الأداء الإعلامي للسيسي.. دولة الخوف
“من الأفضل أن يهابك الناس على أن يحبونك”
يبدو أن سياسيي وحكام العالم قد تأثروا ووضعوا هذه المقولة لميكافيللي نصب أعينهم وساروا عليها. بل وصل الأمر إلى حد صناعة الخوف، الصناعة التي تحترفها الأنظمة الاستبدادية، وكأنها دليل تسير عليه هذه النظم سواء كانت ديكتاتوريات عسكرية أو مدنية. وبات الأمر وكأنه تواطؤ ما قد حدث من جميع الحكومات حتى الديمقراطية منها أنه لا يمكن أن تكون العلاقة بين الحكومات الاستبدادية وشعوبها إلا مشوبة بخوف الأخيرة دائمًا. يقول المفكر الفرنسي ميشيل فوكو: “إن كل نظام سياسي يمتلك مكونات تدبير الخوف والرعب، وهى مكونات مهمة بالنسبة لرسوخ سلطته”. يقول السياسي الإيرلندي أدموند بيرك: “إنه ليس هناك شعور يسلب العقل كل قوى التصرف والتفكير بصورة مؤثرة مثل الخوف”. وذكر الفيلسوف الروماني لاكتاتيوس منذ قرون أن الخوف والحكمة لا يجتمعان في مكان واحد.
ويقول عبد الرحمن الكواكبي: “أضر شيء على الإنسان هو الجهل، وأضر آثار الجهل “هو الخوف.
فالخوف كامن في عمق الإنسان؛ فهو طبيعة بشرية سواء كان فردًا أو جماعة. كل الناس لديهم درجة ما من درجات الخوف.. الخوف من المجهول، الخوف من الفشل. وبزيادة الخوف تتناقص صفات إنسانية أخرى؛ مثل الجرأة والإقدام، ويتحول الخوف إلى ثقافة في المجتمع عندما تتلاقى جملة عوامل سياسية واقتصادية واجتماعية.. وينشر الخوف حتى يصبح مكونًا أساسيًا فى الحياة. على أن أخطر أنواع الخوف هو (الخوف السياسى).. الخوف من سلطة الاستبداد واستبداد السلطة.. الخوف من البطش والإقصاء والملاحقة، ويصبح الفرد فاقدًا للكرامة والشخصية؛ فلا يشعر إلا بالخواء والخيبة. وفي هذه الأجواء ينشط الوشاة والمخبرون ويتحول الحاكم إلى أسير لإرادة التسلط والاستبداد التي يظن أنها تحميه.. فعندما يخاف الناس فإنهم يكونون أكثر استعدادًا لقبول إجراءات تنتقص من حرياتهم الشخصية والتضحية بقدر كبير منها، بل حتى من مقومات حياتهم الأساسية إذا شعروا أنهم في خطر حقيقي. ويصل الأمر أحيانا إلى استعدادهم لتقبل الممارسات الدموية للسلطة ما دامت تُمارس بحق غيرهم. فالخوف في زمن حرب الثلاثين عاماً بأوروبا كان من الساحرات، وفي ألمانيا النازية كان من الشيوعيين واليهود، وعند إسبانيا “فرانكو” كان من الهوية والبربرية، وتغيّر عبر الزمن حتى وصل في وقتنا هذا إلى فزاعة العصر “الإرهاب”. إنها الخطة القديمة الجديدة، خلق تهديد مرعب وغير مفهوم بشكل كبير “خطر الإرهاب- المؤامرات الخارجية ـ الطرف الثالث ـ وخطر الإفلاس”.
وقد عددت ناعومي وولف[1] في مقال مطول لها بجريدة الجارديان عام 2007 أهم مفردات ما أسمته بـ “تصنيع الفاشية”، أو ما بات يطلق عليه اليوم “صناعة الخوف”، والتي تعد امتدادًا طبيعيًّا لقاعدة ميكافيللي.
- استدعاء الأعداء الداخليين والخارجيين
لا يمكن للطغاة نشر الخوف في صفوف الجماهير دون تجسيد هذا الخوف في صورة أعداء داخليين وخارجيين، ففي الوقت الذي كان يلتسن [2] يقصف فيه البرلمان بالدبابات كان يمرر القرارات الاقتصادية التي أفقرت الشعب الروسي وأدت إلى إفلاسه، وفعل بينوشيه [3] الشيء ذاته، وهو يعلن حربه على الشيوعية، لينكولن [4] نفسه فرض الأحكام العرفية أثناء الحرب الأهلية، حريق الرايخستاج في 27 فبراير 1933 الذي تزامن مع إعلان الحرب ضد الشيوعية واتُخذ كذريعة لقمع الشيوعيين الألمان والحزب الشيوعي الألماني. بل إن قانون الباتريوت الأمريكي [5] الذي سلب الأمريكيين حرياتهم الشخصية مُرر في أعقاب أحداث الحادي عشر من سبتمبر، وتحديداً في 26 أكتوبر تحت مبرر الاستعداد للحرب على الإرهاب
- إنشاء شبكة خاصة للقمع
والمقصود هنا هو القمع خارج دائرة القانون، بل خارج دائرة الرقابة، بالتحديد كما وصف بوش سجن جوانتنامو الشهير أنه يقع “في الفضاء القانوني”. والذى أعلن الرئيس الأمريكي السابق باراك أوباما عن رغبته في إغلاقه بسبب سمعته السيئة. تشير الوقائع التاريخية أن جميع الأنظمة الاستبدادية كانت تميل إلى الاحتفاظ بشبكة سرية من السجون، تمارس من خلالها أنشطة غير مشروعة، أشهرها التعذيب لأجل انتزاع المعلومات، وهو ما يفضي كثيرًا إلى القتل، وأحيانًا الإعدام الجماعي، كما حدث في تشيلي وسوريا ومصر، وأحيانًا اغتصاب النساء الذي اشتهرت به الديكتاتورية العسكرية في الأرجنتين. الشهادات حول حالات التعذيب في السجون التي تديرها الولايات المتحدة حول العالم خارج إطار السيطرة، هناك دوائر شبه رسمية أمريكية صارت تقر الآن بهذه الحقيقية “جوانتنامو وفضيحة سجن أبي غريب”.
