اختطاف الإسلامملفـات

شل مؤسسات الفاعلية وشبكة أعصاب الحالة الإسلامية: الوقف – المسجد

أولا: الوقف

 

د. محمد هشام راغب

 

 

جاءت قيم الإسلام وشرعته وآدابه لتصويب مسيرة الإنسان في هذه الدنيا وتصحيح وجهته، ووهبنا الإسلام منظومة متكاملة لبناء الإنسان الصالح بحيث تكون حياته صورة عملية واقعية لهذه القيم فتظهر في أفعاله وسلوكه، وتظهر في شعوره بالمسئولية عن غيره من الناس بحيث يمد لهم يد العون في معاناتهم المختلفة، وبحيث يجتهد لإخراجهم من عبادة العباد إلى عبادة رب العباد. ومن قيم الإسلام وأصوله، أن التدين عقيدة وقول وفعل، أو هو فكر وعمل، أو إيمان وتصديق وبرهان لهذا الإيمان في واقع الحياة. وجعل الله تبارك وتعالى من أشد ما يمقته من عباده ترك الفعل والاكتفاء بالأقوال (كبر مقتا عند الله أن تقولوا ما لا تفعلون).

 

إن أحد أهم محاور القيم الإسلامية تحقيق التكافل الاجتماعي وتكريم الإنسان وتحقيق كفايته بالعدل وبناء شبكة العلاقات الاجتماعية الرشيدة التي تؤكد أواصر الأخوة والتراحم، وتبني المواطن الصالح المصلح. ولم يترك الإسلام قضية التكافل الاجتماعي للمشاعر الفردية الحماسية فقط، وإنما وضع لها معالم وأصولا كونت فيما بينها عقدا اجتماعيا له متطلبات واستحقاقات، كما وفرت له موارد وآليات.

من هذه الموارد الزكاة المفروضة والصدقات المستحبة، والكفارات والنذور والإرث والوصية والهبة وإنفاق العفو، وهذه كلها تكون غالبا موارد إغاثية استهلاكية، ثم تأتي منظومة الوقف نموذجا للتنمية المستدامة وموردا للإنتاج التنموي وضمانا لاستمرار المشروعات الكبرى وفاعليتها في المجتمع المسلم، وحمايتها من تقلبات فورات الحماسة الفردية وتقلبات الهزات الاقتصادية. إن الوقف هو أقرب الأعمال الخيرية إلى المؤسسية، كما أنه يوفر قوة دافعة للمجتمع بعيدا عن مفاجآت التقلبات السياسية أو انفصال أنظمة الحكم عن روح الإسلام وشرعه، وبقيت المؤسسات الوقفية ترعى المجتمعات الإسلامية حتى في أزمنة الاحتلال العسكري، والهيمنة الحضارية لخصوم الأمة.إن المؤسسات الوقفية هي أعظم الكيانات في تاريخ الإسلام بعد كيان الدولة، وبهما وقفت المجتمعات الإسلامية على ساقين متينتين. إن الأوقاف الإسلامية قد سبقت مؤسسات المجتمع المدني التي تعارف عليها الناس حديثا، ومهدت للناس دورهم ومشاركتهم عبر العصور في كثير من الإنجازات الاجتماعية والمعرفية والعلمية.

الوقف أحد أهم مؤسسات الأمة التي تجبر قصور الدولة إذا قصرت، وتحول دون تسلطها إذا تغولت، وبذلك تحفظ المجتمع في حالة توازن مستقر واستقرار متوازن.

 

لذلك لم يكن مستغربا أن يسعى أعداء الأمة لاختطاف هذا العصب الحيوي من شبكة أعصاب المجتمع المسلم، وتشويهه وإبطال فاعليته، مع الإبقاء على اسمه ورسمه لتخدير المشاعر الإسلامية، وإمعانا في الغفلة العامة. ساعدهم في هذا الاختطاف الماكر أمران:

الأول: أن نظام الوقف نفسه كانت قد أصابت آلياته ووسائله حالة من الجمود بحيث ابتعدت مؤسساته عن تحديات العصر، وطرق إدارته ومهام نظارته، حتى صار محدودا في شريحة محدودة من الممولين لم تتطور لتشمل كل شرائح المجتمع بسندات وقفية بسيطة القيمة. كما تجمدت مشروعات الوقف عند متطلبات عصور سابقة، ولم تستوعب حاجات المجتمع المتجددة التي تجعله محصنا من الهيمنة والسيطرة من خصومه.وكاد أن يقتصر الوقف على المشروعات المادية الملموسة كبناء المساجد ودور الأيتام، وخلت تقريبا من المشروعات التعليمية والبحثية والإنتاجية طويلة الأمد، والتي تتصدى لجذور تحديات الفقر والمرض والبطالة وضرورات المجتمع الصناعية والأمنية والعسكرية.

