حملة اعتقالات السعودية: انقلاب قصر أم إفشال انقلاب وشيك
أعلن الملك سلمان بن عبد العزيز أمس ٤ نوفمبر تشكيل لجنة عليا لمكافحة الفساد برئاسة الأمير محمد بن سلمان. وبعد ساعات من الإعلان، قالت اللجنة إنه تم احتجاز 11 أميرا وعشرات الوزراء السابقين و4 وزراء حاليين.
قائمة أسماء الموقوفين كما تم تسريبها أمس لصحف حكومية، وما أكدته اليوم وكالة “رويترز”، تشمل:
– الأمير الوليد بن طلال، رئيس مجلس إدارة المملكة القابضة
– الأمير متعب بن عبد الله وزير الحرس الوطني
– الأمير تركي بن عبد الله، حاكم منطقة الرياض
– خالد التويجري، رئيس الديوان الملكي السابق
– عادل فقيه وزير الاقتصاد والتخطيط
– إبراهيم العساف وزير المالية السابق
– عبد الله السلطان قائد القوات البحرية السعودية
– بكر بن لادن رئيس مجموعة بن لادن السعودية
– محمد الطبيشي رئيس المراسم الملكية السابق
– عمرو الدباغ حاكم الهيئة العامة للاستثمار السعودي
– الوليد الإبراهيم رئيس مجموعة MBC التلفزيونية
– خالد الملحم المدير العام للخطوط الجوية السعودية
– سعود الدويش رئيس مجلس إدارة شركة الاتصالات السعودية
– الأمير تركي بن ناصر رئيس هيئة الأرصاد الجوية والبيئة
– الأمير فهد بن عبد الله بن محمد آل سعود مساعد وزير الدفاع السابق
– صالح كامل، رجل أعمال
– محمد العمودي، رجل أعمال
– منصور البلوي، رجل أعمال
– د. ناصر الطيار، رجل أعمال
هذه الحملة غير المسبوقة في تاريخ المملكة وضعت الآن كل القوى الأمنية الثلاث في يد ولي العهد الشاب محمد بن سلمان (الجيش والداخلية والحرس الوطني) بعد عزل واعتقال الأمير متعب ابن الملك الراحل عبد الله بن عبد العزيز. كما شملت مجموعة من أكبر رجال المال والأعمال بالمملكة (الوليد بن طلال والوليد الإبراهيم وصالح كامل ومحمد العمودي وبكر بن لادن) وهؤلاء يمثلون قوة مالية وإعلامية كبيرة.
مكونات الحملة تشير إلى صراع مرير على السلطة ورغبة متعجلة من محمد بن سلمان بالتفرد الكامل بالسلطة، لكن اعتقال عدد من التكنوقراط أيضا ربما يشير إلى أنها ضربة استباقية لمخطط انقلابي كان وشيكا لأن الانفراد بالسلطة لا يعوقه مثل هؤلاء التكنوقراط الذين لا يملكون نفوذا حقيقيا.
وسواء كانت الحملة انقلابا ناعما أو استباقا لانقلاب مضاد وشيك، فإن استحواذ محمد بن سلمان على كل القوى الأمنية والتي ترأستها لعدة عقود وبشكل متوازن أفرع قوية منفصلة من الأسرة الحاكمة، إنما يشير إلى أن الصراع داخل الأسرة الحاكمة ربما يتطور إلى صراع صفري. إن تقليم أظافر لمراكز قوى العائلة المالكة، وخطة الإقصاء الممنهجة للأمراء النافذين من ذوي الخبرة سيجعل تركيز السلطة في يد محمد بن سلمان وحده خطوة غير مسبوقة في تاريخ الأسرة الحاكمة.
إن حملة محمد بن سلمان التي بدأت بالإجهاز على سلطة علماء الدين في نقض صريح للتحالف التاريخي المؤسس والمشرعن للسلطة السياسية، ثم الانتقال سريعا إلى تفكيك مراكز السطوة والنفوذ داخل الأسرة الحاكمة يرسم صورة جديدة تماما للنظام الحاكم الجديد.
