تقارير

المعركة الإعلامية وأزمة الخليج .. بداية صادمة و نهاية مجهولة

جاء ترامب وغادر ..فاشتعلت الأزمة ..الصورة لرويترز

نشرت وكالة الأنباء القطرية الرسمية نص كلمة منسوبة للأمير تميم بن حمد خلال حفل تخرج الدفعة الثامنة من مجندي الخدمة العسكرية في ٢٤ من مايو/آيار ٢٠١٧، وبحسب ما نشر عن هذه التصريحات فقد انتقد الأمير اتهام قطر بدعم جماعات إرهابية، كما رفض تصنيف جماعة الإخوان المسلمين ضمن الجماعات الإرهابية، وأيضاً دافع عن أدوار حزب الله وحركة حماس وإيران والعلاقة معها، وزعمت أجهزة إعلام خليجية ومصرية أن الوكالة نشرت أيضاً تصريحات منسوبة إلى وزير الخارجية القطري، محمد بن عبدالرحمن آل ثاني، يُفهم منها التوجه لسحب سفراء قطر من دول الخليج وطرد سفرائها من الدوحة، وبعد دقائق نشرت الوكالة القطرية بياناً حكومياً نفت فيه صحة التصريحين السابقين للأمير تميم ووزير الخارجية، مؤكدةً تعرضها للإختراق الإلكتروني. وبعد دقائق خرجت قنوات مصرية وسعودية وإماراتية بشن حملة إعلامية ربما غير مسبوقة بحسب متابعين على دولة  قطر، ركزت الحملة على الخبر المنسوب للوكالة القطرية الرسمية، مع تجاهل تام لتكذيب الحكومة والوكالة للتصريحات، وفي اليوم التالي ٢٥ مايو ٢٠١٧ قررت مصر حجب 21 موقعاً إلكترونياً إعلامياً داخل مصر، بحجة تضمينها محتوى “يدعم الإرهاب والتطرف”، كان من أبرزها “الجزيرة نت”  و”مصر العربية” و”الشعب” و”عربي21″ و”رصد” و”حماس أون لاين”. وتستمر الصحف المصرية وبعض الصحف الخليجية ومعها الإعلام المرئي والمسموع في حملتها وتصعيدها، لتبلغ الذروة صباح ٦ يونيو/حزيران ٢٠١٧، وبعد دقائق من قرار السعودية والإمارات والبحرين ومعهم مصر بقطع العلاقات الدبلوماسية مع قطر، ليأخذ الإعلام المصري والخليجي منعطفاً جديداً في التصعيد.

وبعد دقائق نشرت الوكالة القطرية بياناً حكومياً نفت فيه صحة التصريحين السابقين للأمير تميم ووزير الخارجية، مؤكدةً تعرضها للإختراق الإلكتروني

نفد صبرنا!

وتقرر السلطات السعودية بعد ساعات إغلاق مكاتب قناة “الجزيرة” القطرية داخل أراضيها، مع استمرار التصعيد الإعلامي بصورة لافتة، وُصفت بأنها حملة تخلت تماماً عن القواعد المهنية الإعلامية، من نزاهة، ومصداقية، ودقة. والتحريض مكانها على العنف والكراهية؛ بل تعدت ذلك بحسب مُحللين لتتعدى ثوابت أخلاقية، وأعرافاً عربية وخليجية في الخصوص، وهو ما أكدته الحكومة القطرية رسمياً عندما اتهم مجلس الوزراء القطري -مع استغرابه – من قرار قطع العلاقات، بشكل صريح الدول التي اتخذت قرار المقاطعة بالتمهيد له من خلال “حملة إعلامية واسعة وظالمة” بحسب البيان، وهو ما ردت عليه دولة الإمارات التي تزعمت الحملة الإعلامية بحسب متابعين في تصريحات لشبكة ” سي أن أن” عبر وزير الدولة الإمارتية للشؤون الخارجية أنور قرقاش، الذي جاء رده: “نفد صبرنا وعلى قطر تغيير سياستها”.