الثاني: أن طبيعة “الدولة القومية” وفرت لخصوم الأمة أدوات قوية استطاعت بها “تأميم” نظام الوقف، والتلاعب به وفق مصالح من يسيطرون على أنظمة حكم هذه الدول، وتطويع فكر وموارد نظام الوقف لخدمة خططهم وأهدافهم القريبة والبعيدة.

 

الأسباب والبواعث لتبني هذا الوجه من الاختطاف

 

لا شك أن إبطال فاعلية الإسلام في المجتمع وشل أدوات تأثيره الاجتماعية من أهم أسباب وبواعث خصوم الإسلام في تقديم دين جديد ممسوخ منزوع التكافل الاجتماعي وفاعلية الحراك الأهلي. لقد رأى القائمون على الدول القومية وداعموهم في المجتمع الأهلي منافسا لهيمنة وسيطرة الدولة، وتقليما لمخالبها الاستبدادية وتهميشا لشعبيتها فعجلت كلها – بعد زمن الاحتلال العسكري الغربي – إلى الاستيلاء على منظومة الأوقاف برمتها، وتأميمها والتلبيس على شعوبها بأن الأوقاف من المال العام (الذي لا صاحب له) وأن من واجب الدولة الحريصة على شعبها أن ترعى هذه الأوقاف، وأن تكون لها الحرية في التصرف فيها وفقا لما تراه من مصالح الشعب!

ومن البواعث: استشعار خطورة نظام الوقف – كونه مؤسسة أمة – حال إحسانه لغير المسلمين، مما يرغبهم في دين الإسلام ويحفظ نسيج البلاد الإسلامية من التمزق والانقسام.

 

 

القوى والجهات الفاعلة

جهتان حملتا وزر هذا الاختطاف، وهما: أنظمة الحكم وعمائم السوء سواء كأفراد أو مؤسسات دينية رسمية. فأما أنظمة الحكم فقد وجدت في مال الأوقاف السائب غنيمة باردة تسد نهم فسادها واستبدادها، فهرعت لسن القوانين الملزمة التي أممت الأوقاف وضمتها بجرة قلم لملكية الدولة الذين هم سدنتها والمتصرفون فيها.

وأوكلت أنظمة الحكم لنخبها المثقفة من صحفيين وإعلاميين وفنانين مهمة تشويه معنى الوقف، وتسليط الضوء على بعض مظاهره المهلهلة أو غير المنضبطة، والتي أدت إلى نهبها أو الاستيلاء عليها.

ثم أوكل لعمائم السوء التبرير الفقهي الشرعي لهذا الاستيلاء، وسارعوا بدورهم لإفتاء الناس في أوقافهم القائمة والقديمة بناء على نصوص قوانين الاستلاب التي استحدثت! فغيروا وبدلوا وشاركوا في هذه الجريمة النكراء. صحيح أن بعض العلماء ناهضوا هذا التأميم، وصدعوا بقول الحق، لكن المؤسسات الدينية الرسمية كانت أضعف من أن تقاوم أو تسبح ضد التيار.

وفي الحالة المصرية مثلا، كان عجيبا ولافتا أن يقوم ضباط يوليو ١٩٥٢ بعد بضعة أسابيع فقط من انقلابهم العسكري، باستصدار قانون رقم ١٨٠ لعام ١٩٥٢ واضعين سريعا الأسس اللازمة للاستيلاء عمليا ودعائيا على منظومة الأوقاف كلها. ومن العجيب أيضا أنهم سارعوا بإصدار قانون ثان بعدها بأسابيع (في ديسمبر ١٩٥٢) وهو القانون رقــم ٣٤٢ لسنة ١٩٥٢ قاموا فيه بتعديل بعض أحكام المرسوم بقانون رقم ١٨٠ لسنة ١٩٥٢ الخاص بإلغاء نظام الوقف على غير الخيرات.والذي لم يكن قد مضى عليه سوى شهرين فقط، وجاء في ديباجة التعديل:

المادة (): بعد الاطلاع على الإعلان الصادر في ١٠ من ديسمبر سنة ١٩٥٢ من القائد العام للقوات المسلحة بصفته رئيس حركة الجيش. وعلى القانون رقم ٩٨ لسنة ١٩٤٤ الخاص بالمحاماة أمام المحاكم الوطنية. وعلى المرسوم بقانون رقم ١٨٠ لسنة ١٩٥٢ الخاص بإلغاء نظام الوقف على غير الخيرات. وعلى ما ارتآه مجلس الدولة. وبناءً على ما عرضه وزير العدل، وموافقة رأي مجلس الوزراء”، وقد شملت التعديلات أربع مواد ووقع على المرسوم محمد عبد المنعم – وصي العرش المؤقت!

