توتر العلاقات المصرية الإسرائيلية بين رؤيتين

الملخص التنفيذي:
يظهر من استعراض عدد من التقارير السياسية والتغطيات الصحفية الإسرائيلية أن العلاقات المصرية–الإسرائيلية تمرّ بمرحلة مركّبة تجمع بين استمرار التنسيق الأمني والاستخباراتي العميق، من جهة، وتصاعد خطاب إعلامي وسياسي من الجانبين، من جهة أخرى.
تتفق معظم التحليلات على أن اتفاقية كامب ديفيد والسلام القائم منذ 45 عامًا لا تزال تمثل ركيزة إستراتيجية للطرفين، لكن التطورات الأخيرة – خاصة بعد الضربة الإسرائيلية في الدوحة لمقر قيادات حماس، وتزايد الحديث عن تهجير الفلسطينيين من غزة – أثارت ردود فعل حادة في القاهرة، صاحبها تعزيز ممرات الدفاعات الجوية في سيناء وفق بعض المصادر.
وفي المقابل، تنفي مصادر مصرية رسمية حدوث تقليص حقيقي للتنسيق، وتؤكد أن قنوات التعاون لا تزال قائمة وتعمل بانتظام، وإن كانت القاهرة تدرس تعديل صيغة هذا التعاون بما يتناسب مع الواقع الجديد، ويكشف هذا التباين بين الخطاب الرسمي والتسريبات الصحفية عن حالة حساسية شديدة في العلاقة، إذ تحاول مصر إرسال رسائل إعلامية من دون المسّ بأساس الاتفاقيات، فيما تسعى إسرائيل إلى طمأنة جمهورها وإبقاء التنسيق قائمًا.
الخلاصة الرئيسة أن ما يجري هو توتر سياسي وإعلامي متصاعد لكنه مضبوط إستراتيجيًّا؛ أي أنه لا يصل حتى الآن إلى مستوى تهديد فعلي لاتفاقية السلام بين الطرفين أو لأساسيات التعاون الأمني بين الطرفين، لكنه يعكس بيئة إقليمية أكثر اضطرابًا وضغطًا، ومن شأن استمرار هذه البيئة، إذا لم تُعالج أزماتها، أن قد يتحوّل هذا التوتر إلى أزمة على المدى الأطول.
1- “أهي حرب مع مصر؟ ما وراء تحركات القوات في سيناء؟”:
يستعرض المحلل السياسي جلئيل كهانا في مقاله بـ”يسرائيل هايوم” طبيعة العلاقات المصرية–الإسرائيلية من منظور أمني وإستراتيجي، ويؤكد الكاتب أن المؤسسات الأمنية في البلدين تدرك أهمية الحفاظ على الوضع الراهن في التنسيق الأمني والتعاون في سيناء، ورغم “برودة السلام” وغياب التضامن الشعبي، إلا أن العلاقات الأمنية أكثر أهمية اليوم من أي وقت مضى.
يحلّل كهانا الانتقادات التي يوجهها رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو لمصر، ويرى أنها منسقة مع النظام المصري وتهدف إلى مخاطبة الرأي العام الإسرائيلي لتفنيد ادعاءات بأن القاهرة تنتهك اتفاقية السلام من خلال تعزيز قواتها في سيناء، عمليًا، – حسب الكاتب – لا يوجد انتهاك لاتفاقية السلام؛ فالتغييرات المصرية في سيناء تهدف أساسًا إلى منع هروب سكان غزة.
يشير المقال أيضًا إلى أن التطور العسكري المصري في العقد الأخير – مثل شراء غواصات ألمانية متطورة – يجري تحت رقابة كاملة من الولايات المتحدة، المورد الرئيس للسلاح لمصر، والتي لا تنقل أسلحة نوعية دون التنسيق مع إسرائيل، ويؤكد أن واشنطن رفضت لسنوات بيع طائرات مقاتلة متطورة لدول الخليج رغم علاقاتها الوثيقة بها، في إشارة إلى صرامة الضوابط الأمريكية التي تضمن أمن إسرائيل.
ويعدّد الكاتب مجالات التعاون الإستراتيجي بين مصر وإسرائيل: حماية الملاحة في البحر الأحمر، منع الحوثيين من السيطرة على الطرق البحرية، عمليات استخباراتية في أفريقيا، الحرب ضد داعش في سيناء، والتصدي للعدو المشترك إيران.
لذا، فإن أي انتهاك للاتفاق بين البلدين قد يمسّ بتوازن المصالح المتبادلة، وهو ما لا يرغب فيه أي طرف.
