اجتماعيةندوات

(الحاجة إلى الفتيا الاستراتيجية في النوازل العامة: وباء كورونا أنموذجاً)

تقرير الندوة الشهرية

 

 

عقد مركز رؤيا للبحوث والدراسات ندوته الشهرية عبر تطبيق الزوم تحت عنوان: (الحاجة إلى الفتيا الاستراتيجية في النوازل العامة: وباء كورونا أنموذجاً)، يوم الخميس 23/شعبان/1441ه الموافق 16/أبريل/2020م، وتعد هذه الندوة ضمن سلسلة من الندوات عزم المركز عقدها خلال المرحلة الراهنة التي تمر بها أمتنا المسلمة والعالم، وهذه السلسلة تتعلق بالخطاب العام حول كورونا، وندوة الفتيا كانت هي الثانية من حيث ترتيبها، وقد شارك فيها عدد من المشايخ والعلماء المتخصصين بشأن الفتوى في العالم الإسلامي والمهتمين بها، وأدار الندوة فضيلة الشيخ الدكتور هشام برغش المدير التنفيذي لمركز رؤيا للبحوث والدراسات، وتضمن برنامجها مداخلة رئيسة وأربعة تعقيبات ثم فتح باب المناقشة للحضور.

أولاً: الورقة الرئيسة للندوة:

كانت المداخلة الرئيسة لفضيلة الشيخ الدكتور محمد يسري إبراهيم حول موضوع الفتيا الاستراتيجية ومأسستها، وتضمنت هذه المداخلة ثلاثة محاور رئيسة على الوجه الآتي:

المحور الأول: ملحوظات أساسية على تعاطي عدة جهات مع النازلة:

-الجهات العلمية والإفتائية الرسمية، ومما يلاحظ على فتاويها:

1.السرعة اللافتة في إخراج البيانات والفتاوى.

2.الاكتفاء بالبيانات أو الفتاوى المقتضبة المؤيدة للتوجه الرسمي المطالب بالإغلاق.

3.لم تقع مراجعات هذه الفتاوى السريعة بعد مضي أسابيع من إغلاق المساجد.

-الجهات العلمية غير الرسمية والشخصيات الاعتبارية:

وهذه الجهات انقسمت على فريقين، فريق مع المنع، وآخر ليس معه على تفصيل بينهم، فأما الذين منعوا، فتسعهم الملاحظات المتعلقة بفتاوى الجهات الرسمية، وأما الذين ليسوا مع المنع، فقد صدرت منهم فتاوى متعددة، وقد أشار الدكتور يسرى إلى هذه الجهات والأشخاص الاعتبارية، ومما ذكره من ملاحظات حول هذه الفتاوى الآتي:

1.عنايتهم بتحرير المناط في المسألة الخلافية وبيان محل النزاع.

2.العناية بما يرتبط بالنازلة من أحكام، وتحرير الفتاوى والكتب في هذا المجال العاجل.

3.وقوع بعض العبارات والإشارات التي لا تليق بمن صدرت منه نحو بعض أهل العلم.

4.جريان الخلاف في الأحكام القدرية كما جرى في بعض الأحكام الفقهية.

المحور الثاني: أهمية ومقومات وخصائص مؤسسة إفتاء أممية مستقلة:

أشار الدكتور يسري إلى أن من الإشكاليات المتعلقة بمؤسسات الفتيا في العالم الإسلامي ارتباطها بمؤسسات الحكم وارتهان الفتيا بها، والأصل أن مؤسسة الفتيا هي من مؤسسات المجتمع وليست من مؤسسات الحكم ولا مؤسسات العمل الوظيفي، وأثار التساؤل الآتي مستشرفاً: هل تكون نازلة كورونا فرقاناً بين عهدين وتصحيحاً لمسار تطاول لنحو قرنين، فالمشكلة بحسبه ليس فقط في احتكار الفتيا في الشأن العام ولا في مسايرتها فقط لمرادات الحكام، وإنما الاعتقاد أن الفتوى هي ما تظللت بمظلة الدولة وإن صدرت من متخصص متأهل، كما أن ثلة من أرباب النفوذ اليوم يسعون لإقصاء مؤسسة الفتيا عن الدولة والمجتمع معاً، ولهؤلاء كما لا يخفى في مجتمعاتنا صوت قوي نافذ وتأثير وحضور وأدوات إعلامية وهم يروجون صراحة للعلمانية.