إن معرفتنا لاحقا بطبيعة الضباط وأعمارهم وثقافتهم المحدودة، تؤكد أن هذه التصرفات التشريعية من الصعب جدا أن تكون من بنات أفكارهم، أو من خيالهم السياسي، ونكاد نؤكد أن هذه التحولات العميقة في النسيج المجتمعي، كانت أكبر من تصوراتهم خلال هذه الفترة القصيرة جدا، ولم تكن في سلم أولوياتهم وهم حتى لم يبدأوا آنذاك مفاوضاتهم لجلاء القوات البريطانية عن مصر.

 

وأما النخب الثقافية والفنية، فقد كانت مؤيدة لتوجهات السلطة الحاكمة، وإن ادعت معارضتها في توجهاتها الاستبدادية، وقد ساهمت بدورها في هذه المصادرة للوقف الإسلامي تحت ذرائع مختلفة، فهذا مثلا د. سعد الدين إبراهيم المدافع بقوة عن حرية المجتمع المدني والعمل التطوعي، إذا به يهاجم بقايا العمل الخيري الإسلامي المتشبه بأعمال الوقف، ويقول[1]”إن قانون الجمعيات الأهلية يعرقل العديد من قوى التنوير العلمانية، بينما تعطي ثغرات هذا القانون الكثير من المميزات الضخمة للنشطين الإسلاميين”، فهو لا يطالب بتغيير القانون المذكور (قانون ٨٤ لعام ٢٠٠٢ الذي هندسته سوزان مبارك) من أجل تنشيط العمل الأهلي، وإنما من أجل مزيد من حصار العمل الأهلي الإسلامي، وهو بذلك يتبنى مفهوما خاصا لما يطلقون عليه اسم “المجتمع المدني”  وهو المفهوم العنصري الذي يجعل الجمعيات ذات المرجعية الإسلامية خصما له، ولا يعترف بحقها في ممارسة العمل المجتمعي أو المشاركة في بناء مؤسسات “المجتمع المدني” وعلى استعداد كامل لاستعداء السلطة الحاكمة عليه.

 

 

الاستراتيجيات والأهداف

 

الأدوات والآليات

 

كانت التشريعات القانونية هي السلاح الأول والأمضى في نزع القيم الإسلامية عن نظام الوقف ثم الاستيلاء بالقوة على أصول الأوقاف بحزمة محكمة من القوانين والمواد التنفيذية، والتي حاصرت الوقف ثم ألغته وجعلته أثرا بعد عين.

إن المتأمل للقوانين المتسارعة مثلا في مصر، يرى كيف آلت ملكية الأوقاف سريعا للدولة، ففي أول هذه القوانين (قانون ١٨٠ سبتمبر ١٩٥٢) نصت مادتاه الأولى على أنه (لا يجوز الوقف على غير الخيرات)، كما نصت الفقرة الأولى من المادة ٢ من ذات القانون، على أنه (يُعتبر مُنتهياً كل وقف لا يكون مصرفه في الحال خالصاً لجهة من جهات البر)

وقد جاء هذا القانون الافتتاحي وتعديلاته اللاحقة تباعا بأمرين أساسيين[2]:

الأول: وضع جميع الأوقاف الخيرية تحت نظارة أو إدارة وزارة الأوقاف بعد أن كانت تدار إدارة أهلية مستقلة.

الثاني: تخويل وزير الأوقاف سلطة تغيير مصارف تلك الأوقاف الخيرية وجعلها على “جهات بر أولى” دون تقيد بشروط واقفيها.

وبالأمر الأول قُضي على الاستقلال الذاتي لإدارة الأوقاف الخيرية ومؤسساتها الاجتماعية والتعليمية والصحية وغيرها، وبالأمر الثاني سُيس نظام الوقف برمته وجرى نقله من الحيز الاجتماعي إلى الحيز السياسي وتوظيفه في خدمة السلطة الحاكمة.

إن سن مثل هذه القوانين كان له أثر بالغ في تخويف الراغبين في وقف أموالهم وجعلتهم يخشون أن يتم الاستيلاء على ما أوقفوه من جهات رسمية في يوم من الأيام بوضع اليد عليها، وأن يصرف في غير ما أرادوا، أو أن يصرف في أنشطة مخالفة – أو معادية – للإسلام.

ومن الأدوات: الصورة النمطية للأوقاف في الإعلام وخاصة السينما، أنها كيانات مهملة تعمها الفوضى والسرقات والنهب المنظم، أشاعتها الرواية بداية ومن ثم السينما المصرية، في تلك العبارة الشهيرة أن الحال واقف “مثل بيت الوقف” وجرت على ألسنة الناس كالمثل الشعبي والحكمة الدارجة.

