اختطاف الإسلامملفـات

اختطاف الأمة الإسلامية نحو الغلو

الحمد لله وحده، وصلى الله على من لا نبي بعده.

وبعد:

فإن الله تعالى جعل هذه الأمة الإسلامية خير أمة أخرجت للناس، وجعلها الأمة الوسط، الشاهدة على غيرها من الأمم بالغلو والتقصير، وبالتجافي عن مورد الوحي النمير.

وإن الشيطان وأولياءه من بني الإنسان لا يألون جهدًا في محاولة إزالة هذه الأمة عن سبيل قصدها، وزحزتها عن طريق استقامتها على كتاب ربها، وهدي نبيها، سواء كانت تلك الإزالة إلى غلو وإفراط، أو إلى تقصير وتفريط، لا يبالي الشيطان وأولياؤه في أي وادٍ هلك الإنسان.

وفي زماننا المعاصر تعقدت وتعاظمت سبل أولياء الشيطان في الحرب على الإسلام، فلم تعد غايتهم مجرد إغواء المسلمين عن سبيل الحق والاستقامة، بل صار ذلك سبيلًا إلى تفكيك الأمة وإضعافها، وضرب بعضها، فيضرب الغالي بالمفرط، ويضرب المفرط بالغالي، وتضرب عموم الأمة بالطائفتين!

تضرب بهم في عقيدتها وشريعتها، وفي شبابها وعلمائها وفي مقدساتها ومقدراتها؛ حتى تشغل الأمة بنفسها، وتنكأ شمالها بيمينها، وتسلم ناصيتها لأعدائها.

وهذا البحث إطلالة على سعي أعداء الإسلام لاختطاف الأمة إلى مستنقع الغلو الآسن، نبحث فيه أسباب انتشار الغلو وقبوله في مجتمعات المسلمين، سواء في ذلك الأسباب الذاتية، أو العلمية، أو السياسية، أو غيرها.

ثم ننتقل إلى وسائل وأدوات هذا الاختطاف،  بما فيها الوسائل المباشرة، وغير المباشرة، ونختم ببيان أهم الحلول التي يواجَه بها هذا الغزو الفكري، والانحراف العقدي.

نسأل الله تعالى التوفيق والسداد، وحسن القبول في المعاد، والحمد لله رب العالمين.

 

أسباب ودوافع قبول الاختطاف

نحو الغلو والعنف

تقدَّم بيان القوى المؤثرة في اختطاف الحركة الإسلامية نحو الغلو والعنف، وفي ثنايا ذلك البيان ظهرت أسباب ودوافع لتلك القوى والفئات المختلفة، وفيما يلي بيانٌ أكثر تركيزًا على تلك الدوافع التي تحمل الفرد -ومن بعده الطائفة- على قبول الاختطاف، والتحوُّل نحو التطرف والعنف في فَهم الدين، والتعاطي مع التحديات الداخلية والخارجية في واقع الأمة الإسلامية اليوم.

أولًا: أسباب ذاتية:

أ- ضعف الانتماء إلى المجتمع:

الشخصية المؤهَّلة للاختطاف ناحية الغلو تعاني من فقدان الصلة بالمجتمع، وشعور داخلي بالاغتراب داخله، وأنه لا ينتمي إليه في فكره وتديُّنه وثقافته وطموحاته، فيدعوه هذا إلى الرغبة في الانعزال عنه، وفي التمايز عن أهله، ومن ثَمَّ يتبنَّى توجُّهات غير سويَّة في التعامل معه، والنتيجة أنه يصبح عاجزًا عن التوافق، زاهدًا في المشاركة المجتمعية، وربما يشعر بعدائيَّة أو نِقْمة على هذا المجتمع، وقد يتصل بذلك أسباب أخرى -كما سيأتي- تدعو للانتقام من المجتمع بمؤسساته وقياداته.

ومَن درس سيرة بعض الذين نسبت إليهم تيارات العنف والتطرف في الحاضر، فإنه سيجد هذا المعنى حاضرًا في أدائه.

ب- السمات الشخصية التي تدعو إلى العنف:

إذا كان الفرد يشعر باغترابٍ داخل مجتمعه، ويبحث عن وسيلة لتحقيق طموحاته بعيدًا عن محيطه، ويتميَّز في ذات الوقت بشخصيةٍ سطحيةٍ في تناولها للأمور، ومتعجِّلة في حكمها على الأشياء والأشخاص، ولديها قابليَّة للاستفزاز، وتشعر بالرغبة في التنعُّم بالحرية التي حرمتها، ومُورسَت عليها ضغوط مادية اقتصادية وأمنية، وأخرى معنوية، فقد أصبحت على حافَّة الكبت والقهر النفسي، فلو كانت متدينةً، فستميل فورًا نحو التغيير العنيف تكفيرًا للمجتمع وقياداته وقواعده، واستباحةً للدماء والأموال، تفجيرًا واغتيالًا وانتهابًا.

وأما إذا كانت تلك الشخصية غير متدينةٍ، فقد تميل للإلحاد، ومن ثَمَّ استباحة ما تصل يدها إليه، فتملأ الأرض فسادًا أخلاقيًّا، وبلاءً، ولا يبعد أيضًا أن تغلب عليها نزعات استئصالية ذات طبيعة فاشية أو نازية أو دموية.

وكلا الأنموذجين حاضر في التجربة البشرية في العصر الحديث، وفي المجتمعات الإسلامية.

حتَّى إنَّ بعض الذين انتسبوا للتيارات التكفيرية لمَّا تعرضوا للمعالجات الأمنية العنيفة، انتقلوا إلى طرف التفريط بعنفٍ شديدٍ، فتمللوا من ربقة الأحكام الشرعية، وسلكوا مسالك الانحلال الفكري والإلحادي في النهاية، وهؤلاء عدد مقدَّر في ساحة العمل الإسلامي اليوم.

ثانيًا: الأسباب العلمية والفكرية:

الغلوُّ قرين الجهل مع التعصب، وربيب الإعراض عن العلماء مع ظاهرية الفهم، وسطحية الفتيا، وثمرة نكدة لاتِّباع المتشابه، والسقوط في حفرة التأويل والتحريف.

وقد ظهر بعض الغلو كنتيجةٍ حتميةٍ لتشييخ الكتاب قبل عقودٍ، أما الآن فتشييخ الشبكة العنكبوتية، والتلقِّي عن مجاهيل، يفعل بالأمة اليوم الأفاعيل.

وذلك الخطأ والخطل العلمي والفكري يورث جمهرةً من الانحرافات والعلل والموبقات للدعوة إلى الله في هذا الزمان، وعلى رأسها: الغلو والتطرف!

فإذا انطلق الشاب أو الباحث من إسقاط أهل العلم كافة، أو تجاهل العلماء عامَّة؛ سواء من كانوا في بلده، أو في غيرها، ثم عوَّل على غير متأهِّلٍ ممن وَصْفه الجهل بالكتاب والسُّنة، ومقاصد الشريعة، ومناهج الاستنباط، مع ضعف وعيٍ بالواقع، وحقائق التاريخ، وسنن الله في الخَلق والتغيير، فإنَّ العاقبة تبدو مشئومةً، والأمةُ بهذا المنحى الغالي -ولا بدَّ- مأزومةٌ!

وكيف يغفل هؤلاء عن قوله ﷺ: «لَا تَزَالُ طَائِفَةٌ مِنْ أُمَّتِي ظَاهِرِينَ عَلَى الحَقِّ، لَا يَضُرُّهُمْ مَنْ خَذَلَـهُمْ، حَتَّى يَأْتِيَ أَمْرُ اللهِ وَهُمْ كَذَلِكَ»([1]).

وقوله ﷺ: «افْتَرَقَتِ اليَهُودُ عَلَى إِحْدَى وَسَبْعِينَ فِرْقَةً، فَوَاحِدَةٌ فِي الجَنَّةِ، وَسَبْعُونَ فِي النَّارِ، وَافْتَرَقَتِ النَّصَارَى عَلَى ثِنْتَيْنِ وَسَبْعِينَ فِرْقَةً، فَإِحْدَى وَسَبْعُونَ فِي النَّارِ، وَوَاحِدَةٌ فِي الجَنَّةِ، وَالَّذِي نَفْسُ مُحَمَّدٍ بِيَدِهِ، لَتَفْتَرِقَنَّ أُمَّتِي عَلَى ثَلَاثٍ وَسَبْعِينَ فِرْقَةً، وَاحِدَةٌ فِي الجَنَّةِ، وَثِنْتَانِ وَسَبْعُونَ فِي النَّارِ». قيل: يا رسول الله، مَن هم؟ قال: «الجَمَاعَةُ»([2]).

وهذا يعني: بقاء العلم والعلماء وأهل الفقه في الدين وأتباع السنة، وأن تلك الطائفة لا يخلو عنهم زمانٌ، وإنْ قلَّ عددها، وأهل الذِّكر في الأمة -بحمد الله- لا انقطاع لهم، فلم يبق إلا البحث عنهم وسؤالهم، قال تعالى: ﴿ﭚ ﭛ ﭜ ﭝ ﭞ ﭟ ﭠ﴾ [النحل:43].

والمقصود بالعلماء: الربَّانيون لا السُّلطانيون، والصادقون لا المُدَّعون.

وفي الحديث: «تَسْمَعُونَ، وَيُسْمَعُ مِنْكُمْ، وَيُسْمَعُ مِمَّنْ يَسْمَعُ مِنْكُمْ»([3]).

فالعلم رحمٌ موصولةٌ بين أهله إلى زمانِ رفعِهِ، وهذا لا يكون إلا آخر الزمان.

وما من شكٍّ أن الربانيين اليوم قلة إلا أنها غير مفقودةٍ، وأن الصادقين نَزْرٌ إلا أنهم لم ينقطعوا، وأمة الخير هي خير أُمَّة.

والهجوم على العلماء عامة دَيْدن أهل الغلو كافَّة، وهذا الهجومُ من ثمرته: اعتمادُ الغلاة على فكرهم المجرد عن نور الوحي، أو فهمهم المنقطع عن فُهُوم السلف من أهل العلم.

وبسبب من بحوث خاصة تتداول -فيما مضى- بالأيدي، أما اليوم فهي على شبكة المعلومات تسبح في فضاءٍ لا ضابط له- اجترأ هؤلاء على دماءٍ معصومةٍ، وأعراضٍ مصونةٍ، واستباحوا أموالًا محرمةً في ظل غياب أو تغييب منهج أهل العلم الراسخين في مناهج الاستنباط والنظر.

ولا امتراء أن إحجامًا يُنْسب إلى كثيرٍ من العلماء عن الخوض في غمار مسائل شائكة كان سببًا في تجرُّؤ مَنْ لا أهلية له، وأن إرهابًا دوليًّا للعلماء كان سببًا في تجاوز الشباب لحواجز الخوف اليوم، بل كسرها، وكسر هيبة كثيرٍ من العلماء معًا.

وإذا جاء الغلوُّ من الجانب العلمي، وببعد عن مناهج العلماء، فإن دعاوى الاجتهاد المطلق -ولو من غير أهليَّة- سوف ترتفع بها عقائر أقوام، وذمُّ التقليد ستعلو رايته، وزَعْمُ اقتفاء أثر الصحابة سوف تورد حجته، وسيكون «هم رجال، ونحن رجال»، هو شعار المرحلة.

وعدم النظر إلى الحال والمآل، والمقدور والمعجوز عنه من الأقوال والأفعال، سوف يُفْضي إلى فتاوى تبلغ الغاية في الغرابة، وعندئذٍ يختلط الحابل بالنابل، والصحيح بالباطل، وتُسْتدعى فتاوى تاريخية لغير مناطاتها الواقعية، ويستدعى حال التتار اليوم عند البعض في جميع الأمصار. ويتطاير شرر الفتاوى الطائشة- أحيانًا- لينال من مجتمعات المسلمين عامَّة، وتحشر جملتهم مع الكفار في الأحكام، كل ذلك البلاء يقع في ظلِّ تأويلاتٍ باطلةٍ، وتَمحُّلاتٍ ساذجةٍ.

وكنموذجٍ واحدٍ فقط يقول شكري أحمد مصطفى رأس جماعة التكفير والهجرة: «أين هي أُمُّ القرى الآن في منطقة الشرق الأوسط؟

أين المكان الذي يصدر الكفر إلى العالم العربي؟

أين القرية التي حاربت مَنْ نادى بالجهاد في سبيل الله؟

أين القرية التي تعتبر مُتَّجه العالم العربي؟

هي -ببداهةٍ- الآن مصر»([4]).

وإذا اجتمع إلى المنهج السالفة معالمه عدمُ العناية بجمع أطراف أدلة الشرع المطهر مع اعتماد على رُؤًى ومناماتٍ كمصادر للاستدلال والاسترشاد، وعيش في أوهام إدراك آخر الزمان، فإن كلامًا مثل هذا سوف يقال: «هذه الإشارات بيَّنت أننا سوف ندرك عيسى ابن مريم R -إن شاء الله-… نرجو أن نكون أنصار الله في آخر الزمان» ([5]).

وقد وقع جرَّاء تلك الأحلام عام 1400هـ استحلالٌ لبيت الله الحرام، وإلحادٌ فيه بظلمٍ وجهلٍ، ما أدَّى إلى سفك الدِّماء المعصومة، ومنع الصلاة بالحرم، وتعطيل الأذان فيه، كلُّ ذلك برُؤًى شيطانية، أو تخيُّلات وتوهُّمات نفسانيَّة.

ولو كانت تلك رؤًى صادقةً، فإنه لا يستدل بها على ثبوت مهدية، ولا غيرها من الأحكام الشرعية.

والأمر كما قال الشاطبيُّ V: «لا يستدل بالرؤيا في الأحكام إلا ضعيف المنَّة، نعم يأتي العلماء بالمرائي تأنيسًا وبشارةً ونذارةً خاصَّة بحيث لا يقطعون بمقتضاها حُكْمًا، ولا يَبْنون عليها أصلًا، وهو الاعتدال في أَخْذها حسَب ما فُهِمَ من الشرع منها»([6]).

وتقريرًا للحال؛ فإنَّ شدَّة التناقض بين ما في الشرع وما في الواقع سبب دافع، واستعجال الخلاص من البلاء، وكثرة المنكرات وغلبة أهلها على أهل الصلاح سبب في وقوع الغلو مؤثر.

فليت المندفعين نظروا إلى قول الله تعالى: ﴿فَلَا تَعْجَلْ عَلَيْهِمْ ۖ إِنَّمَا نَعُدُّ لَهُمْ عَدًّا﴾ [مريم:84]، أو فهموا قول المصطفى ﷺ: «وَلَكِنَّكُمْ تَسْتَعْجِلُونَ»، وذلك في سياق شكوى أصحابه ﷺ له، وهو مُتَوسِّدٌ بُرْدَةً له في ظِلِّ الكعبة، حين قالوا له: «ألا تستنصر لنا، ألا تدعو الله لنا؟ قال: كَانَ الرَّجُلُ فِيمَنْ قَبْلَكُمْ يُحْفَرُ لَهُ فِي الأَرْضِ، فَيُجْعَلُ فِيهِ، فَيُجَاءُ بِالمِنْشَارِ، فَيُوضَعُ عَلَى رَأْسِهِ، فَيُشَقُّ بِاثْنَتَيْنِ، وَمَا يَصُدُّهُ ذَلِكَ عَنْ دِينِهِ، وَيُمَشَّطُ بِأَمْشَاطِ الحَدِيدِ مَا دُونَ لَحْمِهِ مِنْ عَظْمٍ، أَوْ عَصَبٍ، وَمَا يَصُدُّهُ ذَلِكَ عَنْ دِينِهِ، وَاللهِ، لَيَتِمَّنَّ هَذَا الأَمْرُ، حَتَّى يَسِيرَ الرَّاكِبُ مِنْ صَنْعَاءَ إِلَى حَضْرَمَوْتَ، لَا يَخَافُ إِلَّا اللهَ، أَوِ الذِّئْبَ عَلَى غَنَمِهِ، وَلَكِنَّكُمْ تَسْتَعْجِلُونَ»([7]).

أو لَيتهم عملوا بقوله الآخر ﷺ: «لَا يَنْبَغِي لِلمُؤْمِنِ أَنْ يُذِلَّ نَفْسَهُ. قالوا: وكيف يُذِلُّ نفسَهُ؟ قال: يَتَعَرَّضُ مِنَ البَلَاءِ لِـمَا لَا يُطِيقُ»([8]).

وبسببٍ من الانحراف الفكري والمنهجي، فلا تسل عن استغلال أعداء الإسلام في الداخل والخارج لهذه الفرصة السانحة في ضرب المجتمعات بالفُرْقة والانقسام، وبثِّ الرعب والإرهاب، والتنفير من الدعوة والدعاة، والتغرير بالشباب.

ثالثًا: الأسباب السياسية والاجتماعية:

إنَّ الغلو وثيق الصلة في أسبابه بالجوانب السياسية والاجتماعية في كلِّ مجتمعٍ، وفيما يلي ذِكْرٌ لأهمِّ تلك الأسباب في واقع الأمة المعاصر:

1- تسيُّد العلمانية، وتنحية الشريعة الإسلامية:

إنَّ إقصاء شرع الله تعالى مثَّل أكبر انحراف سياسي واجتماعي وديني في العصر الحديث، بل وفي التاريخ الإسلامي بأَسْره.

ولقد صاحب تلك التنحية والاستبدال للشريعة: تحكيم العلمانية والقوانين الوضعية، ومحاربة محاولات الإصلاح الديني والاجتماعي، ومنع شعيرة الأمر بالمعروف، والنهي عن المنكر، وتغييب شريعة الجهاد، وتنكيس أعلامها.

فإن قيل: إن قطب رحى الأسباب السياسية والاجتماعية هو تبديل الشرع، وتغيير الحكم بما أنزل الله عن معهود الأمة في ثلاثة عشر قرنًا متتابعة لكان عين الصواب.

وكل من اتهم بالغلو -سواء أكان اتهامه بحقٍّ أم بباطلٍ- لا بد وأن يذكر هذا الأمر في مُسوِّغات قيامه بما نسب إليه من غلوٍّ.

وتحكيم الشريعة حقٌّ لا يختلف عليه اثنان، وما قامت تلك الدعوات المعروفة في مصر والهند وغيرها إلا من أجل تلك المسألة، وقد قال تعالى: ﴿فَلَا وَرَبِّكَ لَا يُؤْمِنُونَ حَتَّىٰ يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لَا يَجِدُوا فِي أَنْفُسِهِمْ حَرَجًا مِمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيمًا ﴾ [النساء: 65]، وغنيٌّ عن البيان أنه ما خرج خارجٌ عن حاكمٍ في الزمان المعاصر إلا وكان متذرعًا -غالبًا- بهذا السبب.

فما بال الساسة لا يغلقون باب الشرور على أُمَّتهم بتحكيم شريعتهم؟! وتَرْك استحلال المُحرَّمات المباحة في قوانين مَن لم يدن بدينهم، أو يدخل في مِلَّتهم؟!

إن العلمانية فكرة غريبة الجذور، نكدة الثمار في ديار الإسلام، والغلو العلماني المتطرف الذي مثَّله عددٌ من المفكرين المعاصرين في الشرق هو سبب مباشر ورئيس لـما قد يدعى في حق البعض من تطرفٍ أو عنفٍ.