واستمر التصعيد الإعلامي من مصر ودول الخليج المقاطعة من جهة، وقطر من جهة ثانية، فتقول السعودية عبر وزير خارجيتها عادل الجبير: “إن القضايا مع قطر تعود إلى سنوات ولا تستند إلى تقرير إخباري واحد”. ملمحاً إلى الإعلام القطري، وبالتأكيد بالقلب منه قناة الجزيرة.

وتبلغ الأزمة ذروتها بقرار وصفه إعلاميون وحقوقيون بأنه غير مسبوق، وهو إعلان دولة الإمارات “تجريم” مجرد إبداء التعاطف مع دولة قطر، أو الاعتراض على موقف المقاطعة، وفرض عقوبات بـ”السجن المؤقت من ثلاث إلى خمس عشرة سنة، وبالغرامة التي لا تقل عن خمسمائة ألف درهم”. وعلى الجانب الآخر، استمرت التصريحات التي تخرج من قطر تؤكد روايتها لشبكة “سي أن أن”  بأن موقع الوكالة تم اختراقه.

وفي ٧ يونيو/حزيران ٢٠١٧ يقول محققون أمريكيون إن “عملية اختراق” وكالة الأنباء القطرية قد يعود مصدرها إلى قراصنة روس هم من “وضعوا تقارير إخبارية مفبركة” ساهمت في الأزمة، ورغم زيارة أمير الكويت إلى قطر بعد الإمارات والسعودية ضمن جهود الوساطة سعياً لـ”مستقبل خليجي عربي أكثر استقراراً”، إلا أن الحملة لم تهدأ، ويوم٨ يونيو/حزيران  واستمراراً للمواجهة الإعلامية تعلن دولة البحرين انضمامها  للإمارات بتجريم الاعتراض على قرار قطع العلاقة مع قطر، وتؤكد شبكة “الجزيرة” القطرية أن مواقعها ومنصاتها الرقمية تتعرض لمحاولات “اختراق ممنهجة ومتزايدة”، وأن الموقع الإلكتروني لتلفزيون قطر تعرض لمحاولات مماثلة قبل أن تتصدى لها أنظمة الحماية.

رغم زيارة أمير الكويت إلى قطر بعد الإمارات والسعودية، ضمن جهود الوساطة، إلا أن الحملة لم تهدأ 

 تجريم مشاهدة الجزيرة

يوم ٩ يونيو/ حزيران، ومع إعلان  السعودية ومصر والإمارات والبحرين تصنيف 71 فردًا وكياناً “مرتبطين بقطر” في قوائم الإرهاب، نتيجة  ما أسموه “استمرار انتهاك السلطات في الدوحة للالتزامات والاتفاقات الموقعة منها”، على رأسهم رئيس الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين يوسف القرضاوي، إلى جانب آخرين من الجنسيات القطرية والأردنية واليمنية والكويتية والمصرية والبحرينية والليبية والإماراتية، إضافة إلى حزب الله البحريني، وحركة أحرار البحرين، ومؤسسة قطر الخيرية، ومؤسسات أخرى. وأيضاً قررت الهيئة العامة للسياحة والتراث الوطني في السعودية منع مشاهدة قنوات شبكة “الجزيرة” القطرية في المرافق السياحية، محذرة من أن العقوبة قد تصل إلى 100 ألف ريال سعودي؛ ليتعدى الأمر السجال الإعلامي المحتدم  ليصل إلى تجريم مجرد المشاهدة! وهو ما اعتبره مفوض الأمم المتحدة السامي لحقوق الإنسان زيد بن رعد “انتهاكاً واضحاً لحرية التعبير”.

وتستمر الحرب الإعلامية في التصاعد، وبعد أيام وتحديداً في ١٧ يونيو/حزيران، يبث التلفزيون البحريني أربع مكالمات هاتفية تعود لعام 2011، يقول إنها جرت بين مستشار أمير قطر، حمد بن خليفة العطية، وحسن علي محمد جمعة، أحد قادة جمعية “الوفاق” البحرينية، إحدى أكبر الجمعيات السياسية المعارضة في البحرين، ونشرت وكالة الأنباء البحرينية الرسمية نصها، ذاكرة في تقريرها أن ذلك يأتي “في إطار الكشف عن التدخلات القطرية في الشؤون الداخلية لمملكة البحرين، والتي كان يقصد منها قلب نظام الحكم”. وهو ما استنكرته قطر التي أكدت “رفضها واستنكارها لاتهامهما بمحاولة زعزعة أمن واستقرار البحرين”، معتبرة أن بث تلك المكالمات يُعد “محاولة مكشوفة لقلب الحقائق”. بحسب بيان صادر عن الخارجية.