ومن الأدوات التي كثر استخدامها مؤخرا ربط ريع الأوقاف بالأعمال الإرهابية، وذلك عن طريق عقد الندوات والمؤتمرات التي تناقش الضوابط التنظيمية لمنع استخدام ريع الوقف في تمويل الأعمال الإرهابية، والإكثار من ذكر تجفيف المنابع المالية للإرهاب وعلى رأسها الوقف الإسلامي، وإشاعة هالة من الإرهاب الفكري لمن يقترب من وقف ملك له على العمل الخيري. وهذه من أشد الأدوات تأثيرا فقد أحجمت مؤسسات خيرية كبرى – خاصة في دول الخليج – عن كثير من أعمالها التنموية خشية أن تتهم بدعم الإرهاب، بل وتم بالفعل وصم بعضها بهذا التهمة مما أدى إلى إغلاقها.

ومن الأدوات: التعتيم على الجهود الوقفية الهائلة في الغرب الذي تدعم مؤسساته الوقفية الصروح العلمية الكبرى والمشروعات التنموية والصحية الكبيرة، حتى أصبحت هذه الحقيقة غائبة تماما عن الوعي العربي والإسلامي فتسمع مثلا عن “تبرع” بيل جيتس بنصف ثروته للأعمال الخيرية، ولا يقال في إعلامنا أنه فعل ذلك بإنشاء مؤسسة وقفية تدير هذه الأموال الموقوفة بأساليب إدارة واستثمار عالية التخصص والكفاءة.

ومن الوسائل: التلبيس الفكري حيث يقال إن الوقف ما هو إلا ملكية عامة ومال أوقف للنفع العام، فهو من قبيل الملكية الجماعية المشاعة (مقابل الملكية الخاصة للأفراد) وهو بالتالي مرافق وقطاعات عامة أو أملاك دولة فيجب إدارتها وتثمينها بيد الدولة، وبالتالي أيضا تخضع لقوانين الدولة شأنها شأن الأملاك العامة. وبرغم أن الوقف يتقاطع ويتشابه مع الملكية العامة، إلا أنه تحكمه مواصفات أخرى تتعلق بالكسب والتثمير وأوجه الصرف والتصرف وشرط الواقف، وجميع أوجه التصرف خاضعة بدورها للأحكام الشرعية، فالوقف يشبه الملكية العامة من حيث النفع العام، ولكنه يختلف عنها في ملكيتها (فهو مؤسسة خاصة) وأوعية الاستثمار وضوابطه.

 

 

العلاقات والمؤسسات

 

نماذج نجاح فاعلة – حالات وخبرات

لدينا نماذج مؤثرة في طرفي الصراع، فمن جهة القوى المختطفة (بكسر الطاء)، وتأتي في مقدمتها الحالة المصرية والخليجية حيث تم عمليا إلغاء الوقف ومصادرة أملاكه، أو تركها معلقة مجهولة الملكية لا يُنتفع بها. وقد أدى الإرهاب الفكري بأكثر المؤهلين لوقف أموالهم يخشون حتى من توزيع زكواتهم المفروضة. لقد ازدادت حالة الركود في نظام الوقف ويكاد يكون قد تجمد اللهم إلا في تركيا وباكستان وبعض الدول الأوروبية وبعض الجهات المحدودة في الكويت.

لقد أصبح حراس الأوقاف (وزراء ووزارات الأوقاف) رأس حربة في الهجوم على ثوابت الإسلام وأصوله وليس فقط على الأوقاف، وأصبحوا وقد أمموا الخطاب الديني مسئولين عن اختطاف الإسلام من جوانب عديدة مستخدمين موارد وأصول الأوقاف المعلقة لسد أجساد وزاراتهم المترهلة، والتي أصبح يضرب بها المثل في الفساد المالي والإداري أكثر من أي وزارة أخرى. هذه مفارقة تكشف الثمار المرة للسطو على أوقاف المسلمين، وترهيبهم من العودة لنظام الوقف ولو بشكل غير مقنن.

 

ومن جهة جهود مقاومة الاختطاف نجد نماذج ناجحة مؤثرة في تاريخنا الحديث، كأثر الأوقاف الفلسطينية في مقاومة الاحتلال الصهيوني.

 

وكذلك في مصر إبان الاحتلال البريطاني، وما حدث في مصر بهذا الخصوص هو نموذج لما جرى في كثير من البلدان العربية والإسلامية في تلك الحقبة الاستعمارية، فبعد وقوع مصر تحت الاحتلال البريطاني زاد إقبال المصريين على تحويل ممتلكاتهم إلى أوقاف، وبلغ هذا الإقبال ذروته خلال الفترة الواقعة بين سنتي الاحتلال ١٨٨٢ وثورة الشعب ١٩١٩. وكان من أبرز الوقفيات ذات الدلالة في هذا السياق تلك التي أنشأها كل من علي باشا شعراوي، وسعد باشا زغلول، وعبد العزيز باشا فهمي، وثلاثتهم قادة أعضاء الوفد المصري الذي تشكّل سنة ١٩١٨ للمطالبة بالحقوق الوطنية لمصر.