«وإذا جاز أن نطلق على الشباب المتشدد في الدين اسم المتطرفين، فإن الفقيد فرج فودة يعتبر من عتاة المتطرفين بما يُعْلنه من رفضه المطلق لتطبيق الشريعة فورًا، أو حتى خطوة خطوة، وبما يدعو إليه جهارًا من محاصرة كافَّة مظاهر التديُّن في مختلف أجهزة الدولة، وبما يسخِّر له قلمه من تشويه أعلام الإسلام، وتزييف تاريخه، وتحريض الأمة بمختلف فعاليَّاتها السياسية والفكرية والشعبية على التيار الإسلامي بمختلف فصائله؛ معتدلين ومتشددين.

هذا، ولا يخفى أن التطرُّف إلى الدين أفضل من التطرف عن الدين، فالأول قرب، والثاني جفاء وبُعد، وشتان ما بينهما»([9]).

وقائمة الغلو العلماني زاخرة بأسماء، مثل: المستشار محمد سعيد العشماوي، وحسين أحمد أمين، ونصر حامد أبي زيد، وخليل عبد الكريم، وغيرهم، وأولئك في مصر وحدها، وفي دول أخرى أمثالهم.

2- تتابع النكسات، وتوالي الهزائم، وتفاقم الانكسارات:

فقضية فلسطين الأبيَّة لم تنصرها شعارات القومية العربية، بل خذلتها، وإن حرب الأيام الستة في عام (1387هـ- 1967م) كان هزيمةً انتهت باستيلاء اليهود على الضفة الغربية، والقدس، وشبه جزيرة سيناء المصرية، وهضبة الجولان السورية.

فلم تنفع الأمة -عندئذٍ- راية اشتراكية، كما لم تنفعها -بعدئذ- راية ليبرالية، بل نكبتها نكبةً تاريخية، وقويت دولة اليهود الإجرامية، وفشل الحَلَّان الاشتراكي والليبرالي على حدٍّ سواء.

وما تزال التنازلات تَتْرى عبر اتفاقيات مزعومة لتحقيق السلام، وما هناك إلا التبعية المطلقة لليهود، والخضوع لإملاءاتهم.

والواقع الآن يشهد حروبًا تُدَار لأجل اليهود، ولتأمين حدودهم من جهة غزة وأهلها الصامدين المرابطين.

أمَّا النكبات والانكسارات الاقتصادية، والتخلُّف التقني، واختلال أصول البلاد المالية، فحَدِّث عن هذا، ولا حرج، فمن الشُّيوعيَّة الماركسية إلى الرأسمالية الليبرالية، ومن الإقطاع إلى التأميم إلى الانفتاح الاقتصادي، والبلاد لا تزداد إلا فقرًا، وتخلُّفًا، ومرضًا، فهنا طبقية ظاهرة، وهناك سوء توزيع للثروات المُبدَّدة، وهنالك استئثار بالمال وفرص تداوله، وانهيار في قِيَمِ بناء المجتمعات، ويأس وإحباط من التمكُّن من تغييرٍ، أو تطويرٍ حقيقيٍّ.

وهو ما أدَّى إلى ثوراتٍ شعبيةٍ في عدد من البلاد العربية يطالب أهلها بحريةٍ وكرامةٍ وعدالةٍ اجتماعيةٍ.

3- اختلال واعتلال للعلاقة بين الحاكم والمحكوم:

في ظلِّ تقييدٍ أمنيٍّ على الدعوة وحريتها، ومحاربة لرجالاتها ورموزها، وتعريض بالدعاة والعلماء في الإعلام، ووسائل التأثير، واضطهاد ظاهر للدعوات بتغييب رجالها في السجون والمعتقلات، ومنع كثيرٍ منهم من ممارسة حقه في التعليم، وواجبه في الإصلاح، كان لا بد للعلاقة بين الحاكم والمحكوم أن تختلَّ وتعتلَّ بعللٍ شتَّى.

وَبدلًا من أن تقوم العلاقة على المحبَّة والتقدير والتوقير، والنصيحة والنُّصرة، ونحوها في مقابل إقامة الدين، وتحكيم كتاب ربِّ العالمين، وتعظيم شريعة خاتم المرسلين، وإصلاح المجتمعات، والسير بسيرة العدل في الخَلق، وإقامة الجهاد، والأمر بالمعروف، والنهي عن المنكر، وكفاية الرعيَّة، بدلًا من ذلك قامت العلاقة على الاتهام والعداوة، والبغض والبراء، بل والخروج والمناجزة بالسلاح.

وهنا لا يصلح -بحالٍ- تجريد طرفٍ من أخطائه لحساب طرفٍ، وأهل الحكم والساسة هم المطالبون بواجباتهم؛ لأنهم أُجَراء لدى أممهم.

فمَنْ أدَّى واجبه نحو أُمَّته بتحكيم كتاب ربِّها، وسُنَّة نبيِّها، فقد جاء بالفرض الأعظم، والواجب الأكبر، وما بعده منه أيسر وأسهل، وتأكَّد بذلك حقه في السمع والطاعة، أمَّا من يحكم بالقوانين الوضعية؛ ليخدم مصالح أعداء الأُمَّة، وجاء بانقلاباتٍ عسكريةٍ؛ ليهدم إرادة المجتمع، وعاث في الأرض فسادًا، وفي الدماء تَخوُّضًا، فأنَّى للبلاد أن تستقرَّ وهذا حالها، وأنَّى للغلو أن ينزوي وقد مُهِّدت تربته، وأخصبت أرضه، ووُجدَت ذرائعه ودوافعه!

4- الانحلال الأخلاقي، والفساد الإعلامي:

حين ترعى الدولة المعاصرة الانحلال الأخلاقي، وتُروِّج للفساد التربوي والسلوكي، وتذبح العفاف على أعتاب ما يُسمَّى بدُور السينما، والمسارح والتلفاز، وتُروِّج للشهوات بالسماح للمواقع والفضائيات الإباحية من غير منعٍ، أو مصادرةٍ، وتعمل على تأجيج السعار الشهوانـي بطريقٍ مباشرٍ، أو غير مباشرٍ، فإن ذلك كله يدعو أهل الصلاح إلى الرفض والإنكار، ويفتح بابًا للحدة والشدة في إجراء الأحكام على مجتمعٍ يسمح بهذا، أو يستبيح تلك المعاصي الكبار، وتنتشر فيه مذاهب ضالَّة فكرية وأخلاقية، حيث يُحَارب العفاف والحجاب، ويستهتر بالاختلاط والمجون!

ومَن يطالع أدبيات مَن اتهموا بالغلو، سيجد تعريجًا صريحًا على تلك المنكرات الاجتماعية، ووَصْمها ومجتمعاتها بالجاهلية.

فإذا كانت تلك المنكرات لا ترعاها الدول، فقد هان الخطب، أمَّا أن تكون المنكرات برعايتها وحمايتها ودعمها، فهذا ممَّا يؤجِّج الغضب.

ومؤخرًا استعملت وسائل الإعلام الخاصَّة في حرب أهل الإسلام، وتشويه صورتهم، وتأليب العامَّة عليهم، فتحوَّلت من وسائل بناءٍ إلى هدمٍ، ومن أدوات توجيهٍ إلى تضليلٍ، وهي أشد وأنكى أثرًا في شهر رمضان دون غيره من شهور العام، ويالله العجب!

رابعًا: الأسباب المحلية والإقليمية:

في سوريا والعراق خاصَّة رأى بعض الشباب من أفعال تنظيمات الغلو ترياقًا ضد الشيعة وتجاوزاتهم الشنيعة ضد السُّنة، ولهذا اعتبر بعضهم هذا الذي بدأ في العراق، ثم الشام ثورة سُنيَّة ضد الشيعة الذين أعملوا القتل في السُّنة بشكلٍ لا مثيل له، ولهذا قال عددٌ من قيادات قبائل السُّنة في مطلع بروز تلك التنظيمات: إنها أفضل شيءٍ حدث للسُّنة منذ 2008م، وبعض الشباب القومي والبعثي التحق يأسًا من تنظيماتهم البالية، وهكذا تعدَّدت الأسباب المحلية والإقليمية للارتباط بالغلو.

 

وسائل وأدوات اختطاف الإسلام نحو الغلو

تتعدَّد الوسائل والطرائق والأدوات التي قد تفضي بفردٍ أو فئةٍ إلى الانحراف نحو الغلو والعنف، وربما تتداخل الوسائل بالأسباب أحيانًا، وربما تتضمَّن الوسائل أسبابًا تفضي إلى النتيجة المحذورة.

وأيًّا ما كان الأمر، فالمقصود الحذر والتنبُّه إلى خطورة الأسباب والبواعث مع الوسائل والأدوات التي تفضي إلى الانحراف والانجراف نحو الغلو العنيف.

ويمكن تقسيم الوسائل والأدوات إلى قسمين أساسيين: وسائل مباشرة، وأخرى غير مباشرة، وذلك على نحو ما يلي:

أولًا: الوسائل والأدوات المباشرة:

  • انتشار إرهاب الدولة، والإرهاب الدولي.
  • صناعة حركات وجماعات الغلو واستثمارها.
  • دورات التأهيل للغلوِّ والعنف.
  • السجون والمعتقلات.
  • الإعلام المُوجَّه والجديد.
  • تغييب العلماء، ودعاة الوسطية والاعتدال.

ثانيًا: الوسائل غير المباشرة:

  • تفشِّي داء الافتراق والتدابر في العمل الإسلامي.
  • ضغط الاستضعاف الذي تعيشه الأُمَّة.
  • رِدَّة الفعل على الصحوات.
  • الحرب على التديُّن ومظاهره.

وفيما يأتي التديُّن ومظاهره على كل عنصر من تلك العناصر، والوسائل المتهمة في اختطاف الإسلام نحو الغلو:

أولًا: الوسائل المباشرة:

  • انتشار إرهاب الدولة، والإرهاب الدولي:

لقد تولت الدولة المعاصرة في ديار الإسلام كبر الحرب على حريات الشعوب، والتضييق على المناشط الدعوية والسياسية التي لا تتناغم وتوجُّهات الدولة، وعبر عقودٍ بقيت السجون والمعتقلات زاخرةً بالسياسيين المعارضين، وبرجال العلم والدعوة والدين، وفي أثناء ما عُرِفَ بثورات الربيع، وما قبلها، وما بعدها، مارست الدولة في مصر وسوريا والعراق وليبيا واليمن وتونس وغيرها أنواعًا من الإرهاب والتخويف والبطش والتنكيل بالشعوب المتعطِّشة لحريتها وكرامتها، وقلَّصت هوامش الحريات، وأنهكت وانتهكت وأضعفت الشعوب عبر سلسلةٍ من الضغوط الأمنية والسياسية الشديدة ليس آخرها القتل والاغتيال خارج نطاق القانون.

ولقد طال إرهاب الدولة الرجالَ والنساءَ والشبابَ والأطفالَ على حدٍّ سواء، وتناولتهم محاكمات هزلية بأحكام جائرة، فَقَدَ معها القضاء احترامه، وتنازل فيه عن حِياديَّته.

وما من شكٍّ أن هذا المناخ الداخلي قد آذن بنشوء حركات غلوٍّ وعنفٍ وتطرفٍ تُمثِّل ردَّ فعل للإرهاب الذي مارسته الدولة بأجهزتها المختلفة، بدءًا من المؤسسة الأمنيَّة والعسكريَّة، مرورًا بالمؤسسة الإعلامية، وإنهاءً بالقضائية.

ومن غير شكٍّ فإن وجود وإيجاد حركات ومجموعات العنف المضاد هو بحد ذاته هدف مباشر للدولة التي رضيت بالدخول في معركةٍ ضد شعبها، أو على الأقل ضد بعض أبناء شعبها.

أمَّا الإرهاب الدولي، فحدِّث عن انتشاره، ولا حرج، ولذا كان المسلمون ينظرون إلى الإرهاب على أنه عدوانٌ يمارسه فردٌ، أو جماعةٌ،  أو دولةٌ، بغيًا على الإنسان في دينه أو دمه أو عقله أو غرضه بغير حقٍّ([10])، فإنما هو ابنٌ شرعيٌّ في الجملة لتلك الحضارة التي مارسته عَبْر تاريخ ضارب في شعاب الذروة، وحتى وقت الناس هذا.

وإذا كان الإرهاب اليوم غربيًّا محضًا إلا نزرًا يسيرًا يمكن إدراجه من خارج المنظومة الغربية، وذلك طلبًا لغاية الإنصاف، فإن هذا الإرهاب الدولي الذي يمارسه أرباب النظام العالمي يمثل سببًا مباشرًا في كسر هيبة هذا النظام العالمي، ويقضي عليه نهائيًّا.

وهذا بشهادة منصفي الغرب من مُفكِّريه وكُتَّابه السياسيين.

يقول المفكر الأمريكي نعوم تشومسكي: «الواقع أن قيادة الولايات المتحدة الحالية متطرفة في هذا السياق، ولكن الأمريكيين ملتزمون بصراحةٍ ووضوح باستخدام العنف للسيطرة على العالم، وهم يقولون ذلك علنًا»([11])، فأيُّ إرهاب أكبر من هذا؟! وأي امتهانٍ لما يُسمَّى بالشرعية الدولية أعنفُ من هذا؟!

ثم يقول: «ويجب أن نعي أن قسمًا كبيرًا من العالم يَعتبر نظام حكم واشنطن إرهابيًّا، ففي السنوات الأخيرة قامت الولايات المتحدة بأعمالٍ، أو دعمت أعمالًا في كولومبيا، ونيكاراغوا، وبنما، والسودان، وتركيا، وهذه أمثلة قليلة فقط تنطبق عليها التعريفات الأمريكية للإرهاب، وذلك عندما يُطبِّق الأمريكيون المصطلح على الأعداء».

ثم يتابع قائلًا: «في أكثر نشرات المؤسسات الرسمية رزانة «فورين أفيرز» كتب «صموئيل هنتنجتون» يقول: بينما تُندِّد الولايات المتحدة بانتظامٍ ببلدانٍ متنوعةٍ «كدولٍ مارقةٍ»، فإنها صارت تعتبر في أعين بلدان كثيرة الدولة العظمى المارقة، والتهديد الخارجي الأعظم لمجتمعاتها»([12]).

وتاريخ الأداء الغربي والأمريكي خاصةً في نحو قرنٍ ونصفٍ من التأجيج والإذكاء المستمر للعدوان باستعمال القوة العسكرية الغاشمة ينتهي إلى تأكيد عدوانية تُهدِّد بقاء العالم في النهاية.

وهذا استعراضٌ مُركَّزٌ وسريعٌ لتلك الأعمال التي قامت بها أمريكا، والتي لا تخرج عن مُسمَّى الإرهاب، وتندرج تحت أي تعريفٍ يعتمدونه له.

– في عام 1833م قامت القوات الأمريكية بغزو (نيكاراغوا).

– وفي عام 1835م دخلت هذه القوات إلى (بيرو).

– وفي عام 1846م احتلت القوات الأمريكية أرضًا طالبت بها المكسيك، وهي ما تعرف الآن بولاية (تكساس)؛ وبهذا أُثيرَت الحرب المكسيكية، وفي أعقاب انتصار سنة 1848م ضمت الولايات المتحدة تلك الأرض بالإضافة إلى (كاليفورنيا) و(نيومكسيكو).

وبعد ذلك بعام غزت القوات الأمريكية أورغواي، ثم قامت بغزو قناة (بنما).

– وفي عام 1857م تدخلت القوات الأمريكية في (نيكاراغوا)؛ لإفشال محاولات (وليم روكز)، وهو مغامرٌ من (تنيسي) حاول تولِّي السلطة في (نيكاراغوا).

– قامت القوات الأمريكية بغزو كولومبيا عام 1873م بعدة إنزالات عسكرية تتابعت في الأعوام 1885م و1889م و1893م و1898م و1899م.

– وفي عام 1888م تدخَّلت القوات الأمريكية في (هاييتي).

– وفي عام 1890م تدخلت قوات أرضية، فقتلت 300 هندي، (الأكوتاس) في (واندو ودني).

– وفي العام نفسه تدخلت القوات الأرضية في الأرجنتين لحماية مصالح في (بيونس ايرس) العاصمة.

– وفي عام 1891م تدخلت في تشيلي بمواجهة بين البحرية والمتمردين المحليين، وفي العام نفسه تدخلت لقمع ثورة العمال السود في جزيرة (ناقاسا).

– وفي عام 1893م تدخلت القوات البحرية والأرضية في (هاواي) لضم المملكة المستقلة إلى الولايات المتحدة.

– وفي عام 1894م تدخلت القوات الأمريكية مرة أخرى في نيكاراغوا، واحتلت (بلوفيد) لمدة شهرٍ.

– وفي عامي 1894م و1895م، تدخلت في الصين، وكوريا، وبنما بعمليات برية وبحرية.

– في عام 1896م تدخلت في (نيكاراغوا) ودخلت قوات المارينز مرفأ (كورينتو).

– وفي عام 1898م كانت الحرب الأمريكية الإسبانية، حيث افتعلت الولايات المتحدة حادثة كوبا، وقد حاصر على أثرها الأسطول الأمريكي الموانئ الكوبية، بينما قام الجيش والمتطوعون بما فيهم من رجال (تيودور روزفلت) بسحق القوات الإسبانية على الشواطئ، وفي العام نفسه تدخلت في الصين، والفلبين، وواجهت هنود الشيبواس في (بيروتا)، وتدخَّلت في (نيكاراغوا)، وفي (غوام) التي لا تزال قاعدةً عسكريةً لها.

وبعد ثلاثة أعوام جعلت الولايات المتحدة من كوبا وكرًا أمريكيًّا للقمار كما ضمنت الحق في قاعدةٍ بحريةٍ في خليج جوانتانامو، وما زالت تحتفظ بها.

– وفي عامي 1901، 1902م، تدخلت القوات الأمريكية في كولومبيا.

– وفي عام 1904م، تدخَّلت في كوبا، وفي جمهورية الدومينيك.

– وفي عام 1906م، تدخلت القوات الأمريكية، واستولت على ست مدنٍ في (هندوراس)، وفي العام نفسه تدخلت في كوبا.

– وفي أعوام 1907م- 1912م، تدخلت في (هندوراس)، وفي (نيكاراغوا)، وفي بنما، وفي الصين، وفي كوبا.

– وفي عام 1914م، دخل المارينز الأمريكيون (هاييتي) في عملية إنزال، حيث سرقوا البنك المركزي استردادًا لأحد الديون.

– وبعد سنةٍ واحدةٍ (أي: في عام 1915م) دخلت القوات الأمريكية (هاييتي)، واحتلت البلاد حتى عام 1934م.

– وفي عام 1914م، أمر الرئيس (ولسون) القوات البحرية بقصف واحتلال (فيركروز).

– وفي عام 1916م، وبعد غارات مكسيكية على الأراضي الأمريكية، أُرسِلت قوة بقيادة (بير شنغ) حيث دخلت المكسيك لمطاردة زعيم الثوار (بانكوفيلا).

– وفي عام 1916م، تدفقت القوات الأمريكية إلى الدومينكيان لتهزم الثوار، وتسيطر على البلاد بحكومةٍ عسكريةٍ حتى عام 1924م.