برأي كهانا، أدت مصر دورًا محوريًّا في الوساطة بين إسرائيل وحماس لسنوات قبل اندلاع حرب 7 أكتوبر، وهو ما يعكس متانة قنوات التنسيق، لكنه يقر بصعوبة التفاؤل حول “تطبيع شعبي” بين البلدين في المدى المنظور، مع ترجيح استمرار التعاون الأمني لأن المصالح الإستراتيجية المشتركة تتجاوز هوية الحكومات([1]).
2- هآرتس: مصادر مصرية تنفي تقليص التنسيق الأمني وتكشف تصاعد التوتر مع إسرائيل:
نفت مصادر مصرية مطلعة على مسار العلاقات بين مصر وإسرائيل، في تصريحات لصحيفة “هآرتس“ الإسرائيلية، ما تردد من تقارير حول قرار القاهرة تقليص مستوى التنسيق الأمني مع تل أبيب عقب الهجوم الإسرائيلي على قطر.
وأكدت هذه المصادر – بحسب ما نقلته الصحيفة – أن قنوات الاتصال الأمنية والاستخباراتية بين البلدين ما تزال تعمل بصورة طبيعية وأن أي تعديل فيها يجري في إطار المراجعة الدورية وليس نتيجة خلافات جوهرية.
وأوضحت تلك المصادر لقناة “العربية“ أن القاهرة بصدد إعادة النظر في شكل العلاقات وآليات التنسيق مع إسرائيل بما يتلاءم مع المستجدات الميدانية، وتدرس نشاط القنوات الأمنية المشتركة، في حين صرّح مسؤول إسرائيلي رفيع للصحيفة بأن إسرائيل لا تعترف بوجود قرار رسمي من القاهرة بهذا الشأن.
وبحسب التقرير ذاته، فقد تزايدت في الآونة الأخيرة وتيرة التصعيد بين الجانبين على أكثر من مستوى، وهو ما يعكس تحولات واضحة في طبيعة العلاقة بعد ما يقرب من 46 عامًا على توقيع معاهدة السلام.
ويأتي ذلك في وقت تمضي فيه إسرائيل قُدمًا في تنفيذ خطتها الرامية إلى تهجير الفلسطينيين خارج قطاع غزة، مع التلويح بتجميد التعاون في مجال الغاز الطبيعي في أواخر أغسطس، بالتوازي مع تصعيد سياسي وإعلامي ضد الدولة المصرية، التي اتخذت بدورها إجراءات احترازية لمواجهة أي تهديدات محتملة.
وقال مصدر حكومي مصري مسؤول مطّلع على ملف العلاقات المصرية–الإسرائيلية: إن العلاقات بدأت في التدهور تدريجيًّا خلال الأشهر الماضية منذ أن طرح رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو مخطط “إسرائيل الكبرى“ متضمنًا خريطة تشير إلى مناطق من شبه جزيرة سيناء، وهو ما اعتبرته القاهرة إجراءً عدائيًّا مباشرًا، وما ضاعف هذا التوتر أن إسرائيل تجاهلت المبادرة المصرية–القطرية الجزئية لوقف إطلاق النار رغم أنها كانت تستجيب لمعظم مطالب إسرائيل الأمنية.
3– في هذه الحالة سيُلغى اتفاق السلام مع إسرائيل” – بقلم دورين بيسكين – منصة “تلجرام“:
يقدّم الصحفي دورين بيسكين تغطية لردود الفعل المصرية بعد الضربة الإسرائيلية في الدوحة. يشير إلى أن الإعلام المصري صعّد من لهجته خشية استهداف إسرائيل قياديين مسلحين في القاهرة، مشيرًا إلى أنه قد حصل تقليص للتنسيق الأمني إلى الحد الأدنى.
اللواء المتقاعد سمير فرج – أحد أبرز المحللين العسكريين المقرّبين من السلطات المصرية – صرح بأن تعليق التنسيق الأمني يشكل “رسالة واضحة” بمعارضة القاهرة لخطوات إسرائيل ضد الفلسطينيين في غزة، وأكد أن إسرائيل “لن تجرؤ” على تنفيذ عملية مماثلة لما فعلته في قطر على الأراضي المصرية، ملوحًا بأن أي مساس بالسيادة المصرية سيؤدي إلى إلغاء اتفاق كامب ديفيد ودخول الجيش المصري بكامل قوته إلى سيناء.