- استخدام شبكات للمسلحين
لا تكتفي الأنظمة الديكتاتورية بنشر الخوف عبر الأجهزة الأمنية الرسمية والسرية، لكنها غالبًا ما تشكل مجموعات شبه عسكرية لترويع مواطنيها، أو على الأقل تغض الطرف عن نشاط بعض هذه المجموعات الموجودة سلفًا، بداية من مجموعات القمصان السوداء في إيطاليا الفاشية، إلى القمصان البنية في ألمانيا النازية، نفس الاستراتيجية استخدمت في نيكاراجوا وفي أمريكا الجنوبية، وغالبًا ما تعمل هذه التنظيمات في ظل حصانة قانونية. بعد أحداث 11 سبتمبر الشهيرة وما يعرف بالحرب على الإرهاب، توسعت شبكات المسلحين المرتزقة واتخذت إطارًا أكثر نظامية تحت مسمى شركات الأمن الخاص، وأشهرها بلاك ووترز، التي حصلت على عقود بملايين الدولارات من حكومة الولايات المتحدة وغيرها، مقابل الاهتمام بأعمال أمنية مشبوهة، مثل أعمال الاغتيالات والتصفية الجماعية التي قامت بها في عهد الحاكم الأمريكي للعراق بول بريمر، تحت حصانة كاملة من الملاحقة القضائية. بعد إعصار كاترينا، استأجرت وزارة الأمن الداخلي الأمريكية مئات من حراس الأمن الخاص المسلح في نيو أورليانز، الصحفي جيرمي سكاهيل – صاحب كتاب الحروب القذرة – أجرى مقابلات مع أحد الحراس الذي لم يكشف عن اسمه، والذي أفاد بأنهم أطلقوا النار على المدنيين العزل في المدينة ، وباعتراف مسؤولين أن بلاك ووتر قامت بعمليات لها فى مصر تحت مزاعم الحراسة.
- ينبغي أن يشعر الجميع أنهم مراقبون
في عام 2005 كتب جيمس رايزن وإريك يشتبلو في صحيفة نيويورك تايمز لأول مرة حول برنامج أمريكي للتجسس على هواتف المواطنين، وهي المعلومات التي لم تعد قابلة للتشكيك بعد فضائح التنصت والرقابة التي تورطت فيها المخابرات الأمريكية بحق مواطنيها ومواطني دول العالم ورؤسائها، حتى الحليفة للولايات المتحدة، والتي كشفت عنها وثائق إدوارد سنودن. والناس مولعون دومًا بنسج الأساطير حول قدرات ونشاطات أجهزة الأمن السرية، أما عن الأسباب فهي جاهزة دومًا وتتعلق بدواعي الأمن القومي والحفاظ على سلامة المواطنين.
- السيطرة على المؤسسات الدينية والأحزاب والجماعات
مهما كانت مساحة الحرية يجب أن يشعر الجميع أن الأمور تحت السيطرة. في جمهوريات الخوف تجد أغلب الجماعات والأحزاب مخترقة من قبل السلطة. وتدرك الأجهزة الأمنية أنه لا أحد بإمكانه أن ينشر الخوف في الجماهير كرجال الدين والإعلاميين.
- لعبة الاعتقال- الإفراج
أو كما يطلق عليها لعبة القط والفأر، الصحفيان نيكولاس كريستوف وشيريل وودن وصفا الأمر أثناء دراستهما للمعارضة في الصين بكونها تشبه القائمة التي تستهدف مع كل حدث، إذا كنت داخل القائمة في يوم ما فمن الصعب عليك أن تصبح خارجها. أسلوب القوائم هذا صار معتمَدًا على مستويات ونطاقات أقل، فكل وحدة للبوليس صارت تحتفظ بقوائمها الخاصة للاعتقال، وما تزال لعبة القط والفأر تتوسع يومًا بعد يوم، اعتقله، أفرج عنه، لكن عليه أن يعلم أنه معرض للاعتقال في أي لحظة. في عام 2004، أعلنت الولايات المتحدة لأول مرة أنها تحتفظ بقوائم لأسماء الركاب الذين تعرضوا للتفتيش الأمني في المطارات والموانئ، لم تكن القائمة من المجرمين، ولكن من نشطاء السلام وبعض الرموز من دول تعتبرها الولايات المتحدة معادية – كفنزويلا مثلاً – والكثير من المواطنين العاديين، والكثير من الأمريكيين منهم رموز أكاديمية فوجئوا بوضع أسمائهم على قوائم الاشتباه في محاربة الإرهاب، منهم على سبيل المثال البروفيسور والتر ميرفي من جامعة برينستون، الذي لم يكن له أي نشاط سياسي سوى أنه انتقد جورج بوش، واتهمه بانتهاك الدستور في أحد محاضراته. وهناك العديد من الأسماء الأخرى التي اعتُقلت تعسفيًّا بدون إدانة، وما تزال أسماؤهم موضوعة على القوائم، ولعلنا نتذكر أقدم سجين فى السجون المصرية طيلة 35 عاما والتى روى حكايته بعد ثورة 25 يناير.