وفي ٢١ يونيو/حزيران تتهم قطر صراحة دول ما سميت إعلامياً بدول الحصار: السعودية، الإمارات، البحرين، مصر، بأنها تقف وراء اختراق موقع الوكالة القطرية، السبب المعلن للأزمة، فقال النائب العام القطري علي بن فطيس المري إن دولته تمتلك معلومات وأدلة تكفي لاتهام ما وصفها بـ”دول الحصار”، بـ”المشاركة في اختراق موقع وكالة الأنباء القطرية”.

قررت الهيئة العامة للسياحة والتراث الوطني في السعودية منع مشاهدة قنوات شبكة “الجزيرة” القطرية في المرافق السياحية 

حرب الصحف والفضائيات !

 

ويمكن أن نطالع سريعاً نماذج من عناوين الصحف الخليجية والمصرية، لنعرف إلى أي مدى وصلت الحرب الإعلامية بين أطراف الأزمة الخليجية:

“أمير قطر يطعن جيرانه بخنجر إيران” جريدة الجزيرة السعودية

“مجلس الوزراء برئاسة الملك: قطع العلاقات مع قطر حماية لأمن المملكة الوطني من الإرهاب والتطرف.. قطر بئر الخيانة “الجزيرة السعودية

“تصريحات تميم تكشف المخبوء.. وسقط القناع.. قطر إلى أين؟” عكاظ السعودية

“سياسات الدوحة تغرقها في العزلة” الشرق الأوسط السعودية

“قطر.. الخيانة العظمى” عكاظ السعودية

“قطر.. تتهاوى”  المدينة السعودية

“تمسكت بخيوط الإرهاب الإيراني.. الدوحة ردة فعل مفاجئة عن المواقف العربية”  المدينة السعودية

“قطر.. حليف ذو وجهين” المدينة السعودية

لإما أن تكون أخي بحق.. فأعرف منك غثي من سميني وإلا فاطرحني واتخذني عدوًّا أتقيك وتتقيني” الوطن السعودية

“الدوحة ورم خبيث في جسد الخليج” اليوم السعودية

“قطر في مأزق” عكاظ السعودية

“خطاب أمير قطر.. مراهقة وانتحار سياسي” عكاظ السعودية

“أمير قطر يلغي مبرر وجوده على رأس النظام” الشرق السعودية

“يوم أسود ينتظر الاقتصاد القطري” الرياض السعودية

“حكومة قطر تدعي الأخوة الخليجية وتطعنهم بالإخوان.. لماذا شقت الدوحة الصف الخليجي؟” الرياض السعودية

“وانفضحت لعبة نفي التصريحات.. الدوحة تواصل استعطاف ملالي طهران” الرياض السعودية

“رسائل العتيبة.. ترتد صفعة مدوية على قطر” الخليج الاماراتية

“عزل قطر” الأيام البحرينية

أما الصحف المصرية فهذه بعض نماذجها:

“الدوحة تنتظر ساعة الحساب أمام الجنائية الدولية” الأخبار المصرية

“وبدأ الحساب.. العرب يعزلون قطر” المصري اليوم

“مصر والسعودية والإمارات والبحرين يؤدبون قطر ويضعونها رهن الإقامة الجبرية” الوطن المصرية

“قطر المعزولة” الوطن المصرية

“يسألونك عن حكام الدوحة.. قل خانوا العرب” “الغضب العربي يحاصر قطر”  الجمهورية المصرية

“قطر.. تحت الحصار” الأهرام المصرية

“قطر.. منصة تمويل ودعم الإرهاب” الوطن المصرية

“إجراءات سياسية واقتصادية للرد على العداء القطري” الأخبار المصرية

“قطر تتحدى المجتمع الدولي.. وتتمسك بالقرضاوي مفتي الدم” اليوم السابع المصرية

“الربيع العربي يطرق أبواب إمارة الخيانة” الجمهورية المصرية .

