عقد مركز رؤيا للبحوث والدراسات ندوة سياسية تحت عنوان: (الأزمة الليبية: خريطة القوى وآفاق الحل)، يومَ الجمعة التاسع من شهر فبراير عام 2018م بمقر المركز، وشارك فيها عدد من الأساتذة والباحثين المتخصصين بالشأن الليبي بالإضافة إلى باحثي المركز، وتركزت الندوة حول مسببات الأزمة ومساراتها والموقف الدولي منها، وخريطة القوى السياسية والعسكرية على الأرض ورموزها، وسيناريوهات الأزمة المحتملة، والمشاريع والأفكار والآراء المطروحة والتي يمكن أن تُقترح في سياق الخروج من الأزمة.
وتضمن برنامج الندوة ستة محاور:
المحور الأول: خلفية الأزمة: توصيفها وأسبابها.
المحور الثاني: الأطراف الفاعلة سياسياً وعسكرياً (خريطة القوى الليبية).
المحور الثالث: أهم المواقف العربية والدولية ووساطة الأمم المتحدة.
المحور الرابع: الرموز الليبية المؤثرة.
المحور الخامس: السيناريوهات المتوقعة وشروط تحقق كل منها.
المحور السادس: توصيات الخروج من الأزمة.
وفيما يأتي أبرز مضامين الندوة وما أحدثته من حوارات:
أولاً: مقدمة الندوة دارت حول أهمية تداول الشأن الليبي والتباحث حول ثورته الشعبية والثورة المضادة، والإشارة إلى أن الأزمة الليبية بحسب ما يعبر عنه بعض المراقبين هي الكارثة الأكثر تجاهلاً حول العالم، وهو توصيف دقيق يفضي عند التلبس به إلى التقصير في كيفية التعامل والتعاطي مع أمثال هذه القضايا في عالمنا العربي والإسلامي، ذلك أن الثورات المضادة التي شهدتها منطقتنا العربية -وبخاصة البلدان التي حدثت فيها ثورات الربيع العربي- كان من مقاصد أربابها تحول الأمن القومي العربي إلى سياسة التعانف وحالة من الاحتراب الداخلي والتفريغ السكاني بعيداً عن توجيه قدرات الأمة إلى مواجهة العدو الحقيقي وهو الكيان الصهيوني والمنظومة الغربية الداعمة له، وعملية الاستبدال للعدو بهذه الصورة تجعلنا جميعاً مستهدفين على مستوى بنيتنا المجتمعية والفكرية بجميع مكوناتها، ومن الخطورة بمكان جعل المنطقة مجالاً للمشاريع الدولية والإقليمية تتلاعب في مصائر البلدان وشعوبها ضارباً المثال بالأزمة الليبية التي أضحت كأنها مختبر تتفاعل فيه الأبعاد الداخلية والإقليمية والدولية، مع غلبة ظاهرة للأصابع الدولية على حساب البعد الداخلي للبنية الليبية.
ثانياً: خلفية الأزمة: توصيفها وأسبابها:
الحديث عن خلفية الأزمة من حيث توصيفها وبيان أسبابها تضمن ثلاثة أجزاء:
الأول: منهج النظر وطريقة التحليل في التعاطي مع الأزمة، وهذا في حقيقته ذو شقين، الأول: متعلق بالبنية الداخلية وكيفية تعاطيها مع المشكل الليبي نفسه، فالمشهد الليبي حالياً بموجب تراكماته السابقة وما يتعلق بإشكالياته الراهنة دائر بين المشكلة والأزمة؛ ومرجع ذلك أمران: الأول: أنه ليست هناك تساؤلات على دولة بديلة، ذلك أن كل النقاشات والحوارات متعلقة بالنزاع أو الصراع بين الثورة والثورة المضادة والمركزية واللامركزية بل وكذلك التقسيم والفيدرالية في بعض التصورات، وفي سياق الحديث عن ثورة فبراير عام 2011 لم تكن ليبيا من حيث منظومتها الاجتماعية والسياسية مؤهلة لحدوث ثورة سواء على مستوى البنية المجتمعية أو البنية المؤسساتية، والأمر الثاني تراكمات المرحلة السابقة للثورة، فقد كان نظام القذافي وسياساته القائمة على فكرة الجماهيرية الشعبية خارج سياق الواقع والفهم، وتركت البلاد بلا مؤسسات يمكن الاعتماد عليها في المرحلة اللاحقة، وقد انعكس ذلك على مسار البلاد بعد ثورة فبراير، فالبنية المتهالكة والاعتماد على النفط كمصدر رئيس ظهرت آثاره السلبية في مرحلة الثورة، وخاصة بعد الانحراف بعوائد الدولة والسيطرة عليها من قبل فئة معينة بحيث يعد أحد العوامل الأساسية في تأزيم الموقف وإطالة الصراع.
