إقليمياستعراضتقدير موقف

البعد الإستراتيجي لدور إيران والعلاقة معها في المنطقة من خلال الصراع مع الصهيونية

ما جوهر الإشكال ومنطلقاته الإستراتيجية؟ معضلة أولوية العداء والمواجهة: إيران أم الكيان الصهيوني؟

عشنا أجواء إيمانية تلاحمية على مستوى يقظة الأمَّة، وتداعيها كلِّها بالسهر والحمى مع القدس ثُمَّ غزَّة، رغم جراح المكلومين المسلمين في كلِّ مكان.

كم تمنيت البناء على هذا الزخم، واستقطاب شرائح أخرى من الحاضنة السنية الكبرى واستمرار حشد الطاقات لقضية الإسلام في فلسطين، وترسيخ مفهوم صراع الأمَّة الحضاري الشامل الذي كتبه الله تعالى منذ القدم بشهادة حركة التاريخ.

تاليًا استجلاء لبعض الأسس حول تموضع إيران في المنطقة إستراتيجيًا، وتطوره منذ ثورة الخميني، وماذا يعني ذلك حسب معادلات أرض الواقع مؤخرا؟

 

فلعلَّنا جميعًا نستشرف من خلاله مع إخواننا نظرة فيها توافق معقول لتستمر المسيرة، إذ إن أمامنا تحدي إعادة الإعمار الذي أعتبره تحديًّا قد يماثل المعركة الأخيرة خطورة، مع ضرورة إبقاء اللحمة حيثُ إنَّ غزَّة بحاجة لمساهمة عموم الأمة في الإعمار:

  • منطلق الحلف الصهيومجوسي:

معلوم أنَّ الخميني مكث في باريس حيث كان يوجه ثورة في أهم دولة في الشرق الأوسط آنذاك، حتى إذا ما نضجت الثمرة تحت أعين الغرب حملوه مع أركانه على طائرة فرنسية إلى طهران ونزعوا شاه إيران – صاحب وسام الصليب الأعظم – أقوى حليف لأمريكا وأسكتوه في جزيرة كاريبية حيث قال: “رموني كالفأر”…

 

لا شك أنَّ المكر والمصلحة الإستراتيجية في دعم ذلك التغيير الدراماتيكي كانت عظيمة جدًا في المرحلة التالية الجديدة!

  وبدأ فصل “تصدير الثورة” إلى الدول السنية فورًا، ومن ركائزه:

  • “مؤتمر القدس” السنوي بطهران، وقد تأسس بأمر خامنئي.
  • وقبله “فيلق القدس” بأمر من الخميني مبكرًا، حيثُ كانت أولى عملياته في مناطق الأكراد والعراق ثم في أفغانستان سنة 84، حيث كان “سليماني” حاضرًا ومنسقًا وداعمًا هناك من خلال مليشيات الروافض الهزارة الذين حاولوا التخلص من الشيخ عزام هناك وإحباط كلِّ جهوده! وقد كان الشيخ رحمه الله وكتبُه أحدَ أكبرِ مرجعيات حماس التاريخية.

لقد أدرك منظرو “تصدير الثورة” – من خلال مساحة الدور الوظيفي التي أُفسحت لهم – أنَّ تصدير مذهبهم وفتنهم وتغلغلهم في العالم الإسلامي، (يحتاج إلى جسور) أهمها قضية فلسطين وبالذات القدس التي عزفوا عليها منذ أول يوم.

فقد عرفوا أنَّ القدس قضية رابحة، وفلسطين هي رافعة الأنظمة، وقد استغل شعاراتها شعبيًا كثيرون مثل جمال عبدالناصر وحافظ أسد والقذافي، وباسمها عاثوا خرابًا!