وأكد الدكتور يسرى على أن الفتيا على المستوى الأهلي والشعبي لم تكن غائبة، وحضورها في جهات وشخصيات اعتبارية عرفت الأمة مصداقيتها ووثقت في كلمتها، وهي مدعوة اليوم إلى تأخذ بزمام المبادرة لتوجد مؤسسة مستقلة للإفتاء لا تنتمي لدولة ولا لحزب سياسي ولا لجماعة دعوية، وإنما هي جهة شرعية علمائية من شخصيات اعتبارية تمثل أطياف الأمة العلمية وممن عرفوا بالنصح لها.

وأشار يسري إلى جملة من النقاط التي يمكن أن تكون منطلقاً للنقاش والحوار بين أهل العلم حول مشروع مؤسسة الفتيا، وهي على الوجه الآتي:

-المؤيدات الدالة على أهمية وجود مؤسسة للإفتاء الاستراتيجي في الأمة، وأبرزها:

1.هذه المؤسسة تشير إشارة مهمة إلى ما يسمى بالتيار المجتمعي للأمة، وهو ذلك التيار الذي يتألف من مؤسسات وشخصيات وتجمعات متعددة الاهتمامات الشرعية والدعوية.

2.وهذه المؤسسة إذا وجدت هي ذاتها تكون وسيلة وسبباً للحفاظ على هذا التيار العام، فهي ترعى وجوده وجهوده على حد سواء.

3.إن أزمنة التحولات سوف تكون بمثابة مشعل هداية يوجه بوصلة الأمة في طريق التغيير، ولا شك أن الأمة في مفترق طرق وتحتاج إلى من يسدد اجتهاداتها في هذا الطريق.

4.من المؤيدات أيضاً وجود عدد معتبر من المؤهلين للإفتاء خارج الدول المستبدة، ومع توفر عنصر الكفاءة الفقهية والغطاء القانوني يمكن تأسيس وإيجاد هذه المؤسسة.

-مقومات هذه المؤسسة:

1.المقوم البشري، وقد أشير في المداخلة إلى العلماء المؤهلين للفتيا.

2.مقوم التأسيس، وهذا يمكن تحقيقه مع توفر الغطاء القانوني في دولة التأسيس، أو يكون في إطار افتراضي.

3.مقوم استراتيجي يجعل مؤسسة الفتيا يستشرف للمستقبل ويراعي متطلبات المراحل القادمة.

4.مقوم منهجي بحيث يكون قوام المؤسسة الاجتهاد الجماعي المنضبط بضوابط الشريعة.

5.الاستقلال.

6.المقوم التكاملي العالمي.

المحور الثالث: نحو خطوات عملية في إنشاء مؤسسة جديدة للإفتاء:

وقد أشار الدكتور يسري إلى مسارين يمكن أن يسهما عملياً في إيجاد هذه المؤسسة، وهما:

-مسار مؤسسي: يعتمد مبادرة من جهات علمية أهلية وشعبية بصورة جماعية، بحيث تنتدب من يمثلها في حوار تشاوري تكون نتيجته التخطيط الاستراتيجي لمؤسسة الفتيا.

-مسار شخصي: ويكون بمبادرة من علماء ومتخصصين باتجاه الهدف ذاته.

ثانياً: التعقيبات:     

شهدت الندوة بعد مداخلتها الرئيسة أربعة تعقيبات على وفق ما يأتي:

 -التعقيب الأول للدكتور نور الدين الخادمي وزير الأوقاف التونسي السابق:

وأبرز ما تضمنه تعقيبه ما يأتي:

1)الإفتاء في كورونا كان مؤسسياً وفردياً، ورسمياً ومدنياً.

2)كان هذا الإفتاء موصولاً بأطر الواقع (الصحة، والقانون، والإعلام .. إلخ).

3)هذه الفتاوى كانت مؤثرة في الجهد العام لمجابهة الوباء على مستوى المفهوم الشرعي وتقديم الفتوى، وعلى مستوى تفسير الظاهرة من الوجهة الدينية.

4)الفتاوى اتسمت بما هو غالب ومغلوب على مستوى الاختيار الفقهي، والغالب فيها إيجابي باتجاه إفتاء واقعي راعى متطلبات الطب والقانون والمآلات، ولذلك جاءت فتاوى غلق المساجد وتعطيل الجماعات مع حساسية هذه المسألة لدى الشعور الإسلامي العام، وقد ووجهت هذه الفتاوى أول الأمر باعتراض شعبي واسع تراوح بين الاعتراض النفسي والامتعاض الذاتي، ووصل إلى إطلاق عبارات التشنيع والتحذير وغيره.