والشق الثاني متعلق بالتدخل الدولي في الأزمة، فعند مراجعة القرارات الدولية سواء ما تعلق منها بالمنظومة الدولية أو الجامعة العربية تلمس تزامناً غير مفهوم باتجاه التدخل الدولي ودون مبرر واضح، وهذا ما لفت نظر كثير من الباحثين، وفي سياق التقويم لمسارات هذا التدخل خلال السنوات السبع منذ ثورة فبراير حتى اللحظة نرى أن التدخل الدولي كان عاملاً سلبياً ساهم إلى حد كبير في استمرار الأزمة السياسية، ومرجع ذلك أن طريقة إدارة الحوار السياسي للبعثة الدولية وخاصة من مرحلة ليون إلى سلامة لم تكن لها معالم واضحة من حيث استهداف إنهاء الأزمة ووضع حل لها، إلى القدر الذي أثير بسببه تساؤل حول جدية البعثة الدولية والمجتمع الدولي: هل المجتمع الدولي جاد في حل الأزمة أم لا؟
الثاني: البنية السياسية للكتلة الثورية، وبموجب ما دار في المرحلة اللاحقة لثورة فبراير، لم تكن هناك محددات واضحة في تعريف من هو الثوري منذ بداية الثورة، وإنما طرح في ظل أزمة سياسية في مناقشات حول العزل السياسي، والبناء المفهومي للثورة وما يرتبط به من رؤى متعلقة بطبيعة إدارة المرحلة اللاحقة وكيفية استيعاب المكونات الليبية بما فيها أنصار النظام الجماهيري، كل هذا لا زال غائباً إلى اللحظة الراهنة، بالإضافة إلى البنى السياسية التي تمخضت عنها الثورة وخاصة المؤتمر الوطني العام وطبيعة النقاشات التي سادت في أروقته لم تكن في حقيقتها قادرة على حل المشكل الليبي في مرحلة ما بعد الثورة؛ بحكم طبيعة البنية التي شكلت هذا المجلس، فلم تكن هناك كتلة راجحة داخل المجتمع السياسي، بما يشي بأن هناك عجزاً أصاب هذه البنى المستحدثة بسبب عدم قدرتها على إدارة الدولة، ومما زاد الأمر سوءاً أن تدخل المسلحين في المؤتمر الوطني جعله في دائرة الخطر من حيث قدرته على إدارة المشهد والتأثير فيه، ولم يكن الاتفاق السياسي في الصخيرات أفضل حالاً من سابقه، فالخريطة السياسية التي انبنى عليها هذا الاتفاق لم تكن محددة بشكل كامل، كما أن سياق بنوده لم يكن مؤسساً من جهته المرجعية على الثورة ومخرجاتها، بل جعلت الثورة فرعاً منها، بحيث أضحت خارج إطار الرؤية المؤسسة للاتفاق.