كان أولهم هو علي باشا شعراوي الذي بادر في سنة ١٩١٨ بوقف ممتلكاته من الأراضي الزراعية ومساحتها ٧١٢٦ فداناً بمديريتي المنيا وأسيوط بصعيد مصر، واشترط أن يصرف ريع ١٥٦٢ فداناً منها سنوياً في عدد من وجوه البر والخيرات والمنافع العامة مثل بناء المساجد والمعاهد الدينية، ومنها تمويل إنشاء معهد على غرار الأزهر الشريف في مدينة المنيا بوسط الصعيد، ورعاية الأيتام، ومساعدة الفقراء. وكان الثاني هو سعد باشا زغلول، الذي قام بوقف منزله المشهور ببيت الأمة، وجميع الأراضي الزراعية التي كان يملكها ومساحتها ٤٠ فداناً وكسور من الفدان واقعة بمديرية الغربية بوسط الدلتا، واشترط أيضاً أن يصرف من الريع مساعدات للأيتام والفقراء، وأن يؤول الريع كله من بعدهم إلى مدارس الجمعية الخيرية الإسلامية لتصرفه في شؤون التعليم بمعرفتها. أمّا الثالث فهو عبد العزيز باشا فهمي، الذي وقف في سنة ١٩٣٦ مساحة قدرها ٣٦ فداناً بمديرية المنوفية، بالدلتا، واشترط أن يصرف من ريعها السنوي على بعض المساجد والعجزة والأرامل والأيتام من أبناء قريته والقرى المجاورة لها، وتقديم جائزة سنوية للمتفوقين من خريجي كلية الحقوق بجامعة فؤاد (القاهرة)[3].

ولأوقاف أولئك الثلاثة دلالة مهمة تشير إلى الإدراك المصري العام لأهمية الوقف كأداة من أدوات الكفاح الوطني، وقد كان الثلاثة من قادة الحركة الوطنية المصرية وأبرز رموزها كما هو معروف، ولكنهم لم يكونوا وحدهم في ذلك الكفاح، وإنّما كانوا ضمن موجة شعبية واسعة عمّت قطاعات كبيرة من المصريين الذين بادروا للمشاركة في هذا الكفاح بتوظيف الوقف في مقاومة الاحتلال ومناهضة النفوذ الأجنبي. وأخذ كفاحهم ثلاثة أبعاد نوردها هنا بشكل مجمل وهي:

  1. إخراج أكبر قدر ممكن من الموارد الاقتصادية الوطنية من نطاق المعاملات الخاضعة لأحكام القوانين الأجنبية، ووضعها في حرز الوقف الأمين الخاضع فقط لأحكام الشريعة الإسلامية وقضائها الشرعي.
  2. حرمان الأجانب، والمتعاملين معهم من أبناء الوطن، من الاستفادة بأيّ شكل من الأشكال من تلك الموارد التي يتم وقفها، سواء كانت عقارات مبنية أو أراض زراعية.
  3. توجيه أموال الأوقاف المتراكمة في خزائن ديوان الوقف لشراء الأراضي والممتلكات الأميرية الحكومية التي كان صندوق الدين (البريطاني الفرنسي) يعرضها للبيع في المزاد العلني وفاء للديون التي كانت مصر قد غرقت فيها خلال النصف الثاني من القرن التاسع عشر، وكانت الجاليات الأجنبية تهرع إلى شرائها والسيطرة على مساحات واسعة من الأراضي بأثمان زهيدة؛ فنهضت الأوقاف للحد من هذه السيطرة ودخلت طرفاً في عمليات الشراء والمحافظة على الموارد المصرية من أن تتسرب إلى الأيادي الأجنبية.

 

هناك أيضا جهود معاصرة جيدة لإحياء الاهتمام بالوقف، منها مثلا مجلة “أوقاف” نصف السنوية التي تصدر عن الأمانة العامة للأوقاف في الكويت والكتب والأطروحات الصادرة عنها، ومثل بحوث “الأوقاف في المتوسط: رهانات المجتمع ورهانات السلطة” إشراف راندي ديغيم وعبد الحميد هنية، صدرت بالفرنسية في الكويت عام ٢٠٠٤.