– وفي عام 1932م، تدخلت القوات الأمريكية في السلفادور بمساعدة السفن الكندية.

– وفي عام 1961م، غزت أمريكا خليج الخنازير في كوبا بواسطة جيش من المبعدين الذين تبنَّتهم، وانتهى هذا الغزو إلى الفشل.

– وفي عام 1962م، فرض الرئيس كينيدي حصارًا جويًّا وبحريًّا على كوبا لإجبار السوفيت على إبعاد صواريخهم الذرية من الجزيرة، وفي هذا العام أيضًا تدخَّلت أمريكا في جامايكا، حيث استقرت شركة (ليل) و(تيت)، و(بونتد نروت).

– وفي عام 1965م، حصل التدخل في جمهورية الدومينيكان.

– وفي عام 1967م، ساعدت المخابرات المركزية الأمريكية (سي. آي. إيه) عسكر بوليفيا على (جيفارا) في بوليفيا.

وفي هذه الأثناء وقعت التدخُّلات الأمريكية في فيتنام وكوريا، وفي عام 1967م، أَمدَّت الولايات المتحدة الأمريكية إسرائيل بالمال والعتاد والأسلحة، ونتج عن ذلك هزيمتها للعرب في نكبة حزيران عام 1967م.

– وفي عام 1973م، وقفت الولايات المتحدة عن طريق وزير خارجيَّتها هنري كيسنجر إلى جانب الصهاينة في حرب 10 رمضان.

– واعتبارًا من تولِّي الرئيس ريجان للسلطة عام 1980م، وهي ترسل المساعدات لمستشارين وعملاء (السي. آي. إيه) إلى مختلف بلاد العالم.

– وفي عامي 1981م، و1982م، بدأت أمريكا بتعزيز أساطيلها العسكرية في الخليج، ونشر الصواريخ في أوروبا.

– وفي عام 1983م، تدخَّلت القوات الأمريكية في لبنان بدعوى حفظ السلام، وغزت (جرينادا) في أمريكا اللاتينية، وهندوراس.

– وفي عام 1984م، تدخَّلت في إيران بإسقاط طائرتين إيرانيتين في الخليج.

– وفي عام 1986م، و1989م، قصفت القوات البحرية والجوية ليبيا.

– وفي عام 1990م، تدخَّلت في ليبيريا، والعراق.

– ومن التدخُّل في القارة الإفريقية ما جرى في الصومال عام 1992م، وفي غيرها من مناطق العالم مثل: يوغوسلافيا.

– وفي عام 1994م، تدخَّلت في (هاييتي)، وضربت حصارًا على الحكومة.

– وفي عام 1995م، تدخلت في كرواتيا.

– وفي عامي 1996م، و1997م، تدخلت في زائير، وفي ليبيريا.

– وفي عام 1997م، في ألبانيا، وفي السودان، وفي أفغانستان، وفي العراق.

– وفي عام 1999م، قصفت يوغوسلافيا.

– وفي عام 2001م، في مقدونيا، وفي أفغانستان.

– ثم احتلال العراق، وارتكاب أفظع جرائم الحرب الدولية بحق المدنيين والعزل والأسرى على حدٍّ سواء([13]).

– أما تفصيل ما جرى في العراق وأفغانستان من ذلك الحين عام 2001م، إلى عام 2019م، فيضيق عن وَصْفه المقام.

– ثمَّ ما يجري اليوم باليمن وسوريا والعراق وليبيا من مجازر دموية كلُّ الدنيا تشهد عليه برغم الدَّجل الإعلامي الذي لا نظير له، مما يعتبر تصفية حساب مع أهل السُّنة نتيجة الهزيمة المذلَّة للقوات الأمريكية في العراق بعد أحداث الحادي عشر من سبتمبر، وما أعقبها من حروب.

وهو إرهابٌ تشترك فيه دول الغرب مجتمعةً ومنفردةً عَبْر تحالفاتٍ دوليةٍ وبدونها.

وهو إرهابٌ ضاربٌ في شعاب الماضي والحاضر، ومستكنٌّ في النفسية الدموية العنيفة في المستقبل.

والغرب نفسه -وأمريكا في القلب منه- تتعرَّض لهذا الإرهاب داخليًّا، وما حوادث المذبحة والتفجيرات في مركز أوكلاهوما الفيدرالي التجاري عام (1995م) عن الأذهان ببعيدٍ، وقد قتل فيها (168) شخصًا، ووُجِّهت التهمة فورًا إلى المسلمين، ثم تبيَّن الأمر من قريبٍ، فاتُّهم فيها «تومني مكافي» الأمريكي المتطرف، ولم يسمح لأحدٍ وقتها أن يَصِمَ المسيحية أو اليهودية بتطرفٍ، أو يوجه إليهما نقدًا، أما في حال لو كان الفاعل مسلمًا، فلا مانع من تدمير بلادٍ بأَسْرها، وإعلان الحرب على دينها وثرواتها.

وأما فيما يتعلَّق بالمواثيق الدولية، وانتهاك القوانين الدولية بلا حسيب، ولا رقيب، ولا تعقيب، فقد كتب عنه «ريتشارد دوبوف» مقالًا قبل نحو عشرين سنةً بعنوان: «المواثيق الدولية عندما تدوسها أمريكا» نقتطف منه فقرات تتعلق بموقف أمريكا من الاتفاقات الدولية في سنةٍ واحدةٍ.

– ففي 2001م، انسحبت أمريكا من اتفاقية 1972م، للحد من الصواريخ الباليستية، وفي 2001م، أعلن «جون بولتون» مساعد وزير الخارجية الأمريكي أن بروتوكول تعزيز ميثاق الأسلحة البيولوجية والسُّمية قد مات.

– وفي عام 2001م، كانت أمريكا هي الدولة الأولى التي عارضت اتفاقية الأمم المتحدة للحدِّ من تداول الأسلحة الصغيرة في العالم لمناقشة قضايا تتعلق بالتجسُّس الاقتصادي، والرقابة الإلكترونية على المكالمات الهاتفية، ورسائل البريد الإلكتروني، ورسائل الفاكس.

– وفي عام 2001م، رفضت أمريكا المشاركة في مؤتمر منظمة التنمية والتعاون الاقتصادي الذي انعقد بباريس لبحث سبل محاربة ممارسات غسيل الأموال، والتهرُّب الضريبي.

– وفي عام 2001م، انسحبت أمريكا من المؤتمر الدولي حول العنصرية الذي شاركت فيه وفود حكومية من 163 بلدًا بجنوب إفريقيا.

– وفي عام 2001م، أجازت الجمعية العامة للأمم المتحدة قرارًا يدعو للمرة العاشرة على التوالي لإنهاء الحظر الذي تفرضه أمريكا على كوبا، وصوتت لصالحه 176 دولة، وعارضت أمريكا وإسرائيل وجزر مارشال.

هذه تصرفات الدولة العظمى في سنةٍ واحدةٍ ضد مواثيق ومؤتمرات وبرامج الأمم المتحدة.

وفيما يتعلق بملف المهاجرين واللاجئين، فبعد الهولوكوست الذي جرى لمسلمي البوسنة والهرسك بداية التسعينيات، وجريان الدماء أنهارًا في سوريا والعراق، منع رئيس أمريكا سكان سَبْع دول إسلامية من دخول أمريكا، ولم يجرؤ أن يعترض أحدٌ إلا بعض الغرب.

إن الذي جرى في العراق وسوريا وليبيا واليمن لَمُفْزع جدًّا، إنهم يقتلونهم بحمم الطائرات وقذائف النار، فإذا فرَّ الناس إلى بلاد الغرب هجرةً ولجوءًا ليأمنوا، أُوصدت دونهم الأبواب، ولقي الآلاف مصرعهم في لجج البحار عبر موجات هجرة تمنع شريعة الظلم قبولها؛ إذ على الناس أن يبقوا تحت نار القتل بالبراميل، وقذائف الطائرات الغربية.

لقد فقد اليمين المسيحي لغة السياسة، ودهاء خطاب المستعمرين، وأصبحت السياسة العليا شعبية معلنة، إنه زمن الحمقى! أو الذين لا يقفون وراء لغة حذق أو نفاق.

إن الحرب المستمرة على العالم الثالث والشرق الأوسط خاصة ضرورية للقهر وتطوير السلاح وتجربته، ولبقاء المصانع ودورة رأس المال، والتنافس عندهم، واستتباع الأتباع في كل مكانٍ، والعالم الإسلامي ما زال مُصِرًّا على سلوك وخطاب السلم والأمن([14]).

وتلك التصرُّفات العدوانية المتعجرفة لا يسمح بنقدها رسميًّا، ولا يسوغ أن تناقش دوافعها الاستعمارية، أو حتى تسميتها بأسمائها الحقيقية، فالمقاومة المشروعة إرهاب، وتدمير البنية التحتية للعراق وسوريا تحرير!

وهكذا يترافق مع العدوان العسكري عدوان فكري ثقافي، بل عدوان لغوي بقلب معاني المصطلحات، وهذا فعل متكرر عبر تاريخ المنظومة العالمية!

قالت إيطاليا: إنها ذاهبة لتحرير ليبيا من الأتراك. وقالت فرنسا: إنها ذاهبة للجزائر لتحريرها من الاستعمار التركي.

وقالت أيضًا: إنها ذاهبة لدمشق لإخراج الجيش الحجازي الغازي!

وقالت أمريكا: إنها ذاهبة لتحرير الشيعة من السُّنة، والأكراد من العرب في العراق، ونسوا أن المسلم هو ابن أمته في كل ربوعها!

ومن عجب أن تتفق شروط غورو على الجيش العربي في سوريا مع شروط بول بريمر الحاكم الأمريكي في العراق (2003م) مع أن بينهما مائة عام تقريبًا.

ثم تحالفوا جميعًا لتحرير سوريا من الإرهاب، وتقديمها إلى النظام النصيري الوكيل الحصري للنظام العالمي في سوريا!

وصار المقاومون للظلم والاحتلال إرهابيين بعد أن كانت تسميتهم ثوارًا مقاومين!

وفي هذا السياق لابد من ذِكْرِ شهادات علماء غربيين على هذا الإرهاب المنظم في تاريخه الماضي، وفي واقعه المعاصر.

وإذا كان أكبر مستشرقي الغرب المعاصرين وأكثرهم تطرفًا في مواقفه لم يستطع أن يتستَّر على هذا الإرهاب، فماذا عسى الآخرون أن يقولوا؟!

يقول برنارد لويس: «… غير أن شعوب الشرق الأوسط غير مخطئة في رفضها اعتبار أمريكا شيئًا مختلفًا عن أوروبا، وغير ملطخة بماضي أوروبا، فأمريكا هي جزء من الرومان والجرمان، بروتستانت وكاثوليك المسيحية الغربية التي تمثل الغرب التاريخي، والتي كانت لألف سنة عدوًّا للممالك الإسلامية، ومصدرًا للتأثير الجامح الذي هزَّ العالم الإسلامي في الأزمنة الحديثة، فأمريكا الآن هي زعيمة هذا الغرب، ولا يمكنها التنصُّل منه، فهي متصلةٌ به اتصالها بلغتها وثقافتها ودينها ومؤسساتها» ([15]).

ويقول رئيس بلدية «كليفلند» الأمريكية متهمًا ومتهكمًا: «إذا لم نكن واعين، فسيذكرنا التاريخ على أساس أننا الجيل الذي رفع إنسانًا إلى القمر بينما هو غائص إلى ركبتيه في الأوحال والقاذورات»([16]).

ومع الإقرار بوجود أصوات غربية متعقِّلة إلا أن التوجُّه الرسمي يعلن استراتيجيته بوضوحٍ، ففي يونيو 2002م خرج بوش الابن ليعلن مبادئ استراتيجيته الجديدة للأمن القومي الأمريكي في خمس نقاطٍ محددةٍ:

أولًا: سوف تبذل أمريكا ما في وسعها للحفاظ على تفوقها عسكريًّا.

ثانيًا: تحتفظ لنفسها بحق ممارسة الفعل العسكري الوقائي.

ثالثًا: العلاقات الدولية هي علاقات قوة، وليست علاقات قانون.

رابعًا: أمريكا في وضع يؤهلها لفرض رؤيتها ومصالحها وقيمها على العالم بأسره!

خامسًا: بما أن إدارة «كلينتون» و«بوش» الأب لم تنجح في الاستفادة الكاملة من القوة الصلبة، فإنَّ على أمريكا «بوش» أن تؤكد تفوقها في العالم([17])، ورفعت أمريكا شعار: «من لم يكن معنا فهو ضدنا، ومع الإرهاب»، وبعد اعتماد تلك الاستراتيجية هل انحسر ما يسمى بالإرهاب؟! سواء ما تمارسه أمريكا ضد العالم أو ما يمارسه خصومها في بلاد كثيرة، وهل المستقبل يعطي مؤشرات متفائلة؟

لا أحد يقول اليوم: إن أمريكا بعد حربها على أفغانستان ومُضِي نحو ثمانية عشر عامًا أنها انتصرت بقوتها الصلبة، بل الثابت اليوم أنها تتفاوض مع طالبان بما يحفظ ماء الوجه!

كما أنه لا أحد يقول: إنه بقمع الثورات السورية والمصرية واليمنية والليبية في الشرق عسكريًّا، قد استقرَّت الأمور، بل إن رواق السخط الشعبي يمتدُّ اليوم إلى الجزائر أيضًا، وما تزال أمريكا تعاني ويُعَانى منها في فنزويلا إلى اللحظة الراهنة في عام 2019م.

وما تزال التدخُّلات الإيرانية في المنطقة وما يمثِّله هذا من هاجس قائمًا.

أما ما يقع على الجانب الفلسطيني من إرهابٍ وقتلٍ يوميٍّ وهدمٍ للبيوت وإبعادٍ وتهديدٍ للمسجد الأقصى وتهويدٍ، فإن نقل السفارة الأمريكية إلى القدس مما يؤجِّجه ويزيده اشتعالًا!

أفبعد كل هذا الإرهاب الدولي المنظم توجه للعالم الإسلامي تهمة الإرهاب؟! لمجرد أن بعض شبابه تحمسوا، أو عن أنفسهم دافعوا، أو يصد العدوان على بلادهم وأعراضهم ومقدساتهم استعدوا!

وإذا قدر وجود غلوٍّ بين بعض الفئات والشباب فما هي مسئولية إرهاب الدولة والإرهاب الدولي عن ذلك الانحراف؟!

  • صناعة حركات وجماعات الغلو واستثمارها:

إن تيار أهل السُّنة والجماعة هو الإسلام السُّني المقاوم لكل صور الهيمنة الغربية والحملات الاستعمارية عبر التاريخ وفي الواقع وقد حاول الغرب عبر القوة الناعمة والخشنة أن يحدث انحرافًا في بوصلة الفكر السُّني وممارساته العملية، ففشل مرةً بعد أخرى!

ولقد حاول تبني تيارات عقلانية، وإسلام حداثي، وأنماط عملية اصلاحية دعوية وغير دعوية عبر تجديد الخطاب الديني، وصناعة رموز دعوية جديدة عبر الدعاة الجدد، ولكن لم تؤت ثمارًا مرجوة، ذلك أن أمة أهل السُّنة أمة نقادة لا تروج في سوقها العملات المزيفة، ولا الدعوات المستأنسة استعماريًا!

وكان من أفتك أسلحة المحاربين للإسلام السُّني المقاوم فكريًّا وعمليًّا ما تفتقت عنه أذهان الشيطان بصناعة حركات وجماعات من الغلاة تكون مهمتهم الأولى الحرب على جماعات الحركات الإسلامية المعاصرة والتي عرفت باعتدالها الفكري والعملي ومقاومتها للتغريب والاستعمار، فعلى المستوى العلمي الدعوي جرى إنشاء ذراع دعوي سلفي يمثل غلوًّا سلفيًّا في ولاة الأمر، وجفاءً شديدًا في حق أهل العلم والدعوة!

بحيث ترتفع أصواتهم بقضايا سلفية متفق عليها ولا تمثل قلقًا لبيئتهم التي فيها نشأوا، ثم يكرُّون -بعد تعلقهم ببعض الرموز العلمية بشكل مصطنع- على كل عالم وداعية يأمر بمعروف أو ينهى عن منكر، أو يعمل بعيدًا عن إطار حكومي يسيطر على حرية الكلمة في فمه، ويكبل قدرته على نصرة دينه وأمته، فيوسعون العلماء قدحًا وجرحًا لأتفه الأسباب، ويرمونهم بتهم غائمة هائمة لأولى ملابسة، ويكفي لديهم أنه لا يثنى على منهجهم أو لا يسلك في الذم الذي صنعوا له – مسلكهم!

فمثلوا غلوًّا سلفيًّا في الجوانب النظرية والفكرية ثم مثلوا إرجاء عقديًا في الجوانب المتعلقة بالعلمانية واقتصروا على إنكار منكرات القبور دون منكرات القصور!

ثم نسبوا الدعوات كافة سلفيَّها وإخوانيها وتبليغيها وجهاديها إلى البدعة المغلظة بالخروج (الخوارج)، وتمحَّلوا في ذلك بكل سبيل!

ومازالوا ردءًا لكل مبطل بقولهم وتحريضهم حتى حملوا السلاح في ليبيا على إخوانهم الدعاة من كل اتِّجاه، فقتلوهم وقاتلوهم مع الخارجين عن كل شريعةٍ وشرعيةٍ! بل مع النصارى والعلمانية من كل ملة.

ومن ذلك وقع في اليمن وهم متهيئون لمثل ذلك في مواقع عدة إذا اقتضى الأمر، لكن اللافت للنظر أنهم له قيادة وولي أمر يرجعون إليه في العالم بأسره، ويأتمرون بأمره ولو خالف ولي الأمر في البلد التي فيها يعيشون وفي كنفها يتحركون!

فإن وقع خلاف بين ولي أمر بلادهم التي يعيشون فيها وولي الأمر الذي له يدينون بالولاء، صاروا حربًا وإلبًا على ولي أمر بلادهم؛ إن سرًّا، أو سرًّا وعلانيةً، فيالله العجب!

وعليه، فإن هذا التيار الذي تردَّى بالرداء العلمي، وتبنَّى الفكر الغالي بصناعة مخابراتية تحول إلى العنف والقتال في جبهات بعد العنف في إجراء الأحكام باستباحة الدماء وتبديع المخالف!

وهكذا كان الهدف الأساسي القضاء على التيار السلفي العلمي المقاوم وعلى صعيد الجماعات الجهادية والقتالية فقد قررت أجهزة أمنية متعددة بعد اختراقها لعدد من تلك المجموعات الجهادية التي شاب معتنقوها وحركتها الجهادية شائبة غلو أن تصنع صنيعة تقوم على تبني الغلو في الأحكام النظرية على المكلفين، وفي السعي العملي في ساحات الجهاد، لينتهي الأمر بجهاديها إلى ترك عباد الأوثان، وتكفير أهل الإيمان ومن ثم قتالهم وعلى الأخص التيار الجهادي الأصيل والأقل عنفًا وغلوًّا وانحرافًا عن ذلك التيار المصنوع، بل لا مقارنة في هذا السبيل.