الثالث: في تعريف الدولة هناك اضطراب وتنازع بين المكونات الداخلية حول الأساس الذي تنبني عليه ما بين مسألة الهوية والصلاحيات الدستورية، وعدم حسم هذا التنازع يعكس التشتت الذي تتصف به الكتل السياسية، وفي سياق المراجعة لكثير من خطابات الإسلاميين وغيرهم نرى غياب الرؤية المركزية والهدف المركزي الذي يسعون إلى تحقيقه، وهذا يسري كذلك على تيار الثورة المضادة الذي يقوده حفتر، حيث يعد رجوعه إلى الخيار العسكري دليلاً على ضعف وانحسار أدواته السياسية، وبالتالي تكون الفوضى هي التي تحكم المشهد السياسي الليبي.
ثالثاً: الأطراف الفاعلة سياسياً وعسكرياً (خريطة القوى الليبية):
حول هذا المحور أثيرت أربع نقاط أساسية تأخذ بمجامع الأطراف الفاعلة والمؤثرة على الأرض في ليبيا:
الأولى: المسار الذي اتخذته الثورة المضادة بقيادة حفتر منذ إعلانه يوم الرابع عشر من فبراير عام 2014، والخروج على الإطار الشرعي الممثل للشعب الليبي آنذاك وهو المؤتمر الوطني العام، وسيطرته على مقاليد الحكم وتجميد العمل بالإعلان الدستورى المؤقت، قاصداً وأد ثورة السابع عشر من فبراير وإرجاع البلاد إلى المربع الأول، بل إلى ما قبل زمن الثورات.
الثانية: المواقف الدولية على خلفية تصدر الإسلاميين للمشهد، والمطالبات بتطبيق الشريعة والعدالة والمساواة .. في غيرها، فالأطراف الدولية والإقليمية لم يرق لها أن يكون الإسلاميون هم المتصدرين للمشهد، ولذلك شهدنا بإزائه ما يسمى بالثورة المضادة في حالة من التناغم بين أربابها وبعض الأطراف الإقليمية، مع الأخذ بنظر الاعتبار أن هناك تغايراً في المنطلقات عند هذه الأطراف في توجيه تدخلاتها وما ترتبت عليه من مؤثرات في المشهد، فهناك المنطلق المصلحي الذي يأخذ بنظر الاعتبار استهداف الثروة الليبية، وهناك المنطلق الاستعماري بغية إثبات حق الوصاية ومشروعية التدخل، وهناك التنافسية ولعب الأدوار أو ممارسة الحرب بالوكالة بين الدول الإقليمية داخل المشهد.
الثالثة: مسار الأزمة الليبية نفسه، فالسنوات الثلاث الماضية أثرت مجريات أحداثها في تشكل الحالة العسكرية والسياسية في ليبيا، إذ تغايرت بموجبه المواقف وتباينت الرؤى من الأطراف الليبية، وكان أبرز ما شكل الحالة الليبية في هذا السياق مساران: الأول: المعارك العسكرية التي كانت تدور رحاها في شرق البلاد وغربها، بحيث كان لها دور بارز في تباين موازين القوى. والثاني: الاتفاق السياسي في الصخيرات، وكان له دوره البارز أيضاً في التأثير على المشهد السياسي إيجاباً أو سلباً.
الرابعة: حول الأطراف السياسية والعسكرية الفاعلة في المشهد الليبي اليوم:
أ.الأطراف السياسية الفاعلة:
–حكومة الوفاق الوطني التابعة للمجلس الرئاسي المنبثق من اتفاق الصخيرات في ديسمبر عام 2015.
–والبرلمان الليبي السابق لاتفاق الصخيرات ويعرف عند البعض ببرلمان طبرق.
–والحكومة المؤقتة المنبثة عن برلمان طبرق ويترأسها عبدالله الثني ومقرها بمدينة البيضاء.
–ولجنة الستين التي يترأسها الأمريكي علي الترهوني ولها دورها -من خلال رئيسها- في الحياة السياسية، ولكنه عزل مؤخراً بحكم قضائي.
