التطورات الميدانية في السودان.. السياقات وملامح جديدة لمستقبل الصراع
في سياق القتال القائم بين الجيش السوداني وقوات الدعم السريع، شهدت السودان تطورات ميدانية مهمة، حيث تمكن الجيش من استعادة السيطرة على مدينة ود مدني، التي تُعد من أبرز المدن السودانية، مما شكل تحولًا استراتيجيًّا في مسار الصراع من خلال السيطرة على النقاط الحيوية، كما نجح الجيش في فك الحصار الذي كانت تفرضه قوات الدعم السريع على مقرِّ القيادة العامة بعد عام ونصف من الحصار، بالإضافة إلى تحرير معسكر سلاح الإشارة في الخرطوم بحري إثر معارك عنيفة مع قوات الدعم السريع، وفي الغرب تواصل القوة المشتركة صد الهجمات وتستمر المعارك العنيفة في مدينة الفاشر، حيث نجحت القوة المشتركة من الحركات المسلحة في صدِّ هجوم شنته قوات الدعم السريع، مما عرقل محاولات الأخيرة في السيطرة على المنطقة.
استعادة الجيش لمدينة ود مدني:
مع بدء الجيش السوداني في تنفيذ خططه العسكرية لاستعادة السيطرة على ود مدني، أطلق سلسلة من الضربات الجوية المركزة على مواقع تمركز قوات الدعم السريع، تركزت هذه الضربات بشكل خاص على مناطق الارتكاز العسكرية للدعم السريع في الخرطوم، فضلًا عن الهجمات التي استهدفت قوافل الإمداد على الحدود السودانية مع تشاد وليبيا، وقد أسهمت هذه الهجمات في إضعاف قدرة الدعم السريع على الاستمرار في تصعيد عملياته العسكرية، وتمكن الجيش السوداني من استعادة مدينة ود مدني في 12 يناير 2025.
وتُعدُّ مدينة ود مدني إحدى أهم المدن في السودان بعد العاصمة الثلاثية، الخرطوم، أم درمان، والخرطوم بحري؛ حيث تشكل حلقة الوصل بين العديد من المدن الكبرى في البلاد، وتُعدُّ مركزًا اقتصاديًّا وتجاريًّا مهمًّا، وتمثل نقطة استراتيجية حيوية تجمع بين مركز النشاط الزراعي السوداني ومفترق طرق بين الشمال والجنوب والشرق والغرب، وعليه، فإن سقوط المدينة في قبضة قوات الدعم السريع كان بمثابة نقطة ضعف في معركة الجيش السوداني لاستعادة توازن القوى في السودان، غير أن التحولات الأخيرة تشير إلى أن الجيش السوداني قد تمكن من استعادة زمام المبادرة في المدينة، مما عزز موقفه العسكري نحو الخرطوم وبحري، وهما المدينتان المركزيتان اللتان تمثلان قلب النظام السياسي السوداني.
وبذلك تكون مكاسب تحرير ود مدني متعددة وأبرزها:
- تحرير موقع استراتيجي: مما يعزز التواصل بين ولايات السودان ويُسهّل الترابط الميداني.
- تحكم بالإمدادات: يعزز ذلك سيطرة الجيش على الموارد التي كانت بيد الدعم السريع مما يُعزّز قدراته اللوجستية.
- تعزيز عمليات الخرطوم: وذلك بفضل قرب ود مدني من العاصمة الخرطوم التي تسهل الانطلاق لاستعادة العاصمة.
- رفع المعنويات: هذا الانتصار يعتبر دفعة معنوية كبيرة للجيش يرفع الروح المعنوية في المعارك القادمة.
فك حصار القيادة العامة ومعسكر سلاح الإشارة:
في خطوة مهمة في سياق الصراع المستمر بين الجيش السوداني وقوات الدعم السريع، تمكَّن الجيش كذلك من فكِّ الحصار الذي كانت تفرضه قوات الدعم السريع على مقر “القيادة العامة” في الخرطوم، وهو الحصار الذي دام نحو عام ونصف، كما أعلنت المصادر العسكرية أن الجيش تمكَّن أيضًا من فكِّ الحصار عن معسكر سلاح الإشارة بعد معارك ضارية في منطقة الخرطوم بحري.