وانطلق الأمر من ولاءٍ لما يسمى بقاعدة الجهاد وعمل داخل عباءته ليتحول بعدها إلى استقلال في العراق، ثم ليمتد إلى الشام، ثم لتعلن خلافة عامة، ثم يعتبر كل من عداهم على وجه الأرض قد خرج عنهم، وحل دمه بهذا وأول من يقاتل على هذا هو تلك الفصائل السلفية والجهادية على أرض سوريا، الأمر الذي انتهى بتقويض الجهاد هناك لحساب النصيرية والتحالف الدولي بقيادته النصرانية!

وارتكب في الحرب على المجاهدين والمقاومين من شركاء الساحة من المخازي والمآثم واستبيح من المحرمات ما يندى له جبين كل مسلم!

وانتقل الأمر من الشام إلى العراق حتى قرت أعين الاستعمار بالقضاء على المقاومة السلفية في كل مدن العراق التي استعصت على الأمريكان في حربهم الأخرى على العراق، وسقطت الموصل والفلوجة والرمادي وغيرها من معاقل السُّنة، ليتسلَّمها الشيعة خرابًا بعد عمران.

وتحقق للغلاة الذين تدثروا بعباءة الخلافة والجهاد لإخوانهم بزعم ردتهم تارة وبأنهم صحوات تارة أخرى ما لم يتحقق للأمريكان وتحالفهم على العراق بعد الحادي عشر من سبتمبر وسقوط نظام صدام!

ثم لما تحقَّقت أهداف الأجهزة المخابراتية بالقضاء على جيوب المقاومة السنية في العراق والشام كان استهداف الغلاة سهلًا ميسورًا، وتعقبهم أمرًا مقدورًا من أجل اختراقهم سابقًا، وانكشاف ظهورهم لاحقًا بعد أن تولوا إفشال غيرهم بزعم «أنه بإعلان الخلافة صار واجبًا على جميع المسلمين مبايعة ونصرة الخليفة حفظه الله».

وتبطل مشرعية جميع الإمارات والجماعات والولايات والتنظيمات التي يتمدد إليها سلطانه، ويصلها جنده!([18])، وهكذا زعموا انتهاء مشروعية كل فصيل سواهم على الأقل في العراق والشام.

ولقد ارتكب باسم الجهاد والخلافة من الفظائع والشنائع التي سوَّقها الإعلام على أنها أنموذج مبسط لحكم الإسلام القادم لو حكم!

ما جعل الغرب والشرق معًا – يفعل تلك الأعمال وما أضافته إليها آلة الدجل الإعلامية من إضافات – يتخذ من تلك الفكرة والممارسة، ويلصقان بالشرق والإسلام نقيصة الهمجية وخطيئة العدوان ورذيلة التعطش للدماء!

أما التنابذ بالتهم الرزايا فقد اشترك الجميع فيها مستنفذين حصيلة القواميس في ألوان البلايا الخاصة بالغلو والتطرف وإنتاج سبيل الخوارج في مقابل التمييع والإرجاء والخذلان والخيانة وغيرها من كل طرف للآخر!

  • دورات التأهيل للغلو والعنف:

بشكل عام فإن تنظيم الدولة الإسلامية بشكل خاص انقسم إلى ثلاثة أقسام، قيادة عليا وهؤلاء عدد محدود جدًّا ويملكون القرار السيادي والعسكري والاستخباراتي والمالي والعلاقات الخارجية، ولم يعرف منهم إلا أبو بكر البغدادي بشكل علني وأبو محمد العدناني والبقية غير معلومين بشكل دقيق، وحولهم تدور كثير من الشبهات في الصلات والعلاقات.

والقسم الثاني هو: القيادات الوسطية من ميدانيين وشرعيين وهؤلاء لا يبلغون 5% من حجم هذا التنظيم، وعندهم القرار التنفيذي والتدريب والتثقيف والتعليم وغير ذلك من مهام عملية إعلامية.

والقسم الثالث وهو: القاعدة الشبابية وهؤلاء يمثلون نحو 95% من هذا التنظيم، ممن داعبتهم أحلام العزة وراودتهم طموحات التحرر والكرامة، وكثير منهم لم يتمكن منهم فكر الغلو قبل الالتحاق والانضمام والتجنيد.

وهؤلاء هم القوة الضاربة والذراع العملية لمثل هذه التنظيمات، وهم الذين ارتكبوا أعمال التفجير والقتل البشع تحريقًا وتغريقًا وقطعًا للرؤوس وغير ذلك.

وهؤلاء لا يتحولون من مجرد عامة وشباب لا يحمل سوى أشواق الجهاد وحب الاستشهاد إلى متفجرات انتحارية وآلات للذبح إلا بعد مرحلة من التأهيل والتأصيل الفكري والشرعي لكل ما يتعلق بفكر الغلو في الحكم على الناس وما يتطرق إليه ويترتب عليه من استباحة الدماء، وقتال أهل الإسلام قبل غيرهم!

والذين يتولون هذا التحويل الفكري نحو الغلو من يسمون بالشرعيين، الذين يعلمون هؤلاء الشباب من خلال دورات مكثفة ما يستندون إليه من حجج وتأصيلات في ممارسة أعمالهم القتالية، وما يسوغون به ما يستنكره العامة والخاصة عليهم. بدءًا من استقلال فئة من المسلمين بإعلان الخلافة مرورًا بالحكم على الناس، وأهل المخالفات، وما يتعلق بأحكام القتال والجهاد، والموقف من المخالفين من فصائل الجهاد الأخرى، وكيف ساغ استباحة دماء الجميع.

وعليه، فإن هؤلاء الشرعيين الذين يرجعون إلى بلاد عدّة كمصر والسعودية والأردن والعراق وغيرها، ويعودون إلى توجيهات مختلفة، فمنهم من كان في بلده محبوسًا في قضايا تنظيمات التكفير والهجرة كبعض المصريين، ومنهم من كان من الجهاديين، ومنهم من كان من طلبة العلم الذين انحرفت بهم السبيل، ومنهم دون ذلك، ولكنهم أصبحوا متابعين وموافقين، وربما غير قادرين على الاعتراض على بعض ما ينكرون.

واللافت للنظر أن بعض أولئك كانوا معتقلين قبيل انطلاق التنظيم فأطلق سراحهم ونصحوا بالتوجه للعراق، وبعضهم أوصل للحدود!

وقد استعمل في تلك التهيئة عدد من الأفلام التسجيلية والإعلامية الدعائية، وعدد من أفلام تصوير العمليات التي يقومون بها، وعدد آخر من الأناشيد الحماسية، وهذه الأدوات المهمة استهوت الشباب المستفز المستضعف الذي يشعر بالإهانة والمهانة في بلاده، ومن حكوماته.

وكان لتلك الأفلام التي أخرجت بعناية فائقة، حتى أصبحت تشبه بأفلام الرعب التي تنتجها هوليود ذلك الأثر الهائل في نفوس الشباب العربي والغربي على حد سواء([19]).

فإذا اجتمعت آيات وأحاديث وأناشيد وأفلام تسجل أحداث القتال مع تحليلات شرعية ونقول عن علماء معتبرين تتعلق بأحكام عقدية وعملية وألقيت من أناس يصفونهم بالعلم على شباب غرٍّ خاوي الوفاض مع علم أو فقه تجربة فإن التصديق الكامل أو الإذعان المطلق والقبول لكل ما يقال والاستعداد بعد ذلك للبذل والعطاء هو حصيلة هذا التأهيل.

وأخيرًا، فإنه ليس بالضرورة أن يتحول كل واحد حمل هذا الفكر إلى القتال، بل منهم بالقطع من تولى مسئوليات مدنية في وظائف تتعلق بالتعليم والصحة والتجارة وغيرها.

4- السجون والمعتقلات مصانع للغلو والعنف:

في غيابة السجون تتضافر عوامل من القهر والوحدة والشكاية علاوة على الفراغ، وقابلية الاستقطاب والتأثير بأدنى رعاية نفسية أو مادية، والذين يحشرون داخل تلك الزنازين المظلمة تجمعهم مظالم تربط بينهم برباط نفسي ما، فإذا وجد بينهم من يحمل فكرة العنف أو الغلو فإنه يسهل عليه جدًّا أن يسوقها ويروجها في هذا المناخ!

بل كل صاحب دعوة يجد في السجن آذانًا مصغية ﴿ يَا صَاحِبَيِ السِّجْنِ أَأَرْبَابٌ مُتَفَرِّقُونَ خَيْرٌ أَمِ اللَّهُ الْوَاحِدُ الْقَهَّارُ ﴾ [يوسف:39].

وكما أن الدعوة إلى الله تلقى في السجون قبولًا وتحصد أتباعًا، فكما أن ممن دخل تلك السجون اهتدى فيها إلى الله، وحافظ على الصلاة، وحفظ كتاب الله، فكذلك بعض هؤلاء أصاغ سمعه لمن جنده وضمه لفريق الغلاة!

وربما تكون هواية السجين الجنائي غير المتدين على يد السجين السياسي المنتسب للغلو أو العنف فيدخل باب الهداية من طريق الغلو أو التطرف.

وبخصوص غلاة الجهاد فإن مجموعات من هؤلاء المنتسبين لتنظيمات الغلو إنما انتموا من خلال علاقات السجون، وقد عرف هذا في السجون العراقية والسورية بكثرة، كما عرف في السجون المصرية والليبية أيضًا.

ولا يغيب عن الذاكرة أن البغدادي وعددًا من قيادات تنظيمه فيما بعد كانوا في سجون العراق كما كان شكري مصطفى في سجون مصر، وكذا كان أبو محمد الجولاني في سجون سوريا، وتعود نسبة كبيرة من أتباعه فيما بعد إلى سجن صدنايا بسوريا، وكانوا قد مثلوا نسبة 60% من مقاتلي سوريا في فترةٍ ما، وكثير من هؤلاء خرج بعفو رئاسي في عام 2011م!

وهذا بمجرده يلقى بظلال من الشكوك حول ضلةع تلك المخابرات في العراق وسوريا وغيرها في صناعة الغلة بإطلاق قياداته.

ولقد أكد أثر السجون في إيجاد التطرف قائد معسكر بوكا الذي سجن فيه البغدادي بالعراق حيث قال: إن سجن بي ألفا في معسكر بوكا من بينهم قيادات قاعدة، والضباط البعثيين ومدنيين أبرياء كان بمثابة (طنجرة ضغط للتطرف) وقال: إنه خلال فترة سجنهم في معسكر بوكا خطط تسعة من قيادات القاعدة ووضعوا تفاصيل إقامة الدولة الإسلامية([20]).

والخلاصة:

أن السجون والمعتقلات سلاح ذو حدين فقد تساق الهداية من خلالها لمن كان بعيدًا عنها، وقد تساق الغواية لما كان قريبًا منها!

وكما وجدت بذور تطرف عسكري وجهادي، فقد وجدت بذور اعتدال عسكري وجهادي في تلك المعتقلات!

إذا إن قائد جيش الإسلام زهران علوش، وقائد أحرار الشام حسان عبود، وقائد صقور الشام عيسى الشيخ ممن كانوا في سجن صدنايا وخرجوا منه أيضًا عام 2011م، وكلهم يعودون مدارس علمية وسلفية وجميعًا استشهدوا في غارات التحالف الغربي!

5- الإعلام الموجه والجديد:

مهما قيل عن أثر الإعلام الموجه والجديد عبر ما سمي بوسائل التواصل المتعددة، فإن الإحاطة بأثر هذا الإعلام الجديد غير ممكنةٍ!

إن مطلع القرن الحادي والعشرين الميلادي قد شهد وبالتحديد في العالم العربي صدى لتلك الثورة في عالم الاتصال والإعلام في الغرب.

ففي عام 2001م شهد العالم الإسلامي ميلاد ثلاث قنوات فضائية إسلامية، ومن ثَمَّ بدأ التتابع سريعًا في انتشار تلك القنوات والبث من خلالها لمواد كثيرة ومتنوعة، وأصبحت سماء الإعلام اليوم تزدحم بمئات القنوات المتخصصة والموجهة لأغراض متعددة!

والأثر المباشر لتلك القنوات الفضائية والمواقع الإلكترونية على المجتمعات والمفاهيم وأنماط الحياة والإنتاج والثقافات والهويات والقيم- أكبر من أن يتجاهله أحد!

وأصبحت صناعة الرأي العام مسلَّمة للإعلام وقبل نحو عقدين من الزمان خرجت وسائل التواصل من الفيس بوك، والتويتر والواتس أب وغيرها لتمثل ثورة هائلة في الإعلام والإعلان والترويج، بحيث أصبح كل إنسان يحمل وسيلة للإعلام في يده ينقل عليها كل حدث ويوثق كل موقف!

وقد لمس كل متابع لما يجري في عصر العولمة كيف يوظف الإعلا والثقافة في مجتمعات العالم الثالث لترسيخ التبعية الاقتصادية والفكرية والسياسية علاوة على العسكرية!

وفي خضم هذه التطورات الهائلة في الاتصال ولد جيل من الشباب يشعر بكثير من الظلم والحيف الذي يمارسه الجيل السابق من قيادات الأمة في مختلف المجالات، ويشعر بمزيد من الحنف والغيظ على الأمم التي سعت لاستغلال خيرات بلادهم وتكريس التبعية لهم!

وكانت هذه الوسائل مما يربط بين الشباب على تباعد أقطارهم واختلاف تواجهاتهم، لكن خنقًا على الأنظمة السياسية التابعة، وعلى النظام العالمي المستعبد للإنسان في كل مكان قد أصبح سيد الموقف.

ومن هنا اعتبرت وسائل التواصل من أخطر أسباب التغيير والإصلاح والهدم على حد سواء!

ولا ينسى أحد أن الفيس بوك كان من أكبر عوامل أحداث الثورة المصرية في يناير 2011م وإطلاق شرارتها الأولى!

وأن الإعلام الإلكتروني غدا أداة نشر وتواصل ظاهر وخفي بالأسماء الصريحة والمستعارة لتوجيه الشباب وترتيب كثير من الأعمال والفعاليات.

وقد اتخذ الغلو أيضًا موقعه بين وسائل التواصل ومارس نشاطه فكانت تلك الواسائل الإعلامية منابر توجيخ أو تشويش، وتغيير أو تدمير للفكر والفهم بشكل لا يمكن للعين أن تخطئه!

وإذا كانت مواقع كثيرة متاحة ومباحة فإن أخرى مشفرة أيضًا لا يطلع عليها إلا المعنيون فقط! وهو ما يعرف باسم الفضاء الداكن (Dark Space).

وعبر تلك الواسائل والأدوات مورست كافة أنشطة التجنيد ودورات الإقناع الصوتية والمرئية، وتبودلت ملايين الرسائل النصية والحوارات وشوهدت آلاف المقاطع، ورتبت أعمال قتالية متعددة، وسهلت انتقالات الأفراد والمجموعات من خلال حسابات وهمية، وأخرى مخفية، وقد انضم آلاف من الشباب الغربي خاصة عبر تلك المنصات الإلكترونية، ولقد ساعد على ذلك تملك ناصية التقنية الجديدة من قبل عدد من الشباب المتخصص في الإعلام الرقمي وتقنية المعلومات، كما أنشئت وحدات للإنتاج الإعلامي، وحققت نجاحات في صناعة الأفلام بما شكك في قدرة تلك التنظيمات على إخراج مثل تلك المقاطع التي تضمنت حرقًا وتغريقًا وذبحًا بالسكين وغير ذلك من المقاطع شديدة التأثير وشديدة الجودة في آن واحد!

وعليه، فإن عددًا من الباحثين من مؤسسات بروكينجز، هيرتدج وغيرها يرى أن تنظيم الدولة الإسلامية قد استطاع أن يجند شهريًّا ألف مقاتل من سوريا والعراق ومن دول كثيرة، بحيث أصبحت تدار من خلال جيل جديد من الشباب الثوري الذي يحسن استخدام الوسائط الإعلامية الحديثة بما يزيد التعاطف وتجنيد من يبدي هذا التعاطف([21])!

وقد صرح باحثون أخر من أن تنظيم ادلولة تمكن من اجتذاب نحو ثلاثين ألف مقاتل عربي عن طريق الإنترنت ومنصات التواصل.

وعلى صعيد آخر فإن الإعلام الغربي الموجه يمارس نوعًا من التهيئة للغلو وردود الفعل العنيف بسبب من التشويه المتعمد للمسلمين سواء في بلاد العرب أو في بلاد الغرب، مما يشحن النفوس بشحنة من الكراهية التي تدفع للانتقام بتبني الغلو ورد الفعل العنيف.

ففي كتابه الذي يحمل عنوان «عرب السنيما الأشرار: كيف تشوه هوليود شعبًا؟» يؤكد جاك شاهين أن الصناعة السنيمائية العالمية اليوم تظهر العرب مغايرين للغرب وخطرين، وتظهرهم بأنهم عدو الجمهور الأول!

وذلك في دراسة للأعمال المنتجة من عام 1986م حتى 2001م، فهم متوحشون لا قلوب لهم، ويعشقون ترويع الغرب المتحضرين! والإسلام دين الإرهاب واضطهاد المرأة، وبحسب شاهين: أن تكون عربيًّا يعني أنك مسلم إرهابي([22]).

6- تغييب العلماء ودعاة الوسطية والاعتدال.

حين تحارب دولة الدين الوسطي بتبني العلمانية، وبمهاجمة رموز الاعتدال من علماء ودعاة الإسلام في التيار الإسلامي السني وحين تتعمد الدولة إقصاء هذه الاجماعات والشخصيات المعروفة بسماحتها ووسطيتها، وتسعى لتهميش دورها وأثرها في التوجيه، بحيث يفقد الناس المرجعية العلمية، بل تتحول تلك المرجعيات إلى شخصيات مهاجرة تاركة لأوطانها، أو مسجونة معتقلة بسبب من وسطيتها، فإن النتيجة الحتمية أن ينشأ شباب مجَّلون بدينهم، قابلون للطرفية نحو التسيب والانفلات أو نحو الغلو والعنف! وهذه نتيجة طبيعية لهذه الممارسات التي غيبت العلماء والدعاة، وأقصتهم عن دائرة التأثير والتوجيه.

وهكذا فإن تأجيج الخصومة بين الحكومات والتيار الإسلامي السني لن يخدم استقرارًا وإنما هو وسيلة مباشرة لاستعمار موجات الغلو!

ومن أظهر ذلك الكيد الذي يوجه للمجتمع تشويه ومحاربة المؤسسات الدينية الرسمية وإضعافها إن هي أظهرت إقرارًا أو تقديرًا لموافق أولئك الشباب في بعض ما يطالبون به من إصلاح أو إنكار للمنكرات بما يفضي إلى إضعاف مؤسسات المجتمع عن حراسة ومدافعة الشبهات وتحصين وحماية الشباب.

وإذا تحولت المؤسسات الدينية إلى جهات مسيسة تحقق أهداف السلطة جارت أو عدلت، أصابت أو أخطأت فإن مصداقيتها فيما تقوم به تجاه من انحرف فكره سوف تذهب أدراج الرياح!

ومما يزيد الطين بلَّة هجوم الغلاة على العلماء كافة تارة بسبب غيابهم، وتارة بسبب شكوتهم!