- استهداف الرموز
استهداف الرموز المشاغبة أوالمعارضة من فنانين وأكاديميين وصحفيين ورؤساء أحزاب وجماعات ورجال دين، يجعل الناس يشعرون أن الجميع مهددون، وأنه لا سقف للسلطة في الحفاظ على مصالحها. وهى تدرك تماما أن الجماهير تحيط الرموز بهالة من التقدير والقداسة. قام موسيليني باستبعاد كل الأكاديميين وعمداء المعاهد الحكومية الذين رفضوا التجاوب مع خطته الفاشية، الأمر ذاته فعله هتلر في ألمانيا وبينوشيه في تشيلي، والحزب الشيوعي في الصين، فامتد القمع ليطال المتعاطفين من هؤلاء الأكاديميين مع زملائهم وطلابهم. إعادة هيكلة المؤسسات التعليمية ومؤسسات الخدمة المدنية بإصدار قوانين تتوافق مع توجهات السلطة، فينبغي أن يشعر الأكاديميون أنهم يدينون إلى السلطة أكثر من أي شيء آخر، لأنها تملك إبقاءهم في مناصبهم أو ترقيتهم أو استبعادهم بشكل كامل، أو حتى إيداعهم في السجون.
- السيطرة على الصحافة والتليفزيون
لا يمكن للدولة أن تسيطر على الناس دون أن تحكم السيطرة على ما يلقى في عقولهم. فالحقيقة هي العدو الأول، لا حصانة لأحد فالجميع مستهدف حتى لو كنت صحفيًّا. جميع الديكتاتوريات فعلت ذلك بداية من إيطاليا في العشرينات، وألمانيا في الثلاثينات، وألمانيا الشرقية في الخمسينيات، وتشيكوسلوفاكيا وديكتاتوريات الشرق الأوسط العسكرية في الستينيات، وديكتاتوريات أمريكا الجنوبية في السبعينيات، والصين وروسيا، وغيرها الكثير. حتى في أكثر الدول ادعاء للديمقراطية، الولايات المتحدة نفسها، المدون جوش وولف من سان فرانسيسكو الذي سجن لمدة عام لرفضه تسليم شريط مظاهرة مناهضة للحرب.. المراسل جريج بالاست، الذي اتهم بتهديد البنية التحتية عبر تصويره لضحايا إعصار كاترينا في ولاية لويزيانا، الصحفي جوزيف ويلسون الذي اتهم جورج بوش بتلفيق اتهامات كاذبة لصدام حسين لتبرير الحرب على العراق أبرزها استيراد اليورانيوم من النيجر، فكان نصيبه توجيه تهمة التجسس لزوجته! كما تم توثيق أكثر من حالة سجن واستهداف للصحفيين من قبل الجيش الأمريكي أثناء الحرب على العراق.
- توسيع دائرة الخيانة “العمالة”
الخلاصة أن تهم “الخيانة- العمالة- التجسس- التخابر” يجب أن تظل تلاحق الجميع، بداية من القادة والمعارضين السياسيين، إلى النشطاء المزعجين عبر الإنترنت. فلا يمكن أن يتعاطف الناس مع خائن أو عميل يعمل ضد مصلحة بلده، أو يتعاون مع أعدائها، المهم أن تتسع تهم الخيانة والتجسس لتصبح فضفاضة إلى أقصى قدر ممكن. كان ستالين يلقب معارضيه دوما بـ “أعداء الشعب” ففي موسكو وتحديدًا في عام 1938 وُجهت تهمة الخيانة إلى نيكولاي بوخارين رئيس تحرير صحيفة أزفاستيا. على سبيل المثال اتهم النواب الجمهوريون في الكونجرس الصحفي بيل كيلر بانتهاك قانون التجسس لنشره معلومات مسيئة لإدارة الرئيس جورج بوش، وفي عام 2006 ومع إقرار قانون اللجان العسكرية صار من حق الإدارة الأمريكية توجيه لقب/اتهام “مقاتل عدو” إلى أي من مواطنيها.
- القوانين الاستثنائية
ما يعرف بـ”حالة الطوارئ” أو “حالة الحرب”، أصبح ستارًا تتخذه الحكومات لتمرير أي إجراءات. وقد تستمر حالة الطوارئ هذه أشهر أو سنوات وربما عقود؛ فالحكومات تتحدث عن سيادة القانون كما شاءت، في النهاية فهي التي تضع القوانين. الحكومة الأمريكية مررت قانون الباتريوت، الذي يبيح لها التجسس على مواطنيها، وفي النهاية وسعت نشاطاتها خلافًا له، كما تجند الحكومات الجنود المرتزقة وفقًا للقانون، وتحاكم معارضيها بتهم مزرية وفقًا للقانون أيضًا، بل أُصدرت قوانين تبيح قتل فئة من المواطنين فقط لأنهم عديمو النفع كما حدث في ألمانيا النازية.