 

أما الكويت فكانت عناوين الصحف هادئة ربما بنفس درجة هدوء حكومتها، ومحايدة إلي حد كبير، ويرجع مراقبون ذلك لمساحة الحرية التي تتمتع بها الصحافة الكويتية بداية من العقد الماضي؛ فقالت الأنباء الكويتية على سبيل المثال: “الدوحة تأسف للقرارات غير المبررة القائمة علي ادعاءات لا أساس لها”.

“السعودية ومصر والإمارات والبحرين تقطع علاقاتها مع قطر” الرأي الكويتية .

أما الصحف القطرية والتي تمثل الجانب الآخر من الأزمة فهذه نماذج منها:

“قطر يا سادة ذات سيادة” الوطن القطرية

“قطر ترفض الوصاية” العرب القطرية

“قطر لن تركع وكلنا حولك ياتميم”  الراية القطرية

لا يا جبير ما هكذا تستفز الأشقاء” الراية القطرية

“المفتي أقحم الدين في السياسة واستخدم الإفتاء في تحليل قطع العلاقات مع قطر.. هيئة

كبار المنافقين” الراية القطرية

انبحوا كيف شئتم.. فلن تغير قطر ثوابتها” الراية القطرية 

 

وهذه بعض العناوين:

هذه نماذج من تعامل صحف الدول أطراف الأزمة مع “الأزمة”؛ فالصحافة السعودية والإماراتية كانت شديدة اللهجة بصورة لافتة، وعلى نهجهما سارت الصحافة المصرية، وعلى الجانب الآخر جاءت الصحافة القطرية لتستخدم هي الأخرى لغة حادة غير متعارف عليها في الصحافة القطرية، ولم يخرج عن هذا النهج إلا الصحف الكويتية والعمانية، والأخيرة آثرت الابتعاد إلى حد كبير عن الأزمة.

وكالإعلام المكتوب، كان الإعلام الفضائي، وإن كان أشد ضراوة وتحريضاً وتقسيماً وإشعالاً للأزمة.. خاصة الإعلام المصري والسعودي والإمارتي، حتى أن قناة الجزيرة، التي تنتهج نهجاً مهنياً منذ إنشائها تم جرها إلى أتون الأزمة بشكل لافت، لتفقد مساحة كبيرة من مهنيتها والتزامها وموضوعيتها في “كم” و”كيفية” تغطية الأزمة والأحداث الأخرى، وهو ما اعتبره البعض خسارة لجانب الإعلام المهني في العالم العربي على قلته بل ندرته، بحسب خبراء.

وبحسب تقرير لسيف الدين العامري في المرصد العربي للصحافة “المثير للانتباه في هذه الأزمة هو انخراط الإعلام في الأزمة، وكيف أن الصحافة تلعب دورًا فيها من ناحية أنها وسيلة للصراع ومنخرطة بشكل كامل في المواجهة الدبلوماسية بين الأطراف، الأمر الذي يكشف ارتباط وسائل الإعلام في هذه الدول بالعائلات المالكة بشكل مباشر، وأن الإعلام قطاع بعيد كل البعد عن الاستقلالية والمهنية. وكأمثلة على ذلك، قامت قناة العربية التابعة للسعودية ببث حصص حوارية استضافت معارضين للسياسة القطرية، كما بثت العربية تسجيلًا صوتياً قالت إنه يعرض لأول مرة لأمير قطر الأب في اجتماع مع القذافي يهاجم المملكة العربية السعودية، كما نقلت تصريحات قديمة للرئيس اليمني السابق علي عبد الله صالح يكشف فيها عن طلب الأمير الأب منه المساعدة في “تخريب” السعودية.