–والمجالس البلدية وتحديداً المجالس البلدية بمصراته وبنغازي وتاورغاء والزنتان، وبالرغم من الطبيعة الخدمية والاجتماعية التي تغلب على المجالس البلدية إلا هذه المجالس دخلت إلى المشهد السياسي إما استقلالاً أو من بوابة الأمم المتحدة كما حصل في اجتماع جنيف في يناير 2015، حين عبرت الأمم المتحدة من خلال موقعها الرسمي بعد استقطاب هذه المجالس: “مسار جديد في إنعاش الحالة السياسية”.
–شيوخ القبائل والأعيان في المنطقة الشرقية كان لهم دور سياسي بحكم كون المنطقة الشرقية ذا طبيعة قبلية، استطاعت الثورة المضادة توظيفهم في الحياة السياسية بالتناغم مع الاستقطاب الإقليمي عن طريق الدعم المالي، ومن أبرز الشخصيات في هذا المجال بريك اللواطي الذي اغتيل مؤخراً في بنغازي، وصالح الأطيوشي .. في غيرهم.
ب.الأطراف العسكرية الفاعلة:
–قوات وكتائب المجلس الرئاسي، وهي كتائب تجاوزت التراتيبية المعهودة في غيرها من التكوينات العسكرية، بل هي أقرب إلى المليشيات الشعبية، وينضوي تحت هذه القوات القوى الأمنية التابعة لوزارة الداخلية، وكتائب المدن الغربية التابعة لوزارة الدفاع في طرابلس وتاجوراء باستثناء كتيبة 32 التي حلت، وكتائب مصراته والزاوية وزواره وصبراته، وأيضاً تنضوي تحتها كتيبة الردع المحسوبة على التيار المدخلي والتابعة لوزارة الداخلية وتوجد في مطار طرابلس (معيتيق)، والأصل أن أغلب منتسبي هذه الكتائب من الثوريين إلا أن غياب المشروع الوطني وعدم وضوح الرؤية كان سبباً في دخولهم الاتفاق السياسي والانخراط في تفاصيله.
وما يلفت النظر في هذا السياق أن المجلس الرئاسي حين تولى الحكم في طرابلس شكل ثلاث مناطق عسكرية، المنطقة الوسطى من سرت إلى مصراته، والمنطقة الغربية من بعد مصراته إلى رأس جدير على الحدود الليبية التونسية، والمنطقة الجنوبية، ولكن المنطقة الجنوبية تعد منطقة فضاء وفراغ، الكل يدعي سيطرته عليها.
–قوات البنيان المرصوص التي تشكلت لحرب تنظيم الدولة بسرت، وأصل هذه الكتائب أنها من مصراته، وشاركت فيها قوات الثوار من بقية مدن الغرب الليبي وكذلك الجنوب، وكتيبة عمر المختار من بنغازي بجزء من قوتها، والأخيرة قوتها الأكبر كانت تقاتل ببنغازي ضد حفتر، وقوات البنيان المرصوص استمدت مشروعيتها من المجلس الرئاسي، وفي الأونة الأخيرة ترددت الأنباء في انفصالها عن المجلس دون أن تكون هناك معلومات دقيقة بهذا الشأن، إلا أن هناك بوادر انفصال وافتقاد للثقة بين الطرفين.
–المجلس العسكري في الزنتان الذي يرأسه اللواء أسامة جويلي، وهذا المجلس مكون من عدة كتائب، وفي المرحلة الأخيرة بسط نفوذه وامتداده في المنطقة الغربية وإخراج الكتائب المخالفة للمجلس.
–قوات حفتر، وهي قوات مكونة من عسكريين سابقين خدموا في نظام القذافي وعددهم قليل؛ لأن القذافي في مراحل حكمه استغنى عن الجيش الليبي ودعم فكرة الكتائب الموالية له، ولكن أبقى على شيء شكلي سماه قوات الشعب المسلح، ومن مكونات هذه القوات أيضاً شباب المناطق، ذلك أن قوات حفتر في حقيقتها تعتمد على المدنيين والمرتزقة كما هو الحال في التبو الذي يقطنون على الحدود، وكذلك استعان بقوات العدل والمساواة من دارفور بالسودان.