صناعة العدو
تخترع النظم الاستبدادية الكراهية والعداوة وتحرص على استمرارها “سواء كان حقيقياً كان أو متوهماً” تمام حرصها على البقاء في السلطة والتشبث بالحكم. أسباب عديدة تدفع الديكتاتوريات إلى التضخيم من أعدائها، وصناعتهم، وربما توهمهم بقوتهم إن لم يكن لهم في أرض الواقع وجود، وتسليط الأضواء على خطر خارجي أو داخلي يهدد كيان الدولة وأمن الشعب ومقدراته وثرواته. فبفضل ذلك العدو، واستناداً للخطر الذي يهدد البلاد، والذي تعمل الآلة الاعلامية للنظم الديكتاتورية على تضخميه، تتمكن السلطات الحاكمة من الحفاظ على تماسك الجبهة الداخلية، وحشد الشعب لمواجهته وصرف النظر عن الأزمات والمشكلات الحقيقية، فضلاً عن تأجيل أي حديث أو مطالبات باحترام حقوق الإنسان أو تطبيق آليات الديمقراطية وتداول السلطة، أو المناداة بالعدالة والحرية والمساواة، وتحقيق نمو اقتصادي ومكافحة الفساد، فجميع تلك الملفات مؤجلة لأننا في حالة حرب كما يزعمون دائما و من أجل حسم المعركة مع العدو وهي معركة لا تحسم أبداً.
- تخطيط استراتيجي
صناعة العدو في النظم الاستبدادية لا تحدث عفوياً، وإنما تستند إلى أسس ونظريات علمية، هدفها ترسيخ الخوف وإفقاد الجماهير الإحساس بالأمان، وفق تخطيط استراتيجي، تعمل عليه الأجهزة الأمنية والمخابراتية والآلة الإعلامية. فالعدو وحده ومؤامراته الدنيئة هي المسؤولة عن الفشل والأزمات التي تواجه الشعوب، فيما تواجه النظم الحاكمة هؤلاء الأعداء وتحبط مؤامراتهم فتحافظ على مؤسسات الدولة وأمن الشعب”. تلك الرسالة التي دائماً يحاول أن يروجها الإعلام الشمولي تجد صداها لدى الجماهير الجائعة والخائفة، التي بدورها لا تستطيع مواجهة آلة البطش والقمع فتلجأ لا شعورياً ووفق ما يسمى بالحيل الدفاعية إلى تحميل معاناتها لهؤلاء الأعداء. ففي حقبة الستينيات من القرن الماضي، حملت النظم العربية وفي مقدمتها النظام الناصري في مصر، كافة إخفاقاتها للعدو الإسرائيلي والقوى الاستعمارية في الخارج والقوى الرجعية في الداخل.
- احتياجات الأمان
“مش أحسن ما نبقى زي سوريا والعراق”… عبارة تسمعها كثيراً في مصر من حاكمها لمحكوميها في شوارعها أو عبر فضائياتها أو على شبكات التواصل الاجتماعي، وتتردد على ألسنة البسطاء، لتحمل في طياتها مطالبة للجماهير بأن تتحمل كافة الأزمات وتتقبل مختلف أوجه المعاناة مخافة أن تصل إلى مصير سوريا والعراق، وأن تقنع بنظام الحكم الذي حمى الشعب من الأعداء الذين يهددون أمنه، فعلى الشعب أن يختار أن يعيش فقيراً في بلده أو لاجئاً في بلد غريب، وفق ما نشرته إحدى صفحات فيسبوك الموالية للنظام .
- استثارة الجماهير
رفع شعارات المواجهة مع العدو تلهب حماس الجماهير وتستثير مشاعرهم وتجمعهم نحو هدف واحد، وتصرفهم عن بحث ومناقشة قضاياهم وأزماتهم ومشاكلهم الحقيقة، وتسمى عملية الاستثارة تلك سيكولوجياً بتحويل الهدف؛ في مصر مثلاً، يواجه من يعارض أو ينتقد ممارسات وسياسات نظام الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي بأنه منتمٍ إلى جماعة الإخوان المسلمين.
- أساليب التخويف
وفق آليات عمل الدعاية، فهناك ثلاثة أنماط من أساليب الإقناع، تشمل أساليب عقلية وعاطفية وأساليب التخويف؛ فالأول يعتمد على الحقائق والأدلة المنطقية والشواهد والإحصائيات، مثل مستوى الدخل ومعدلات النمو وجودة الخدمات، أما الثاني فيخاطب المشاعر عبر رفع الشعارات الرنانة التي تكون في غالبها خالية من المضمون، أما الثالث فيعتمد على إشاعة الخوف وتهديد الأمن والسلامة. فتحشد وسائل الإعلام في النظم الاستبدادية قواها من أجل التضخيم من الأخطار والتهديدات وحجم المؤامرات التي يحيكها الأعداء سواء كانت حقيقية أو مزيفة، من أجل إشاعة الخوف والهلع في قلوب الجماهير حد فوبيا الخوف من سقوط الدولة؛ كما ذكرها السيسى فى خطابه.