والمغلوب تمثل في أقوال أخرى اتخذت مواقف المنع من الإغلاق، وبنيت هذه المواقف على قراءة فقهية وسردية شرعية أكثرها ظاهري حرفي فيه نصوص وآيات وأقوال، ولكنه لم يمس تحقيق المناط واعتبار المآل ولا عالمية النازلة وخطورتها.

5)هذه الفتاوى مثلت معاودة لدورة فقهية معاصرة وحراك فقهي جديد ينبئ بمشروع إفتائي جديد، يتأسس ضمن تأسيسات جديدة ووقائع جديدة ستكون بعد كورونا، بمعنى أن هناك تحولات كبرى تعقب كورونا على الصعيد السياسي والاجتماعي والقوانين والعلاقات الدولية والتنمية وحقوق الإنسان، وأيضاً على مستوى الفقه والتعليم الشرعي، فسنقبل على تطور نوعي وتحول كبير على وفق المسارات الأخرى.

6)مثلت هذه الفتاوى استعادة لدور الدين والقيم من خلال الفتوى في مضمونها الفقهي وفي أسلوبها الوعظي، وفيما اتسمت به من تفسير عقدي وتشريعي ومقصدي أسهم في استعادة للوعي الإسلامي، وفي المقابل وجدنا بعض الأطراف الأخرى ينتسبون إلى العلمانية واللائكية والدوائر الآيديولوجية المعادية للإسلام وهويته اعتبروا هذه الفتاوى لا علاقة لها بالواقع، فظاهرة كورونا هي قضية طبية فنية بحتة لا علاقة لها بالتفسير الديني أو بمنظومة الأخلاق والقيم، ولا منظومة الغيب، وهذا على خلاف الواقع في العالم، حيث استيعد قول الدين وتفسيره وخطابه واستعين به في العالم بأجمعه.

7)فيما يتعلق بمؤسسة الفتيا، هذا مشروع مهم وضروري وعاجل، ولكن بمقومات وشروط وآليات وأدوات وإجراءات، ومن المهم أيضاً تأسيسه على مسار جديد، فالإفتاء ينبغي تأسيسه بوصل بالقانون والعلوم الجديدة وبالمنتجات العصرية، ويتأسس أيضاً على جرأة محمودة واستقلالية تامة وعلى تمويل مالي وبنية إدارية، وعلى تنسيق مع الروابط والكيانات الفقهية، فمؤسسة الإفتاء لا تكون بديلة عن المجامع وإنما تتواصل معها، فهي مؤسسة وكيان مستقل موصول بكيانات مستقلة.

-التعقيب الثاني للدكتور وصفي عاشور أبو زيد أستاذ مقاصد الشريعة الإسلامية:

وأبرز ما تضمنه تعقيبه ما يأتي:

1)الإشادة بمواقف العلماء وفتاواهم، ورأى أن هذه المواقف تعد تطوراً نوعياً في التعامل العلمائي مع النوازل، فقد كانوا على أهبة الاستعداد ولم يتباطؤوا ووالوا المشهد بفتاوى وبيانات بنوعيها الجماعي والفردي، بل إن بعض الفتاوى استبقت الواقع واستشرفت مآلاته بتوقعات حدثت فيما بعد.

2)وقوع الاختلاف في الفتاوى وهذا أمر طبيعي، ولا بد من فسح المجال له واستيعابه، ولا ينبغي التعامل معه في سياق الاتهام والتخوين.

3)بخصوص المؤسسة الإفتائية يراها الدكتور وصفي اقتراحاً مهماً، ولكنه ليس سهلاً، فهو مقترح معقد ومتشابك يتطلب جهداً كبيراً ونظراً وفكراً وتأملاً في القائم الموجود من المؤسسات، كما يلزم النظر إلى الشروط التي يلزم توفرها في هذه المؤسسة وضرورة إدراك موانعها ومعوقاتها.

-التعقيب الثالث للدكتور عبدالعزيز مصطفى كامل الداعية الإسلامي والباحث في السياسة الشرعية:

وأبرز ما تضمنه تعقيبه ما يأتي:

1)هذه النازلة تتفرع عنها نوازل كثيرة، وقد تتفرع عنها مستقبلاً نوازل أكثر، فهي ليست وباء يأتي ويستمر مدة ثم ينقضي، بل صحبتها وستصحبها نوازل ومشكلات أخرى قد تكون خارج الإدراك والاستيعاب.