وكانت قوات الجيش قد أكملت من عملياتها، حيث التقت القوات المشاركة في محور الخرطوم بحري مع القوات المرابطة في محيط القيادة العامة، ثم شنت قصفًا مدفعيًّا مكثفًا على تجمعات قوات الدعم السريع في شمالي أم درمان، حيث ركز القصف على النقاط الاستراتيجية لقوات الدعم السريع، كما تمكنت القوات السودانية من استعادة السيطرة على مصفاة الجيلي شمال الخرطوم، التي تقع على بعد نحو 70 كيلومترًا من العاصمة، وكانت المصفاة، التي تعد الرئيسة في البلاد، قد ظلت تحت سيطرة قوات الدعم السريع منذ بداية الحرب في منتصف أبريل 2023، على جانب آخر، تمكنت القوات المشتركة من التصدي لهجوم شنته قوات الدعم السريع في مدينة الفاشر من عدة محاور، واليوم أكمل الجيش السوداني سيطرته على مدينة الخرطوم بحري، واقترب من السيطرة على العاصمة.
أبرز الأسباب والعوامل التي أسهمت في تحول موازين الصراع في السودان:
هناك عدة عوامل كان لها أثر واضح في انتصارات للجيش السوداني في الآونة الأخيرة، ولعل من أبرز هذه العوامل:
1- دور الحركات الإسلامية والمقاومة الشعبية في الصراع السوداني:
أسهمت الحركات الإسلامية من خلال قوات المقاومة الشعبية في هذه الانتصارات بنصيب كبير، حيث قدمت تلك القوات معلومات استخباراتية ميدانية، سهّلت التحركات العسكرية للجيش خلال معارك ود مدني، ودعمت تلك القوات الجيش ميدانيًّا، كما أفادت مصادر محلية، مما عزَّز من قدرة الجيش على التقدم وتحقيق الانتصارات الأخيرة.
2- تقلص الدعم اللوجستي عبر تشاد:
حيث اعتمد الدعم السريع على دعم إقليمي للحصول على أسلحة متطورة وكان مطار أم جرس في تشاد منفذًا حيويًّا لهذه الإمدادات العسكرية، مما أثار خلافات داخلية في تشاد، حيث تنتمي النخبة الحاكمة إلى قبيلة الزغاوة، وهي التي تقاتل ضد الدعم السريع في دارفور، ومع تصاعد التقارير داخل الأمم المتحدة عن الأسلحة المنقولة عبر تشاد أثار ذلك مخاوف الحكومة التشادية من التعرُّض لعقوبات، أدت تلك العوامل لتعطيل دور مطار أم جرس الحيوي في إمداد الدعم السريع خلال الفترة الأخيرة.
3- إعادة تنظيم الجيش السوداني لصفوفه:
حقق الجيش مؤخرًا تفوقًا ملحوظًا في التنظيم، حيث أعاد التنسيق بين وحداته المختلفة، في حين بدت قوات الدعم السريع ضعيفة ومبعثرة، بسبب طول فترة المعارك الأخيرة، حيث استفاد الجيش من هذه الفجوة التنظيمية، مستغلًا الإرهاق النفسي والمعنوي الذي تعاني منه قوات الدعم السريع بعد سلسلة من الهزائم الميدانية، مما ساعده على تعزيز سيطرته.
ملامح جديدة لمستقبل الصراع:
مع تغير ملامح الصراع في الخرطوم، تراجع احتمال انهيار الدولة السودانية، بينما يبقى الوضع في الأطراف مضطربًا نوعًا ما، لكن الدعم السريع يعاني من انقسامات عميقة في دارفور، سواء بين القبائل ذات الأصول العربية والأفريقية أو حتى داخل مكوناته الاجتماعية.
ومن المتوقع أن يواصل الجيش وقوات المقاومة الشعبية العمل على تعزيز قدراتهم العسكرية وتوجيه ضربات متتالية إلى تمركزات قوات الدعم السريع، من أجل حسم المعارك، عن طريق زيادة الضغوط العسكرية المباشرة على مختلف جبهات القتال، والتنسيق بين القوات الميدانية المختلفة في معارك قادمة داخل مناطق سيطرة الدعم السريع، وهي معارك ربما تحدد نتائجها ملامح الصراع في السودان وهو ما سينعكس بصورة كبيرة على مستقبل السودان.