من خلال شعار القدس، ركَّز الولي الفقيه “ومجلس مصلحة تشخيص النظام” والحرس القديم في إستراتيجية تصديرهم الثورة على “عصب معنوي وعاطفي” عند شعوب المسلمين في جاكرتا وقيزغستان وماليزيا وكراتشي والجزائر وأفريقيا، بل أيضًا على مساهمته في حشدِ الشيعة خلفَهم وتثبيت مقاتليهم وعوائلهم في لبنان وسوريا والعراق حيث يدفعون ثمن حروبهم من حياتهم، فالطريق عندهم يمرُّ مِن طهران إلى بيروت إلى الموصل إلى حلب إلى القدس، بينما هو تاريخيًا عند السُّنَّة يمرُّ من دمشق إلى القدس!

 

لذا حرصت إيران على أن تنال “نيشان” وصفة الدفاع عن القدس وفلسطين (ممهورة) بكلمات وشهادات وحضور أسماء مُبرَّزَة في فلسطين لحفل مؤتمر القدس السنوي في طهران ومعه تزكيات فيلق القدس… حتى لو نطق بها إخواننا كارهين، ومن واقع أليم وإكراهات معقدة، لكن الصورة الإستراتيجية الأكبر ومقاصد الشريعة تفرض أسئلة صعبة في المقابل، دون الغفلة عن تطور منحنى هذه العلاقة منذ زمن “إبعاد مرج الزهور” عبر ثلاثة عقود، رغم أن الخيارات والقنوات الأخرى كانت متعددة، وليست محصورة بمحور إيران – دمشق – بيروت …

كلُّ ما سبق، خدم تسويق التشيُّع كمدخلٍ معنويٍّ وعاطفيٍّ في العالم الإسلامي، وهذه تُمثِّلُ معضلةً إنْ لم يتم تحجيمُها، فقد تَخرِمُ مقصدَ “ضرورة حفظ الدين” المُقدَّم بلغة مقاصد الشريعة، ومَنْ يعرف حجم نشر التشيع وأدواته وطبيعة الخطاب المغذي له، يعرف مدى هذا الأثر واقعًا.

 

2- حقيقة أن إيران في الأصل والنهاية، عدو استراتيجي لفلسطين.

نعم، إيران عدوٌّ “غادرٌ ومتخادمٌ” مع الكيان الصهيوني بصور إستراتيجية معقدة حتى لو استغرقتنا الحسابات المرحلية المحدودة وإكراه الواقع المرير وقلة النصير – انظر كتاب “الحلف الغادر وتاريخ التعاملات السرية لإيران وإسرائيل وأمريكا”، لمؤلفه الإيراني الأمريكي تريتا فارسي، وقد كان موظفًا كبيرًا في خارجية أمريكا، وهو مُنظِّر في مراكز صنع القرار فيما يخص إيران.

 

 

 

معادلة إيران والصهاينة في “التقاسم والتخادم” في المنطقة، وذبح فلسطين:

قال باحث مطلع في أمريكا موجزًا كلَّ هذا:

(لا تتفاجؤوا بالتغلغل الإيراني المتزايد في المنطقة عمومًا وسوريا خصوصًا: فهناك ترتيب إستراتيجي، يسمح لإيران بالتمدُّد واستعداء العرب للتخفيف من العداء العربي لإسرائيل، بعبارةٍ أخرى: هناك اتفاق غير مُعلَن للدولتين على “تقاسم العداء” مع العرب، فبدلًا مِنْ أنْ تظلَّ إسرائيلُ البعبعَ والعدوَّ الوحيدَ للعربِ في المنطقة، تتقاسم العداء مع إيران، بحيث (يخف الضغط على إسرائيل).

ولو نظرنا الآن لوجدنا ثمرات هذا الاتفاق الضمني على الأرض؛ ألم يصبح غالبية العرب ينظرون إلى إيران على أنها أخطر عليهم من إسرائيل؟ وبالتالي، فإنَّ كلَّ هذا العداء الظاهر بين إيران والصهاينة مجرد ضحك على الناس…).

نعم، هكذا يختصر محور طهران نصف الطريق الصعب على تل أبيب!