- الحرب النفسية
تشمل “نشر الشائعات وافتعال الأزمات وإثارة الرعب” والتي تستخدمها الدول ضد أعدائها، من أجل كسب ميدان المعركة. لكن الأمر يختلف في حال الأنظمة الشمولية التسلطية التي تستخدم أدوات تلك الحرب النفسية ضد شعوبها، فتعمل عبر التضخيم من الأعداء الوهميين على إثارة الرعب في صفوف الجماهير، وتنشط آلتها الدعائية في نشر الشائعات وافتعال الأزمات وإلصاقها بالأعداء، لترسيخ قبضتها القمعية. ونجحت الثورات المضادة وأنظمة الحكم في بلدان الربيع العربي في استخدام آليات الحرب النفسية فغيبت الأمن وأشاعت أجواء الرعب والخوف والفوضى متعمدة وأثارت الكثير من القلاقل، ونشرت الشائعات وافتعلت الأزمات لإجهاض ثورات الشعوب وتطلعها للديمقراطية والحرية. ولم يكن غياب الأمن والاستقرار عن بلدان الربيع العربي خلال التجربة الديمقراطية القصيرة التي عاشتها، سوى رسالة موجهة للشعوب مفادها إمّا اختيار العيش في أمان تحت ظل الديكتاتورية أو معاناة الفوضى وغيبة الأمن في ظل الديمقراطية، فلم يكن بوسع الشعوب إلا أن تنحاز للاختيار الأول. وبعد الإطاحة بأول رئيس منتخب لمصر وبجماعة الإخوان المسلمين وتصويرهم كعدو للشعب تريد أن تهدم الدولة ومؤسساتها وتدخل البلاد في دوامة العنف، كانت فزاعة الإخوان مبرراً ساقه الإعلام الموالي للسلطة لتبرير انتهاكات حقوق الإنسان وممارسات الأجهزة الأمنية والفشل الحكومي في مواجهات الأزمات المتفاقمة التي يعاني منها المصريون.
- عداء معلن وتحالف خفي
الكثير من العلاقات العدائية المعلنة للكثير من النظم الاستبدادية، ليست في حقيقتها سوى خداع للشعوب، للتلاعب بعواطفها وإيهامها بأن الدولة في حرب حقيقية وعداء محكم مع أطراف أخرى هي في الواقع أكبر داعمي النظم الديكتاتورية. وبينما تتاجر غالبية النظم العربية بالعداء مع إسرائيل ولا تعترف بها من الأساس، تجمع بينهما علاقات سرية قوية تصل إلى حد التحالف العسكري والمخابراتي واستيراد السلاح. وبينما كانت تعلن إيران الخميني أن أمريكا هي الشيطان الأكبر وترفع شعارات الموت لليهود، تؤكد معلومات موثقة أن طهران استعانت بالأسلحة الإسرائيلية في حرب الثماني سنوات مع العراق خلال الثمانينات من القرن الماضي. وفي نهاية الستينات، فإن النظام الناصري، وبعد أن تلقى هزيمة يونيو 67، أعلن أن لا صوت يعلو فوق صوت المعركة وأن ما أخذ بالقوة لا يسترد إلا بالقوة، فيما تظل الحقيقة التاريخية أن عبد الناصر وافق على ما يعرف بمبادرة روجرز التي طرحتها الخارجية الأمريكية عام 1970 لوقف إطلاق النار والدخول في مفاوضات بين الطرفين لتطبيق قرار مجلس الأمن 242.
في 3 أغسطس 2013، أجرى السيسي أول لقاء له منذ الإطاحة بمحمد مرسي متحدثاً إلى واشنطن پوست، انتقد رد الفعل الأمريكي واتهم إدارة أوباما بتجاهل الإرداة الشعبية المصرية وعدم توفير الدعم الكافي وسط تهديدات بحرب أهلية، قائلاً: “لقد تركتم المصريين.. أدرتم ظهوركم عن المصريين، ولن يغفروا هذا”. وفى الوقت الذى يعلن إعلام السيسي عن ضرب الأسطول السادس الأمريكي ومعاداتهم لأمريكا وأنها حليفة جماعة الإخوان المسلمين والرئيس مرسي، تقف مصر السيسي موقف الانبهار والانبطاح لأمريكا ولرئيسها ترامب، والذي رد عليه الأخير بحسب صحيفة نيويورك تايمز الأمريكية أن الرئيس الأمريكي وجه حديثه مجاملا للرئيس المصري عبد الفتاح السيسي قائلا له ” أنا معجب بحذائك يا ولد، هذا الحذاء يا رجل”.
- العدو في النظم الديمقراطية
صناعة العدو استراتيجية لا تقتصر على النظم الاستبدادية، فحسب، بل لهم نصيب وافر في النظم الغربية الديمقراطية، التي لا تستطيع هي الأخرى أن تحيا دون أن يكون لها عدو. فالغرب في نظر كثير من الفلاسفة والمفكرين، لا يستطيع أن يستغني عن وجود عدو، فبعد سقوط الاتحاد السوفيتي وانتهاء الخطر الشيوعي، ظهرت الصين وكوريا الشمالية ومنطقة جنوب شرق آسيا كعدو وكخطر يهدد اقتصاديات ومصالح الغرب، فيما يمثل الإسلام الخطر الأكبر الذي يستهدف هدم الحضارة الغربية وتغيير هويتها.
دولة السيسي دولة الخوف والتخويف والتفزيع
“إنها عملية فرض السكوت والصمت الرهيب في إطار عملية كبرى لتكميم الأفواه ومنع الكلام”.
-
- تقوم على صناعة الخوف في كافة أرجاء المجتمع .
