المناطق المتأثرة في المحور الإيراني.
تغييرات في الاستراتيجية الإقليمية: يمكن أن تؤدي الوساطة إلى تغييرات في الاستراتيجيات الإقليمية لأطراف النزاع. قد تضطر إيران وإسرائيل إلى إعادة تقييم استراتيجياتهما الأمنية والسياسية في ضوء التهدئة، مما قد يؤثِّر على تحركاتهما المستقبلية وتوجهاتهما الاستراتيجية، وقد تتأثر الحركات والجماعات المرتبطة بإيران مثل حزب الله والحوثيين بتقليص التوترات.
تأثيرات على العلاقات مع القوى الكبرى: قد تؤدي الوساطة الناجحة إلى تغييرات وتحسن في العلاقات بين إيران والدول الكبرى مثل الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي، خاصة في ظل وجود حاكم إيران الجديد المائل للتهدئة.
حالة التهدئة بين الطرفين في ظل قيادتين أمريكيتين:
مما لاشكَّ فيه أن الموقف الأمريكي سيكون مختلفًا بحسب الرئيس القادم الذي سيحكم، وذلك على النحو التالي:
دونالد ترامب:
قد يكون ترامب أقلَّ ميلًا للتهدئة الشاملة، إلا إذا تضمنت شروطًا صارمة على إيران، تشمل وقف دعمها للوكلاء الإقليميين وتقييد برامجها الصاروخية.
إذا تحقَّقت مثل هذه الشروط، قد يمرِّر ترامب هذا الحلَّ مؤقتًا، مع الاحتفاظ برغبة التصعيد إذا انتهكت إيران التفاهمات، وذلك لتحقيق أمن لإسرائيل.
كاملا هاريس:
من المرجَّح أن تدفع هاريس بقوة نحو التهدئة، ربما عبر إعادة التفاوض على اتفاق نووي معدَّل يحقِّق طموحات إسرائيل الأمنية، مع تقديم حوافز اقتصادية كبيرة لإيران لتشجيعها على الامتثال.
تسعى لتعزيز التعاون الإقليمي لخفض التوترات وإدماج إيران بشكل أكبر في المنظومة الدولية، في محاولة لتحقيق توازن قوى جديد في الإقليم يُقلِّل من فرص نشوب النزاعات.
باختصار، ترامب يميل إلى التصعيد والمواقف القوية مع فرض شروط قاسية على إيران، بينما هاريس تفضل الدبلوماسية والحلول السلمية، ساعية لتحقيق توازن، دون اللجوء إلى العمل العسكري المباشر.
خامسًا: موقف كل من روسيا والصين من الحرب بين الطرفين:
موقف روسيا من الصراع الحالي بين إيران وإسرائيل:
تتبنى روسيا موقفًا متقاربًا مع إيران والمحور الذي تقوده، والذي يشمل قوى مثل حزب الله والحوثيين وغيرهما، هذا الموقف لا ينبع بالضرورة من موقف عدائي تجاه إسرائيل، بل لأنه يعارض النفوذ الغربي في المنطقة.
ورغم هذه العلاقة المتقاربة مع إيران، تفضل روسيا عدم التورط المباشر في الصراع مع إسرائيل، حيث لا توجد بين الطرفين صراعات مباشرة، خاصة وهي في حالة حرب مع أوكرانيا، لذلك فهي لا ترى ضرورة لاتخاذ خطوات عدائية ضد إسرائيل ومن خلفها الولايات المتحدة.
يضاف إلى ذلك أن هناك تنسيقًا مسبقًا بين روسيا وإسرائيل لتجنُّب الاحتكاك بين القوات الروسية والإسرائيلية، خاصة في المجال الجوي السوري، يتيح هذا التنسيق لإسرائيل تنفيذ ضربات جوية محدَّدة، تستهدف شحنات أسلحة أو مواقع إيرانية أو تابعة لحزب الله داخل سورية، دون أن تؤثر هذه العمليات على القوات الروسية المنتشرة هناك.
وفي المقابل، تلتزم إسرائيل بعدم استهداف مواقع النظام السوري بشكل مباشر أو أي مصالح روسية، وهو ما يضمن عدم الدخول في مواجهة عسكرية مع روسيا، مما يجعل المشاركة الروسية المباشرة ضد إسرائيل غير مرجحة.
موقف الصين من الصراع الحالي بين إيران وإسرائيل:
من جهتها، تتخذ الصين موقفًا أكثر تحفظًا تجاه الصراع بين إيران وإسرائيل، حيث تسعى بكين إلى تحقيق استقرار طويل الأمد في المنطقة نظرًا لاعتمادها الكبير على استيراد النفط من الشرق الأوسط.
ترى الصين أن أي تصعيد واسع النطاق سيؤدي إلى اضطرابات اقتصادية، بما في ذلك ارتفاع أسعار النفط، مما سيؤثر سلبًا على مصالحها الاقتصادية. لهذا السبب، تميل الصين إلى دعم مساعي التهدئة، وتعارض أي تصعيد عسكري في المنطقة.
ورغم أن الصين لا تمتلك نفس التأثير المباشر الذي تحظى به قوى أخرى كروسيا أو الولايات المتحدة في الشرق الأوسط، إلا أنها تعتمد على دبلوماسية القوة الناعمة، وتفضل لعب دور الوسيط عبر المنظمات الدولية والمنتديات متعددة الأطراف، بالإضافة إلى ذلك، تحاول الصين تعزيز نفوذها من خلال التعاون الاقتصادي، كما فعلت في الوساطة بين السعودية وإيران، ومحاولاتها لجمع الفصائل الفلسطينية في حوارات السلام([16]).
على الرغم من اتفاق روسيا والصين في معارضتهما للنزعة الغربية في الشرق الأوسط، إلا أن ثمَّة اختلافات جوهرية في مواقفهما تجاه الصراع الإيراني-الإسرائيلي، ففي حين تسعى روسيا إلى استخدام علاقاتها مع إيران وحلفائها ورقة ضغط على الولايات المتحدة والغرب عمومًا، بهدف تحقيق مكاسب سياسية، في المقابل، تركِّز الصين على الحفاظ على استقرار المنطقة عبر تشجيع الحوار والوساطة، وتجنب أي تصعيد يمكن أن يؤدي إلى تراجع نفوذها الاقتصادي في المنطقة، وترى في هذا التصعيد تهديدًا مباشرًا لاستقرار المنطقة الاقتصادي، مما سيضر بمصالحها التجارية والنفطية.
صورة الدعم الروسي والصيني الممكن في حال توسعت الحرب:
وفي حال توسُّع الحرب بين إيران وإسرائيل إلى نطاق إقليمي أوسع، فإن مواقف كلٍّ من روسيا والصين تظلُّ معقدة ومحكومة بحسابات استراتيجية دقيقة، حيث يُتوقَّع أن تقدِّما دعمًا غير مباشر لإيران، وعلى الرغم من كونهما حليفتين تقليديتين لإيران في مواجهة النفوذ الغربي، إلا أن خياراتهما في تقديم دعم فعلي تعتمد على مصالحهما الأوسع، وعلى تجنُّب التورُّط المباشر في الصراع، ولعلَّ لك يكون على النحو التالي:
الدعم الروسي الاستخباري واللوجستي المحتمل:
من الناحية الاستخبارية واللوجستية، قد تقدِّم روسيا لإيران دعمًا غير مباشر، خاصة في ظل العلاقات العسكرية الوثيقة بين الطرفين وسابق الدعم الروسي لإيران، ومن المرجَّح أن تستمر روسيا في تقديم مساعدات تقنية متقدِّمة، تشمل تحديث الأنظمة الدفاعية الإيرانية، وتبادل المعلومات الاستخباراتية المتعلِّقة بحركة القوات الإسرائيلية أو الأمريكية في المنطقة، ومع ذلك، لن تتجه روسيا إلى التورط المباشر عبر تقديم دعم عسكري فعلي، إذ يظل هدفها الحفاظ على توازن بين علاقاتها مع إسرائيل والولايات المتحدة من جهة، وتحالفها مع إيران من جهة أخرى.
كما أن موسكو ستوفر دعمًا لوجستيًّا لإيران من خلال تزويدها بالأسلحة والمعدات عبر قنوات غير مباشرة، إلا أن روسيا ستظل حذرة من الانخراط المباشر في العمليات العسكرية؛ لتجنب أي تصعيد مع الولايات المتحدة والكتلة الغربية([17]).
بالنسبة للصين، فإن أي دعم لإيران سيكون غالبًا من خلال قنوات اقتصادية ولوجستية غير مباشرة، وليس عبر تدخل عسكري صريح، إذ تعتمد الصين على النفط الإيراني كجزء من استراتيجيتها الاقتصادية، وبالتالي يمكنها تقديم دعم اقتصادي من خلال تعزيز التجارة مع إيران.
الدعم الصيني الاقتصادي واللوجستي المحتمل:
بالنسبة للصين، فإن أي دعم لإيران سيكون غالبًا من خلال قنوات اقتصادية ولوجستية غير مباشرة، وليس عبر تدخل عسكري صريح، إذ تعتمد الصين على النفط الإيراني كجزء من استراتيجيتها الاقتصادية، وبالتالي يمكنها تقديم دعم اقتصادي من خلال تعزيز التجارة مع إيران.