ويشير بيسكين إلى أن تصريحات فرج غالبًا ما تُقرأ بوصفها انعكاسًا أو اختبارًا لموقف رسمي محتمل، ما يجعلها ذات دلالة على مستوى هذا التوتر.
4-عودة فكرة إنشاء قوة عربية مشتركة إلى واجهة النقاش الإقليمي”:
يحلّل يوني بن مناحم أثر الضربة الإسرائيلية في الدوحة على النقاش العربي بشأن إنشاء قوة دفاع عربية مشتركة، هذا المشروع الذي طُرح أول مرة في قمة شرم الشيخ 2015 عاد إلى الواجهة بعد الهجوم الإسرائيلي على مقر قيادة حماس في قطر.
يسأل الكاتب في تقريره المنشور بموقع “عرب إكسبرت العبري”([2]) : هل حان الوقت لتأسيس “ناتو عربي” يردع إسرائيل ويضمن الأمن الجماعي للدول العربية؟ ويؤكد أن الضربة الإسرائيلية أظهرت هشاشة المنظومة الأمنية العربية وغياب إستراتيجية مشتركة، بينما تتحرك إسرائيل في المنطقة بلا قيود لحماية مصالحها.
ويشير الكاتب إلى أن عبد الفتاح السيسي أعاد طرح الفكرة باعتبارها قوة قادرة على التحرك السريع دفاعًا عن أي دولة عربية، لكن ثمة انقسام بين المحللين: فريق يرى في الفكرة ساعة اختبار للعالم العربي الذي يفتقر إلى الإرادة السياسية، وآخر يشكك في إمكان تجاوز مرحلة التصريحات بسبب المصالح والضغوط الخارجية.
ويخلص المقال إلى أن المشروع يظل فكرة قديمة–جديدة بين الحلم والوهم، وأن مجرد إعادة طرحه يعكس عمق الأزمة والشعور بالعجز أمام إسرائيل، مع إشارات إسرائيلية قلقة من إمكان دفعه لمسار التطبيع إلى الوراء.
5-” تصريحات القادة العرب كانت جوفاء؛ فبينما كانوا مجتمعين في الدوحة سقطت غزة” – جاكي حوجي – صحيفة “هآرتس“:
يحلّل الكاتب السياسي جاكي حوجي في صحيفة “هآرتس” القمة العربية الإسلامية في الدوحة خلال تصاعد هجمات الجيش الإسرائيلي على غزة حيث يرى أن القادة العرب – ومنهم مصر والأردن وسوريا ولبنان وتركيا وإيران – أطلقوا تصريحات تضامن مع قطر بعد الهجوم الإسرائيلي على مقر حماس في الدوحة، ودعوا لوقف العدوان على غزة والتهجير والقمع في الضفة الغربية، لكن المقال يصوّر هذه التصريحات بأنها جوفاء وغير قادرة على التأثير في آلة الحرب الإسرائيلية.
يشير هذا التحليل إلى فجوة بين الخطاب العربي ومخرجاته العملية، ما يعكس استمرار الانقسام الإقليمي وعدم القدرة على صياغة رد جماعي فعال على السياسات الإسرائيلية.
6-” مصر ضد إسرائيل: تصعيد في ظل تعاون مع حماس وأزمة داخلية” – يهوشوع مائير ليختر – منصة “إكس”:
كتب الإعلامي والأديب الإسرائيلي يهوشوع مائير ليختر سلسلة تغريدات يشير فيها إلى أن مسئولًا استخباراتيًّا رفيعًا كشف أدلة على تعاون بين قادة حماس في غزة وعباس كامل، رئيس المخابرات المصرية المعزول.
وفقًا لهذا المصدر فقد غضّت مصر الطرف عن تهريب معدات من إيران إلى غزة عبر السودان وسيناء باستخدام الأنفاق، ويعتبر ليختر أن هذا التعاون يُقوّض الاستقرار الإقليمي ويزيد من التوترات مع إسرائيل.
ويضيف أن القاهرة كثفت تصريحاتها ضد إسرائيل لصرف الانتباه عن أزمتها الاقتصادية والسياسية الداخلية، مع تنامي نفوذ إيران في جنوب مصر القريب من السودان حيث توسع قبضتها على النظامين التعليمي والعسكري، وتروّج للمذهب الشيعي([3]).