أما فيما يتعلق بقناة سكاي نيوز التابعة للإمارات، فقد بثت تقريراً عن “الدور السلبي والتآمري – بحسب وصفها –  الذي قام به الإعلام القطري منذ سقوط الإخوان في عام 2013 ضد الدولة المصرية وشعبها”. وقال التقرير، الذي جاء تحت عنوان “قطر ومصر.. رهان التعهدات الخاسر”، أنه منذ الإطاحة بنظام الإخوان في مصر عام 2013 “سخرت قطر آلتها الإعلامية الضخمة من قنوات وصحف لمواجهة مع مصر تحت دعوى إعادة الشرعية”، هذا وقد منعت السلطات القطرية توزيع صحف سعودية وإماراتية في البلاد على خلفية الأزمة، مثل صحيفتي “عكاظ” السعودية و”البيان” الإماراتية، كما منعت كل من البحرين والسعودية وقطر ومصر بث قناة “الجزيرة” كل في دولته، والواضح أن مضامين هذين التقريرين (التسجيل الصوتي في العربية والتقرير في سكاي نيوز) يندرجان ضمن الارتباط بين الإعلام ودوائر القرار السياسي.

“إن بنية الإعلام في دول الخليج العربي متقاربة جداً، إذ درج في بعض الصحف والتلفزيونات والإذاعات والإنتاجات الدرامية وغيرها أن تكون مرتبطة بشكل مباشر أو غير مباشر بالسلطة، متمثلة في أحد أفراد العائلة المالكة أو وكلاء عنها، وقد أشار تقرير نشره مركز الدوحة لحرية الإعلام إلى أن القوانين التي تسري في مجال الإعلام والصحافة في دول الخليج، تعتبر قامعة لحرية التعبير وملتصقة عضوياً بالسلطة: الترخيص المسبق للمؤسسات الإعلامية، واحتكار الحكومة حق إصدار وإلغاء التراخيص بشكل يحد من استقلال وسائل الإعلام، فضلاً عن أن جميع دول المجلس تضع قائمة طويلة من المحظورات في قوانينها، وتفرض قيوداً عدة على نشر المواضيع التي قد “تضر بالاقتصاد” أو تؤدي إلى “الإخلال بالنظام العام، مما ولد لدى الصحافيين والعاملين في الحقل الإعلامي رقابة ذاتية كبيرة.

“ويعد تغير أجندة ترتيب الأخبار في النشرات الإخبارية بالتلفزيونات الخليجية، وكذلك كثرة مقالات الرأي والتحليل من حيث الكم في أعمدة صحف الدول محل الخلاف دليلًا ملموساً، يؤكد الارتباط العضوي للأجهزة الإعلامية بأجهزة السلطة السياسية والدبلوماسية” بحسب التقرير، مثل قناة سكاي نيوز الإماراتية التي تناولت في كل برامجها تقريباً في الأسبوع الأخير الأزمة مع قطر في برامج مثل: غرفة الأخبار، حديث العرب، المساء، من الرياض، نيران صديقة، عن قرب، والساعة الإخبارية “الأولى” التي تبث كل يوم. هذا التغيير في الأجندة حدث في العديد من الصحف والقنوات التلفزيونية الأخرى مثل صحيفة عكاظ السعودية وكذلك قناة العربية، فقد نظمت القناة مباشرة بعد ساعة من “نشر” وكالة الأنباء القطرية لتصريحات الأمير تميم -التي نفتها الحكومة والوكالة- حصة حوارية حول التصريحات من وجهة نظرها.

ومن جانبها ذهبت وكالة الأنباء الفرنسية في تقرير لها إلى أنه “إذا كانت المواجهة بين قطر ودول خليجية أخرى بقيت محصورة بالمجالين الدبلوماسي والاقتصادي، فإن المواجهة في وسائل الإعلام ومواقع التواصل الاجتماعي تحولت الى حرب شرسة لا هوادة فيها.

ومن اللحظة التي أعلنت فيها المملكة العربية السعودية ودول الإمارات العربية المتحدة والبحرين قطع العلاقة مع قطر، فاضت شاشات التلفزيون والهواتف النقالة بالاتهامات والإدانات المتبادلة.

فأوقف بث شبكة قناة “الجزيرة” القطرية فورًا في الدول الثلاث، وقامت السلطات السعودية والإماراتية كذلك باتخاذ إجراءات ضد شبكة “بي إن سبورتس” الرياضية القطرية التي تملك حق نقل أهم البطولات الرياضية.

وجاء قي تقرير الوكالة الفرنسية علي لسان  خالد الحروب أستاذ السياسات الشرق أوسطية والإعلام العربي في جامعة “نورث ويستيرن” الأميركية أن “الإعلام تحول من أداة بروباجاندا إلى سلاح حربي للعديد من الدول في المنطقة”.