 

استراتيجيات المواجهة ووسائلها ونماذجها

 

من سبل تدارك ومواجهة هذا الاختطاف:

  • نشر الوعي بأبعاد نظام الوقف الإسلامي وتاريخه المشرق، وكونه قفزة حضارية مبكرة في تاريخ البشرية نحو تمكين المجتمع وتفعيل قواه الجمعية بترغيب كافة شرائح المجتمع فيه، وتذكيرهم بحديث رسول الله صلى الله عليه وسلم عندما سئل عن أعظم الصدقة فقال “أن تصدق وأنت صحيح شحيح تخشى الفقر وترجو الغنى ولا تمهل حتى إذا بلغت الروح الحلقوم قلت لفلان كذا ولفلان كذا وقد كان لفلان”، ففيه حث على ألا ينتظر المسلم حتى يخرج ماله عن تصرفه وكمال ملكه واستقلاله بما شاء من التصرف، وفيه أنه ليس له في وصيته كبير ثواب بالنسبة إلى صدقة الصحيح في حياته.
  • أن ترتكز الجهود الوقفية المستقبلية على قيمنا الإسلامية وتجربتنا الحضارية التاريخية وبحيث تكون الرؤية واضحة لتحقيق مقاصد الدين من خلال إعادة صناعة الدنيا والاشتباك الفاعل مع تحديات الحياة وتعقيداتها.
  • تعميق الوعي الوقفي بالتربية على الوقف ومقاصده وأبعاده الإنسانية عظيمة، بحيث تشيع ثقافته وتصبح جزءا من العقل الجمعي للأمة خاصة في مراحل التعليم الأولية، ويتحول الوقف إلى مجال تسابق وتنافس شريف بين شرائح المجتمع وأطيافه.
  • أن نحسن استيعاب الأدوات والآليات اللائقة بعصرنا الحاضر بحيث نكون على مستوى إسلامنا وعصرنا في آن واحد. يكون هذا من خلال تطوير الأوعية الوقفية ونظم إدارتها وهياكل مؤسساتها وطرق نظارتها.
  • الاعتماد على أهل التخصص حصرا في كل مشروع وقفي مهما كان محدودا أو صغيرا، والابتعاد عن أهل ثقافة معرفة كل شيء، فمن يدعي أنه يعرف كل شيء لا يعرف شيئا، وأن يقتصر دور علماء الشريعة على وضع ورقابة الضوابط الشرعية للمعاملات المالية والاستثمارية وغيرها، ودون إقحامهم في أعمال ورؤى الإدارة التشغيلية أو الاستراتيجية. إن العمل المؤسسي اليوم هو ضرورة العصر وطبيعته، وقد أصبحت له علومه وتخصصاته الدقيقة، ومراكزه البحثية والفكرية ومعايير جودته وقياسه، بل وأصبحت المشروعات نفسها لكل نوع منها نمط إدارة ومواصفات للقائمين عليه وآليات تخطيط ومراجعة ومحاسبة وإحصاء خاصة به. وأصبحت كثير من دراسات الجدوى من الإحكام والضبط وكأنها قوانين مادية صرفة.
  • إشاعة فضائل العمل الوقفي بين عموم المسلمين – وليس بين الموسرين فقط – وبيان أن عطاء المسلم باشتراكه في مشروعات الوقف يرزقه أعمارا فوق عمره، أعمارا من العطاء والأجر والبركات. وقد ورد في الصحيح عن نبينا صلى الله عليه وسلم أنه “إذا مات ابن آدم انقطع عمله إلا من ثلاث: صدقة جارية أو علم ينتفع به أو ولد صالح يدعو له”. وهذه الثلاثة كلها تجتمع في أغلب أعمال الوقف، ففيها الصدقة الجارية، وفيها العلم الذي ينتفع به كثمرة من ثمرات الوقف على عمليات التعليم والأبحاث العلمية المتنوعة، وفيه ثمرات الأعمال التربوية التي تمتد لأجيال من الذرية الصالحة يستمر دعاؤها للمساهمين في تلك الأوقاف. فالمسلم يستشعر بهذه المشاركة الإيجابية الحضارية، أنه ليس مجرد عرض زائل وذكرى قد تم دفنها، وإنما حياته مستمرة ما استمرت آثار عطائه وفعله ونفعه المستدام.
  • وقد كان مشروع سكة حديد الحجاز الوقفي نموذجا يُحتذى في هذا الصدد، لأنه وقف شارك فيه عشرات – وربما مئات – الآلاف من المسلمين من الفقراء والموسرين. فقد افتتح السلطان قائمة المتبرعين بمبلغ خمسين ألف ذهب عثماني من ماله الخاص، مع مائة ألف ذهب عثماني من صندوق المنافع، كما تم طباعة أوراق تذكارية من طوابع وشهادات تكريم، وميداليات للمتبرعين، وتدفقت التبرعات من مناطق ودول يغلب عليها الفقر، وتتباين في توجهها الأيديولوجي، وبعضها واقع تحت احتلال معادٍ للدولة العثمانية، فقد جاءت التبرعات