على الصعيد العسكري والاستخباري، تفتقر الصين إلى النفوذ العسكري المباشر في الشرق الأوسط مقارنة بروسيا، لذلك من غير المتوقَّع أن تقدم دعمًا عسكريًّا واسعًا، ومع ذلك، قد تلجأ الصين إلى تزويد إيران بمعدات متقدمة لتكنولوجيا المعلومات أو تقنيات الرصد والمراقبة، وهو ما سيسهم في تعزيز القدرات الدفاعية الإيرانية([18]).
التوازن الاستراتيجي بين المصالح والمخاوف:
في الختام، يبدو أن كلًّا من روسيا والصين ستسعيان إلى تجنب التورُّط المباشر في أي حرب موسَّعة بين إيران وإسرائيل، مع تقديم دعم محدود قد يقتصر على الجوانب الاستخبارية واللوجستية، هذا الدعم سيتوقف على كيفية تطور الصراع، وسيظل مقيدًا بحسابات الحفاظ على التوازن بين مصالحهما الاستراتيجية الأوسع في المنطقة وتجنب التصعيد مع الولايات المتحدة وحلفائها الغربيين.
سادسًا: موقف الدول العربية من الحرب بين الطرفين:
تشهد المنطقة حتى الآن توترًا متزايدًا يُهدِّد بتوسُّع الصراع الإقليمي، خاصة في ظل المواجهات المستمرة بين الاحتلال وإيران، هذا الصراع الذي كان في السابق خفيًّا، تطوَّر إلى مواجهات مباشرة تهدِّد بإشعال حرب شاملة، مع تصاعد الأعمال العدائية، لذلك فإن المنطقة تبدو على حافة مشهد مختلف، ولهذا تتسم المواقف العربية من توسع الحرب الإقليمية بين إيران وإسرائيل بالتنوع بناءً على مصالح كل دولة وأولوياتها الاستراتيجية، وفق هذا السياق:
1-موقف دول التطبيع من توسع الحرب بين الطرفين:
موقف مصر:
تحرص مصر في موقفها على الحفاظ على عدم توسُّع الحرب بين إسرائيل وإيران، ذلك أنها بموجب اتفاقية كامب ديفيد، التي وُقِّعت في عام 1978 بين مصر وإسرائيل برعاية أمريكية، قد حافظت على سلام مستدام مع إسرائيل، ما جعلها حريصة على تجنُّب أي تصعيد قد يُهدِّد هذا الاستقرار في الإقليم.
فالقاهرة تشعر بأن أي تصعيد في المنطقة قد يُعرِّض مصالحها الأمنية والاقتصادية للخطر، وتدرك أن توسُّع الحرب بين إسرائيل وإيران يمكن أن يؤثر سلبًا على استقرار أمنها القومي المصري، في ظل وجود مكونات المقاومة الفلسطينية على حدودها، والتي سيكون لها دور بارز في المعركة إن توسعت الحرب.
وبالتالي فإن القاهرة تسعى لتفادي أي خطوات قد تؤدي إلى تفاقم الصراع أو زعزعة الاستقرار في المنطقة، وتفضل تبني سياسات تضمن عدم انجرارها إلى صراعات إقليمية واسعة النطاق حال توسُّع الحرب بين الطرفين.
دعم مصر لمصالح دول الخليج في مواجهة التهديد الإيراني:
تعمل مصر على الحفاظ على مصالح دول الخليج التي تخشى من النفوذ الإيراني المتزايد، ولذلك تسعى لتهدئة الأوضاع بما يضمن استقرار المنطقة وحماية أمن حلفائها الخليجيين، فالخوف من التوسُّع الإيراني يجعل القاهرة حريصة على منع أي تصعيد قد يؤدي إلى زعزعة استقرار الخليج، وبالتالي فهي تفضل تبني سياسات تضمن عدم انجرارها إلى صراعات إقليمية واسعة النطاق حال توسع الحرب بين الطرفين، مع الحفاظ على توازن دقيق بين علاقاتها مع الدول الخليجية وحفاظها على استقرار أمنها القومي.
لذلك يمكن القول إن الموقف المصري يأتي جزءًا من استراتيجية أوسع للحفاظ على الاستقرار الإقليمي وخدمة مصالح حلفائها الخليجيين.
موقف الأردن من توسُّع الحرب بين إسرائيل وإيران:
يظهر موقف الأردن في ظل التوترات المتزايدة بين إيران وإسرائيل، داعمًا للاستقرار الإقليمي، من خلال التأكيد على أهمية تجنب التصعيد المباشر وتعزيز دور الوساطة، يسعى الأردن إلى حماية أمنه الداخلي، خوفًا من الأثر المحتمل لاستخدام مجاله الجوي وتأثيراته على استقراره وأمنه القومي.
حماية الاستقرار الداخلي:
يدرك الأردن أن أي تصعيد عسكري في المنطقة يمكن أن يؤثر سلبًا على استقراره الداخلي، خاصة في ظل التحديات الاقتصادية التي يواجهها، إذ يعاني الأردن من معدلات بطالة وفقر مرتفعة، بالتالي يسعى الأردن إلى تجنب أي تطورات قد تؤدي إلى تصعيد النزاع، مما يساعد على حماية أمنه الداخلي واستقرار سياسته المحلية.
دور الأردن في السماح باستخدام مجاله الجوي:
التعاون الاستراتيجي مع إسرائيل:
في حال حدوث توترات عسكرية أو توسيع للصراع بين إيران وإسرائيل، قد يتيح الأردن لإسرائيل استخدام مجاله الجوي لأغراض عملياتية، وهذا التعاون يمكن أن يشمل استخدام الأجواء الأردنية لتنفيذ عمليات عسكرية أو تنفيذ عمليات استطلاع ضد أهداف إيرانية، مما يعزز من قدرة إسرائيل على تنفيذ استراتيجياتها الإقليمية.
منع وصول الضربات الإيرانية عبر مجاله الجوي:
إلى جانب السماح باستخدام الأجواء الأردنية للأغراض العسكرية الإسرائيلية، قد يلعب الأردن دورًا في منع وصول الضربات الإيرانية الجوية عبر مجاله الجوي إلى إسرائيل، كما حدث خلال الضربة الإيرانية التي استهدفت إسرائيل ردًّا على استهداف سفارتها في سورية، أو تلك التي كانت ردًّا على اغتيال هنية وحسن نصر الله، إذ قام الأردن باتخاذ إجراءات فعالة لمنع أي ضربة إيرانية من عبور أجوائه.
ردود فعل إيران والمحور الإيراني تجاه الأردن في حال استخدام مجاله الجوي:
التهديدات والانتقادات:
إيران قد تصعد من تهديداتها للأردن تحذيرًا من أي استخدام للمجال الجوي الأردني من قبل إسرائيل قبل حدوثه، وستعتبر هذا التعاون بمثابة تواطؤ مع إسرائيل ضد مصالحها الاستراتيجية، كما قد تستخدم إيران هذا الموقف لتوجيه انتقادات قوية للأردن وتحميله مسؤولية التصعيد.
التصعيد العسكري:
في حال توسع الصراع، قد تقوم إيران بدراسة خيارات عسكرية ردًّا على استخدام المجال الجوي الأردني، هذا قد يتضمن استهداف المواقع العسكرية في الأردن، أو القيام بهجمات عبر المليشيات المرتبطة بها في المنطقة، إيران قد تستخدم كذلك هجمات صاروخية أو عمليات عبر حلفائها لزيادة الضغوط على الأردن.
الضغط الشعبي الداخلي:
إيران والمحور الإيراني قد يسعون إلى ممارسة ضغط شعبي على الأردن، من خلال تعزيز العلاقات مع الجماعات الفلسطينية، والدعوة إلى الاحتجاجات الشعبية من خلال الجماعات الفلسطينية، لتحريك الاحتجاجات في الشارع الأردني.
التهديدات الاقتصادية:
إيران قد تسعى إلى تأثير اقتصادي على الأردن من خلال توجيه هجمات على البنية التحتية الاقتصادية، أو عبر استخدام وسائل الضغط الاقتصادي؛ كالتأثير على سلاسل الإمداد العالمية التي تعتمد عليها الأردن، عبر هجمات حوثية على الممرَّات البحرية في البحر الأحمر التي تصل الأردن، مما يؤدي إلى تعطل الإمدادات أو زيادة تكاليف التجارة.
خلاصة الموقف:
في إطار اتفاق السلام مع إسرائيل، يسعى الأردن إلى الحفاظ على استقراره الداخلي إلى جانب التعزيز من علاقاته الاستراتيجية مع إسرائيل، يعبر الأردن عن حذر تجاه الصراع، مشددًّا على أهمية التهدئة لتجنب تصعيد النزاع، وبالتالي يركز الأردن على حماية مصالحه الأمنية والسياسية.
في هذا السياق، فإن سماح الأردن لإسرائيل باستخدام مجاله الجوي قد يؤدي إلى تصعيد التوترات مع إيران والمحور الإيراني، إذ من المتوقع أن تقوم إيران بتهديد وتصعيد عسكري وسياسي ضد الأردن، كما يمكن أن تسعى إيران إلى ممارسة ضغوط اقتصادية -كما سبق- مما يعقد وضعها الاستراتيجي ويزيد من المخاطر الأمنية نحوها، لذلك يسعى الأردن لتعزيز استراتيجيته الدبلوماسية بحذر لتجنب تصاعد الأزمات وتأمين استقرار المنطقة وأمنها.