ولا امتراء في أن احجام كثير من العلماء عن الخوض في غمار مسائل شائكة من مسائل السياسة الشرعية في الظروف الراهنة كان سببًا في إقدام وجرأة من لا أهلية له، بل ارتفعت دعاوى بعض الجهلة بالاجتهاد المطلق، وجترأوا على دماء معصوفة وأعراض مصونة وأموال محرومة! وكسر حاجز الهيبة من الحرمات بعد أن كسرت هيبة العلماء! بل وتجاوز البلاء إلى أن قال الغلاة في حق الصحابة هم رجال ونحن رجال!

ثانيا : الأسباب غير المباشرة.

  • تفشي داء الافتراق والتدابر في العمل الإسلامي .

أهل الإسلام والدعوة دعاة اجتماع وألفه، لا تدابر وفرقه، إلا أن واقع هذه التجمعات- من أسف- ولعوامل عديدة لا ينبئ بخير! ذلك أن فقه الوحدة والائتلاف غائب فيما بينها من الخلاف!

وبحيث لا تفريق بين خلاف التنوع والخلاف السائغ من جهة ، ولا خلاف التضاد وغير السائغ من جهة أخرى!

وقد انضاف إلى هذا الخلل العلمي تعصب للرأي وتمحور حول الاجتهاديات، مع تراشق بالاتهامات، واتهام للنيات، وذلك في وقت تشتد فيه هجمات الأعداء موحدة من كل حدب وصوب!

وإذا وقع نوع من ضعف العلم التأصيلي والفهم الأصولي أورث خللًا في إصدار الأحكام وترتيب الأولويات ولا سيما حال القلة والاستضعاف!

ومن ثم يصاب بعض الشباب بالإحباط الذي قد يدفع تارة نحو محاولة الحسم بالغلو والإفراط والقول الواحد وفرض الرأي بالقوة، وتارة نحو التسيب والتفريط والتهاون نظراً لوجود الخلاف!

ومع اتفاق الجميع على حرب العلمانية بكافة صورها إلا أنهم وبسبب من اختلافهم وتدابرهم وتعصبهم لرايات أو زعامات، يفضل بعضهم مهادنتها ومخالفتها على مهادنة ومخالفة إخوانه الذين اختلف معهم في أمر اجتهادي!

وهذا يدل على ضحالة علم وانحراف عمل في جانب السياسة الشرعية وإدارة المواقف الدعوية!

والأمثلة على ذلك الخلل الجلل أكثر من أن تحصى!

وبسبب ذلك أعرض كثيرون عن العمل الدعوي والعلمي السلمي إلى عمل عسكري من غير رشد ولا تؤدة! مع ثغرة من التيسير وجنوح نحو التعسير، وذلك بعد اهتزاز الثقة من القواعد في القيادات، وهو أمر أصبح لافتاً للأنظار، وبسببه وقعت انشقاقات وانشطارات وتفاقمت انقسامات داخل الكيان الدعوي الواحد.

وأخيرًا، فإنه بعد موجة ثورات الربيع العربي وما تلاها من انكسارات وتدافع للإتهامات بسبب ما وقع فشل واختلا انحرفت مجموعات وانفصلت عن كياناتها لتلحق بركب العمل العنيف كفرًا منها بالسلمية التي أوردتهم موارد لا مصادر لها! كما انتقلت مجموعات أخرى إلى حافة الانفلات من الإسلام نفسه، والخروج من عباءته.

  • ضغط الاستضعاف الذي تعيشه الأمة.

الاستضعاف جالة تقابل التمكين، وهو حاصل اليوم في الدنيا والدين، فأما الدين فإن إقامته على وجهه اليوم أمر متعذر أو متعسر! بسب من تسلط عدو كافرًا أو سلطان جائر!

وعن الاستضعاف في الدين تنشأ الفتنة، قال تعالى: ﴿إِنَّ الَّذِينَ فَتَنُوا الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ ثُمَّ لَمْ يَتُوبُوا فَلَهُمْ عَذَابُ جَهَنَّمَ وَلَهُمْ عَذَابُ الْحَرِيقِ﴾ [البروج:10].

والاستضعاف قد يكون كلياً يشمل معظم شعائر الدين فيدعو أهله إلى الاستخفاء والدخول في سراديب السرية كما حصل في الجمهوريات الإسلامية تحت الاحتلال الشيوعي، ومثله حصل لمسلمي الأندلس إبان محاكم التفتيش.

وهذه حال قد وقعت قديمًا وحديثًا ﴿إِنَّ فِرْعَوْنَ عَلَا فِي الْأَرْضِ وَجَعَلَ أَهْلَهَا شِيَعًا يَسْتَضْعِفُ طَائِفَةً مِنْهُمْ يُذَبِّحُ أَبْنَاءَهُمْ وَيَسْتَحْيِي نِسَاءَهُمْ ۚ إِنَّهُ كَانَ مِنَ الْمُفْسِدِينَ﴾ [القصص:4].

وقد يكون الاستضعاف جزئيا وهو ما يتناول بعض الشعائر بالمنع والطمس والمحو، وهو حاصل اليوم في فلسطين المحتلة، وفيما غلب عليه الرافضة والعثمانية من حكم بلاد المسلمين والنصيرية

والاستضعاف كما يطال الفرد والطائفة يطال الدولة والأمة بما لا حول ولا قوة إلا بالله .

والاستضعاف الدنيوي يتناول العجز عن تحصيل أسباب القوة المادية، بصناعة الغذاء والدواء والسلاح وتملك ناصية التقنية التي تمثل جوهر القوة المادية اليوم.

والواقع ليس بحاجة بيان عن هذا الاستضعاف الذي يحمل الأمة على استجداء طعامها وسلاحها ودوائها من أعدائها! بل آل الأمر إلى استجداء أنظمة الحكم لبقائها ودوامها من أعدائها، مع المسارعة فيهم، والتسليم لأحكامهم في المسلمين.

وهذا الواقع المهين هو ما يحمل كثيرًا من الشباب أن يبحث عن عزته في مقاومة سلطان جائر على بني أمته خانع لأعداء ملته، وهو ما يدعوه لاستعجال قتال مع أعداء دينه لم يتهيأ له بعدته، ولا حصَّل له أسباب نصرته.

وفي ظل هذا الاستضعاف في الدين والدنيا ينشأ قهر وكبت ويتولد إحباط لتتسبب جميعًا في حال من الكراهية وطلب إدارك الثأر والرغبة في الانتقام، وربما يبدأ ذلك عن بعضهم بالعدو الأدنى فيعمل آلة القتل بعد آلة التكفير في أقرب الناس إليه من والد وولد، وشيخ وداعية، وطائفة موالية، وذلك من أخطر أدوات اختطاف الصورة للإسلام وأهله نحو ما لا يمت إلى دينهم بصلة!

هذه هي الحقيقة لا كما يصورها هنتنجتون بقوله: «نزعة المسلمين الحربية وولعهم بالقتال والعنف حقائق في أواخر القرن العشرين ليس بوسع المسلمين أو غيرهم إنكارها»([23]).

إن الكراهية التي يصمون بها المسلمين هم أسبابها في الحقيقة، ولهذا قال جون اسبوزيتو: «إن مفهوم الخوف من الإسلام شأنه شأن معاداة السامية، لا يمكن استئصاله بسهولة، أو في وقت قريب، كما أنه لا يعد مشكلة المسلمين وحدهم، بل يعد مشكلتنا نحن، ويجب على الحكومات وصناع السياسات، ووسائل الإعلام، والمؤسسات التعليمية، ومديري الشركات، ورجال الدين أن يلعبوا دورًا مهما في تغيير مجتمعاتنا، والتأثير على مواطنينا، وسياساتنا بهدف كبح الأصوات المنادية بالكراهية، والنظريات الاقتصادية»([24]).

  • ردة الفعل على الصحوات.

في 1 مايو 2003 أعلن الرئيس يوسن من على بارجة حربية «أن المهمة أنجزت» غير أنه في ذات اليوم بدأت مقاومة قواته بقنابل يدوية أصابت سبعة من جنوده في قاعدتهم بالفلوجة من أرض العراق!

وما هي إلا أسابيع وأشهر معدودة حتى اصطلى الأمريكان بنار المقاومة العراقية التي تناسلت فصائلها وتكاثرت وإذا بالأمريكان يبدو فشلهم وتظهر هزيمتهم.

وفي عام 2004م التفت إرادتان خبيثتان من الأمريكان من جهة ومن بعض قيادات القبائل السنية من جهة أخرى على قتال تلك الفصائل من المقاومة السنية المستقلة!

وتشكلت تنظيمات الصحوات من تلك القبائل السنية على الأرض العراقية لقتال تلك الفصائل، تارة مدفوعة برغبة زعماء القبائل الذين أغرتهم الدولارات التي انهزمت بالملايين،وتارة لإدراك ثأر من بعض الفصائل التي قتلت في أبناء القبائل الذين قتلوا على يد الفصائل لتعاونهم مع الاحتلال، وانفصلت مجموعات من تلك الفصائل لأسباب شخصية أو لمحن وفتن إغراء ليلتحقوا بالصحوات! ولقتال السنية والبعثية .

ونشب قتال بين فصائل الجهاد، وصحوات القبائل المدعومة أمريكيًا فاستهدفت القاعدة وسائر التكوينات الجهادية، وبحلول عام 2007م كانت الرمادي والفلوجة وغيرها خالية من تلك الفصائل الجهادية والمقاومة.

وانخفضت العمليات ضد الأمريكان بنسبة 90% وهذا ما اعتبره الأمريكان نجاحًا باهرًا، وهو ما أغراهم بفكرة صناعة الغلو لاحقًا على أرض العراق لقتال الفصائل الجهادية نيابة عنهم!

ولما كانت المصالح الذاتية لشيوخ القبائل الذين احترفوا تهريب النفط ومشتقاته من مصفاة بيجي، ولم يقع تعاون بين الفصائل، مع ما وقع من القاعدة من قتل لبعض شيوخ قبيلة البوعيسى والبوضياب، فلما تكشفت الأمور وتبدلت المصالح وضعفت بدأت حالة من الهجرة العكسية مرة أخرى من صفوف الصحوات إلى صفوف القاعدة والمقاومين، وبخداع الأمريكان لشيوخ القبائل وتسليمهم السلطة للشيعة في 2009م وبداية انسحابهم، حصل تحول هائل من الصحوات مع ردة فعل عنيفة ضد الأمريكان والشيعة ورؤوس القبائل في وقت واحد!

ولما رفضت حكومة المالكي أن تسمح للشيوخ بالسيطرة على الأمن في مناطقهم أو التمتع بسلطات إدارية كما وعدوا من الأمريكان اعتبروا أنفسهم قد ألقى بهم في سلال المهملات، فكانت الفرصة مواتية غاية لاجتذاب الشباب الضائع الذين قدروا بعشرات الآلاف نحو تنظيمات القاعدة وغيرها، وكان هذا إيذانا بنشأة الغلو الذي مثله بتنظيم الدولة لاحقا وعن قريب.

ولهذا أيضا فإن المواقف النفسية المتأزمة جراء التجارب العملية الفاشلة قد أحيلت مواقف علمية غاليةغدت كل تعامل مع الدولة هناك كفرًا أو يقترب من الكفر!

وهذا كان سببًا خاصًا بنشوء صحوات العراق الأمر الذي تعلق مباشرة بالغلو والعنف هناك.

  • الحرب على التدين ومظاهره.

الحرب على التدين ومظاهره مرصود من عقود لكنه اتخذ وتيرة أشد بعد الحادي عشر من سبتمبر ثم تحول إلى مظاهر أحرج وأشد بعيد ثورات الربيع العربي، إذا اعتبر الصعود السياسي للتيار الإسلامي بمختلف تشكيلاته بمثابة ناقوس خطر يدق في الشرق والغرب معًا!

فإذا بالترويج للإلحاد في وسائل الإعلام يبلغ مداه، والهجوم على ثوابت الإسلام التشريعيه ومصادره الكلية يصل أقصاه، ومكافحة مظاهر التدين العامة والفطرية والعرفية تشتد وتحتد!

وبالمقابل تروج الإباحية والشهوات ويدافع عن الشذوذ والإنفلات، ويضيق على المساجد وروادها وتوحد خطبة الجمعة لضمان عدم الخروج على النص، وتقلص المواد الدينية النافعة في الإعلام، وتغير المناهج الدينية في المدارس، وتوجه المؤتمرات الشرعية في الكليات والجامعات في اتجاهات سياسية، وتوظف الفرق الكلامية والاتجاهات العقلانية الاعتزالية والطرق الصوفية الغالية في حرب الدعوات الإسلامية، ويفسح لها في القنوات الفضائية وتدعم حركات التشيع للحد من المد السني، وتروج الانحرافات العقدية كالسحر والشعوذة والخرافة عبر وسائل الإعلام والتواصل الاجتماعي المختلفة وتزاحم الاتحادات والروابط العلمية المستقلة بأخرى مصنوعة ومزيفة، ويضيق على الجمعيات الدينية والاجتماعية المؤثرة، وتسن القوانين في هذا الصدد لمزيد من تقليص المد المجتمعي ومحاربة مؤسسات المجتمع لحساب المؤسسات المسيسة في المجتمع!

حتى الأقليات المسلمة في الغرب عرفت التضييق والاتهام والتشويه وصناعة الإسلاموفوبيا والاتهام وكل ما سبق كما يصب في صرف الشباب والكبار عن التدين بكل سبيل، وإثارة البلابل في العقول، وتأجيج الشهوات المستلنة في النفوس إلا أنه يدعوا أيضا طائفة إلى الغلو والتطرف في العلم والعمل، فإن كان هؤلاء المستعدون للغلو في بلد مسلم مالوا إلى التكفير واستباحوا التفجير، وإن كانوا في بلد غير مسلم استباحوا الدماء والأعراض!

أما ذكر الشواهد والدلائل والأمثلة والمقولات والبرامج العملية فأمر أجلُّ وأكبر من الإحاطة به في هذا الاختصار والتنبيه.

وعند الحديث عن رؤى وأسباب مواجهة اختطاف الإسلام ودعواته المعاصرة نحو الغلو والعنف فلا بد من إدراك ما يعترض ذلك من معوقات وعقبات تتعلق أحيانًا بمنهجية التصدي للغلو بعد تحديده تحديدًا دقيقًا، وأحيانًا تتعلق بإدراك واقع ومقولات وممارسات المختطفة عقولهم وممارساتهم، وأحيانًا تكون متعلقة بصناعة داخلية للغلو وأسبابه، أو تشجيع واستثمار خارجي للغلو ورموزه.

وفيما يلي بيان لأهم تلك الاعتبارات الواجب أخذها في الحسبان قبل الدخول إلى مواجهة الغلو واختطاف الحركة الإسلامية نحو الغلو.

أولًا: تحرير المرجعية في الحكم على الغلو والتطرف:

من أكبر الإشكاليات: تحرير معالم ومواطن الغلو العلمي والعملي المعاصر، بحيث لا يختلف على كون هذا الانحراف- هنا أو هناك- غلوًّا منكرًا يجب إنكاره، ومن هنا: يتحتم إدراك أوصاف الغلو ومحدداته وحال أهله، حتى يتأتى حكم بأن هذه الصورة أو تلك من الغلو.

ومن الأهمية بمكان- أيضًا-: معرفة الفرق بين الغلو الكلي والجزئي، والاعتقادي والعملي.

ومن أخطر الإشكالات-في هذا الصدد-: اعتبار اختيار مدرسة علمية ما، أو ما تبنته دعوة سنية ما من اجتهادات فقهية مذهبية، أو حركية معيارًا للوسطية، وما نابذته من الاجتهادات الحركية الشورية، أو الفقهية الظنية معيارًا للغلو، أو للطرفية!

كما يتعين التيقظ-أيضًا- إلى أن الأخذ بالرأي الأشد لا يعد- بذاته- دليلًا على الغلو، كما أن الأخذ بالرأي الأيسر لا يكون دليلًا على التفريط، أو التساهل!

كما أن من الانحراف الذي هو من الغلو: المبالغة في رتب الأعمال، فمن نزل السُّنة منزلة الواجب فقد غلا وابتدع، ومن نزل الواجب منزلة السُّنة فقد فرط وانحرف.

ومن الانحراف: اعتبار المسألة الاجتهادية الظنية في الشريعة مسألةً قطعيةً، لا يعرف فيها إلا قول واحد، ولا يسمع فيها إلا رأي واحد! والإنكار على صاحب القول الاجتهادي الآخر، ورميه بالتهم والمنكرات.

فلا يسوغ-بحال- اعتبار ما شاع في زمن، أو مكان، أو لدى طائفة من أهل السُّنة والدعوة من اختيارات اجتهادية معيارًا للوسطية، وما خالفه خلافًا سائغًا ملتحقًا بالغلو، أو بالطرفية!

والحجة المعتبرة في ذلك المعيار فقه الأئمة الأربعة المعتبرين من أهل السُّنة، وما كان عليه القرون الثلاثة الأول المفضلة، ومن سار على دربهم من أهل العلم والفهم.

وغني عن البيان أن الوسطية والطرفية لا يستمد مفوهمها من حزب سياسي حاكم، ولا من رؤية ذي سلطان ظالم، فضلًا عن ما يفرضه الغرب من مفاهيم يسعى لعولمتها، وأفكار يدعو لاعتقادها مما يتعارض مع عقيدة وتاريخ وثقافة أهل الإسلام.

ثانيًا: التقصير في فهم قول المعاصرين من كلامهم، أو كتبهم أنفسهم:

الغلاة المعاصرون كالغلاة المتقدمين فرق وأحزاب تتشظى وتنشطر، وتجتمع وتفترق، وهذا حاصل الآن، كما هو حاصل من زمان!

ومن أكبر الأخطاء: عدم التفريق بين الأقوال المنسوبة لطوائف الغلاة وجماعات الأهواء؛ ذلك أن الانحرافات متفاوتة، فغلو جماعة التكفير والهجرة-مثلًا- ليس كغلو جماعة التوقف والتبيُّن، وما قد يؤخذ على من يسمون (القطبيين) بدون ما يؤخذ على الطائفتين السابقتين في باب الأسماء والأحكام، والحكم على الأشخاص والمجتمعات والدول، والتسوية بين الجميع في المقالات والأحكام ظلم وانحراف لا يعالج ما عند القوم من غلو، أو تطرف!

كما أن ما عند المجموعات الجهادية المعاصرة من غلو، أو عنف في باب الاجتراء على الأحكام، أو الدماء، والأموال، والأعراض- جد متفاوت، والتسوية- اليوم- بين ما عند تنظيم القاعدة- مثلًا- وتنظيم الدولة الإسلامية من مقالات وتصرفات غالية أمر يجافي الواقع، ويصادم المتقرر من تأصيلات الفريقين في منشوراتهم وفتاوى شيوخهم، وممارسة قياداتهم وإنكار بعضم على بعض!

وغير خاف أن مفهوم الجماعة، والبيعة، والإمارة عند جماعة التكفير والهجرة متفاوت مع مفهومها عند جماعات الجهاد المعاصرة، وشديد الاختلاف عن مفهوم الجماعة والإمارة لدى جماعات الدعوة.

وإن وجد عند كل ما قد يؤخذ عليه من أخطاء تدق وقد تجلّ!

ثالثًا: تحرير الفوارق بين ما في الكتب من مقولات الفرق، وما في الواقع من تطور:

من الإشكالات المتكررة: تنزيل ما في الكتب من أحكام على معاصرين من غير إدراك جيد لمدى التفاوت بين ما في الكتب، وما في الواقع.