7- مصر تنشر أنظمة دفاع جوي صينية من طراز HQ-9B المماثلة لمنظومة S-400 الروسية في سيناء” – موقع “روتر نت”:
كشف تقرير نشره موقع “روتر نت” نقلًا عن “ميدل إيست مونيتور” عن قيام الجيش المصري بنشر أنظمة دفاع جوي صينية متطورة من طراز HQ-9B في سيناء لأول مرة، وأكد التقرير أن هذه المنظومة ذات أداء مماثل لـS-400 الروسية وتصل مداها إلى مئات الكيلومترات مع قدرة تتبع أهداف متعددة.
يشير التقرير إلى أن هذه الخطوة جاءت نتيجة مخاوف مصرية من العملية الإسرائيلية في غزة واحتمال تدفق اللاجئين الفلسطينيين إلى أراضيها، وهو ما تعتبره القاهرة “خطًّا أحمر”.
ومع ذلك، فإن التصعيد الأخير – بما في ذلك أول إشارة علنية منذ توقيع اتفاقيات السلام إلى إسرائيل كـ “دولة معادية”– يثير مخاوف إسرائيلية مسوغة من تحول نوعي في الموقف المصـري([4]).
تعقيب مركز رؤيا:
يتضح من مجمل التقارير السابقة أن التوتر القائم بين مصر وإسرائيل هو بالأساس سياسي وإعلامي، لكنه مضبوط ومحكوم بمصالح إستراتيجية مشتركة:
- استمرارية التعاون الأمني: رغم تصريحات بعض المحللين عن تعليق أو تقليص التنسيق الأمني، تؤكد مصادر مصرية وإسرائيلية أن القنوات الاستخباراتية والأمنية مستمرة.
- اتفاقية السلام: تصريحات لواءات مصريين سابقين وإجراءات مثل نشر الدفاعات الجوية في سيناء تشير إلى رفع مستوى الجاهزية المصرية، لكن دون المس بالاتفاقيات الجوهرية، هذه الرسائل هي جزء من لعبة التوازن الإعلامي والسياسي المعروفة منذ توقيع كامب ديفيد.
- المصالح المتبادلة: التعاون في البحر الأحمر، مكافحة الإرهاب في سيناء، الوساطة بين إسرائيل وحماس، ومصالح الغاز الطبيعي والتي تخلق شبكة من الاعتمادية على مصر، وتضع عليها قيودًا قوية تجعل من الصعب على القاهرة الانخراط مباشرة في أي مواجهة عسكرية مع إسرائيل.
مع رصد عاملين آخرين في المشهد: - العوامل الضاغطة: الضربة الإسرائيلية في الدوحة، الحديث عن تهجير الفلسطينيين، مخطط “إسرائيل الكبرى”، وأزمات مصر الداخلية كلها عوامل ترفع منسوب التوتر الظاهر وتخلق حاجة متزايدة للقاهرة للظهور بمظهر الصارم أمام الرأي العام المحلي.
- البيئة الإقليمية: إن عودة النقاش حول وجود قوة عربية مشتركة رغم عدم توقع حصول ذلك تعكس هشاشة النظام العربي حتى الآن، وتزيد من حسـاسية إسرائيل، خاصة في ظل تراجع الاهتمام الأمريكي بالمنطقة.
بناء على ذلك، يمكن القول: إن اتفاقية كامب ديفيد لا تزال صامدة، وأن ما يجري لا يصل إلى مستوى “حرب باردة جديدة” أو انهيار شامل للعلاقات، لكنه مؤشر على تراجع الثقة المتبادلة في ظل بيئة إقليمية شديدة الاضطراب.
استمرار الضغط الإقليمي أو حدوث أحداث عسكرية كبرى قد ينقل هذا التوتر من المستوى السياسي والإعلامي إلى مسار المواجهة، لكن حتى الآن يظل الطرفان حريصين على ضبطه.
إن هذا التقدير التحليلي الممتد يوضح أن فهم العلاقات المصرية–الإسرائيلية يتطلب النظر إلى شبكة المصالح والمشهد الأوسع للمنطقة: فالتوتر الظاهر اليوم هو نتاج تفاعل بين ضغوط داخلية، وحسابات إقليمية، مما يجعل الطرفين _خاصة مصر_ يدركان أن أي تحرك مباشر محفوف بالمخاطر.
بهذا التقدير، يمكن قراءة ما جاء في هذه المصادر البحثية والصحفية الإسرائيلية والعربية التي تناولت العلاقات المصرية–الإسرائيلية مؤخرًا، ويتضح أن السؤال عن وجود “توتر حقيقي” يمكن الإجابة عليه بالقول: نعم، هناك توتر في الخطاب، لكن لا يزال مضبوطًا ضمن إطار تعاون أمني وإستراتيجي راسخ بين القاهرة وتل أبيب.