موقف الإمارات العربية المتحدة:
تسعى الإمارات للحفاظ على استقرارها الاقتصادي وأمنها الداخلي، وتجنُّب التورُّط في نزاعات قد تؤثر سلبًا على استثماراتها وعلاقاتها التجارية، سواء مع الاحتلال أو مع إيران.
تهتم الإمارات باستمرار تعزيز علاقاتها الاقتصادية والسياحية، خصوصًا في ظل التطبيع والاتفاقات الموقعة مع الاحتلال، وتجنب التصعيد الذي قد يعرقل مشاريعها الاستثمارية العملاقة، وتتخذ الإمارات سياسة حذرة، مع التركيز على ضرورة استقرار المنطقة.
تحسين العلاقات مع إيران:
في السنوات الأخيرة، بدأت الإمارات في تبني سياسة أكثر توازنًا تجاه إيران، استأنفت الإمارات علاقاتها الدبلوماسية مع طهران، وأعادت فتح قنوات التواصل بين البلدين، هذا التحسن في العلاقات يعكس رغبة الإمارات في تهدئة التوترات الإقليمية وتعزيز الاستقرار في منطقة الخليج.
تأتي هذه الخطوة في إطار استراتيجيتها الهادفة إلى تنويع شراكاتها وتعزيز التعاون الإقليمي بما يتماشى مع مصالحها الأمنية والاقتصادية، الإمارات تأمل أن يسهم تحسين العلاقات مع إيران في تقليل المخاطر الأمنية وضمان تدفق التجارة والاستثمار بشكل أكثر استقرارًا.
تنامي التطبيع الاقتصادي والسياسي مع إسرائيل:
في الوقت نفسه، تواصل الإمارات تعزيز علاقتها مع إسرائيل، خاصة بعد توقيع اتفاقية إبراهام في عام 2020، التي فتحت أبواب التعاون بين البلدين على مصراعيه، يشمل هذا التطبيع مجالات متعددة مثل الاقتصاد، والتكنولوجيا، والابتكار، مما يسهم في تعزيز مكانة الإمارات كمركز إقليمي للتجارة والتكنولوجيا، حيث إن انفتاح العلاقات مع إسرائيل توفر للإمارات فرصًا كبيرة في مجالات التجارة والاستثمار والأمن، كما تعزز من دورها كقوة استراتيجية في داخل الإقليم.
التوازن بين الطرفين:
الإمارات، إذ تواصل توطيد علاقاتها مع إيران في سياق تحسين الاستقرار الإقليمي، في الوقت نفسه تدير علاقتها مع إسرائيل بحذر وتدريجية، وتسعى أبوظبي إلى تحقيق توازن بين مصالحها الاقتصادية مع إسرائيل وحاجتها إلى الحفاظ على علاقات مستقرة مع إيران، هذا التوازن يعكس سياسة الإمارات متعددة الأبعاد، التي تسعى إلى الاستفادة من الفرص التي تتيحها العلاقات مع كلا الطرفين، دون التورط في صراعات قد تؤثر على استقرارها الاستراتيجي.
من خلال هذه الاستراتيجيات، تسعى الإمارات إلى تعزيز مكانتها كقوة إقليمية محورية، قادرة على المناورة بين القوى الكبرى والحفاظ على استقرارها الاقتصادي والأمني، في ظل التحديات الإقليمية المتزايدة وبالتالي، ومن ثمَّ فإن الإمارات تسعى لتجنب توسع الحرب بين إيران وإسرائيل؛ من أجل الحفاظ على استقرارها وتعزيز مكانتها الإقليمية، دون الانجرار إلى النزاعات التي قد تؤثر سلبًا على أمنها واقتصادها وتضر بمصالحها الاستراتيجية.
موقف البحرين:
تواجه البحرين تحديات أمنية واقتصادية كبيرة، نظرًا لقربها الجغرافي من إيران، وتسعى البحرين للحفاظ على استقرارها الداخلي وعلاقاتها الدفاعية مع الولايات المتحدة، خاصة بعد توقيعها اتفاقيات تطبيع مع الاحتلال، وتأمل البحرين في تجنب أي صراع قد يؤدي إلى تفاقم الأوضاع، من خلال التركيز على تعزيز أمنها الداخلي والحفاظ على استقرارها السياسي والاقتصادي في ظل التوترات الإقليمية المتزايدة.
تعزيز الأمن الداخلي واستقرار العلاقات الدفاعية:
في ظل التوترات الإقليمية المتزايدة، تركز البحرين على تعزيز أمنها الداخلي والحفاظ على استقرارها الاجتماعي والسياسي، خاصةً في ظل وجود طائفة شيعية كبيرة تشكل جزءًا من المجتمع البحريني، وعلى الجانب الآخر وفي ظل توقيعها اتفاقيات تطبيع مع الاحتلال، تسعى البحرين إلى تجنب أي تصعيد قد يؤدي إلى تفاقم الأوضاع الأمنية الداخلية ويؤثر سلبًا على استقرارها السياسي والاقتصادي.
تجنب التصعيد والحفاظ على الاستقرار الاقتصادي:
في ظل التوترات الإقليمية المتزايدة، تركز البحرين على تجنب الانزلاق في صراعات إقليمية قد تؤثر على اقتصادها واستقرارها الداخلي، ويمكن أن يؤدي هذا إلى اضطرابات في سلاسل الإمداد، وتراجع الاستثمارات، وارتفاع أسعار النفط، فضلًا عن التأثيرات الأمنية المباشرة.
2-موقف باقي دول الخليج من توسع الحرب بين الطرفين:
موقف السعودية من توسع الحرب بين إيران وإسرائيل:
تركز السعودية حاليًّا على حماية مشاريعها الاقتصادية الحيوية المرتبطة برؤية 2030، وتسعى لتجنب أي تصعيد قد يضر باستقرارها الداخلي أو يعطل تنفيذ الإصلاحات الاقتصادية التي تسعى لها.
تدرك السعودية أن الحرب الإقليمية قد تؤدي إلى كارثة اقتصادية وأمنية تؤثر على تطلعاتها المستقبلية، خاصة في ظل سعيها للحفاظ على مصالحها في خضم التطبيع وتحسين العلاقات مع دول كبرى مثل الولايات المتحدة.
التطورات الأخيرة في العلاقات السعودية-الإيرانية:
لوقت طويل، هيمنت طبيعة العلاقة المتوترة بين المملكة العربية السعودية والجمهورية الإسلامية الإيرانية على معظم ملفات المنطقة، بحيث أصبحت قضايا الإقليم ترتبط بدورات التنافس والصراع التي خاضتها طهران والرياض. هذا النمط من العلاقات المضطربة، الذي أرهق الطرفين، دفعهما مؤخرًا لمحاولة بناء إطار مختلف للعلاقة، يتجاوز استئناف العلاقات الدبلوماسية وإعادة السفارات، فقد تبادلت السعودية وإيران السفراء وبدأت في خطوات لتعزيز العلاقات الدبلوماسية بينهما.
وفي الوقت الذي تسعى فيه كلا الدولتين للتقارب، تظل العديد من الملفات الصعبة عالقة، مثل التنافس الإقليمي والأزمات في اليمن وسورية، إضافة إلى الملف النووي الإيراني، وما يزال الحذر سمة تلازم هذا التقارب، في ظل تعقيدات العلاقات الدولية وإكراهاتها، والتي تعيق أي تغيير مستدام في العلاقة بين البلدين.
في ظل التفاهمات الأخيرة، تحافظ السعودية على موقفها الاستراتيجي من خلال التحالفات العربية التي تسعى لتحجيم النفوذ الإيراني دون الانزلاق في صراعات مباشرة، وتظل الرياض ملتزمة بالاستقرار الإقليمي عبر تعزيز التعاون الدبلوماسي وتفادي التصعيد العسكري
الاستراتيجية السعودية تجاه الحرب:
تتمثل رؤية السعودية في الحفاظ على استقرارها الداخلي، من خلال تجنب التصعيد العسكري المباشر بين الطرفين، في هذا السياق، تُظهر المملكة حذرًا شديدًا من تداعيات الصراع مع إيران، وقد شهدت السعودية تحولًا ملحوظًا في سياستها تجاه إيران نتيجة للاتفاقية التي تم التوصل إليها بوساطة صينية في مارس 2024، والتي تضمنت التزام الطرفين بالحوار وحل النزاعات بطرق سلمية، هذا الاتفاق يعكس تحولًا في الاستراتيجية السعودية نحو تقليل التوتر مع إيران وتحقيق استقرار أكبر.
في ظل التفاهمات الأخيرة، تحافظ السعودية على موقفها الاستراتيجي من خلال التحالفات العربية التي تسعى لتحجيم النفوذ الإيراني دون الانزلاق في صراعات مباشرة، وتظل الرياض ملتزمة بالاستقرار الإقليمي عبر تعزيز التعاون الدبلوماسي وتفادي التصعيد العسكري، مع التركيز على استراتيجيات تحافظ على مصالحها وتُحقِّق الاستقرار في المنطقة.
ورغم توجُّس السعودية من الدور الإيراني المتزايد، الذي تعتبره تهديدًا مباشرًا لأمنها القومي، تفضل الرياض الحلول السياسية والدبلوماسية، مع تعزيز التحالفات الإقليمية والدولية لمواجهة التهديدات الإيرانية، وقد تدعم السعودية التحالفات الإقليمية والدولية لمواجهة التهديدات الإيرانية.