وفرق شاسع بين غلو له ما يدفع إليه من أسباب في واقع مجتمعاتنا المعاصرة التي تزخر بتناقضات وأوضاع شاذة، وبين مجتمعات المسلمين الأولى التي عاش فيها خير القرون، بحيث قد يقال: إن عامة غلاة ذلك الزمان الأول قوم غير أسوياء بتركيبتهم النفسية والسلوكية، وأنهم قد اختاروا الانحراف عن الجادة، فلم يتواصلوا مع أهل العلم على كثرتهم وجلالتهم في الزمن الأول!

أما عند النظر إلى غلاة هذا الزمان فلا بد من اعتبار لحالة المجتمعات اليوم من تحديات وانحرافات، وعنف وقهر، وفساد واستبداد، واستلاب حضاري واقتصادي، وجهالة عامة بل وسعي لدفع المجتمعات وشباب المسلمين خاصة إلى مسالك الغلو والعنف بطرق مباشرة وأخرى غير مباشرة، وهذا كله يقوي جانب رد الفعل الغالي للطرفية الموجودة اليوم سياسيًّا واجتماعيًّا واقتصاديًّا.

ولذلك فإن المسارعة إلى وصم غلاة هذا الزمان باسم الخوارج، أو المرجئة، أو الباطنية- أو ما شابه- يحتاج إلى كثير من التروي والتأني؛ بل إن نسبة بعض المعاصرين إلى بعض الفرق المعاصرة كالقومية، أو البعثية، أو القاديانية، أو العلمانية أيضًا يحتاج إلى مزيد تريث وتحقيق!

وهنا يتأكد إدراك الفوارق العلمية والفكرية، والنفسية والسلوكية بين أصناف الغلاة، والتفريق في التعامل مع كلٍ بحسب معتقداته، ومسالكه العملية.

ومما تمس الحاجة إلى بيانه: أنه لا يلزم من انتساب بعضهم إلى فرقة غالية أن يجرد من كل وصف مقبول، وإن كان متصفًا به، وأن ينسب إلى كل وصف مذموم وإن لم يكن فيه! فلو وصف أحدهم الخوارج اليوم- مثلًا- بالجبن والخور كان كاذبًا! وقد قال الله تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُونُوا قَوَّامِينَ لِلَّهِ شُهَدَاءَ بِالْقِسْطِ ۖ وَلَا يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ عَلَىٰ أَلَّا تَعْدِلُوا ۚ اعْدِلُوا هُوَ أَقْرَبُ لِلتَّقْوَىٰ ۖ وَاتَّقُوا اللَّهَ ۚ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ ﴾ [المائدة:8].

كما لا يقال بأن من شارك في العمل السياسي في ظل العلمانية، أو الديموقراطية وهو من الدعاة السعاة للتغيير، ومن المنادين بتحكيم الشريعة، وولاؤه مصروف لأهل الإسلام- لا يقال لمثله: إنه كافر؛ لممارسته للعمل السياسي على قاعدة الديموقراطية! كيف وهو من العاملين الداعين لتحكيم الشريعة المنافحين عنها؟! وقد دخل في هذا الغمار طوائف من الدعاة السلفيين والإخوان وغيرهم وفقًا لفتاوى شرعية من كبار علماء الزمان، وليس منهم أحد متدين بقبول الديموقراطية في شقها الفلسفي الكفري!

وهكذا لا سبيل لإجراء أحكام بالتكفير، أو التفسيق، أو النفاق والحال هذه!

وفي ساحة الجهاد المعاصر حيث لم تتحد الراية، ولم تتحقق بعد الولاية، فإن المسارعة إلى إجراء أحكام نهائية في باب السياسة الشرعية لا يخلو من مجازفة وخطأ ينكر ولا يقر عليه أهله وعليه فإن من الغلوِّ أن تنزل مجموعة جهادية نفسها منزلة الدولة قبل استحقاقها لمقومات الدولة، ولا يحق لها أن تتعامل مع من لم يدخل في كيانها تعاملها مع الخارجين عن الإمام الشرعي الممكَّن إلى آخره ما يمكن رصده من انحرافات وأخطاء عند بعض المجموعات، لكن وصم الجهاد بكل فصائله وطوائفه بالغلو غفلة عن الواقع ونوازله ومشاكله! بل غفلة عن العدل، وجور في الحكم!

ولو قُدِّر أنه سلمت الأعمال الدعوية من أخطاء ومخالفات فليسلم الجهاد! ولكن الأخطاء حقها الإنكار والإعذار، من غير غلو، أو تفريط في وصف أهلها بالغلو!

رابعًا: الغفلة عن نوازل تتضمن انحرافات مؤثرة في واقع الأمة:

تموج الساحة المحلية والإقليمية والدولية بنوازل كبيرة، وعنها قد تنشأ انحرافات خطيرة، والغفلة عن تلك النوازل وما تسببه من إشكالات يؤثر سلبًا في الاحتساب على الغلو والغلاة في الواقع المعاصر، فإذا تعرضت جماعة، أو حزب لاضطهاد سياسي بعد انقلاب دموي أطاح بها من قمة الهرم السياسي، ثم تبع ذلك قتل، وتشريد، واستباحة للأعراض، ومصادرة للممتلكات، مع تواطئ إعلامي في الداخل، وتواطئ إقليمي ودولي على ظلمٍ بين، فأفضى هذا إلى أن يدافع بعض من يقتلون ويستباحون عن أنفسهم، أو عن ذراريهم وأعراضهم، فإن وصف ما يجري من هؤلاء المظلومين المضطهدين بالخروج، أو بالغلو محل نظر! لا سيما إذا لم يرافق ذلك إطلاق أحكام بالتكفير.

وإذا اغتصبت السلطة في بلد سني من قبل طائفة رافضية فأعلنت ولايتها وسعت لفرض سيطرتها بالقوة العسكرية الغاشمة، فلا يقال: إن من نابذهم وقاتلهم خارج على الإمام، أو مستبيح للدماء بغير برهان!

ولا يقال عن حكم كهذا والذي قبله: إنه حكم متغلب يجب الرضوخ له؛ إذ أقل ما في الباب أن تكون المسألة اجتهاديةً خلافيةً! فإن الحكم العلماني الدكتاتوري ليس حكمًا شرعيًّا يرضخ للمتغلب وفقًا له! ومثله الحكم الطائفي الرافضي، أو الصفوي الفارسي!

وإذا انشطرت دولة إلى قسمين، اكتسب الأول مشروعية شعبية ودولية بأجهزة مكتملة للحكم، ثم استقوى القسم الثاني بكل دول الغرب وأوليائها من العرب الاسقاط المقسم مكتمل الشرعية الشعبية والدولة، ومارت بينهما رحى الحرب ولم ينتصر فيها أحد.

فعندئذ لا سبيل للقطع والجزم بأن من خرج على هذا، أو ذاك فقد تحقق فيه وصف الغلو بالخروج على حاكم شرعي ممكن.

خامسًا: حصر الغلو في جانب دون آخر (المواجهة الجزئية):

من الخطأ البين: اعتبار الغلو في جانب إجراء الأحكام بالتكفير، أو استباحة الدماء فحسب، بل إن الغلو أوسع مدلولًا ومشمولًا لجوانب أخرى في العقيدة؛ كالغلو في باب الولاء للجماعة الحزبية، أو البراء ممن لم يدخل في بيعة جزئية لجماعة حزبية- مثلًا!

وكما وجد الغلو في الخروج على ولاة الأمور، وجد غلو فيهم بطاعتهم، ولو في معصية، وبتزيين انحرافهم، ولو كان ظاهرًا بيِّن البطلان، وباعتبار كل إنكار عليهم بدعةً، وكل تغيير لمنكر خروجًا عن السلطان! وتحويل الطاعة لولاة الأمر المنضبطة بموافقة الشرع إلى طاعة سلطانية كسروية!

كذلك يتطرق الغلو في أبواب أخرى من العقيدة كالغلو في آل البيت- مثلًا- أو بعض الصحابة M!

وهناك غلو في أبواب عملية، كالغلو في إيجاب التقليد على كل أحد، أو إيجاب الاجتهاد على كل أحد!

وهناك غلو في العبادة ورياضة النفس! وغلو آخر في سوء الظن والطعن بأهل العلم ونسبتهم إلى الجبن تارةً، وإلى ممالأة الظلمة تارةً أخرى!

وهناك غلو في الأحكام بالميل دائمًا إلى التشديد والتعسير والتنفير من الرخص كافة، والإلزام بما لا يلزم شرعًا.

وهكذا تتنوع جوانب الغلو المعاصر التي يراد أن يختطف إليها المجتمع المسلم، فإذا أضيف إلى هذا التنوع الغلو العلماني والتطرف الليبرالي وغلو فرق منسوبة إلى التصوف، وفرق أخرى منسوبة للتشيع- فإنه لا يمكن- بحال- أن نختزل مقاومة الغلو في صورة واحدة مع إغضاء الطرف عن باقي الصور والتناقضات التي تتجلى في صفحة المجتمعات المعاصرة!

والتي يسعى الأعداء إلى تبنيها جميعًا في الحرب على الإسلام السني المقاوم.

سادسًا: ارتباط الحسبة على الغلو بسلطة منحرفة، أو ظالمة ومؤسسات دولة دون مؤسسات المجتمع:

الأصل أن مؤسسة الحسبة هي إحدى مؤسسات الدولة التي تنطلق من مبدأ مشروعية الأمر بالمعروف، والنهي عن المنكر، وعليه؛ فلا حرج أن تنظم ولاية الحسبة من قبل الحاكم بما لا يحولها إلى جهة مسيسة لتحقيق أهداف خادمة لإرادة السلطة، سواءً جارت، أو عدلت، أصابت، أو أخطأت!

ومن معوقات عمل تلك الأجهزة: فقدان مصداقيتها فيما تقوم به تجاه الغلاة حين لا تستطيع القيام بواجبها تجاه الولاة! وإن كان الميسور من الإنكار لا يسقط بالمعسور.

ومن هنا: ينبغي لهذه الولاية أن تتحرر من الدوران في فلك حاكم، أو ملك، أو أمير، وأن تنطلق في البلاد التي لا تنظمها فيها الدولة من سلطة الأمة والمجتمع التي كفلها لها الشرع الحنيف، فهي أقوى من كل سلطة.

ومن نافلة القول: أنه يتعين على العلماء الصدع بالحق في إنكار منكرات الغلو، وإن كان الإنكار ليس بقاصر عليهم؛ بل للدعاة عمل، وعلى المفكرين واجب، وللإعلاميين مسئولية، وللمؤسسات العلمية والدعوية والثقافية مشاركة لا بد منها.

وينبغي أن تتكامل أعمال الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر مع أعمال المسجد، ووسائل الإعلام، ومعاهد التعليم، وعمل العلماء، وجماعات الدعوة، والمؤسسات الاقتصادية والسياسية على حد سواء.

ولا سبيل لذلك إلا بأن يسترد المجتمع عافيته أمام التغول الذي قد تمارسه الدولة المعاصرة اليوم، فكلما قوي المجتمع بمؤسساته العلمية والدعوية والثقافية كان أقدر على الاحتساب على المنكرات كافة، وكانت الأمة أملك للسلطة التي بموجبها تولي وتعزل، وتأمر وتنهى، وتواجه الحرب المعلنة عليها من خارجها وداخلها على حد سواء.

سابعًا: الواقعة المصنوعة بين الأنظمة العربية والعمل الإسلامي:

لعل من أخطر الإشكاليات في هذا الصدد ما تمكن أعداء الإسلام من ترسيخه والتخويف منه واقناع عدد من الأنظمة والقيادات في الوطن العربي من أن التهديد الأكبر والعدو الأخطر هو هذه الدعوات والحركات الإصلاحية في بلاد الإسلام والتي قد تشكل ألغامًا موقوتة أو طابورًا خامساً يسعى في تفويض تلك الأنظمة بكل سبيل.

ولا يعدم هؤلاء المغرضون أن يقدموا نماذج مصنوعة من الغلو والغلاة بخطاب شديد الخطورة والفجاجة وذلك للبرهنة على أن السبيل للحماية من العنف والغلو هو في مزيد من الانفتاح والانبطاح معًا، مع الحرص على حياطة الأنظمة بسياج عالٍ من أعداء الإسلام المخاصمين له!

وهذا بدوره يفضي إلى مزيد من الاحتقان ويرشح إلى دورات جديدة من الغلو والعنف لدى الطرف المقابل، وبهذا تنتقل المعركة بين الأمة وأعدائها الحقيقين إلى أن تكون بين مكونات الأمة ذاتها، بين حطامها ومحكومها بين الأنظمة وشعوبها، وليكون القاتل والمقتول من المسلمين، وكلاهما خاسر!

وهنا يبدو من الأهمية بحث وسائل إيجابية تبعث على الطمأنينة وتستلْ الأوهام والظنون بشكل يساعد على الهدوء وحل الأزمات التي تعقدت.

مسالك وأسباب لمواجهة اختطاف الحركة الإسلامية نحو الغلو والعنف.

وهذه المسالك والأسباب يمكن تقسيمها إلى مجموعتين علمية نظرية وعملية تنفيذية.

وفيما يلي عرض لأهم عناصر هاتين المجموعتين:

أولًا: المسالك والأسباب النظرية العلمية:

  • تحرير مدونة الوسطية والاعتدال فيما وقع فيه الغلو.

إذا كان الغلو المعاصر قد تناول أبوابًا متعددة من العقيدة في الأسماء والأحكام، وقضايا التكفير، واستباحة الدماء، والاستقلال بإعلان الخلافة، أو طلب البيعة العامة، وإيجابها على الأمة، وزعم القضاء على مشروعية كل الأعمال الجهادية غير المنضوية تحت راية بعينها؛ فإنه يلزم تبيان الأحكام الشرعية المتعلقة بالسياسة الشرعية، وأحكام إقامة الجهاد في الواقع المعاصر، وتوضيح حكم الجهاد حال شغور المكان عن إمام شرعي، وما يترتب على ذلك من نوازل، وبيان أحكام البيعة الجزئية، والبيعة العامة، وعوامل قيام الدولة واعتبارها شرعًا، وحدود الولاية الجزئية والعامة، وما يرتبط بها من الأحكام، مع توخي الإنصاف والحياد، ودعوة العلماء والمجتهدين، والخبراء والمختصين لمناقشة تلك النوازل، ثم الخروج ببيان للأحكام مدلل، وتوضيح للمسائل معلل، وتقدير لـحكم الانحرافات في هذا الشأن مبرهن؛ بحيث من كان ضلاله لأجل جهل غالب فإنه يرتفع، ومن كان انحرافه لأجل شبهات فإنها تمتنع، وليهلك من هلك عن بينة، ويحيا من حيَّ عن بينة!

ومن المهم في هذا الصدد: أن تصدر البيانات العلمية الشافية الوافية عن أهل العلم المعتبرين غير الـمسيسين ولا المحسوبين على أنظمة علمانية، أو ليبرالية.

ومن حق أهل الغلو المعاصر على أهل العلم في هذا الزمان: تحرير إجابات علمية مفصلة، تستوفي الشبهات، وتستقصي الردود عليها شرعيًّا وواقعيًّا، فكريًّا وسياسيًّا، اقتصاديًّا واجتماعيًّا.

وفي هذا الصدد يقترح عمل مدونة تفهرس فيها كل مسائل الغلو المعاصر مرتبةً على أبواب من العقيدة، وإجراء الأحكام، والموقف من الصحابة وآل البيت وغيرها، وأبواب السياسة الشرعية من الإمامة، والجهاد، والقضاء، وغيرها، وذلك تمهيدًا للإجابة عليها بطريقة علمية جماعية من رجالات أهل السُّنة في لجنة متنوعة الأقطار والأمصار؛ لتمثل في النهاية كلمةً علمية عالمية مستقلة عن حكومات قطرية.

وللإنصاف؛ فإن كلمات ومقالات متعددة قد تناولت الردود على الغلاة، إلا أنها لم تكن جهودًا جماعية، كما أنها لم تستقص الإشكالات نقدًا وردًا، ولم تصدر إلا باسم أفراد متناثرين، وربما كان لبعضهم خصومة، أو مشاحة على الأرض مع هؤلاء، أو أولئك، فكان سببًا للتشويش على تلك الردود.

  • فك الاشتباك ورفع الالتباس بين المشروع والممنوع من الجهاد وقضاياه، ومسائل السياسة الشرعية:

كل غلو له تعلق بالشريعة يستدل أصحابه عليه بدليل، أو شبهة دليل، أو ما فيه مستمسك بطرف من أطراف أدلة الشرع المطهر!

ومن ذلك: الجهاد، وهو عقيدة وشريعة ماضية إلى يوم القيامة، وله شرائط وأحكام، ولا يتصور أن يصدر من العلماء إنكار لكل جهاد مشروع قام، أو يقوم!

كما لا يتصور أن ينهى عن صواب الجهاد ومصالحه العظمى لأجل مفاسد، أو مخالفات جزئية تقع فيه، كما لا ينهى عن الدعوة، والأمر والنهي، وطلب العلم لمفاسد، أو مخالفات جزئية تقع فيها.

فواجب على علماء الأمة وأهل الحسبة فيها أن يبينوا الفرق بين المقبول والمردود من تلك الأعمال، والمشروع والممنوع من تصرفات السياسة الشرعية المعاصرة، وأثر دخول الغلو في ذلك كله.

ومن الملاحظ: أنه منذ الجهاد الأفغاني الذي قام قبل نحو أربعين سنة والأمة تجاهد بصورة تجاوزت فيها الجيوش النظامية التابعة لحكومات، وقد وقع هذا في البوسنة، والهرسك، والشيشان، وفلسطين، والعراق، وغيرها، وبسبب من ذلك وقعت نوازل كثيرة ومسائل عديدة وخطيرة، وإعراض العلماء عن بيان أحكام الله فيها مما لا تبرأ معه ذمة أهل العلم، ولا يحقق معنى الموالاة لجهاد أهل الإسلام والسُّنة.

فلو أن العلماء بادروا ببيان الأحكام وسد أبواب الغلو في شأن الجهاد من قبل أن تقع الانحرافات لكان أسلم لساحته، وأبعد عن محاولات بعضهم لإفساده بالغلو والتشدد.

ومع أن المعترك مع تيار المغالات والعنف إلا أن بعض ما قد يروج له يحتاج إلى مراجعة وتثبت، لما ثبت من أن جهات معادية للإسلام وأهله معنية بالدايات المضللة، والمبالغات الكاذبة، وهذا معترك واسع تعبث به مخابرات دول عدة معادية للسنة أو معادية للإسلام والسُّنة معًا.

وهذا يقتضي: ألا يؤاخذ أحد إلا بما ثبت بحقه من انحرافات، ولا يشتغل بإنكار ما لم يتحقق من وجوده، وأن يقدم حسن الظن ما وجد إليه سبيل مع أهل السُّنة.

ولا يخفى أن جهات صليبيةً وصهيونية ورافضية مستفيدة من تأجج الغلو في ربوع أهل السُّنة، بل وتصنعه وتدعمه من طرف خفي، وتغري به من طرف آخر؛ لتصنع على أرض الإسلام وفيه معركة داخلية.