ولم يكن الإعلام المكتوب ولا الفضائي هو وحده من  شارك في الأزمة وساهم في تأجيجها، ولكن كان للإعلام الجديد المتمثل في وسائل التواصل الاجتماعي دور بارز في إشعال الصراع، وتصاعده، خاصة عبر تويتر، الذي بات منصة شبه رسمية للزعماء والسياسين.

من اللحظة التي أعلنت فيها المملكة العربية السعودية ودول الإمارات العربية المتحدة والبحرين قطع العلاقة مع قطر، فاضت شاشات التلفزيون والهواتف النقالة بالاتهامات والإدانات المتبادلة.

ملامح التعامل الإعلامي مع أزمة الخليج

ويمكن أن نحدد ملامح التعامل الإعلامي مع الأزمة بالآتي :

أولاً: عدم التقيد ولو بالحد الأدنى من القواعد والمعايير المهنية في التعامل مع الأزمة، ويمكن رصد ذلك في الآتي:

 

  • الخلط الكامل بين الرأي والخبر
  • التخلي عن الموضوعية الواجبة في التعامل مع الخبر والتغطية الإخبارية
  • افتقاد الحد الأدنى من المصداقية في التعامل مع الأخبار
  • إهمال قاعدة “الدقة” في نقل الأخبار والبيانات والمعلومات
  • الحض على إزدراء الآخر
  • استخدام مفردات تحض على الكراهية
  • استخدام مفردات يعاقب عليها القانون كوصف دولة بالخيانة ووصف هيئة أو مؤسسة بالإرهاب والنفاق
  • عدم إتاحة الفرصة لنشر النفي والتكذيب وحق الرد
  • منهجية التعامل مع الأزمة بشكل سلبي لتحقيق أهداف سياسية لكل طرف من الأطراف
  • الغياب شبه الكامل “للشفافية” في التعامل مع الأخبار وبث المعلومات واختفاء لافت للتصريحات أو البيانات أو المؤتمرات الصحفية للمسؤولين في الدول أطراف الأزمة، وهو ما ساعد على انتشار الشائعات والأخبار المغلوطة، واستمرار الأزمة في تطورها وتصاعدها.
 ثانياً: التخلي عن القيم والأخلاقيات العربية عموماً والخليجية خصوصاً في التعامل مع الأزمة
  • التعرض للنساء بذكر أسمائهن والتلميح والتصريح بمواقف تخصهن
  • إهانة قيم متعارف عليها في الخليج كتوقير واحترام الكبير
  • التعريض بالشيوخ ورجال الدين وكبار العوائل والقبائل
  • نشر ما يسمى بالتسريبات الخاصة بالمتنافسين أو المختلفين من أطراف الأزمة
  • التفتيش والتنقيب في الملفات القديمة بحق وبغير حق بين الأطراف المتنازعة
 ثالثًا: انغماس الإعلام في العمل السياسي والخلط بين إعلام الدولة و”الدولة “
    •  لعب دور المحرض أو المهاجم بدلاً من القيام بدوره الأصيل في الإعلام والإخبار
    • التحدث بلسان الأطراف المتنازعة بدلاً من النقل عنها
    • توجيه الخطاب للجمهور بلغة السياسي لا الإعلامي
    • تعامل الوسيلة الإعلامية كمنبر سياسي لا وسيط إعلامي

      رابعًا الاستبداد السياسي وغياب الحريات
    • انعكست حالة الاستبداد السياسي  وأحادية القرار على المشهد الإعلامي، فأصبح الإعلام تابعاً لبوصلة السلطة على طول الخط.
    • غياب الحريات أثر تأثيراً سلبياً واضحاً على الخطاب الإعلامي وتوجهه ولغته وبعده عن المهنية.
    • ظهر أثر الحرية النسبية على حيادية الإعلام ولو بشكل نسبي كما حدث مع التعامل الإعلامي الكويتي، حتى أن هناك شخصيات كويتية ظهرت في الإعلام القطري وأخرى علي إعلام “الحصار”.