السعودية دخلت الليلة الماضية مرحلة جديدة ومنعطفا تحفه مخاطر كبيرة من الانقسامات والصراعات الداخلية، ولو استطاعت الحكومة أن تنجو منها فستكون قد ألقت بزمام أمورها إلى هيمنة أمريكية كاملة ستقوم بابتزازها من أجل إقرار الواقع الجديد.
هوامش مهمة على حملة الاعتقالات:
- لا يكاد أحد من المراقبين يصدق الرواية الرسمية بأنها حملة على الفساد برغم القناعة العامة بانتشار الفساد وتجذره، ولا يكاد أحد يصدق أن لجنة لمكافحة الفساد تلقي القبض على كل هذه الأسماء الثقيلة بعد ساعات من تشكيلها. رواية الفساد ما هي إلا إخراج متجمل لحملة الاعتقالات الواسعة.
- على الصعيد الأمريكي، يبدو أن هناك ضوءا أخضر قد حصل عليه ابن سلمان في إطار ضمان أكثر للمصالح الأمريكية من النفط وصفقات السلاح والاستثمار والشركات الأمريكية والتعاون العسكري والأمني. يعزز هذا ما صرح به ترامب أمس من تمنيه على السعودية أن تختار بورصة وول ستريت لطرح أسهم العملاق النفطي “أرامكو” المقرر في 2018، وهو تصريح جاء في معرض كلامه عن برنامج رحلته الآسيوية فلم يكن له علاقة إلا فيما يبدو بالتطورات التي كان يتم الترتيب لها على قدم وساق في السعودية وتم الإعلان عنها بعدها بساعات. ومن اللافت أيضا أن يقوم الملك سلمان باتصال هاتفي بترامب اليوم الأحد أثناء زيارته لليابان في علامة واضحة للتنسيق القريب في هذه التغييرات العاصفة.
- ليس من الواضح إن كانت هذه الحملة الراديكالية هي بقرار من الملك سلمان، أم من ابنه الأمير الطموح الذي لا يستطيع الملك (٨١ سنة) أن يكبح تطلعاته للسيطرة الكاملة.
- اللافت في ردود الفعل الداخلية الأولية التأييد السريع من النخب الليبرالية ومن هيئة كبار العلماء باعتبارها حملة ضد الفساد، مما يعطي انطباعا بأن هذا التأييد المتعجل كان معدا سلفا قبل الإعلان عن الاعتقالات. النخبة الليبرالية أظهرت قدرا كبيرا من الانتهازية، وهيئة كبار العلماء بهذا التأييد المتعجل إنما تقوض رصيدها الشعبي – أو ما تبقى منه – خاصة وأن مفتي البلاد له فتوى شهيرة بأن “نقد الأمراء حرام ونشر عيوبهم في الصحافة من عمل الشيطان”.
- فسرت تحليلات غربية عديدة الحملة بأنها تهدف إلى تأميم ثروات ضخمة لرجال أعمال من أجل تلبية الوعود الاقتصادي الكبيرة التي قطعها محمد بن سلمان على نفسه، وقد صدرت بالفعل بيانات رسمية تؤكد تجميد أصول واستثمارات المعتقلين و “ضمها إلى الدولة”.
- من الصعب استبعاد فرضية وجود علاقة لإعلان رئيس الحكومة اللبنانية سعد الحريري استقالته من الرياض قبل الحملة بساعات، خاصة مع ما أحاط بها من غموض. الحريري برغم حضوره الإعلامي المكثف، لم يدل بأي تصريح أو مقابلة إعلامية بعد استقالته. من الصعب القول بإجباره على الاستقالة ومن ثم احتجازه قسرا في السعودية، لأن التهور السياسي إذا أصبح عابرا للحدود فآثاره لا يمكن التحكم بها.
- الحكومات الغربية كلها لم تصدر أي تعليق على حملة الاعتقالات، مع أن المساس برجال المال والأعمال لأغراض سياسية هو من المحرمات عندهم. يبدو أن كل حكومة تتربص لابتزاز ما يمكن ابتزازه من الوضع الحالي.