من إيران والسودان والهند والجزائر ومصر، وجاءت من الوزراء وكبار رجال الدولة والولاة، وفي مصر تشكلت لجنة شعبية للدعاية للمشروع برئاسة أحمد باشا المنشاوي، وحتى المعارضون لحكم السلطان عبد الحميد أيدوا المشروع، وشاركوا فيه بل واقترحوا توسعته، فقد قدم رفيق بك العظم مشروعا تكميليا بمد هذا الخط الحديدي إلى اليمن، وعمل شبكة خطوط للسكك الحديدية داخل هذا القطر النائي، ووضع لجدوى مقترحه أسبابًا سياسية وأمنية واقتصادية، فقال “إصلاح مرفأ الحديدة ، وجعله مرسى أمينًا للسفن، ومد خط حديدي من الحديدة إلى صنعاء، ثم تعميم السكة الحديدية في البلاد بالتدريج بقدر ما يمكن مالية الحكومة، لأن سهولة المواصلات ضروري لبلاد متباعدة الأرجاء يراد إصلاحها وتكثير موارد الثروة الزراعية والتجارية فيها، ولاسيما وأن بلاد اليمن فيها كثير من المعادن والكنوز الأرضية التي لا يتيسر استخراجها والعمل فيها إلا بسهولة المواصلات”، والناظر للمحنة اليمنية الحالية يدرك بعض قيمة هذه المشروعات الوقفية الشعبية وما يمكن أن تحققه.
  • الاجتهاد في البحوث الشرعية لأنظمة الوقف بحيث تواكب حاجات المجتمع وتطلعات، فالمجتمعات كائنات حية دائمة الحركة والتغير، وإن لم تجد ما يلبي هذا التغير الطبيعي من حلول وأوعية شرعية مقنعة، فإنها معرضة للانحراف في حركة حياتها، أو على الأقل ستترك لأنظمة “الآخر” ورؤاه الفكرية أن تتمدد في فراغها المهمل وجمودها العلمي، وهو ما نشاهده حاليا من قبل غير المسلمين الذين طوروا أنظمة التبرعات (حتى أصبحت لها دراسات وأساتذة متخصصين) والعمل التطوعي حتى أصبحوا يمتلكون مؤسسات علمية وبحثية وصحية وتنموية ضخمة ومؤثرة وبعضها أصبحت ذات امتدادات عالمية، وتمكنت بضخامة أصولها الثابتة ومشاريعها الاستثمارية الناجحة أن تضع خططا طويلة الأمد لعقود قادمة.. إن الحاجة ملحة لمراكز بحثية تعنى بدراسات الوقف وأوعيته وآلياته وأدواته، وبدون فتح باب “الاجتهاد” في هذا الميدان الحيوي فإننا سنعجز عن مواجهة حملات الاختطاف العاتية. إن المأمول أبعد حتى من الاجتهاد في مراكز بحثية، ونريده أن يمتد لدراسات جامعية منتظمة، وليس فقط في مرحلة الدراسات العليا، حتى تتهيأ كوادر علمية تشربت مبكرا هذا النظام الشرعي الرائد.
  • إن أحكام الوقف في المذاهب الفقهية الأربعة – على الأقل – بها مساحات وفضاءات واسعة للاجتهاد، والمرونة في اختيار الأنسب لعصرنا وتحدياته لضمان تحقيق مصالح الأفراد والمجتمع. إن أحكام المعاملات – بطبيعتها – غير متناهية فهي مبنية – أو معللة – بتحقيق مصالح الناس الدنيوية، وهذه متغيرة وغير متناهية. إن توقف “الاجتهاد” في فقه الوقف وأحكامه قد أصاب النسيج المجتمعي في مقتل، وأدى إلى ضمور المشروعات الخيرية وذبول ثمراتها. هذا الجمود الفكري كان إما بوضع شروط تعجيزية لمؤهلات الاجتهاد، أو استسهالا بالانعزال عن “آفات العصر الحديث وشبهاته”، وكانت نتيجته في كل الأحوال خروج الفقه من واقع الحياة، حتى ممن ترتفع حناجرهم بوجوب تطبيق الشريعة، وكذلك خروج العقل المسلم من ميدان التدافع الفكري الذي هو سنة الحياة الماضية. إن هذا الواقع الراكد هو الذي يعيق تفعيل وتشغيل الفقه وأحكام الوقف في الحاضر، فضلا عن استصحابه للرؤى المستقبلية استشرافا وتخطيطا.
  • ومن أبواب الاجتهاد العاجلة النظر في حكم وفقه وقف المنافع، والنظر في شرط التأبيد للواقف، والذي يمكن أن يضم شرائح واسعة من المسلمين للمساهمة في أعمال الوقف، كوقف المهنيين (كالمحامين والأطباء والحرفيين) لساعات من عملهم وقفا للجمعيات الخيرية، أو كوقف أصحاب الفنادق والقاعات والنوادي لبعض مرافقهم لأوقات معينة للمؤسسات الخيرية والوقفية، أو وقف أصحاب المصانع لنسبة من إنتاجهم للفقراء والمؤسسات الراعية لهم، بل ووقف أصحاب الحقوق الفكرية لبعض ما يملكون للمؤسسات الخيرية والوقفية، ونحو ذلك.