غير أن هذا الحكم الظاهري يظل بحاجة إلى قراءة أعمق للسلوك الفعلي للطرفين، إذ إنّ حقيقة وجود توتر بين مصر وإسرائيل لا يمكن الجزم بها عبر تصريحات المسؤولين أو ما يُنشر في وسائل الإعلام الرسمية، إذ إنّ الطرفين لن يصرّحا بذلك صراحة في ظلّ حساسية الموقف وأهمية استمرار القنوات الأمنية والدبلوماسية، وخبرة العقود الماضية أظهرت أن التصريحات السياسية المتبادلة، سواء كانت متشددة أو مهادِنة، لا تعبّر بالضرورة عن حقيقة المواقف على الأرض ولا يمكن التعويل عليها كثيرًا كمؤشر كافٍ لفهم طبيعة العلاقة بين الطرفين، لذلك فإن الاستقراء الرصين للتحركات والسياسات الفعلية هو الأداة الأكثر موثوقية لتقييم مستوى التوتر أو الانفراج بين البلدين.
وعلى أرض الواقع، هناك حقائق صلبة لا يمكن تجاهلها تشير إلى أنّ الموقف الإسرائيلي في الفترة الأخيرة يزداد عدوانية ورغبة في التوسع، ويكشف عن استهانة متزايدة بمحيطه العربي.
يظهر ذلك فيما حدث لقطر من خلال الضربة الإسرائيلية في الدوحة التي استهدفت قيادات حماس رغم وجودهم في بلد حليف لواشنطن وتربطه علاقات وثيقة بالغرب، في رسالة واضحة على أن إسرائيل تتحرك بحرية واسعة لما تسميه حماية مصالحها الأمنية!
وقد تكرر ذلك في سوريا عبر الضربات الجوية المتكررة التي تنفذها إسرائيل على مواقع داخل الأراضي السورية دون رادع فعّال، وفي لبنان من خلال التوغلات والاغتيالات التي وصلت إلى عمق الأراضي اللبنانية.
هذه السلوكيات تكشف أن إسرائيل لا ترى في الحدود التقليدية أو في ردود الفعل العربية قيدًا لسلوكها، وأنّها تتحرك وفق حسابات أمنية داخلية فقط، هي وحدها من يحددها!
ولا تشكّل مصر استثناءً من هذا المصير، خاصة في ظل حالة الضعف الاقتصادي المصري وعدم وجود استقرار سياسي حقيقي قائم على ظهير شعبي واسع، فبقاء الحكم في مصر يستند لدعم خارجي واستقواء بالخارج.
يُضاف إلى ذلك أنّ ورقة الوساطة المصرية التي كانت تاريخيًّا الأداة الأكثر فاعلية بيد القاهرة في علاقتها مع إسرائيل ومع حركات المقاومة الفلسطينية لم تعد بالقوة ذاتها، خاصة مع دخول أطراف جديدة _مثل قطر وتركيا بنسبة ما_ على خط الوساطة.
ويأتي ذلك كله في سياق أوسع من الاستباحة الإسرائيلية الشاملة للمنطقة التي قلّصت كذلك حتى من قيمة الورقة الأمنية المشتركة بين مصر وإسرائيل بوصفها مانعًا من الاحتكاك المباشر، فالوضع الأمني في سيناء الآن لا تكاد توجد به حوادث أمنية وهو ما يعني أنّ التنسيق الأمني لا يشكّل ضمانة كافية لمنع الاحتكاك في المستقبل، ومع تراكم الأحداث قد تتحول التوترات الكامنة إلى عدوان إسرائيلي جديد.
إن هذه المعطيات مجتمعة تشير إلى أنّ الصورة الحالية للعلاقات المصرية–الإسرائيلية أقرب إلى «التوتر المضبوط» الذي يحافظ على التعاون الأمني ويشهد في الوقت نفسه تصعيدًا سياسيًّا وإعلاميًّا، لكنها لا تستبعد إمكانية الانتقال إلى مستوى أعلى من الاحتكاك في حال تواصلت السياسات الإسرائيلية التوسعية، وتراجعت قدرة مصر على ردع هذا السلوك العدواني الإسرائيلي.
([1]) https://www.israelhayom.co.il/opinions/article/18847335
([2])هي منصة إعلامية عبرية تُدار من قِبَل المحلل السياسي الإسرائيلي يوني بن مناحيم، وتُركّز على الشؤون الفلسطينية والإسرائيلية.
([3]) https://x.com/YehoshuaMeiri/status/1967869419629195649