خامساً: الخلط بين الملكية والتبعية السياسية  و”التحرير”

  • تراجعت وسائل إعلامية كانت تسير وفق قواعد مهنية راسخة؛ كمحطة “سكاي نيوز” لتنخرط في خطاب سياسي استقطابي يتعارض تماماً مع القواعد المهنية الراسخة في العالم.
  • فقدت قناة “الجزيرة” على الجانب الآخر قدراً كبيراً من مهنيتها؛ لتخليها عن القواعد المهنية الأصيلة التي كانت تميز تجربتها منذ إنشائها عام ١٩٩٦ بسبب هذا الخلط ونتيجة له.
  • ظهر هذا الخلط بجلاء في تعامل وتغطية وتناول الإعلام المصري للأحداث منذ بداية الأزمة، وظهر بوضوح أنه يسير خلف توجه محدد تبعاً لمالكيه سواء كانت السطة أو رجال الأعمال .

الإعلام العربي تحول من وظيفته المتعارف عليها والمتمثلة في الأساس في الإعلام والإخبار إلى سلاح  في يد القائم بالاتصال قي الدول المتصارعة

متى تنتهي الأزمة “إعلامياً”؟

إذن هذه هي الإشكالية الرئيسة.. أن الإعلام العربي تحول من وظيفته المتعارف عليها والمتمثلة في الأساس في الإعلام والإخبار إلى سلاح  في يد القائم بالاتصال في الدول المتصارعة، وهو ما زاد من حدة الأزمة: بل كان اللاعب الرئيس في إشعالها .

هذا عن الأزمة الإعلامية ودورها في بداية وتأجيج الصراع.. أما متى وكيف تنتهي؟ فبحسب خبراء ومحللين، لن تنتهي الأزمة إلا بأخذ الضوء الأخضر من اللاعبين السياسيين والقائمين بالاتصال في الدول المتصارعة، وساعتها فقط ستتغير بوصلة الإعلام المتصارع، وهو ما يؤكد على ضرورة وجود استقلالية للإعلام العربي في المستقبل بدرجة أو بأخرى، وبصورة أو بأخرى عن السلطة الحاكمة، حتى يستطيع أن يقوم بدوره الأصيل ولذلك فنرى الآتي:

  • ضرورة تفعيل ميثاق الشرف الإعلامي العربي المعدل في ٤ مايو/آيار ٢٠١٣ في تونس، وخاصة المادة الخامسة “تجنب نشر أو عرض أو إذاعة أو بث ما من شأنه الإساءة إلى التضامن العربي.
  • “والمادة الثامنة” الالتزام بالأمانة والموضوعية واحترام كرامة الشعوب والدول وسيادتها الوطنية واختياراتها الأساسية، والابتعاد عن الحملات الإعلامية التي تهدف إلى الإثارة أو زعزعة الصف العربي.
  • تفعيل ميثاق الشرف الإعلامي الذي ينظم العلاقة بين وسائل الإعلام في دول مجلس التعاون الخليجي، والذي أقر في آبو ظبي عام ١٩٨٦.
  • تحديث مواثيق الشرف في الدول الأعضاء في جامعة الدول العربية؛ لتتضمن بنداً في مواثيقها الوطنية يؤكد على احترام سيادة الدول فى وسائلها الإعلامية، والالتزام بالقواعد المهنية في هذا الإطار.
  • ضرورة الفصل بين ملكية الدولة لوسائل الإعلام و”التحرير”.
  • عدم إقحام وسائل الإعلام في الصراعات بين الدول، فلا يعقل إغلاق قناة تلفزيونية أو صحيفة أو موقع إلكتروني لمجرد بثها أو صدورها  في دولة تختلف مع دولة أوىدول أخرى.
  • ضرورة التراجع عن القرارات التي صدرت بتجريم مشاهدة أو قراءة وسيلة إعلامية بعينها؛ لأنه يتنافى مع المواثيق والقواعد الدولية المنظمة للإعلام في العالم.
إذن الكرة  في الساحة الإعلامية العربية والخليجية بوجه خاص، تعود إلى أيدي من بيدهم أمر اتخاذ القرار، ويبقى أصحاب الشأن والمعنيين بالأمر في الأساس، وهم الإعلاميون أنفسهم، مجرد متفرجين جالسين في المدرجات.

زر الذهاب إلى الأعلى