موقف السعودية في حال توسع الصراع إلى حرب إقليمية واسعة:
في حال توسع الصراع بين إيران وإسرائيل إلى حرب إقليمية، ستتأثر السعودية بشكل كبير بسبب موقعها الجغرافي والسياسي باعتبارها قوة إقليمية رئيسة، ورغم محاولات التقارب الأخيرة، ستواجه الرياض تحديًّا في الحفاظ على هذا التوازن، خاصة إذا ما شعرت بتهديد مباشر من توسع النفوذ الإيراني المتصاعدة حينها، قد تتبنى السعودية نهجًا يدعم التحالفات الإقليمية لمحاصرة التهديد الإيراني، مع المحافظة على مسافة من الانخراط المباشر في الحرب.
وقد تستخدم السعودية المجال الجوي بشكل غير مباشر عن طريق توفير الدعم اللوجستي أو التنسيق للعمليات الجوية ضد أهداف إيرانية أو حوثية عبر المجال الجوي السعودي، بما في ذلك تسهيل عمليات الإمداد والتزود بالوقود للطائرات العسكرية، وفي حال شنِّ الهجمات الصاروخية أو بالطائرات المسيرة من قبل إيران أو الحوثيين قد تشارك السعودية في عمليات الدفاع الجوي المشترك مع حلفائها، حيث تنشر أنظمة الدفاع الجوي في مناطق مختلفة لمواجهة التهديدات.
تأثير القيادة الأمريكية على الموقف السعودي:
في حال وجود دونالد ترامب:
إذا كان ترامب في السلطة، فمن المرجح أن يمارس ضغوطًا قوية على السعودية لاتخاذ موقف أكثر تشددًّا ضد إيران، بما يتماشى مع سياساته السابقة تجاه طهران، وقد يدفع ترامب باتجاه تحالفات أوسع تشمل إسرائيل ودول الخليج لمواجهة إيران.
في حال وجود كاملا هاريس: في ظل قيادة هاريس، من المتوقع أن يكون هناك دفع نحو حلول دبلوماسية والتفاوض مع إيران، مما قد يسهل على السعودية تبني موقف أقل تصعيدًا ويُسهم في تعزيز المسارات التفاوضية والتهدئة في المنطقة.
خلاصة الموقف:
على الرغم من الجهود المبذولة لتحسين العلاقات السعودية-الإيرانية، يبقى توسع الحرب بين إيران وإسرائيل تحديًّا كبيرًا للسياسة الخارجية السعودية، ومن المرجح أن تتأثر المملكة بمواقف حلفائها، وخاصة الولايات المتحدة، وستحاول في ظل ذلك أن توازن بين مصالحها الأمنية والاستراتيجية ودورها كقوة إقليمية تسعى للصدارة الإقليمية.
ومع تقدم خطوات التقارب بين الرياض وطهران، تبقى العلاقات بينهما محكومة بمدى قدرة الطرفين على تجاوز عقبات الماضي وبناء إطار جديد للتعاون يتجنب صدام المصالح.
موقف قطر:
قطر، التي تستضيف قواعد عسكرية أمريكية، تسعى إلى الحفاظ على علاقات قوية مع الولايات المتحدة باعتبار ذلك جزءًا من استراتيجيتها الأمنية.
الدعوة إلى الحوار:
على الرغم من كونها جزءًا من التحالف الذي يشمل القواعد العسكرية الأمريكية، تواصل قطر دعم جهود الحوار والتفاوض مع الأطراف لتجنب التصعيد وتخفيف التوترات بين إيران وإسرائيل.
مخاوف من التصعيد:
تدرك قطر أن أي تصعيد في الصراع بين إيران وإسرائيل قد يؤثر على استقرار المنطقة ويهدد مصالحها الاستراتيجية، لذا فإنها تسعى إلى تجنب المواجهة المباشرة للحدِّ من التهديدات الخاصة بمصالحها في الإقليم.
خلاصة الموقف:
تسعى قطر لتجنب الانجرار إلى الصراع للحفاظ على استقرارها الداخلي، وترتبط مصالحها بالحفاظ على علاقات جيدة مع جميع الأطراف، وتجنب الصراع المباشر الذي قد يعرضها لعواقب وخيمة على الصعيدين السياسي والاقتصادي، مع مراعاة توازنها في علاقاتها مع إيران والاحتلال في ظل التحولات الإقليمية المتسارعة.
موقف سلطنة عمان:
تركز سلطنة عمان على حماية استقرارها الداخلي وتجنب التصعيد الإقليمي الذي قد يعرض مصالحها للخطر، وتسعى عمان للحفاظ على سياستها التقليدية القائمة على الحياد والدبلوماسية، وتجنب الانجرار في نزاعات قد تؤثر سلبًا على استقرارها الاقتصادي والسياسي.
علاقات متوازنة مع الأطراف كافة:
في ظل تنامي علاقاتها مع إيران، تحافظ عمان على علاقات متوازنة مع جميع الأطراف، مما يعزز من قدرتها على القيام بدور الوساطة وتقديم حلول سلمية، وتسعى السلطنة إلى ضمان عدم تأثر استقرارها بالأزمات الإقليمية، وتعمل على تعزيز دبلوماسيتها لتحقيق التوازن بين مصالحها المختلفة.
موقف الكويت:
تسعى الكويت للحفاظ على استقرارها الداخلي وتجنب التورط في أي صراع إقليمي، حفاظًا على مصالحها الاقتصادية والأمنية، وتعتبر الكويت أن التصعيد بين إيران وإسرائيل يمكن أن يؤدي إلى تداعيات سلبية على اقتصادها وأمنها الوطني، وهي الدولة الخليجية التي ما زالت تبدي تحفظها على التطبيع الكامل مع الاحتلال مقارنةً بدول خليجية أخرى.
وفي إطار التعاون مع الحلفاء الدوليين، يستفيد النظام الكويتي من وجود القواعد العسكرية الأمريكية، وفي الوقت نفسه تسعى إلى العمل مع الشركاء الدوليين للترويج لجهود التهدئة وتجنب النزاعات التي قد تتسبب في تفاقم الأزمات الإقليمية، وتحافظ الكويت على موقف حذر تجاه الصراع الإيراني الإسرائيلي، إذ تركز على تجنب التدخل المباشر وتحقيق التوازن بين التزاماتها الأمنية مع الولايات المتحدة وسعيها لتحقيق استقرار إقليمي، داعية إلى حلِّ النزاع من خلال القنوات الدبلوماسية وتجنب التصعيد العسكري الذي قد يضر بالاستقرار الإقليمي.
3-تأثير توسع الحرب على الدول التي لها قواعد عسكرية أمريكية:
في سياق الصراع المحتمل بين إيران وإسرائيل، يُعدُّ سماح دول الخليج والأردن باستخدام القواعد العسكرية الأمريكية على أراضيها مسألة حساسة تعكس التوترات الجيوسياسية في المنطقة، فالسعودية والإمارات وقطر والبحرين تستضيف قواعد عسكرية أمريكية تُستخدم لتعزيز وتقديم الدعم اللوجستي في المنطقة، في حالة توسع الحرب بين إيران وإسرائيل، قد يُنظر إلى هذه القواعد باعتبارها مراكز استراتيجية لدعم العمليات العسكرية والتأثير على الصراع الإقليمي.
المخاطر المحتملة ورد الفعل الإيراني حال استخدام القواعد العسكرية الأميركية:
تسعى الدول العربية التي تستضيف قواعد عسكرية أمريكية، مثل قطر والكويت والإمارات والسعودية والبحرين، إلى تحقيق توازن دقيق بين مصالحها الاستراتيجية، وتعزيز علاقاتها الدولية في ظل التطبيع مع القوى الكبرى.
تتميز مواقف قطر والكويت في ظل وجود القواعد العسكرية الأمريكية بالتركيز على تحقيق الاستقرار الإقليمي وتجنب التصعيد في الصراع الإيراني الإسرائيلي، وتسعيان كذلك لدعم الجهود الدبلوماسية والحلول السلمية لتجنب الأزمات التي قد تؤثر على مصالحهما الاستراتيجية.
من جهة أخرى، فإن المملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة، قامتا بدور في اعتراض الهجوم الإيراني الأخير من خلال تبادل المعلومات الاستخباراتية، وهذه المواقف تعكس التوتر الكبير الذي تشهده المنطقة بين التحالفات التقليدية والواقع الجديد الذي تفرضه المواجهات المستمرة.
بينما ترى هذه الدول أن القواعد العسكرية الأمريكية توفر لها حماية ودعمًا استراتيجيًّا، فإنها أيضًا قد تزيد من خطر تعرُّضها لهجمات إيرانية محتملة، فإيران قد تستهدف هذه القواعد العسكرية الأمريكية في الخليج باعتبارها جزءًا من ردِّها على أي تصعيد عسكري، مما يضاعف من المخاطر الأمنية التي تواجهها دول الخليج.
التهديدات والانتقادات:
من المتوقع أن تصعد إيران من تهديداتها لدول الخليج، وهي بالفعل تستخدم لغة شديدة في انتقاداتها، وتعلن عن استعدادها للردِّ على ما تعتبره “تواطؤًا” خليجيًّا مع القوى الغربية ضد مصالحها، قبل أن تستخدم هذه القواعد في حربها.