-
- لا تسمح لأحد أن يرفع صوته معارضا أو يلقي بكلمة “لا” محتجا
-
- متخمة بكل ما يتعلق بسلوكيات وترسانة من التشريعات تمنع منعا باتا أي صوت حر يطالب بمكانة الوطن وكرامة المواطن.
-
- تستخدم السلاح والضرب في المليان والتصفية الجسدية والاختطاف القسري والقتل تحت التعذيب والموت البطيء والمطاردات الواسعة والاعتقالات المتعسفة.
- كل ما يتعلق بتطويع المجتمع في محاولة لتدجينه بحيث لا يستطيع أحد فيه أن يمارس مبادرة أو يلقي رأيا أو يقدم رؤية مخالفة.
مقولات موروثة
دائما وأبدا من جمال عبد الناصر إلى عبد الفتاح السيسي حينما يتحدثون عن المشكلات أو عندما تشير أصابع الاتهام لهم، تقفز إلى السطح مقولة “المشكلات موروثة”. إحالة إلى أن المشكلات ليست وليدة اللحظة ولكنها قديمة، ولا يمكن حل هذه المشكلات عن طريق عصا موسى بين عشية وضحاها. وأخطر من ذلك، فإن هذا الخطاب قد يطالب الناس بأن يطلُّوا على الدولة على نحو صحيح، وأنها شبه دولة لا دولة حقيقية .
خطاب إعلام السيسي دائما ما يروج بأنه الحامي والمنقذ والمخلص والكفء، وغيره فاشلون، وأنه قادر على إدارة الأمور في إطار الاستغناء عن الشعب تمامًا. مقولة “اللي مش عجبوا يغور”: والتي قيلت في القنوات الفضائية، وتكررت على لسان الإعلاميين المعبرين عن هذا الخطاب،على نحو أقرب إلى الإتفاق، وفي تتابع زمني قصير. فالنقد يساوي الخيانة لدى منتجي هذا الخطاب كما يروجون.
أننا “نحن جميعًا الجيش”، “نحن في حالة حرب، في حالة دفاع عن الوجود”، خطاب تعبوي هادف إلى عسكرة الحياة “كلنا جنود”، وتسمع عبارات تعبر عن العنصرية، فتعد العسكري صنفًا من البشر أرقى من غي، ويصير الجيش عنوان الجدية والإنجاز الوحيد. ويصور على أنه هيئة يمكنها أن تقوم بكل السلطات أو يحركها، إنها حالة تأليه العسكر والجيش؛ في الوقت الذى يشوه فيه الإعلاميون ثورة ٢٥ يناير ويكثروا الحديث عن آثارها السلبية، وكيف أنها عرضت الدولة لحالة من التفكك في خضم أحداث جسام، وهدّدت المجتمع. والهدف الواضح كان وأْد الثورة وأهدافها، واستهداف رموزها حتى أصبحت الثورة مدانة ومهانة وقطعت الطريق على أي حالة ثورية مستأنفة. وبرّرت السلطة في هذا السياق كل عمل يؤدي إلى تكميم الأفواه ومنع الاحتجاج والتظاهر وتجريم كل أعمال يمكن أن تسهم في حالة ثورية جديدة. كما قال السيسي عن الثورة وحلم الثورة لدى الشباب إنه “لن يسمح بذلك مرة أخرى” غافلا أو متعمدا؛ فالثورة ليست بسماحه، وحركة الشعوب حينما تحين ساعتها ليست بإذنه، ولكنهم يريدون أن يطمسوا لحظة يناير التي تشكل الهاجس وربما الخطر الأكبر في خلدهم وروعهم.
“فيه برلمان قادم وممكن يطلب استجوابات” عبارة وردت على لسان السيسي، خلال اجتماعه بقادة الجيش وضباطه من الصفين: الأول والثاني، جاءت هذه العبارة في سياق عرض رؤية السيسي للثورة والمستقبل، ومخاطر الوضع الجديد على الجيش “فيه برلمان قادم وممكن يقدم طلبات استجوابات، ماذا سنفعل؟ لابد أن نكون مستعدين لمواجهة هذه المتغيرات بطريقة لا تؤثر علينا سلبًا”. وهذه العبارة تشير إلى رؤية العسكريين للثورة كتهديد، وللديمقراطية كتحدّ، كما تشير إلى رؤيتهم لأنفسهم ككيان لا يجب أن يخضع لأيّ نوع من الرقابة، بما فيها الرقابة البرلمانية الديمقراطية.
“كمل جميلك” و”مطلب الشعب” و”السيسي رئيساً” هي حملات بدأت بهدف جمع توقيعات للضغط على السيسي، الذي قال إنه ليس لديه رغبة في الحكم، للترشح للرئاسة. وتزعم حملة كمل جميلك أنها جمعت 26 مليون توقيع تطالب السيسي بخوض انتخابات الرئاسة. في 21 يناير 2014، نظمت “كمل جميلك” مؤتمرا شعبيا في استاد القاهرة الدولي لمطالبة السيسي بخوض الانتخابات الرئاسية.