تبقى إشكالية قضية النووي الإيراني ومعارضة اليمين الصهيوني القوية – مثل نتنياهو – ومردُّها إلى أنَّ إيران ضمن الأطر السابقة، تحاول الحصول على نفوذ أكبر وحصة أهم (تتجاوز ما يسمح به بعض المخططين الصهاينة)، لكن هذه “الثغرة المرحلية” التي قد تراهن عليها حماس لا يمكن أن تصل لانحياز إيران حقيقة ضد إسرائيل ونسف كلِّ المكاسب والتخادم الإستراتيجي، بل غالبًا دعم حماس سيتحوَّل إلى ورقة بيد إيران على طاولة حساب القوى والمساومات.

الأسئلة التي تترتَّب على ماسبق كبيرة، فمثلًا:

1- أيما أشد عداء لنا وخطورة علينا: كيان إسرائيل أم إيران؟

2- هل يمكن اختيار عدوٍّ أقل عداوة وما ينبني عليه من عمل؟

الإجابة بعون الله تعالى:

علينا أولًا أنْ نتَّفق على أنَّ الكيان الغاصب وإيران هما عدوتان للإسلام من ناحية المبدأ، وتاريخيًّا يجتمعان ضد أهل السنة في نهاية المطاف.

ثُمَّ نفرز القوى والموازين والأولويات الخاصَّة ميدانيًّا لكلِّ جبهة مواجهة قائمة مع الصهاينة والرافضة في فلسطين وغيرها.

ففي جبهة فلسطين وفي مرحلة معينة، سنقول الصهاينة أشدُّ أذىً وعداءً وأولويةً. والصفوف مشتبكة أو تلاقت…لا خلاف على ذلك، وإنْ كان هذا لا ينفي الخطرَ البعيدَ القادمَ لاحقًا مِنْ قِبَلِ الرافضةِ على فلسطين مباشرة أو بشكل غير مباشر من خلال تدميرهم لحواضن فلسطين في العالم الإسلامي السنيِّ.

في جبهات أخرى كالعراق سيتغير الميزان في الأولوية العاجلة.

إنما يلزمنا هنا أن نتشبَّث بمفهوم جسد الأمَّة الواحد، وتعاضد قواها وشمولية المواجهة في النهاية.

فلا يصحُّ أنْ يعطي أحدٌ في فلسطين (أوكسيجينا) معنويًّا أو غيره للروافض، فيسند قوتهم ضد باقي الأمَّة.

والعكس صحيح، فلا يصحُّ لأهل الأهواز وبلوشستان والعراق مثلًا التطبيعُ مع الصهاينة بسبب أولوية مواجهة إيران؛ وإلَّا سيكون ذلك التطبيع بمثابة (أوكسجينا) معنويًّا وماديًّا للصهاينة وسيؤذي فلسطين.

إذًا يلزمنا أن نختار المحافظة على الواجبات الأساسية تجاه جسد الأمَّة الواسع مع “أولويات معقولة في المواجهة والمهادنات” عند كلِّ طرف.

 طبعًا النهوض في النهاية سيكون جماعيًّا للأمَّة، والتاريخُ كلُّه شاهدٌ.

ختامًا: علينا أن نختار ما بين إستراتيجية صراع الأمم الشامل الطويل والحضاري أو مجرد صراع شعوب مرحلي، فالعدوُّ يصارعنا في فلسطين بأمميته ولن يعيش دون ذلك لسنة واحدة.

كما أهمس في أذن كلِّ الأخوة: “إنَّ بعضًا مِن شرائح أهلِ السُّنَّة التي قد تخسرونها أو تبرد تدريجيًا – لو قستم نبض الشارع الواسع بشكل مستقل وعبر مؤسسات احترافية – أكثر ثقلًا بمراحل من غيرهم ولو بعدَ حين، وقد أثبتت أحداثُ القدس الأخيرة مدى الزخم العالمي الذي قدمته الأمَّة السُّنِّية بتنوعها…”.

والله أعلى وأعلم، وصلى اللهم وبارك على محمد وآل محمد وأمة محمد..

زر الذهاب إلى الأعلى