ردود فعل عسكرية:
التصعيد الإيراني المحتمل قد يشمل كذلك تنفيذ هجمات على المرافق النفطية والخطوط اللوجستية في الخليج، مما يؤثر على اقتصاد هذه الدول، وقد تسعى إيران إلى توجيه ضغوط اقتصادية لدفع دول الخليج إلى إعادة النظر في دعمها للقواعد الأمريكية أو الإسهام في تهدئة النزاع
من المرجح أن تعمد إيران إلى تصعيد عملياتها العسكرية أو القيام بهجمات ضد القواعد العسكرية الأمريكية في الخليج، وأن مثل هذه الهجمات قد تستهدف البنية التحتية العسكرية ومراكز القيادة، مما يؤدي إلى تصعيد المواجهات ويزيد من تعقيد الأوضاع في المنطقة.
تأثيرات اقتصادية:
التصعيد الإيراني المحتمل قد يشمل كذلك تنفيذ هجمات على المرافق النفطية والخطوط اللوجستية في الخليج، مما يؤثر على اقتصاد هذه الدول، وقد تسعى إيران إلى توجيه ضغوط اقتصادية لدفع دول الخليج إلى إعادة النظر في دعمها للقواعد الأمريكية أو الإسهام في تهدئة النزاع.
4-موقف المحور الإيراني من الحرب مع إسرائيل:
موقف العراق:
في خضم التوترات المتزايدة بين إيران وإسرائيل، تمتد تأثيرات النزاع الإقليمي إلى العراق، حيث تقوم الميليشيات الشيعية المسلحة، ولا سيما الحشد الشعبي، بدور محوري في المشهد الأمني والسياسي.
منذ بدء الصراع في غزة، برزت المناطق الحدودية كمواقع استراتيجية تتجمع فيها القوات وتجرى فيها تدريبات عسكرية مكثفة، بدعم مباشر من إيران، إذ تسعى هذه الفصائل لتعزيز قدراتها لمواجهة أي تصعيد محتمل قد يشمل العراق باعتباره جزءًا من محور المقاومة.
دعم الميليشيات الشيعية لإيران:
الميليشيات الشيعية في العراق، مثل الحشد الشعبي وفصائل أخرى، تتلقى دعمًا عسكريًّا وماليًّا مباشرًا من إيران، وهذا الدعم يعزز من قدرتها على تنفيذ عمليات منسقة مع أطراف أخرى في محور المقاومة، بما في ذلك استعدادها لعمليات هجومية ضد إسرائيل وحلفائها، هذه الجماعات المسلحة تُعدُّ جزءًا أساسيًّا من الاستراتيجية الإيرانية، وتعمل على دعم مواقف طهران في النزاع، مما يضع العراق في موقع المنحاز إلى إيران ضمن هذا السياق.
تمثل هذه الميليشيات الشيعية قوة مؤثرة في السياسة العراقية، إذ تُسهم في تشكيل مواقف الحكومة تجاه القضايا الإقليمية، بما في ذلك الصراع بين إيران وإسرائيل.
وعلى الرغم من رفض رئيس الوزراء العراقي محمد شياع السوداني استخدام المجال الجوي العراقي للهجمات الإسرائيلية، لم يتخذ موقفًا حازمًا ضد تدخل الميليشيات الموالية لإيران، مما يعكس تحالف بغداد الضمني مع طهران ويدعم الموقف الإيراني في النزاع، ما يضع الحكومة في موقف صعب بين التزامها بالحفاظ على استقرار العراق الداخلي وتجنب الانخراط المباشر في النزاع، وفق هذا السياق الميداني تستخدم إيران هذه الميليشيات بطرق مدروسة لتحقيق أهدافها الاستراتيجية مع ضبط وتيرة التصعيد.
استراتيجيات إيران في استخدام الميليشيات العراقية مع الحرص على عدم توسع الحرب:
- التصعيد المحدود والمحسوب:
إيران تعتمد على استراتيجية التصعيد المحدود، حيث توجه الميليشيات لتنفيذ عمليات عسكرية صغيرة ومحدودة النطاق، مثل الهجمات بالصواريخ والطائرات المسيرة، فهذه الهجمات غالبًا ما تكون محدودة الأثر وتستهدف مواقع غير استراتيجية بشكل كبير، مما يسمح لإيران بإرسال رسائل ردعية دون التورط في تصعيد قد يؤدي إلى ردِّ فعل كبير من إسرائيل، مما يبقي الأمور تحت السيطرة.
- استخدام الميليشيات ورقة ضغط تفاوضية:
إيران تستفيد من الميليشيات كأداة ضغط في المفاوضات الدولية، سواء بخصوص الملف النووي أو تخفيف العقوبات الاقتصادية، ويكون الضغط عبر التهديد بالتصعيد، فتستخدم هذه الميليشيات لإظهار استعداد إيران للتصعيد إذا لم تحقق مصالحها، مما يدفع الأطراف الدولية للتفاوض بشكل أكثر جدية، ولكن دون أن تتورط في تصعيد غير محسوب.
3.توجيه الرسائل عبر الميليشيات:
توجه إيران رسائل سياسية عبر تحركات الميليشيات في ساحات النزاع، مثل تحذير الدول الغربية من مغبة التصعيد ضدها، وذلك من خلال عمليات صغيرة تحافظ على الضغط دون الانجرار إلى مواجهة مباشرة.
- الدعم غير المباشر والتوجيه من الخلف:
إيران تعمل على دعم الميليشيات لوجستيًّا واستخباراتيًّا دون الانخراط المباشر في المواجهات، مما يسمح لها بالتحكم في وتيرة التصعيد، فتوفر إيران التمويل والتدريب والتسليح للميليشيات، مع ترك التنفيذ لهذه الجماعات، مما يوفر لإيران فرصة أن تظل بعيدة عن أي تصعيد كبير، لكن تُبقي إيران تواصلًا مباشرًا مع قادة الميليشيات لضمان أن عملياتهم تتماشى مع الخطوط الحمراء التي تضعها إيران، مما يضمن عدم خروج الأمور عن السيطرة.
خلاصة الموقف:
الموقف العراقي من الصراع الإيراني الإسرائيلي يتأثر بشكل كبير بدور المليشيات الشيعية المدعومة من إيران.
وتعزز هذه المليشيات من موقف العراق الداعم للموقف الإيراني، وهي تؤثر بشكل مباشر على السياسة الداخلية والخارجية للبلاد، بينما يقدم العراق دعمًا غير مباشر لإيران، إلا أنه يتجنب التصعيد المباشر ويعمل على تحقيق استقرار داخلي، في وقت يسعى فيه للمشاركة الفعالة في الجهود الدبلوماسية لتفادي تصاعد النزاع.
تسعى إيران للحفاظ على تأثيرها الإقليمي من خلال استخدام الميليشيات كأداة لفرض توازن الردع مع إسرائيل، بينما تحرص على عدم الدخول في حرب شاملة، كما تعتمد إيران على توجيه الميليشيات لتنفيذ عمليات ولكن ضمن حدود معينة، مما يساعد على إبقاء الجبهات نشطة ولكن دون الوصول إلى تصعيد شامل قد يؤدي إلى حرب واسعة.
بهذه الاستراتيجية، تستخدم إيران الميليشيات لتحقيق أهدافها الإقليمية، مع الحفاظ على سياسة ضبط النفس؛ لتفادي المواجهات الواسعة التي قد تُهدِّد مصالحها وتسبب خسائر جسيمة.
الموقف اليمني في ظل الصراع الإيراني الإسرائيلي ودور الحوثيين:
يشكل الحوثيون في اليمن عنصرًا رئيسًا في التهديدات التي قد تواجهها إسرائيل من الجنوب، ولقد طور الحوثيون قدراتهم العسكرية بشكل كبير، مما يعزز من قدرتهم على تهديد الأمن الإسرائيلي، وتشمل هذه القدرات الصواريخ بعيدة المدى والطائرات بدون طيار، مما يجعلهم قادرين على استهداف أهداف في عمق الأراضي الإسرائيلية، وهذا الدعم ينعكس على التزامهم بالتحالف الإقليمي الإيراني، مما يضيف عنصرًا جديدًا إلى الصراع ويزيد من احتمالية التصعيد الإقليمي إذا ما تعرضت إيران لضربة عسكرية.
استراتيجيات إيران في استخدام الميليشيات مع الحرص على عدم توسع الحرب:
توجِّه إيران الحوثيين لتنفيذ عمليات عسكرية محدودة، مثل الهجمات بالصواريخ والطائرات بدون طيار، مما يسمح لها بإظهار قوتها دون الوصول إلى تصعيد قد يؤدي إلى ردِّ فعل كبير من إسرائيل، كما تستخدم إيران الحوثيين وسيلة ضغط في المفاوضات الدولية، الأمر الذي يعزز موقفها في المباحثات، إضافة إلى ذلك تقدم إيران الدعم اللوجستي والتسليح للحوثيين بدون مشاركة مباشرة في العمليات، مما يمنحها القدرة على التحكم في وتيرة التصعيد وتفادي المواجهات الواسعة، بهذه الطريقة تضمن إيران تحقيق أهدافها الإقليمية مع الحفاظ على سياسة عدم التوسع في الحرب، مما يحافظ على مصالحها دون الانزلاق إلى مواجهات قد تؤدي إلى خسائر فادحة أو تهديد وجودي.