وإن الواقع اليوم ليؤكد أن المعسكر الصليبي والصهيوني يتواصل مع فئات من غلاة الرافضة والخرافية دعمًا وتقوية وإظهارًا لهم على أهل السُّنة في بلاد المسلمين!

وإن دعمًا غربيًّا غير محدود تلقاه النظم الطائفية من نصيرية، واثني عشرية لتبقى قائمةً وحاكمةً في ربوع السُّنة، مؤججةً بذلك العنف والتطرف معًا.

  • مراجعة «من» و «ما» قد يدعم فكره ومواقفه الغلو بطريق، أو بأخرى:

لا يمكن التملص من مسئولية بعض أهل العلم وبعض المواقف والمؤلفات عن نشوء حالات الغلو، وإن لم تكن السبب الرئيس لوجوده وانتشاره، لكن مراجعات علميةً وفكريةً ومنهجيةً يجب أن تأخذ مسارها وأن تسلك سبيلها لتصحيح عبارة، أو حكم، أو موقف يدعم الغلو، وعند رجوع الشيخ، أو الداعية، أو الدعوة عن ذلك الموقف، أو الحكم فلا بد من إعلانه وإشاعته.

ولا يصلح للعالم والداعية أن يمتنع عن تصحيح موقف، أو حكم، أو إطلاق خوفًا على مكانته، أو حذرًا من سقوط جاهه عند أتباعه!

وبالمقابل لا يجمل بالعالم، أو الداعية أن يترك الإنكار على الغلو؛ خوفًا من تجريحه من قبل الغلاة، أو تعديهم عليه؛ ذلك أن الاحتساب والإنكار هو جهاد العلماء الذين ينصحون لأمتهم، ويقولون الحق لا يخافون فيه لومة لائم!

ومن الأهمية بمكان: مراجعة أهل العلم والدعوة الذين يمتنعون عن نقد الفكر الغالي والمتشدد بدعوى أن مفاسد الحسبة أرجح من مفاسد السكوت، أو بزعم أن الإنكار حال المعركة الدائرة مع الرافضة، أو الصليبية في غير زمانه!

إن مسلك سكوت العلماء والدعاة والجماعات والمؤسسات عن مواجهة الغلو والإنكار على أهله له آثاره المدمرة على المجتمع كله، فهو مسلك يهدد المجتمع بكل فئاته، ويفتح المجال لتمدد الغلو في الجماعات وقواعدها الشبابية، ويمهد السبيل لإفساد وتشويه شعيرة كالجهاد، ويزهد فيها، ويفضي إلى اختراق الدعوات مخابراتيًّا، وضرب الدعوات وأربابها بعضها ببعض، وإيجاد مسوغات تسلط الكفار على ديار أهل الإسلام بزعم حرب الإرهاب، وتسلط العلمانيين على الإسلام تشويهًا وتنفيرًا!

فإن قيل: إن السكوت أحيانًا موقف شرعي قد يراه العالم أصح من غيره! فعندئذ يقال: ومن الأهمية بمكان: أن يحدد العلماء متى يأمرون، ومتى ينهون، ومتى يسكتون؛ ليتحقق من وراء ذلك مصلحة الإسلام وأهله، وهل يستقل بذلك عالم، أم هو موقف جماعي؟!

فإن كان السكوت موقفًا، فليحدد من الذين يسكت عنهم، ومتى، وأين؟!

وليعلم أن السكوت عما تسهل مقاومته اختيارًا اليوم، ستكون ضريبته فادحةً غدًا عند الاضطرار لمواجهته بعدما تمكن وتجذر.

4- تنبيه الغلاة إلى خطورة توظيفهم وأعمالهم لصالح الصليبيين، والصهاينة، والرافضة:

لا يدرك كثير من شباب تلك الفئات كيف يجري اختراق تنظيماتهم على مستويات متعددة، وكيف يتم العبث بها، وتوجيه دفتها إلى حيث يريد أعداء الله والأمة، ولتتحقق لهم مآرب لا يمكن أن يحققوها إلا من خلال هذه الأعمال- التي يسمونها إرهابًا-؛ لتشمل الصالح والطالح، والمقبول والمردود من الجهاد والأحكام المتعلقة به، بل إن بعض الحكومات في المنطقة العربية بأجهزتها الاستخباراتية تتاجر بهذه القضية لتحقيق مآربها أمام شعوبها، وأمام المجتمع الدولي!

ولقد شهدت المنطقة في إثر ما جرى بالعراق والشام ما يمكن أن نعتبره أنموذجًا لصناعة واستغلال الغلو والعنف على نحو لا مثيل له.

وفيما يلي تنبيه وإيقاظ إلى جملة أهداف ما سمي بالحرب على الإرهاب، وإنشاء تحالف عالمي لمواجهته، وذلك باختصار:

أ- تقويض جهاد السُّنة:

منذ أن انطلقت شرارة الجهاد الأفغاني والعمل الجهادي يتمدد في مواقع كثيرة، وقد أصبح الآن حقيقةً ماثلةً في منطقة الشرق الأوسط، لا سيما بعد الثورات العربية، ومما لا يتردد في إثباته متابع تنامي القلق الغربي من العمل الجهادي الذي أثمر دولة طالبان، وهو أمر دعا الغرب لافتعال المبررات لإسقاطها، ودعاه- أيضًا- للكيد لهذا الجهاد في بقاع متعددة من الأرض؛ بدءًا من اختراقه، وانتهاءً بقتال واغتيال رجاله ومجموعاته، ومرورًا بصناعة واستثمار الغلو فيه وتأجيجه؛ لإيجاد مسوغات إقليمية ودولية لتدشين ما يسمى: «التحالف الدولي ضد الإرهاب»، وحقيقة الأمر: أنها الحرب على الأذرع الجهادية السنية المحسوبة على الأمة الإسلامية، سواء في الشام، أو غيرها، ومحاولة جذب كل متحمس للجهاد إلى بقعة محدودة ليسهل القضاء عليهم تحت ذريعة الحرب على الإرهاب! ﴿وَقَالَ الَّذِي اشْتَرَاهُ مِنْ مِصْرَ لِامْرَأَتِهِ أَكْرِمِي مَثْوَاهُ عَسَىٰ أَنْ يَنْفَعَنَا أَوْ نَتَّخِذَهُ وَلَدًا ۚ وَكَذَٰلِكَ مَكَّنَّا لِيُوسُفَ فِي الْأَرْضِ وَلِنُعَلِّمَهُ مِنْ تَأْوِيلِ الْأَحَادِيثِ ۚ وَاللَّهُ غَالِبٌ عَلَىٰ أَمْرِهِ وَلَٰكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ﴾ [يوسف:21].

علاوةً على أن تكفير المجاهدين من قبل مجموعات غالية تستبيح قتالهم ودماءهم هو لون آخر من ألوان تقويض الجهاد، على طريقة: «لا يقطع الشجرة إلا أحد أغصانها»، والواقع ماثل لا يحتاج إلى تعليق، أو تدليل، أو تمثيل! وهذه أكبر أهدافهم تتحقق على أيدي غيرهم!

وغني عن البيان أن إجماعًا صليبيًا صهيونيًا رافضيًا قد انعقد على منع السُّنة من حكم أنفسهم بأنفسهم في سوريا والعراق وغيرها، وأن جيوش روسيا وإيران دخلن في حرب مباشرة لإنقاذ النظام النصيري بسوريا لئلا ترثه دولة سنية بالشام، وقد نجحت في ذلك إلى حد بعيد كما لا يخفى على متابع، وقد تبدلت مواقف، بل انقلبت رأسًا على عقب من النظام السوري.

ب- إضعاف الكيانات الإسلامية السنية، وتفكيك بناها التحتية:

عمل الغرب- من خلال عملائه في البلاد العربية والإسلامية- على مقاومة الدعوة إلى الله ومحاربة امتدادات العمل الإسلامي المعاصر بكل أشكاله الدعوية والعلمية، وتشويهها والتنكيل بها ومحاصرتها عبر عقود متتابعة، إلا أن المفاجأة أنه بمجرد ارتفاع غطاء القهر والاستبداد وضع الناس ثقتهم في أهل الدعوة إلى الله على تنوع مدارسهم ومناهجهم، وهو أمر أقض مضاجعهم في الغرب كثيرًا، ورعاية بعض نوابت الغلو وتقويتها يمهد السبيل لإلصاق تهم الإرهاب بالعمل الإسلامي بكل تكويناته السنية، ووصم الجميع بتهم تروجها وسائل إعلامية مأجورة تمهيدًا لاعتقالات ظالمة، وأحكام قضائية جائرة، واضطهاد سياسي، وتشويه اجتماعي للعمل الإسلامي برمته، كل ذلك باسم القضاء على الغلو، أو الإرهاب الذي يصنعونه ويسوقونه، ومن ثم يجري استغفال الناس وتزييف وعيهم؛ ليقبلوا بحرب إبادة وتكسير عظام بحق طوائف من الدعاة والمصلحين، وهذا- أيضًا- من الحرب التي يشنها أعداء السُّنة في العمق، ويطمحون من ورائها لتفكيك البنى التحتية للكيانات الإسلامية الدعوية الشمولية.

جـ- تقليص المد الإسلامي في الغرب:

لقد انتشر الإسلام في العقود الخمسة الأخيرة في الغرب انتشارًا عظيمًا، جعل الإسلام هو الديانة الأولى التي يفيء الناس إليها، وقد دقت أجراس خطر كثيرة في الغرب عبر اللوبي الصهيوني هناك، وتعددت محاولات التحرش بالمسلمين في بلاد الأقليات كثيرًا في الآونة الأخيرة، لا سيما بعد أحداث برجي التجارة العالمية عام 2001م، وقد تعددت حوادث القتل والاعتداء على مسلمين ومسلمات في بلاد أوروبا وأمريكا.

ويروج الغرب اليوم أن مسلمي الأقليات باتوا يشكلون تهديدات لمجتمعاتهم بتبنيهم أفكارًا إرهابية، وتنفيذهم لعمليات قتل مروعة، ثم بهجرتهم إلى بلاد العرب للقتال في صفوف مجموعات إرهابية، ويعملون بأشكال متعددة على تشويه مسلمي الأقليات، ووصمهم بألوان من الاتهامات.

وإذا كان المسلمون في تلك الديار بعشرات الملايين، فإن خوف دهاقنة الساسة والفكر هناك هو أن تتحول أوروبا إلى قارة إسلامية بحلول عام 2050م، وتحت هذا الشعار تمارس أساليب إقصائية، وتدبج قوانين استثنائية في بلاد أوروبية كثيرة موجهة بالأصالة ضد الإسلام وأهله ومظاهره، ويعاد تشكيل الرأي العام سلبيًّا تجاه الإسلام هناك.

د- تحويل دول الخليج إلى مدينة بدلًا من دائنة، والسيطرة على منابع النفط:

اكتشف الغرب أن دعم الدعوة والأعمال الخيرية والإغاثية في البلاد الإسلامية يتم عبر مؤسسات خيرية وإغاثية مانحة تقوم على تبرعات محسنين في دول الخليج، فقاموا بحملة عالمية على تلك المؤسسات، صادرت أموال كثير منها، وأغلقت عددًا من فروعها حول العالم، ولفقت عدة قضايا لها باعتبارها متهمةً بدعم الإرهاب، ثم إنه جرى تبرئة القائمين عليها بعد سنوات من الاعتقال تحت المحاكمة!

وظن الغرب أنه أحكم السيطرة، وجفف منابع العمل الخيري، وحاصر الدعوة، إلا أن النتيجة لم تكن كما توقع؛ فكثير من قنوات الخير بقيت يقوم عليها المحسنون بأنفسهم، فكان من الأهمية بمكان تحويل دول النفط الغنية في الخليج إلى دول فقيرة، أو مدينة، وقد كانت الحرب التي زعموا فيها تحالفًا على الإرهاب بتكلفة إجمالية 61 مليار دولار تحملتها دول المنطقة في حرب الخليج أوائل التسعينيات، وقد أثرت تلك التكلفة على ميزانيات دول الخليج، إلا أن الطفرة التي حصلت في أسعار النفط عدلت من الموازين الاقتصادية.

ومسرحية الحرب على الغلو في هذه المرة تهدف إلى ضخ نحو تريليون دولار للخزينة الأمريكية! مع إطالة أمد الحرب من ثلاث سنين إلى عشرة إلى ثلاثين سنة! هكذا صدرت التصريحات الرسمية عن قيادات تلك المسرحية الهزلية!

وهذا كما يحقق إفقارًا لميزانيات دول الخليج فهو يحقق إنعاشًا لاقتصاد أكبر دولة تعاني من الديون وهي أمريكا! وإنعاش تجارة بيع السلاح والاتجار به عالميًّا، وهي وقود الحرب، وعن طريق تلك الحرب تسيطر على منابع النفط الذي عملوا على تخفيض سعره العالمي وبنحو 60% بما يزيد من إشكالية دول الخليج الاقتصادية، وكل هذا بزعم الحرب على الإرهاب! فهل يعي أولئك كيف يستغل وجودهم على نحو يزيد من الضعف العام لبلاد الإسلام؟!

هـ- تنفيذ (سايكس بيكو) جديدة:

بحلول العام الميلادي 2016م مرَّت مائة عام على اتفاقية (سايكس بيكو) التي وقعت سريًّا بين عامي (1915- 1916م) والتي بموجبها تقاسمت القوى الاستعمارية- آنذاك- العالم الإسلامي، ويبدو أن هذه المنطقة التي جرى تقسيمها بحاجة- في نظر الغرب المستعمر- إلى مزيد تقسيم!

لكن إنجاز هذه المخططات التي سربت وثائق كثيرة عنها يحتاج إلى إخراج دموي؛ كالحرب العالمية الأولى التي في إثرها وقعت ثم فعلت (سايكس بيكو)!

وهو الأمر الذي لأجله تفتعل الحرب على المنطقة العربية الآن، ويبرر إشعال المواجهات، وتفاقم الصدامات في الشرق الأوسط، ﴿يَسْأَلُونَكَ عَنِ الشَّهْرِ الْحَرَامِ قِتَالٍ فِيهِ ۖ قُلْ قِتَالٌ فِيهِ كَبِيرٌ ۖ وَصَدٌّ عَن سَبِيلِ اللَّهِ وَكُفْرٌ بِهِ وَالْمَسْجِدِ الْحَرَامِ وَإِخْرَاجُ أَهْلِهِ مِنْهُ أَكْبَرُ عِندَ اللَّهِ ۚ وَالْفِتْنَةُ أَكْبَرُ مِنَ الْقَتْلِ ۗ وَلَا يَزَالُونَ يُقَاتِلُونَكُمْ حَتَّىٰ يَرُدُّوكُمْ عَن دِينِكُمْ إِنِ اسْتَطَاعُوا ۚ وَمَن يَرْتَدِدْ مِنكُمْ عَن دِينِهِ فَيَمُتْ وَهُوَ كَافِرٌ فَأُولَٰئِكَ حَبِطَتْ أَعْمَالُهُمْ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ ۖ وَأُولَٰئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ ۖ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ﴾ [البقرة: 217].

فلا بد من انتباه إلى خطورة المخططات الرامية إلى التقسيم عبر الصدام وتأجيج الخصومات بين أهل الإسلام وعلى أرضهم!

ولا يخفى أن هذا التحالف الدولي هو الثالث على العراق في ثلاثة عقود متتابعة من مطلع التسعينيات إلى اليوم، وفي كل مرة ينفقون من أموالنا وأموالهم، ثم تفشل مخططاتهم! لا أنجح الله لهم مقصدًا! ﴿إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا يُنْفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ لِيَصُدُّوا عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ ۚ فَسَيُنْفِقُونَهَا ثُمَّ تَكُونُ عَلَيْهِمْ حَسْرَةً ثُمَّ يُغْلَبُونَ ۗ وَالَّذِينَ كَفَرُوا إِلَىٰ جَهَنَّمَ يُحْشَرُونَ﴾ [الأنفال: 36].

و- تسليم إيران منصب شرطي المنطقة:

أيقن الغرب أن المواجهة العسكرية على أرض الرافدين والشام وغيرها محفوفة بمخاطر الهزيمة، وتأكدوا من ذلك بعد حرب العراق التي خرجوا منها عام 2008م يجرون أذيال الهزيمة والخيبة، ثم أعلنوا رسميًّا هذا العام 2015م عن هزيمتهم في العراق، وجريمتهم غير المبررة في محاولة احتلالها بزعم تملكها السلاح الكيميائي!

واقتنعوا- في نهاية المطاف- أنهم لا يقاتلون العرب بأنفسهم، وإنما بالواسطة، وليس بالمنطقة العربية من يحمل عداءً للإسلام والسُّنة كما يحمله المشروع الفارسي الصفوي الإيراني، الذي يحلم باستعادة الإمبراطورية الفارسية من جديد!

كما يحملون عداءً تاريخيًّا وعقيدةً تكفيريةً لأهل الإسلام السُّنة، وقد كانت الشعارات الاستهلاكية بثوران الاحتجاجات الإيرانية ضد الإمبريالية الأمريكية والصهيونية متسيدةً الفترة السابقة، حتى قرروا معًا الكشف عن عمق العلاقة التحالفية والاستراتيجية بين الغرب بمشروعه الصهيوصليبي والمشروع الصفوي الفارسي، وبات واضحًا أن أمريكا تمهد الأرض للإيرانيين لتسلم أزمة القيادة في المنطقة بعد إبرام اتفاقهم النووي مع إيران، وبموجبه ستتوغل إيران علانيةً في اليمن، ومن بعدها دول الخليج، وقد ظهرت بوادر الحرب الداخلية والفتن في كل من البحرين، والكويت، بتمويل وتخطيط وتدريب إيران.

ومن جهة أخرى فليس سرًا أن إيران عملت على اختراق تنظيمات الجهاد كافة، واحتفظت بصلات ودعم مالي وعسكري لفئات جهادية كثيرة، ولم ولن يكون دعمًا للإسلام السني بحال! وإن كان فلن يكون بلا مقابل!

ومن هنا: وجب على المتعاملين معهم أن يراجعوا ويتأملوا سعي الإيرانيين إلى تفجير الأوضاع داخل البلاد السنية، وينظروا في مصالحهم من وراء ذلك، ولعل فيما جرى في العراق وسوريا واليمن عبرة لمعتبر!

ز- تجدد الأطماع الصهيونية في سيناء:

إن تجدد الصدام على أرض سيناء يفتح بابًا ملكيًّا لليهود حتى يدَّعوا تهديدًا لأمنهم، لا سيما بعد تفجير خطوط الغاز، ووقوع صدامات متعددة ومستمرة، وهو أمر يوجد ذرائع كبيرة لاستعادة سيناء، أو لتحويلها إلى وطن قومي للفلسطينيين! كما هو منصوص عليه في خطط اليهود، وكما يبشر به أمريكيًا فميا يعرف بصفقة القرن، فالوطن البديل فكرة يهودية على أرض مصرية، وبتمويل خليجي!

والصدامات التي وقعت مع أهالي سيناء مؤخرًا وتهجير أهلها القاطنين على الحدود مع غزة مما يزيد الأمور احتقانًا وصدامًا، ولا ينتفع من وراء ذلك إلا الصهاينة وأولياؤهم! والأدلة على ذلك من الواقع يضيق المقام عن رصدها وحصرها.