عشان تبنيها” هو عنوان الحملة التي دُشنت لإعادة انتخاب السيسي. الصيغة في الشعار الخاص بالحملة هي صيغة الخطاب، والذي يجذب الانتباه “تبنيها” وليس “نبنيها”.. تاء لا نون.. أنت وليس نحن. يحمل الشعار دلالات كثيرة. أنت الأوحد، أنت الأقدر، أنت الذي لا مثيل لك، أنت من يبني وليس أي أحد آخر، ويضفي الشعار على الرئيس صفات القوة اللا محدودة والتفرد، والآخرون بسمات الضعف والخيبة وقلة الحيلة. الرئيس يبني منفردًا، أما الجماهير الذليلة فعليها أن تتابع عملية البناء وأن تصفق باستمرار، أعجبتها النتيجة أو لم تعجبها.
في الستينيات تغنى عبد الحليم حافظ بأغنية “حكاية شعب”: “قلنا هانبني وأدي احنا بنينا السد العالي”. الضمير في الأغنية هو ضمير الجمع “نحن” ضمير عائد علينا، على الناس، على الشعب. نحن الذين نقول ونحن الذين نبني، مع أن الذي قال هو عبد الناصر. نجحت هذه الصورة، صورة السد العالي، في الوصول إلى قلوب الناس لوضوحها وصدقها وإحساس الشعب بالمشاركة كمشروع قومي. على العكس من شعار عشان تبنيها. يبني الرئيس فيصبح البطل ويقصَى الشعب فيبيت عاجزا حتى عن المشاركة. وقد اعتاد السيسي في خطابه الإعلامي للشعب أن يقول مرات عديدة “أنتم المصريين” وليس نحن المصريين وكأنه من بلد آخر ولا ينتمى لمصر.
تندفع الآلة الإعلامية وتصدر الكلمة الشهيرة لكل الرؤساء “لا بديل”، لا يوجد بديل للسيسي، حتى يصبح إيمانا لدى كثير من الشعب لاستحضار روح الإله المنقذ الوحيد. الإيمان الراسخ بغياب البديل يدفع الناس إلى الاستسلام للحال الراهنة مهما كان تدنيها، ويزين لهم السكوت عن مظلمة لا تنتهى مهما كانت شواهدها وآثارها. يدفعهم إلى الكفّ عن التماس طرق الخلاص؛ فلمَ التغيير إذا لم يكن هناك بديل؟ تلك هى مسعى الأنظمة التى تخشى ثورة الشعوب عليها، ترتجف من فكرة التمرد على سطوتها وسلطانها. يرتعب الحاكم الطاغية من وجود منافس.. يقتله الخوف من حضور بديل قد يزيح عرشه، وإن وجد فلا مانع من تشويهه وإلقائه بالسجون.
بعض الحكام يتصورون في أنفسهم آلهة مستقلة بذاتها، لا يُرد لها أمر، يتعامل مع الوطن أنه مُلك أصيل له، وبالتالي تابع له، من ينتقد أفعالهم ينتقد الوطن، من يعارض قراراتهم وتدابيرهم يعارض مصلحة الوطن، من يرفض رؤاهم أو يحاول تقديم رؤى بديلة لا يرمي حتماً إلى خير الوطن، وبالطبع فإن من يحاول البحث عن بديل، ومن يفكر في الدعوة إلى التغيير أو حتى في منافستهم شكلاً لا موضوعاً، إنما هو عدو مبين للوطن.
قبل سنوات عِدة تألق الفنان المصري سعيد صالح في إحدى مسرحياته وخرج عن المكتوب، وكان أن أدى به خروجه هذا إلى السجن. اشتهر صالح بإسقاطاته السياسية، ويُذكر أنه ألقى عبارةً حازت شهرة واسعة، وربما كانت سببًا رئيسًا للتنكيل به، قال صالح في مشهد ساخر: “أمى اتجوزت ثلاث مرات؛ الأول أكلنا المش، والتانى علمنا الغش، والتالت لا بيهش ولا بينش”. لم تكن تلك العبارة جزءًا من النص المسرحي، وبرغم أن صالح لم يُسّم أشخاصًا بعينهم، فلم يخف على مشاهديه أنه عنى الرؤساء الثلاثة الذين حكموا مصر تباعًا، جمال عبد الناصر وأنور السادات، ثم حسني مبارك. أُلقي القبض على صالح في مطلع التسعينيات من منزله، ووُجِّهت إليه تهمة تعاطي الحشيش، ونال عليها عقوبة مُقيدة للحرية ثم خرج، ولم يكن سجنه في نظر الكثيرين سوى جزاء تجاوزه وارتجاله اللاذع.
كل حاكم من هؤلاء يتصور أن ما بعد سقوطه طوفان أكيد، خراب ودمار يتوغلان في كل مكان ولا يتركان أخضر ولا يابسا.. يعرف أكثر مما يعرف الجميع، يفهم أفضل، يفكر أفضل، يخطط أفضل، وينفذ أفضل، ومن ثم يتكون لديه يقين بأن زواله انهيار للدولة ويعم الخراب والفوضى البلاد. يرى السيسي أن ما دونه ذهاب بلا عودة، نهاية لا يمكن الرجوع عنها، وأن من لا يعجبهم أسلوب إدارته، ومن لا يؤيدون نظامه، ومن يفكرون في ممارسة أي عمل احتجاجي تجاه سياسته وقراراته، ما هم إلا مأجورون أعداء للوطن وللشعب، يستهدفون إسقاط الدولة والقضاء عليها. يرى الرافضين لأشكال الظلم مخربين، وفي الساعين إلى تحقيق العدل معتدين. في إحدى خطبه يواجه معارضيه الداعين إلى إحياء يوم الخامس والعشرين من يناير، وينبه جمهوره إلى أنهم يريدون إضاعة البلد، وتدمير الناس، ويضيف أنه لا يقبل هذا ولا ذاك. الدولة التي تدمَّر لا تعود، والخوف الذي ينتابه ويؤرقه هو خوف على المصريين. ونسي أن معارضيه هم أيضاً مصريون.