موقف حزب الله اللبناني:
يمثل حزب الله ذراع إيران العسكري الأقوى في المنطقة، والحزب قد ينخرط في مواجهات مباشرة مع الاحتلال إذا ما اندلعت حرب شاملة، ويُشكل الحزب العنصر الأساسي في الجبهة الشمالية لإسرائيل، وقد أشار زعيم الحزب السابق، حسن نصر الله، إلى استعداد الحزب لمواجهة أي تصعيد إسرائيلي بأساليب متقدِّمة، مما يضيف بُعدًا آخر لخطورة الوضع الإقليمي الحالي وبالتالي يمكن فهم الموقف من توسُّع الحرب على النحو الآتي:
- دعم حزب الله للموقف الإيراني:
حزب الله، الذي يُعد أحد أبرز القوى الشيعية المسلحة في لبنان، ينسق بشكل وثيق مع إيران، مما يجعله جزءًا أساسيًّا في دعم طهران ضد إسرائيل، وهذا الدعم ينعكس في السياسات اللبنانية.
- التوازن بين الدعم الإيراني والاعتبارات الداخلية:
في الوقت الذي يتبنى حزب الله سياسة معادية لإسرائيل ويدعو إلى المقاومة، فإن الحكومة اللبنانية تواجه تحديات في الحفاظ على الاستقرار الداخلي، غير أن الحزب له تأثير كبير على السياسة اللبنانية، وعلى مواقف الحكومة اللبنانية، التي تسعى إلى تحقيق توازن بين هذا الدعم وبين الحاجة إلى الحفاظ على علاقات مستقرة مع المجتمع الدولي، خاصة مع القوى الغربية والعربية.
- القلق من التصعيد العسكري:
القوى السياسية المختلفة التي تشارك في الحكومة اللبنانية، قلقة من تصاعد النزاع بين إيران وإسرائيل؛ إذ يُدرك لبنان أن التصعيد العسكري قد يجرُّ البلاد إلى دائرة الأزمات المتفاقمة، خصوصًا في ظل وجود حزب الله باعتباره مكونًا رئيسًا في الصراع.
4-استراتيجيات إيران في استخدام حزب الله، مع الحرص على عدم توسع الحرب:
منذ التصعيد الأخير، وسع حزب الله من نطاق عملياته بشكل ملحوظ، مستفيدًا من تطور قدراته العسكرية بشكل كبير منذ حرب 2006.
ويتمتع الحزب بترسانة صاروخية ضخمة، بين 120 و200 ألف صاروخ([19])، تتضمن صواريخ باليستية ذات مدى بعيد وقدرات دقيقة، كما زادت قدرة الحزب على استخدام الطائرات بدون طيار بشكل ملحوظ، هذا التوسع في القدرات، إلى جانب تطويره لأساليب الحرب الإلكترونية، مما يجعل من قدرات حزب الله تهديدًا معقدًا وغير متوقع لإسرائيل.
تستفيد إيران من حزب الله كأداة استراتيجية لتحقيق أهدافها الإقليمية، مع الحفاظ على استقرار الصراع وتجنب التوسع الكبير في الحرب، فتقوم إيران بتوجيه حزب الله لتنفيذ عمليات عسكرية محسوبة، مثل الهجمات بالصواريخ والطائرات بدون طيار، لإظهار قوتها دون الوصول إلى تصعيد قد يؤدي إلى ردِّ فعل كبير من إسرائيل.
تستخدم إيران الحزب أيضًا وسيلة ضغط في المفاوضات الدولية، مما يعزز من موقفها دون التورط المباشر في تصعيد غير محسوب، وتقدم إيران الدعم اللوجستي والتسليح لحزب الله، مما يسمح لها بالتحكم في وتيرة التصعيد وتفادي المواجهات الواسعة، لكن يبقى التساؤل حول قدرة الحزب الآن عقب مقتل زعيمه وعدد كبير من قيادة الصف الأول على استكمال هذا الدور في ظل ضربات قوية تلقَّاها خلال الفترة الماضية.
خلاصة الموقف:
يتأثر موقف لبنان من الصراع الإيراني الإسرائيلي بشكل كبير بوجود حزب الله ودوره البارز في السياسة الداخلية، ويعد حزب الله، بدعمه لإيران عنصرًا محوريًّا في الصراع، وتواجه الحكومة اللبنانية جراء ذلك تحديات كبيرة في تحقيق التوازن بين دعم حزب الله والحفاظ على الاستقرار الداخلي، إذ يسعى لبنان إلى تجنب التصعيد العسكري الذي قد يجر البلاد إلى أزمة جديدة.
موقف سورية في ظل الصراع الإيراني الإسرائيلي:
يُعدُّ النظام السوري حليفًا استراتيجيًّا لإيران، حيث تمثل الأراضي السورية قاعدة خلفية لأنشطة إيران العسكرية في المنطقة، وتسعى طهران للحصول على دعم كامل من سورية في حال حصل صراع مع الاحتلال، مما يزيد من تعقيد الوضع الإقليمي، في هذا السياق، تتشابك مصالح النظام السوري وتتعارض أحيانًا مع مصالح التحالف الإيراني، في ظل مطالب روسية وعربية لسورية بالتراجع عن دعم إيران.
دعم الموقف الإيراني:
سورية، بقيادة نظام بشار الأسد، تُعد حليفًا رئيسًا لإيران في المنطقة، هذا الدعم يعزز من موقف إيران في مواجهة إسرائيل، وتسعى سورية في هذا الإطار إلى تعزيز موقفها الداخلي والإقليمي.
الاهتمام بالحفاظ على النفوذ:
بينما تدعم سورية إيران، تسعى كذلك للحفاظ على نفوذها الإقليمي من خلال تحالفاتها، وتحاول الحكومة السورية تحقيق توازن بين دعم إيران والاهتمام بالاستقرار الداخلي، خاصة في ظل الضغوطات الاقتصادية والسياسية، وفي إطار تقاربها المؤخر من المحور العربي، هذا التوازن يعكس حرص دمشق على الحفاظ على استقرارها الداخلي وتعزيز موقعها في المنطقة.
القلق من التصعيد العسكري:
رغم دعمها للموقف الإيراني، تدرك سورية المخاطر التي قد تنجم عن تصاعد النزاع، والتصعيد العسكري قد يؤدي إلى مزيد من التوترات في المنطقة ويزيد من الضغوط على الحكومة السورية، ومن ثمَّ فإن سورية تسعى إلى تهدئة النزاع المنطقة بما يتماشى مع مصالحها.
استراتيجيات إيران في استثمار النفوذ العسكري السوري مع الحفاظ على استقرار الصراع:
تستثمر إيران النفوذ العسكري في سورية لتحقيق أهدافها الاستراتيجية، وتعتبر سورية قاعدة استراتيجية حيوية لإيران، حيث تستخدمها لتعزيز وجودها العسكري في الإقليم.
وتدير إيران العمليات العسكرية في سورية بطريقة محسوبة، من خلال دعم الهجمات المنسقة ضد أهداف استراتيجية، بما يمكِّنها من تعزيز قدرتها على الردع؛ حيث تدعم الأنشطة العسكرية السورية، الأمر الذي يعزز موقفها في الصراع.
بهذه الاستراتيجيات، تضمن إيران تحقيق أهدافها العسكرية في سورية مع الحفاظ على استقرار الصراع وتفادي الانزلاق إلى مواجهات شاملة قد تضر بمصالحها الاستراتيجية.
خلاصة الموقف:
موقف سورية من الصراع الإيراني الإسرائيلي يعكس دعمًا لإيران في إطار تحالفات استراتيجية تعزز موقفها ضد إسرائيل، وبينما تدعم دمشق التحالف مع طهران وتعمل على تقوية علاقاتها مع الجماعات المعارضة لإسرائيل، فإنها تواجه تحديات في الحفاظ على استقرارها الداخلي وحماية مصالحها في ظل التقارب مع المحور العربي مؤخرًا، وتسعى سورية للحفاظ على دورها الإقليمي من خلال دعم الموقف الإيراني، ولكنها تبقى حذرة من التصعيد العسكري الذي قد يؤثر على مصالحها.
5-تأثير توسع الحرب على دول المحور الإيراني:
في حال توسع الحرب بين إيران وإسرائيل، ستجد دول محور المقاومة، مثل العراق واليمن ولبنان وسورية، نفسها أمام تحديات وفرص جديدة للعب أدوار حاسمة في الصراع، مع انحياز واضح لإيران واستعداد لتقديم الدعم العسكري والسياسي. وهذا التوسع من شأنه أن يعيد رسم خارطة التحالفات الإقليمية، وأن تتخذ هذه الدول خطوات منسقة لتعزيز الموقف الإيراني ومواجهة إسرائيل.
- لبنان: تصعيد عبر حزب الله وتوسيع رقعة المواجهة:
حزب الله، من المتوقع أنه سيكون على خط المواجهة المباشر مع إسرائيل، والحزب قد يُصعد من هجماته على شمال إسرائيل، ويستخدم صواريخه الدقيقة وقدراته العسكرية لتعطيل الحياة المدنية والعسكرية الإسرائيلية، وذلك في حال قدرته على استيعاب الضربات الأخيرة في صفوفه والتي طالت الأمين العام للحزب حسن نصر الله، حينها سيعمل الحزب على تنسيق عملياته مع القوات الإيرانية والجماعات الأخرى الموالية لإيران في المنطقة لضمان ضرب الأهداف الحيوية في إسرائيل، وهذا التصعيد لن يكون مجرَّد ردِّ فعل، بل سيكون جزءًا من استراتيجية أوسع لتعميق الأزمة داخل إسرائيل وفرض توازن جديد في المنطقة.