2)اختلاط المفاهيم عند كثير من الناس يتطلب رؤى علمية، وهناك في ظنه بعد مهم ينبغي التنبيه عليه وهو أن الفتوى من أهل العلم هي رأس الهرم، ولكن هذا الهرم له قاعدة وله وسط، فالأمة في قمتها أهل العلم الشرعي ويفتون في المسائل التخصصية والعلمية الأكاديمية التي لا يخاطب بها إلا أهلها، لكن الوسيط بين هؤلاء وبين عامة الأمة هم الدعاة وأهل الثقافة والفكر.

3)أكد على إيجاد منبر عام للتوجيه العام يكون فيه أهل العلم الشرعي هم الموجه الأساس فيه، فعلى مستوى أهل السنة لا يوجد منبر عام يخاطب الأمة، فالحاجة ماسة لإيجاد هذا المنبر لمخاطبة العامة في النوازل بأسلوب يناسبهم ويبسط الفتاوى، ويجمع بين الأصواب المتفرقة من أهل التأثير، ومن الضروري مراعاة مراتب الوظائف العلمية والدعوية التي من خلالها يميز بين مقام الإفتاء والدعوة والإرشاد، فحتى وقت قريب كانت أكبر مؤسسة علمية في العالم الإسلامي هي الرئاسة العامة للإفتاء والدعوة والإرشاد، فهذه الثلاثية في غاية الأهمية، لأن فيها تقديراً وتمييزاً بين الأدوار.

-التعقيب الرابع للأستاذ الدكتور سيف الدين عبدالفتاح أستاذ العلوم السياسية في جامعة القاهرة:

وأبرز ما تضمنه تعقيبه ما يأتي:

1)هناك مسألتان:

الأولى: مواصفات الفتوى الاستراتيجية، فهل الفتوى الاستراتيجية أو فتاوى الأمة أو الفتاوى الحضارية التي تمثل فتاوى البصيرة الاستراتيجية في هذا المقام، هل تكون في محتواها وفي تكوينها وفي أدائها كالإفتاءات الأخرى التي تتعلق بقضايا عابرة ليست هي قضايا استراتيجية أو تتعلق بفتاوى جزئية هنا أو هناك، ومن ثم من المهم الحديث عن مواصفات الفتوى من حيث:

-المحتوى أو السياقات، والقائمون عليها والداعمون لها والمساندون لها، وهذا يتوافق مع فكرة المنبر العام للتوجيه.

-البصيرة من حيث وسائل تبليغها وتفصيلها وتأسيس الوعي من خلالها.

الثانية: مسألة التربية بالفتوى هي مسألة في غاية الأهمية، ومن ثم الفتوى الاستراتيجية قد تكون من حيث ألفاظها قصيرة، ولكنها من حيث الوعي ومن حيث ما يترتب عليها من إدراك وسلوك يجب أن يكون لذلك شأن آخر فيما يتعلق بها من جهة تنزيلها في واقع الناس.

2)التأكيد على أهمية تأسيس العقل الاستراتيجي للأمة، وهذا يتوافق مع فكرة تأسيس مؤسسة للإفتاء الاستراتيجي، بل هي من أهم مكونات هذا العقل، ومما ينبغي التنبيه عليه أن الفتاوى المتعلقة بالقضايا الاستراتيجية هي فتاوى ذات طبيعة بحثية، وليست مجرد إطلاق للأحكام، بل هي جامعة لجوانب متعددة تمثل مقومات فكرية ومنهجية لهذه الفتاوى، ففيها الجوانب التربوية، والإعلامية، والسياسية، والاقتصادية، والإنسانية، والقيمية كلها.

3)لقد آن الأوان في الاهتمام بالأمة وشؤونها العامة، وهذا يجنبنا عند التأسيس لمثل هذه المؤسسة الاستراتيجية إضافة مؤسسة غير فاعلة إلى مؤسسات أخرى لا تعدو كونها أرقاماً ليست مؤثرة في قضايا الأمة المصيرية والحضارية، ولذلك ينبغي أن تكون مؤسسة الفتيا ضمن سياق تأسيس مؤسسة كبرى تعد واجب الوقت اليوم، خاصة مع هذه التحديات التي تمر بها الأمة، فهي في حالة من التحدي المستمر تتطلب حالة من الاستجابة المستمرة.