ظهرت آلية التخويف المعتادة عبر خلق عدو تحجب المعركة معه أية مساءلة أخرى أو أي استحقاق يحجم من صلاحيات السلطة الحاكمة، وقد تبلورت أزمة «الإرهاب» لتشكل هذا العدو. من ناحية أخرى جرى تسليط الضوء إعلاميًا على مصطلح «تجديد الخطاب الديني» الذي ألح عليه السيسي، وتلك إحدى أنجح آليات التلاعب في استمالة غالبية فئات المجتمع التي وإن مارست سلوكيات لا تبدو من الالتزام الديني بمكان، إلا أنها تظل محتفظة بمكانة الدين ورجاله في خلفيتها الثقافية.
جرت محاولات خطابية متعددة لتقليل غضب المواطن العادي، والذي يعاني اقتصاديًا أشد المعاناة عبر إيهامه بأنه شريك في اتخاذ القرارات والإجراءات الاقتصادية التي تجور عليه في المقام الأول، منها على سبيل المثال الشعارات التي ملأت الشوارع الكبرى والميادين، “بإيدنا نفرد شراعنا”، “بالإصلاح الجريء نقصر الطريق”، “نساند قيادتنا ونحارب معركتنا”، حيث يلاحظ استخدام ضمير الجمع المتكلم الذي يوحي إلى المتلقي بأنه والسلطة الحاكمة في جانب واحد، إضافة إلى إعلانات التلفزيون والراديو التي تستلهم الشعارات ذاتها، فيما استخدمت القنوات الفضائية التابعة للدولة، والإعلاميون الموالون للنظام في حفز المواطنين وحشدهم للتبرع من أجل الوطن وتحميلهم مسئولية الانهيار الاقتصادي كتفًا بكتف مع النظام، ولقد تزايدت هذه الحملات حتى لم تعد هناك مساحة إعلانية خاوية مِن حَثٍّ للمواطن على دفع بعض الأموال، وتعد مبادرة ” تحيا مصر” التي أطلقها عبد الفتاح السيسي هي الأشهر.
“الشعب يريد”
لا تزول ظاهرة الاستبداد عملياً فى الواقع إلا حين تزول من نفوس الشعوب حين ينضجوا ويتحرروا نفسياً ويرغبوا في استرداد وعيهم وكرامتهم وإرادتهم التى سلموها طوعاً أو كرهاً للمستبد، حينئذ فقط تضعف منظومة الاستبداد حتى تنطفئ، وليس هناك طريق غير هذا إذ لا يعقل أن يتخلى المستبد طواعية عن مكاسبه من الاستبداد خاصة وأن نمط شخصيته يدفعه دفعاً قوياً للمحافظة على تلك المكاسب الهائلة. ولا ينسى أحد أن ثمّة هتافًا ولد من رحم الثورة في مخاضها معلنًا “الشعب يريد”.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
[1] (ناعومي وولف كاتبة سياسية أمريكية وناشِطة ومستشارة سياسية، ولدت في سان فرانسيسكو 1962م .كانت مستشارة سياسية لآل جور وبيل كلينتون. برزت وولف على الساحة عام 1991، كمؤلفة كتاب The Beauty Myth] ومع هذا الكتاب أصبحت متحدثة باسم الموجة النسوية الثالثة. ومن الكتب الأخرى الأكثر مبيعاً لها، هو كتاب The End of America في عام 2007.)
[2] بوريس نيكولايفيتش يلتسن سياسي روسي سوفياتي وأصبح أول رئيس للاتحاد الروسي، وامتدت ولايته من عام 1991 إلى عام 1999. وهي فترة شهدت انتشار الفساد، وانهيار اقتصادي هائل، والمشاكل السياسية والاجتماعية. وكان في البداية من مؤيدي ميخائيل جورباتشوف، ثم ظهر في إطار الإصلاحات البيريسترويكا كأحد أقوى معارضي جورباتشوف السياسيين.
[3] أوغستو بينوشيه الحاكم الديكتاتوري التشيلي السابق، وأحد أشهر جنرالات الولايات المتحدة في منطقة أمريكا اللاتينية، والمسئول الأول عن مقتل الرئيس التشيلي المُنتخب سلفادور ألليندي في ظروف غامضة.”الفترة الرئاسية ١٧ ديسمبر– ١١ مارس ١٩٩٠”
[4] أبراهام لينكولن محام وسياسي ورئيس أميركي سابق، ارتبط اسمه بالحرب الأهلية الأميركية وبإلغاء الرق في بلاده عام 1863. يعد أول نائب من ولاية إلينوي يصل الرئاسة، ويعتبر الرئيس الأكثر تقديرا في التاريخ الأميركي، وقد ظلت ديانته الحقيقية لغزا غير قابل للكشف.أبراهام لينكون كان الرئيس السادس عشر للولايات المتحدة الأمريكية في الفترة ما بين 1861م إلى 1865م.
[5] http://www.aljazeera.net/encyclopedia/events/2016/2/21/ قانون-باتريوت