- العراق دعم مفتوح وعمليات عسكرية محددة:
من المرجح أن يكون العراق في مقدمة الدول، وذلك من خلال الميليشيات الشيعية، التي ستنفذ عمليات عسكرية مباشرة ضد إسرائيل أو المصالح الأمريكية في المنطقة، وهذه العمليات قد تشمل استهداف القواعد العسكرية الأمريكية أو ضربات على المنشآت الإسرائيلية باستخدام الطائرات المسيرة والصواريخ الباليستية، والحكومة العراقية بالرغم من رغبتها في الحفاظ على نوع من الاستقرار الداخلي، إلا أنها ستغضُّ الطرف عن هذه العمليات بحكم النفوذ القوي للميليشيات الموالية لإيران داخل مؤسسات الدولة.
- دعم سوري لوجستي محتمل:
بحكم موقع سورية الاستراتيجي، فإنها مرشحة لأن تستخدم إيران وحزب الله أراضيها كمنصة لشنِّ هجمات مباشرة على إسرائيل، ومن المتوقع أن تزيد القوات الإيرانية والميليشيات الموالية لها من نشاطها العسكري في الجنوب السوري، مما يفتح جبهة جديدة ويزيد من الضغط على الجيش الإسرائيلي، ومن المرجح أن تعزز سورية حينها دعمها اللوجستي لقوات إيران، بما في ذلك نشر أنظمة دفاع جوي متطورة ومنصات إطلاق صواريخ لتوفير حماية جوية وتسهيل العمليات ضد الأهداف الإسرائيلية.
- تعزيز الحوثيين للضغط الإقليمي وتهديد الملاحة:
الحوثيون في اليمن، جزء من محور المقاومة المدعوم إيرانيًّا، وسيستغلون توسع الحرب لتعزيز حضورهم الإقليمي وتصعيد العمليات ضد المصالح الإسرائيلية والغربية، خاصة في ظل حالة الارتباك التي يمر بها حزب الله سعيًا لتعويض ما ينقص من قدرات المحور الإيراني في ظل وضع الحزب الحالي.
ومن المرجح أن يقوم الحوثيون بزيادة الهجمات باستخدام الطائرات المسيرة والصواريخ الباليستية، مُستهدفين التحالفات الإقليمية والقواعد العسكرية في السعودية أو الإمارات، وربما يسعون لتنفيذ هجمات على المصالح الإسرائيلية في البحر الأحمر، أو حتى على الملاحة الدولية في مضيق باب المندب.
وفق هذا السياق، سيتسع دور الحوثيين ليشمل تهديد الملاحة البحرية والاقتصاد العالمي، مما سيزيد الضغط على إسرائيل وحلفائها، ويعزز من قدرة إيران على فتح جبهات متعددة للتأثير على مسار الحرب وتحقيق توازن ردع استراتيجي.
تنسيق المحور الإيراني وتوسيع نطاق العمليات:
من المتوقع أن يزيد التنسيق بين هذه الأذرع الإيرانية، وأن يكون عنصرًا ثابتًا في ميدان الحرب، فالعراق، واليمن، ولبنان، وسورية، قد يشكلون غرفة عمليات مشتركة مع الحرس الثوري الإيراني لتنسيق الضربات وتحديد الأهداف، مما يعزز من فعالية الهجمات ويخلق حالة من الفوضى لدى الجانب الإسرائيلي، وقد تتضمن هذه التحركات استخدام الميليشيات والوكلاء لشنِّ هجمات مفاجئة على نقاط الضعف الإسرائيلية، مع استمرار الضربات المتزامنة من مواقع متعددة، مما يوسع رقعة الحرب ويزيد من كلفتها على إسرائيل.
توسع الحرب من المتوقع أن يؤدي إلى انحياز هذا المحور بشكل واضح لصالح إيران، مع استعداد لتنفيذ عمليات عسكرية منسقة تضع إسرائيل تحت ضغط مستمر، وهذا الانحياز لن يكون محدودًا، بل سيشمل تحركات عسكرية فعلية وتصعيدًا شاملًا يهدف إلى تغيير القواعد في المنطقة لصالح المحور الإيراني
خلاصة الموقف:
توسع الحرب من المتوقع أن يؤدي إلى انحياز هذا المحور بشكل واضح لصالح إيران، مع استعداد لتنفيذ عمليات عسكرية منسقة تضع إسرائيل تحت ضغط مستمر، وهذا الانحياز لن يكون محدودًا، بل سيشمل تحركات عسكرية فعلية وتصعيدًا شاملًا يهدف إلى تغيير القواعد في المنطقة لصالح المحور الإيراني.
الخاتمة:
تخلص الدراسة بعد هذا العرض المفصل، إلى أن احتمال توسع الحرب بشكل كبير ليس هو السيناريو الأكثر ترجيحًا في الفترة الحالية، لكنه يظل احتمالًا قائمًا، وذلك بسبب المخاوف الأمريكية من تصعيد النزاع بين إيران وإسرائيل وحرصها على منع ” إسرائيل” من الوصول لهذا الخيار، ومع ذلك، يبقى أمن إسرائيل محورًا أساسيًّا في السياسة الأمريكية، مما قد يؤدي إلى حدوث تغييرات في الأهداف الاستراتيجية للولايات المتحدة، خاصة إذا ما استمرت التوترات في التصاعد من جانب “إسرائيل”، وحينها ستجد إيران نفسها مضطرة للدخول في هذه الحرب الموسعة، حتى وإن لم تكن ترغب في خوضها من البداية.
خلاصة نتائج الدراسة:
تتباين دوافع واحتمالات توسع الحرب بين الأطراف الرئيسة في الصراع الإيراني الإسرائيلي، وتكشف عن استراتيجيات معقدة تهدف إلى تحقيق كل طرف لمصالحه الإقليمية والدولية.
دوافع إيران:
تسعى إيران إلى تعزيز موقفها الإقليمي عبر استخدام قواتها بالوكالة، مثل حزب الله، واستهداف الاقتصاد الإسرائيلي. وتخشى إيران من تدخل أمريكي مباشر في الصراع، لذا تركز على عمليات الهجوم المحدودة لتعطيل تصعيد الهجمات الإسرائيلية وتعزيز نفوذها الإقليمي، بجانب ذلك، تركز على الهجمات الاقتصادية عبر البحر الأحمر لإضعاف الاقتصاد الإسرائيلي وتحقيق أهداف استراتيجية على المدى الطويل.
دوافع إسرائيل:
تسعى إسرائيل إلى تفجير الصراع الإقليمي كوسيلة لتأمين وجودها في ظل تصاعد القوة الإيراني، وهذا القلق يعكس تصعيدًا في السياسات العدوانية ضد إيران ومحور المقاومة، ويهدف إلى إطالة عمر إسرائيل وتعزيز عملية التطبيع مع دول المنطقة. ومع ذلك، قد يؤدي هذا التصعيد إلى صراع إقليمي واسع يصعب السيطرة على تداعياته، فإسرائيل ترى في إشعال الصراع وسيلة لتعزيز موقفها السياسي في المنطقة استنادًا إلى الدعم الأمريكي والغربي.
دوافع الولايات المتحدة:
تلعب الولايات المتحدة دورًا محوريًّا في تجنب تصاعد الحرب، وتسعى إلى تقليل احتمالات تدخلها المباشر في المنطقة، فتمارس واشنطن ضغوطًا على إيران مصحوبة بوعود لتخفيف العقوبات من أجل إنجاح استراتيجيتها تجنبًا لحصول حرب موسعة، مما يتيح لها التركيز على استراتيجياتها الأخرى، مثل التعامل مع روسيا والصين، إلا في حالة وصول ترامب للحكم؛ فمن المرجح أنه سيسعى حينها لتوسيع الحرب ضد إيران وتشديد العقوبات عليها.
سيناريوهات توسع الحرب:
السيناريو الأول: توسع الصراع إلى حرب إقليمية واسعة:
في هذا السيناريو، قد تتبنى إسرائيل استراتيجية ضربات نوعية تستهدف المنشآت الإيرانية لتعزيز الردع الإسرائيلي ومنع تصعيد إضافي من وكلائها، وهذا قد يؤدي إلى صراع إقليمي شامل، يشمل لبنان وسورية والعراق والخليج، مما يستلزم أيضًا مشاركة أمريكية مباشرة، خاصة إذا أسفرت الانتخابات الأمريكية عن فوز ترامب بالانتخابات الرئاسية للولايات المتحدة.
السيناريو الثاني: استمرارية التوترات المحدودة:
في هذا السيناريو، تسعى إيران إلى الحفاظ على التوترات عند مستوى يمكن التحكم فيه، مما يسمح لها بالضغط وتعزيز مواقفها الإقليمية دون المخاطرة بصراع موسع، وتقوم إيران ووكلاؤها بردود فعل عسكرية محدودة، مثل قصف أهداف إسرائيلية غير استراتيجية، دون توسيع الصراع، وهذا السيناريو قد يستمر إذا كانت الأطراف ملتزمة بالحفاظ على التوتر ضمن حدود معينة لتجنب تصعيد النزاع، وهذا السيناريو يتحقق في ظل إدارة الديمقراطيين.