4)يلزم في الحالة الإفتائية التي تتعلق بقضايا الأمة الحضارية والاستراتيجية تجاوز جملة من الأحوال التي لا تتناسب من إحكام الفتوى وفاعليتها مع هذه القضايا، ومنها: حال الانفعال، وحال والافتعال، وحال الإغفال، وحال الانفصال. ويلزم كذلك التمييز بين الحال العام وحال الانتقال، ففتاوى الانتقال مهمة جداً أن تصدر مشفوعة بمثل هذا العمل الاستراتيجي ممما يتعلق بكيفية مواجهة الأزمة في مراحلها الأولى ومسألة الانتقال، والمنهجية الضامنة لحسن إدارة الاستثناء وما يسمى بإدارة الضرورة.

5)أهمية إصدار رأي عام مؤثر بما يتوافق مع فتاوى العلماء الربانيين لمواجهة الفتاوى السلطانية التي تحدث ضرراً كبيراً في الدين والدنيا، فالقرارات الانتقائية التي تصدرها السلطة السياسية بمصر مثلاً هي في حقيقتها انتقائية غير متزنة وليست ناضجة، وهذه الانتقائية مضادة للحال الاستراتيجي الذي يلزم أن يأخذ بالاعتبار مصلحة الأمة بمجموعها.

ثالثاً: اتجاهات النقاش:   

اتجه النقاش بعد المداخلة الرئيسة والتعقيبات إلى معالجة بعض القضايا التي لامست موضوع الندوة، وقد أضفت إليه بعداً قارب من اكتمال الرؤية سواء على مستوى الفكرة أو الاقتراحات العملية، وأبرز ما تضمنه النقاش ما يأتي:

1)تفاوت الفتاوى واختلافها حول إغلاق المساجد وتعطيل الجماعات لا يعد ظاهرة شاذة، بل هي من الظواهر المألوفة التي شهدها العالم الإسلامي على مدار تاريخه، ولذلك طلب توحيد الفتيا قد لا يكون متيسراً، والعمل على التنسيق بين الفتاوى وترشيدها قد يكون هو واجب الوقت اليوم، حتى لا تظهر الفتاوى في سياق التناقض والتعارض السافر بما يضعف هيبة العلم الشرعي وحملته في أنظار العامة، ثم إذا ظهرت الحاجة إلى توحيد الجهود باتجاه مؤسسة أو كيان إفتائي جامع، فسيكون مناسباً في حينه.

2) قدمت جملة من المقترحات حول طبيعة المؤسسة الإفتائية وتصور تكوينها بعد التقرير بصعوبة تأسيس مؤسسة إفتائية جامعة، وكانت المقترحات على الوجه الآتي:

-المقترح الأول: وضع تصور تنسيقي في كيفية إخراج الفتاوى العامة، والتشاور والتناصح باتجاه تكوين تنسيقية فقهية تراعي التواصل بين الروابط القائمة والشخصيات والعلمية.

-المقترح الثاني: انبنى على المقترح الأول، وقوامه أن المؤسسة الإفتائية يمكن أن يسبق بعملية تحضيرية فيها عدة أطوار:

الطور الأول: تعميق التشاور والحوار في الإفتاء العالمي، وهذا يتطلب رؤية كلية وتصوراً فكرياً يكمن وضعه من خلال وسائل التواصل، ويوضع له سقف زمني ما بين شهرين إلى أربعة أشهر.

الطور الثاني: القيام بنموذج تجريبي تطبيقي لإفتاء عالمي، تتضح الرؤية المستقبلية حوله، وهذا يسمى منهج التخطيط بالتجربة، وهذا الطور يستغرق ما بين ثلاثة أشهر إلى ستة شهور، وفي ضوءه تحدد الملامح والمسارات باتجاه الطور الثالث وهو المؤسسة الإفتائية الاستراتيجية.

3)أهمية النظر إلى متلقي الفتوى، وهم عامة المسلمين، فالملاحظ أن الكثير منهم لم يعد يثق بالفتاوى الرسمية، وهذا يتطلب أمرين: الأول: التأكيد على وجود جهة وسيطة بما يتوافق مع المقترحات السابقة، واتساق مع هذه الفكرة كان هناك رؤية حول أهمية أن يكون لمؤسسة العلماء والفتيا ذراعان، ذراع تتواصل به مع النخب الدعوية والفكرية والثقافية، وذراع تتواصل به مع العامة ويمثله الإعلام، وظيفته تبليغ الفتيا وتيسيرها وإدراتها. والثاني: العمل على استباق الأحداث واستشرافها من قبل النخب العلمية والشرعية، وهذا يسهم في التأثير في عقول العامة وتحقيق الوعي المطلوب.

 

زر الذهاب إلى الأعلى