ح- ضرب غزة وحماس ونزع سلاحها:

لقد كانت الضربات الموجعة التي وجهتها حماس لليهود في الحربين الأخيرتين بمثابة صدمة للغرب قبل إسرائيل، وكأن صواريخ المقاومة كانت تسقط في واشنطن بدلًا من تل أبيب! وهو أمر لا يمكن السكوت عليه لمن التزم في كل محفل بحماية ورعاية وأمن الكيان المحتل!

وعليه؛ فإن استثمار الغلو الذي يمثله تنظيم الدولة مع الصدام العسكري على أرض سيناء واستفزازات اليهود يمكن أن يفضي إلى حرب ثالثة يحكم فيها الحصار على غزة حتى يتمكن من اقتحامها يهوديًّا، أو إقليميًّا!

والذرائع تحت دعاوي الإرهاب لا تنقص العقلية التآمرية على المشروع المقاوم في غزة، وتقويض هذا المشروع- بلا شك- يمثل حلمًا يهوديًّا، وكارثةً على القضية الفلسطينية!

ط- إسقاط النظام التركي:

مثَّل الصعود التركي الأردوغاني صفعةً للغرب من حيث إنه ظن هذا الأنموذج هو أنموذج العلمانية المتأسلمة التي يجب ترويجها في المنطقة العربية، فهي علمانية بمسحة إسلامية فقط!

إلا أن النموذج التركي كشف عن روح إسلامية قوية، ونصرة للقضايا الإسلامية لا مثيل لها في أي دولة عربية، وانحياز لثورات بلاد الربيع العربي، ومع تملك أسباب القوة الاقتصادية والتقنية فقد صارت تركيا الأردوغانية خطرًا على المشروع الصهيو صليبي!

فسعى الجميع إلى جرها إلى حرب في العراق، أو الشام تفضي إلى سقوط قتلى وجرحى تقوم لأجلهم المظاهرات الممولة مطالبةً بإسقاط النظام، فيسقط النظام، إلا أن النظام تنبه لهذا مرةً بعد أخرى؛ فلم ينجر إلى مواجهات في الموصل، أو في عين العرب، أو مع الأكراد، ثم سعوا في تنظيم انقلاب عسكري خائن، لم ينجح بفضل الله.

وما يزال السعي محمومًا للتوريط في الحرب على العراق والشام بشكل سافر! وأخيرًا فقد استدرجت تركيا للحرب مكرهةً!

ثم إنه بمجرد ما يقع التجاوب مع تلك الاستفزازات والتعاطي معها، تتحرك آلة الإعلام والسياسة معًا لتأليب الجماهير، وإسقاط نظام نصير للإسلام عامةً، وللسنة على وجه أخص، وللسوريين بما لا مجال للشك فيه!

وفي حال فشلت تلك المحاولات الحثيثة فإن الجعبة الأثيمة لا تزال ملأى بأنواع من الكيد وصنوف من محاولات الانقلاب والتغيير الدموي بعد فشل السلمي!

بناء على ما سبق فإن إيقاظ المجموعات الجهادية إلى هذه الأخطار المحدقة والإشكالات الواقعة والمفاسد المتفاقمة- من شأنه: أن يحول دون توظيف لبعض أهل الإسلام ضد الإسلام نفسه، واستثمار بعض شبابه في وأده! كل ذلك من حيث أرادوا نصرته، إلا أنه كم من مريد للخير لا يبلغه!

ثانيًا: المسالك والأسباب العملية التنفيذية:

1- تجييش المجتمع بمؤسساته لمواجهة محاولة الاختطاف نحو الغلو:

وهذا يعني تفعيل المؤسسات المجتمعية بأسرها، واعتبار محاربة الغلو هدفًا مقصودًا لكل فئات المجتمع ومؤسساته، فلا تخرج عن هذا مؤسسات الدولة، ولا تبعد عن ذلك وسائل التعليم والإعلام والتأثير كافة!

وهو يقتضي خطة شاملة في مناهج المدارس والتعليم الجامعي، وبرامج المساجد ودروس العلم، وحلقات الإعلام، ومواده المسموعة والمرئية والمقروءة على حد سواء.

كما ينتظم جهود الثقافة المجتمعية ومؤسساتها المختلفة، إضافة إلى تثقيف منسوبي القطاعات الرسمية القانونية، والأمنية بالثقافة الشرعية، والحدود والآداب الإسلامية في التعامل مع الغلو والغلاة.

ويدخل في ذلك: القضاء على أسباب صناعة الغلو وترويجه، سواء منها المباشرة، وغير المباشرة، وهذا يستلزم مواجهةً لمنكرات التسيب والانحلال، وحمايةً لأعراض وكرامة المصابين بالغلو، فضلًا عن كفاية أسرهم وذويهم!

وحتى يتحقق معنى تجييش المجتمع، فإن برامج وفعاليات دينيةً وإعلاميةً وتربوية ومناظرات حواريةً ومناقشات علنيةً وغير علنية يجب أن تعرف طريقها داخل المجتمع بكل تكويناته ومؤسساته، متحلية بتنوع في المعالجة، وتعدد في وسائل الوقاية والعلاج.

2- دعم العلماء والدعاة والمحتسبين على الغلو:

من غير شك فإن الجهد الأكبر في رد الغلو والاحتساب عليه واقع على أهل العلم والدعوة والفكر والثقافة معًا، وقيام الـمعنيين منهم بهذا الواجب يحتاج إلى مهمات، منها:

إيقاف العلماء على حقائق الغلو المعاصر، وما يترتب عليه من كوارث في المجتمعات، وأن النهي على منكرات الأهواء والشهوات ليست بأولى من النهي عن منكرات الغلو في شأن الدماء، والأموال، والأعراض، والتكفير بالشبهات! كما يتضمن هذا الدعم تفريقًا وفصلًا بين حماية المجتمع وحماية عروش، أو ممالك، أو حكومات فيها ظلم، أو فساد، وأن تحقيق مصلحة الدين أولى من التوقف عن الإنكار؛ خشية أن يقال: إنه عمل لحساب السلطان، أو نهى عن منكرات تمس حكم السلطان فحسب!

وأخيرًا، فلا بد من دعم العلماء والحكماء في الحسبة على منكرات السياسة، وكف عمل أهل الحكم بما يخالف الشرع المطهر ومصالح البلاد والعباد.

ومما تجدر إشارة إليه: أن من دعم أهل العلم في هذه المسائل: معالجة عدد من الأمور التي تعتبر معوقًا عن قيام العلماء بواجبهم، ومن ذلك: اعتقاد بعض العلماء والمفكرين أن التصدي للغلاة قد يخدم بعض الدول المحاربة للإسلام وأهله، أو أن الإنكار على بعض هؤلاء يوهن الإسلام والسُّنة من جهة تصدي بعضهم للرافضة، وقد يخالط ذلك أنواع من المخاوف الحقيقية من بطش هؤلاء بالعلماء، أو تعريض أعمال ومشاريع مهمة للتوقف أو التعويق، وقد يظن بعض الفضلاء أن مفاسد الاحتساب على هؤلاء، أو أولئك تربو على مصالـحه!

ومثل هذا يحتاج- من جهة- إلى نقاش وحوار جماعي، وتكاتف مجتمعي؛ لتأمين بعض المصالح، ودرء بعض المفاسد، كما يحتاج- من جهة أخرى- إلى شد أزر أهل العلم والفكر بأهل الشوكة والقدرة.

على أن المحافظة على وجود فئة من العلماء والدعاة بمنأًى عن الاتهام بصفة «الرسمية»، أو «الحكومية» يفيد لدى طوائف من الغلاة الذين فقدوا الثقة بالجملة في العلماء الرسميين.

3- السعي في الإصلاح والاحتساب السياسي:

وقد يكون من المسلَّم به: أن الناس على دين ملوكهم، وأن الانحراف في باب الحكم انشعب عنه من الفساد في كل مجال ما الله به عليم، وأن الله يزع بالسلطان ما لا يزع بالقرآن، وأن صلاح السلطة السياسية أصل يتفرع عنه صلاح الرعية، وعليه؛ فإن الإصلاح السياسي بالاحتساب تارةً، وبالمشاركة تارةً، وبالمكاثرة في مواقع التأثير والإدارة تارةً، كل ذلك من شأنه: أن يكون له أثر مباشر على انحسار المنكرات وتقلص المخالفات، وتخفيف السخط والاحتقانات.

والإصلاح السياسي الذي يعني: أمرًا بالعدل، ونهيًا عن الجور، وتشاورًا في الأمر، وتداولًا للمال بين الرعية بمقتضى السوية، كل ذلك من الاحتساب السياسي الذي يقلل من فرص تنامي الغلو.

ولا شك أن من أكبر أسباب الغلو: الاضطهاد السياسي لبعض فئات المجتمع الإسلامي، وتمتع المسلم في مجتمعه بحقوقه السياسية يؤذن بإنهاء كثير من الإشكالات التي أضرت بالمجتمعات.

  • إيجاد أذرع إعلامية مجتمعية ومستقلة عن الحكومات:

من أهم المسالك: إنشاء وسائل إعلامية مقروءة ومسموعة ومرئية معنية بقضايا المجتمع وهمومه، بعيدًا عن التبعية للسلطة السياسية، فهي بهذا تعيد الثقة في العلماء والمثقفين، وتدفع عنهم شبهة العمل لحساب السلاطين، وتمكِّن من قول الحق في كل انحراف، أو منكر سياسي، أو غير سياسي، وتقوي مؤسسات المجتمع على حد سواء، وتمثل ضمانة لوجود صوت مستقل عن صوت السلطة.

كما أن من شأن هذه الأذرع: أن تدافع عن العلماء المثقفين والمفكرين الأحرار ضد حملات التشكيك، أو الافتراء عليهم؛ لأن الدفاع عنهم من قبل مؤسسات إعلامية تابعة للدول قد يزيد الأمر شبهةً عند الشباب والفئات المغرر بهم في ساحة الغلو!

كما أن تملك وسائل وأدوات إعلامية حرة يعين المصلحين على الجهر بالإنكار المنضبط على كل من يجب الإنكار عليه علانيةً، ويقوي جانب مؤسسات المجتمع المسئولة عن صلاحه وطهارته.

  • السعي في تقليل الانحراف والغلو ما أمكن إلى ذلك سبيل:

مما لا يحسن تجاهله: خطاب الفئة الشرعية لدى الغلاة بالمناظرة والمحاججة في أصل قضايا الإيمان والكفر، وفي وجوب مراعاة السياقات الواقعية والسياسية للأمة اليوم، وبتحذيرهم من أن يتحولوا إلى مجرد علماء سوء يقومون بشرعنة انحرافات هذه الطائفة الغالية.

وكما أن انحراف طبقات الغلاة في الفئة الواحدة متفاوت، فمن باب أولى تفاوت انحراف الفئات المنسوبة للغلو والعنف، والجهاد يعج اليوم بفئات كثيرة، منها: ما هو أقرب إلى الغلو والبدعة، ومنها: ما هو أقرب إلى الوسطية والسُّنة.

ولا يجوز- بحال-: أن تحشر جميع الطوائف الغالية، أو المنحرفة في سياق واحد، وأن تكال التهم لها جزافًا، فمن العدل: أن يعرف أيها أقرب وأقلُّ غلوًّا، وأكثر موافقةً للسنة من غيرها.

وعند العلاج إذا لم يمكن الانتقال عن البدعة إلى السُّنة، فإنه يمكن القبول مرحليًّا بالانتقال من الأشد غلوًّا إلى الأقل، ومن الأقل إلى ما هو دونه، حتى ينتقل المجاهد من الأقل اتباعًا للسنة إلى من هو أكثر اتباعًا وأفضل لزومًا للسنة.

وهذا التدرج إذا لم يمكن غيره فلا يجوز تفويته ولا إهماله، بل هو من الواجب الشرعي على المتصدي للإنكار على الغلو وأهله، فإنه إذا لم يقدر على إزالة المنكر بالكلية كان عليه أن يسعى في تخفيفه وتقليله، والميسور لا يسقط بالمعسور.

وعليه؛ فإن من الإجراءات المهمة: بيان سلم الغلو في بيئة ما، ومعرفة المآخذ على كل فئة وطائفة، بحيث من أراد الجهاد والاستشهاد فإنه يرشد إلى الفئة المتبعة للسنة، فإن تعذر فإلى من هو أقرب، وهكذا يطالب المنتمي إلى تنظيم الدولة بالشام أن ينتقل إلى القاعدة، ومنها إلى النصرة، ومن كان في النصرة ينتقل إلى الجبهة الإسلامية، ومنها إلى أحرار الشام وصقورها- مثلًا.

ولا يصلح أن يكون الإنكار باتًّا قاطعًا نهائيًّا إلى غير بديل شرعي!

والمحتسب تارةً يأمر، وتارةً ينهى، وتارةً يسكت!

على أن من الغلاة من هو من الخوارج وهو في صلب أبيه! ومنهم من يكون مع الدجال في آخر الزمان، لكن الأمر القدري الكونـي لا يعارض الأمر الشرعي الإلهي الطلبي بتكثير سواد أهل السُّنة، وتقليل أهل الغلوِّ والبدعة!

 

 

 

مقدمة 5

أسباب ودوافع قبول الاختطاف نحو الغلو والعنف.. 6

أولًا: أسباب ذاتية 6

أ- ضعف الانتماء إلى المجتمع. 6

ب- السمات الشخصية التي تدعو إلى العنف.. 7

ثانيًا: الأسباب العلمية والفكرية 7

ثالثًا: الأسباب السياسية والاجتماعية 12

1- تسيُّد العلمانية، وتنحية الشريعة الإسلامية 12

2- تتابع النكسات، وتوالي الهزائم، وتفاقم الانكسارات.. 14

3- اختلال واعتلال للعلاقة بين الحاكم والمحكوم 15

4- الانحلال الأخلاقي، والفساد الإعلامي. 16

رابعًا: الأسباب المحلية والإقليمية: 17

وسائل وأدوات اختطاف الإسلام نحو الغلو. 18

أولًا: الوسائل والأدوات المباشرة 18

ثانيًا: الوسائل غير المباشرة 19

أولًا: الوسائل المباشرة 19

1- انتشار إرهاب الدولة، والإرهاب الدولي. 19

2- صناعة حركات وجماعات الغلو واستثمارها 32

3- دورات التأهيل للغلو والعنف.. 36

4- السجون والمعتقلات مصانع للغلو والعنف.. 38

5- الإعلام الموجه والجديد 40

6- تغييب العلماء ودعاة الوسطية والاعتدال. 44

ثانيا : الأسباب غير المباشرة 45

1-  تفشي داء الافتراق  والتدابر في العمل الإسلامي . 45

2- ضغط الاستضعاف الذي تعيشه الأمة. 47

3- ردة الفعل على الصحوات. 49

4- الحرب على التدين ومظاهره. 51

أولًا: تحرير المرجعية في الحكم على الغلو والتطرف.. 53

ثانيًا: التقصير في فهم قول المعاصرين من كلامهم، أو كتبهم أنفسهم 54

ثالثًا: تحرير الفوارق بين ما في الكتب من مقولات الفرق، وما في الواقع من تطور. 55

رابعًا: الغفلة عن نوازل تتضمن انحرافات مؤثرة في واقع الأمة: 57

خامسًا: حصر الغلو في جانب دون آخر (المواجهة الجزئية): 58

سادسًا: ارتباط الحسبة على الغلو بسلطة منحرفة، أو ظالمة ومؤسسات دولة دون مؤسسات المجتمع  59

سابعًا: الواقعة المصنوعة بين الأنظمة العربية والعمل الإسلامي. 60

أولًا: المسالك والأسباب النظرية العلمية 61

1- تحرير مدونة الوسطية والاعتدال فيما وقع فيه الغلو. 61

2- فك الاشتباك ورفع الالتباس بين المشروع والممنوع من الجهاد وقضاياه، ومسائل السياسة الشرعية  63

3- مراجعة «من» و «ما» قد يدعم فكره ومواقفه الغلو بطريق، أو بأخرى. 65

4- تنبيه الغلاة إلى خطورة توظيفهم وأعمالهم لصالح الصليبيين، والصهاينة، والرافضة  66

ثانيًا: المسالك والأسباب العملية التنفيذية 75

1- تجييش المجتمع بمؤسساته لمواجهة محاولة الاختطاف نحو الغلو: 75

2- دعم العلماء والدعاة والمحتسبين على الغلو: 76

3- السعي في الإصلاح والاحتساب السياسي: 77

4- إيجاد أذرع إعلامية مجتمعية ومستقلة عن الحكومات: 78

الفهرس.. 80

 

 

([1]) أخرجه مسلم (1920) من حديث ثوبان I.

([2]) أخرجه ابن ماجه (3992) من حديث عوف بن مالك I.

([3]) أخرجه أحمد (2947)، وأبو داود (3659)، وابن حبان (61) من حديث ابن عباس L.

([4]) التوسمات، لشكري مصطفى (19-21).

([5]) التوسمات، لشكري مصطفى (53، 54).

([6]) الاعتصام، للشاطبي (1/336).

([7]) أخرجه البخاري (3612) من حديث خباب بن الأرت I.

([8]) أخرجه الترمذي (2254) من حديث حذيفة I.

([9]) مَن قتل فرج فودة؟ (ص23، 24)، والكلام لفضيلة أ.د: عبد الغفار عزيز، عميد كلية أصول الدين بالأزهر V.

([10]) بيان مجمع الفقه الإسلامي برابطة العالم الإسلامي بمكة 10/1/2001م.

(1) القوة والإرهاب، لنعوم تشومسكي (ص48).

(2) جريدة الحياة، العدد (14415)، السبت 7/9/2002م.

([13]) راجع: الإرهاب نظرات لغوية وشرعية وقانونية مقارنة، لعثمان جمعة ضميرية (ص115-120).

([14]) تطرف الغرب يصنع تطرف الشرق، د. محمد الأحمدي، مقال في مجلة أواصر، العدد الأول، 2017م.

([15]) الغرب والشرق الأوسط، برنادو لويس، ترجمة نبيل صبحي (ص172)، اكتشاف المسلمين لأوروبا، برنادو لويس، ترجمة ماهر عبد القادر (ص312 – 322).

([16]) إنسانية الإنسان، لرينيه دوبو، ترجمة نبيل صبحي (ص18).

([17]) المحافظون الجدد والنظام الدولي، جوناثان كلارك، وستيفان هالبر، كمبردج، 2005م.

([18]) إعلان الخلافة لأبي محمد العدناني، نقلًا عن التنافس بين القاعدة وتنظيم الدولة، لمحمد محمود أبو المعالي (ص33)، مركز الجزيرة للدراسات.

([19]) تنظيم الدولة الإسلامية، إدارة التوحش، السفير عبد الله حمد الأزرق (ص62).

([20]) واشنطن بوست في 4/11/2014م.

([21]) تنظيم الدولة الإسلامية (ص125).

([22]) صورة الإسلام والمسلمين في الغرب، أحمد الراوي (ص15)، نقلًا عن:

Shaheen, Jack, Reel Bad Arabs Olive Branch Press, NewYork, 2001.

([23]) صراع الحضارات، لهنتنجتون (ص258).

([24]) من تمهيد لكتاب صناعة الخوف من الإسلام، تأليف نايثان لين، ترجمة أنس مكتبي، دار جامعة الملك سعود للنشر.

زر الذهاب إلى الأعلى