السيناريو الثالث: التهدئة بين الأطراف:
في هذا السيناريو، تركز الأطراف على الحلول الدبلوماسية لتخفيف حدة التوترات ومنع التصعيد العسكري الواسع. ويشمل هذا تقديم تنازلات أو اتفاقات لوقف الأعمال العدائية، مما يساعد على تجنب تصعيد الصراع.
قد تدعم الأطراف المتنازعة جهود الوساطة لتحقيق الاستقرار الإقليمي، مما يؤدي إلى تغييرات في استراتيجياتهم الأمنية والسياسية، وقد يؤثر على العلاقات مع القوى الكبرى.
بالتالي، تظل احتمالات الصراع الإقليمي متأرجحة بين التصعيد الواسع أو التوترات المحدودة وهو الاحتمال الأظهر حتى الآن، مع احتمال أخير بالتوصل إلى تهدئة عبر الوساطة الدولية.
مواقف الدول العربية من الحرب:
بينما تتأرجح المنطقة على حافة الصراعات، تتباين مواقف الدول العربية بين الحرص على استقرارها الداخلي والمناورة في ظل التحالفات الإقليمية والدولية المعقدة.
فمصر تسعى لتفادي أي تصعيد قد يهدد أمنها القومي، مستندة إلى اتفاقية كامب ديفيد وسياستها الحذرة في تجنب مسببات الانخراط في صراعات إقليمية واسعة.
والأردن بدوره يركز على الاستقرار الداخلي والوساطة، معتمدًا سياسة التوازن بين مصالحه الأمنية والضغوط الإقليمية، في حين قد يسمح باستخدام مجاله الجوي باعتباره جزءًا من تعاونه الاستراتيجي مع الاحتلال وأمريكا، ما يضعه في مواجهة محتملة مع إيران والمحور الإيراني.
والإمارات العربية المتحدة تتبع نهجًا يهدف لتحسين علاقاتها مع إيران وتنامي التطبيع مع الاحتلال، سعيًا لتعزيز مكانتها الاقتصادية والاستراتيجية دون الانزلاق في تصعيد عسكري قد يضر بمصالحها غير أن الوجود العسكري الأمريكي بأرضها قد يكون مستهدفًا في حالة توسعت الحرب.
والبحرين تواجه تحديات أمنية واقتصادية، وتحاول تفادي التصعيد من خلال الحفاظ على علاقاتها الدفاعية مع الولايات المتحدة وتعزيز استقرارها الداخلي، رغم توقيعها اتفاقيات تطبيع مع الاحتلال.
والسعودية تركز على حماية مشاريعها الاقتصادية المرتبطة برؤية 2030، وتتبنى استراتيجية متوازنة لتجنب التصعيد، مستفيدة من الاتفاقيات الأخيرة مع إيران برعاية صينية لتعزيز استقرارها الداخلي ومواجهة التهديدات عبر التحالفات الإقليمية والدولية، لكنها قد تجد نفسها مضطرة للانخراط في الصراع في حال توسعت الحرب.
أما المحور الإيراني فإنه في ظل الصراع الإيراني الإسرائيلي يعكس حالة متشابكة من التحالفات والاستراتيجيات المتداخلة، حيث تقوم أذرع إيران في كل من العراق، واليمن، ولبنان، وسورية بأدوار رئيسة ضمن هذا المحور، ويعتمد تفاعل كل دولة على مواقفها السياسية، وتحالفاتها، والتأثير الإيراني المتنامي على أراضيها.
الموقف العراقي:
في العراق، تُشكِّل الميليشيات الشيعية المدعومة من إيران، مثل الحشد الشعبي، حجر الزاوية في استراتيجيات طهران الإقليمية. تتلقى هذه الميليشيات دعمًا عسكريًّا وماليًّا مباشرًا من إيران، مما يُعزِّز قدرتها على تنفيذ عمليات منسقة باعتبارها جزءًا من محور المقاومة.
الموقف اليمني:
في اليمن، يُمثِّل الحوثيون عنصرًا رئيسًا في تهديدات المحور الإيراني ضد الاحتلال، فبدعم عسكري ولوجستي من إيران، طور الحوثيون قدراتهم في الصواريخ بعيدة المدى والطائرات بدون طيار، مما يمكنهم من استهداف مواقع في عمق الأراضي الإسرائيلية إذا ما قرروا تنفيذ هجمات منسقة، ورغم تعبير الحوثيين عن دعمهم لإيران ضد الاحتلال، إلا أن طهران تستخدمهم بحذر لتجنب تصعيد قد يخرج عن نطاق السيطرة.
الموقف اللبناني:
يُعتبر حزب الله في لبنان الذراع الأقوى لإيران في المنطقة، ويقوم بدور مهم في المحور الإيراني.
مع تصاعد التوترات، وسَّع الحزب من نطاق عملياته مستفيدًا من تطوير قدراته العسكرية، لكن لا يمكن الجزم بقدرة الحزب عقب الضربات الأخيرة على القيام بدور فاعل في هذه الحرب في قادم الأيام، ورغم التأثير الكبير للحزب على السياسة اللبنانية، إلا أن الحكومة تحاول تحقيق توازن بين دعم المواقف الإيرانية والاحتياجات المحلية للحفاظ على الاستقرار.
الموقف السوري:
تعدُّ سورية حليفًا استراتيجيًّا لإيران، حيث تستخدم إيران الأراضي السورية قاعدة خلفية لأنشطتها العسكرية في المنطقة، وتعكس العلاقات بين النظام السوري وإيران التزام دمشق بالتحالفات الإقليمية التي تعزز من موقف إيران في مواجهة الاحتلال، إلا أن دمشق، ورغم دعمها الواضح للموقف الإيراني، تُدرك المخاطر المحتملة لتصعيد النزاع، وتسعى للحفاظ على توازن يُبقيها في موقع داعم دون التورُّط في تصعيد شامل.
في النهاية:
تظل احتمالات الصراع بين إيران وإسرائيل محكومة بتعقيدات إقليمية ودولية، فإيران تركز على تعزيز نفوذها عبر وكلائها، بينما تميل إسرائيل للتصعيد لضمان أمنها، وتقوم الولايات المتحدة بدور ساعٍ لخفض التصعيد من أجل التفرغ لروسيا والصين، وتظل مواقف الدول العربية متباينة ما بين الحذر وبين الانخراط الحالي المحدود، مع سعي كل منها لحماية مصالحها في ظل تبعية عربية ثنائية ما بين محور التطبيع، والمحور الإيراني في الإقليم.
[1]– هل تراجع “طوفان” البحر الأحمر بعد الهجوم الإسرائيلي على الحديدة؟ https://www.bbc.com/arabic/articles/c5y33wxgvd9o
[2]– «حزب الله»: مصمّمون على رد ميداني مؤلم ورادع مهما كانت التداعيات. جريدة الشرق الأوسط.
[3]– https://2u.pw/G6PouWRD
[4]– المرجع السابق.
[5]– https://iranwire.com/en/politics/132906-iran-and-israel-on-the-brink-of-all-out-war-all-you-need-to-know/
[6]– المرجع السابق
[7] https://www.washingtoninstitute.org/policy-analysis/only-credible-offensive-threat-can-deter-iran-climbing-escalation-ladder
[8] https://www.reuters.com/world/middle-east/what-iran-israel-would-wield-long-range-air-war-2024-04-18/
[9]– https://www.aljazeera.com/news/2024/4/20/what-does-israel
[10]– المرجع السابق.
[11]https://www.washingtoninstitute.org/policy-analysis/only-credible-offensive-threat-can-deter-iran-climbing-escalation-ladder
[12]– https://www.atlanticcouncil.org/blogs/iransource/iran-revenge-syria-israel-zahedi-irgc/
[13]– https://www.aljazeera.net/news/2024/9/4/%D8%B9%D8%A7%D8%AC%D9%84-%D9%85%D8%B3%D8%A4%D9%88%D9%84-%D8%A7%D9%84%D8%B9%D9%85%D9%84%D9%8A%D8%A7%D8%AA-%D9%81%D9%8A-%D9%81%D9%8A%D9%84%D9%82-%D8%A7%D9%84%D9%82%D8%AF%D8%B3
[14]– https://www.alquds.co.uk/%D8%A7%D9%84%D9%88%D9%84%D8%A7%D9%8A%D8%A7%D8%AA-%D8%A7%D9%84%D9%85%D8%AA%D8%AD%D8%AF%D8%A9-%D8%AA%D9%88%D8%A7%D9%81%D9%82-%D8%B9%D9%84%D9%89-%D8%B5%D9%81%D9%82%D8%A9-%D8%A3%D8%B3%D9%84%D8%AD%D8%A9/
[15]– https://ecss.com.eg/46845/
[16]– https://www.trtworld.com/magazine/how-russia-and-china-see-escalating-tensions-between-hezbollah-and-israel-18212219
[17]– https://carnegieendowment.org/russia-eurasia/politika/2024/08/russia-iran-vs-israel?lang=en
[18]-مقابلة مع جون ميرشايمر، أستاذ العلوم السياسية في جامعة شيكاغو: https://www.youtube.com/watch?v=_USzVCWzh10
[19]– https://2u.pw/2tuSf4j7