  • إن اجتهاد الأولين في الأحكام الفرعية للوقف هو اجتهاد قابل للنقد والنقض بسبب تغير الأحوال عبر قرون ممتدة، ويكفي أن نرى الواقع الجديد الذي نعيشه وفيه تقويم الأشياء ماليا قد اختلف وتنوع (بعيدا عن معنى النقدين الأصيل) فقد أصبحت الخبرة تقوم ماليا، ومثلها الخدمات والاستشارات والأوقات والتصميمات .. والأفكار والإبداع، كما اختلفت مفاهيم المقايضة باختلاف مفاهيم القدرة على التسليم، بل ووسائل التسليم والتحويل ونحوها التي تتم عن بعد في طرفة عين. كما أن شرائح الطبقة الوسطى من كل مجتمع أصبحت تمثل عماده وقوته الإنتاجية والشرائية، وإدماج هذه الشريحة الأساسية في منظمة الوقف وعدم قصره على الأثرياء أصبحت ضرورة ملحة تتطلب أن يتجاوب معها الاجتهاد الفقهي في أحكام الوقف. إننا مهما تذاكرنا ماضينا العظيم وسبقنا الحضاري في مجال الوقف وتفعيل قوى المجتمع، فإن هذا لا ينبغي أن يتحول إلى مانع نفسي لدينا فيحجزنا عن التغيير والنظر إلى المستقبل، مع المحافظة على أصول أحكام الوقف، والاستفادة أيضا من تجارب الآخرين الوقفية وأدواتهم التي حققت إنجازات لا تخفى.
  • الالتفات إلى المساحات الغائبة في العمل الخيري ويمكن للوقف أن يسدها، مثل المشروعات طويلة الأمد والصناعات الثقيلة والتجهيزات العسكرية. وقد أخبرنا النبي صلى الله عليه وسلم كما في الصحيحين قوله (أما خالد فإنه قد احتبس أدراعه وأعتاده في سبيل الله تعالى)، وفي الصحيح أيضا قوله صلى الله عليه وسلم (من احتبس فرسا في سبيل الله إيمانا بالله وتصديقا بوعده فإن شبعه وريه وروثه وبوله في ميزانه يوم القيامة)، فهذه سوابق مبكرة لأوقاف أمنية وعسكرية. ومثله ما يكون للبنى التحتية التي لا تستطيع المشروعات التجارية والاستثمارية عادة الدخول فيها، وقد ورد أيضا عن النبي صلى الله عليه وسلم قوله (من يحفر بئر رومة فله الجنة) فحفرها عثمان، وقال (من جهز جيش العسرة فله الجنة) فجهزه أيضا عثمان رضي الله عنه. كما أن المؤسسات البحثية أصبحت عماد الحكومات الحديثة، عليها تعتمد في الرصد والتحليل وقراءة المواقف واستشراف المستقبل، وكبريات الجامعات الأوروبية والأمريكية واليابانية الآن لها أوقاف – بعضها منذ قرون – ولبعضها ميزانيات ببضعة مليارات الدولارات، لرعاية هذه الصروح العلمية التي هي قاطرة التقدم والتنمية. وهكذا يرد أيضا الوقف للأعمال الإعلامية والدعوية، فالدول الغنية تنفق بسخاء على إعلامها، والدعوة إلى قيمها وفكرها، وقد لا تستطيع الدول الإسلامية مجاراتها لكن المجتمع المتكافل يمكنه النهوض بهذه المساحات المهمة. وقد عرف تاريخنا الإسلامي تجارب سباقة، وقد رصد كتاب (الدارس في أخبار المدارس) للنعيمي أنه كانت بجامعة القرويين في المغرب، والمستنصرية في بغداد، والمنصورية في مصر، كانت هناك مدارس ضخمة مخصصة للطلبة فيها إسكانات مجانية، وخدمات متنوعة، فيها تغذية، وكل الاحتياجات. وفي نفس الكتاب أمثلة بديعة عن تأصل فكر الوقف، فعند ذكره لمدارس الطب مثلا، ذكر المدرسة الدخوارية التي أوقفها الطبيب ذائع الصيت “مهذب الدين عبد الرحيم بن علي بن حامد المعروف بالدخوار شيخ الأطباء بدمشق وقد وقف داره بدرب العجل بالقرب من الصاغة العتيقة على الأطباء بدمشق مدرسة لهم”[4].

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

[1] د. سعد الدين إبراهيم، العمل الأهلي في مصر، ص ٣٤

[2]إبراهيم البيومي غانم، تجديد الوعي بنظام الوقف الإسلامي، ص ٢٤٣

[3] المصدر السابق ص ٢٤٩

[4]النعيمي، الدارس في أخبار المدارس، ج٢/ص١٠٠

 

زر الذهاب إلى الأعلى