–القوات الأجنبية، وهي في حقيقتها شركات أمنية وظفت من قبل بعض الأطراف الإقليمية على غرار الإمارات، ومنها كذلك شركة بلاك ووتر، فمشاركة هذه القوات في ليبيا ليست من جهة كونها قوات دول مشاركة في الاحتراب الداخلي وإنما هي محض شركات أمنية موظفة بأموال إقليمية.
–مجلس شورى ثوار بنغازي ومجلس شورى ثوار درنة، وهما يمثلان تيار ثورة فبراير، ويرفضان الانضواء تحت تشكيلات المجلس الرئاسي أو قوات حفتر.
–كتائب التيار المدخلي مشكلة بدعم مادي ومالي كبير ومستمر من الخارج، أعدادهم لا تتجاوز الخمسمائة، ولكن لهم دعم من أتباعهم المدنيين في مراكزهم ومساجدهم، ويمتازون بأساليبهم المنحرفة في التعاطي مع مخالفيهم، ومن أبرز ضحاياهم الشيخ الدكتور نادر العمراني.
رابعاً: أهم المواقف العربية والدولية ووساطة الأمم المتحدة:
في هذا المحور تم استعراض أبرز المواقف الدولية بشأن المشكل الليبي على النحو الآتي:
–الموقف الدولي المتعلق بالاعترافات بالمجلس الوطني الانتقالي والثورة، وموقفه باتخاذ قرار التدخل العسكري في ليبيا لحماية المدنيين.
–الضغط الدولي من قبل الأطراف العربية وغيرها على المجلس الوطني الانتقالي والثورة الليبية وتوجيههما في سياق الدخول في انتخابات السابع من تموز/يوليو عام 2012، وهو موقف فيه التفاف على الثورة وانحراف عنها؛ لأن الثورة لم تكتمل بعد ولم تتأهل للدخول في بناء الدولة، باعتبار أن الكثير من المدن الليبية لم تدخلها الثورة أساساً بل بقيت على قناعاتها السابقة المتعلقة بالنظام السابق.
–الموقف الدولي المتعلق بما يسمى بعملية الكرامة وإعلان خليفة حفتر انقلابه على الثورة والشرعية الدستورية، حيث جاءت بعض المواقف الدولية والإقليمية مؤيدة لحفتر كما هو الحال بالولايات المتحدة والإمارات ومصر، وتبنيها لتيار الثورة المضادة الذي قاده حفتر.
–الموقف من فجر ليبيا، وهي حركة تصحيحية لمسار الثورة وردع الثورة المضادة، وكانت فعلاً تنشد تحقيق أهداف ثورة السابع عشر من فبراير، ولكن تدخلت المنظومة الدولية عن طريق أتباعها وأياديها الليبية كما هو الحال بالمجلس البلدي بمصراته وبعض السياسيين فتحولت من عملية عسكرية سياسية كادت تؤتي أكلها إلى عملية مزاد سياسي بعيداً عن مقاصد الثوار.
–كان للمنظومة الدولية دورها في المسار المدني والاجتماعي حين أنشأت هيئة تمكين المرأة في سابقة لا تتناغم مع الخلفية الفكرية والاجتماعية للمجتمع الليبي وتكوينته؛ بسبب استقطابها للتيار الليبرالي في التمثيل داخل هذه الهيئة في رسالة منها تتجاوز حقيقة التكوينة الاجتماعية للمجتمع الليبي.
–الموقف الدولي تجلى أيضاً بصورة بارزة في تصنيف الثوار، فقد وقف المجتمع الدولي من مجاهدي مجلس ثوار بنغازي ومجلس ثوار درنة موقفاً سلبياً بسبب توصيفه لهم بالإرهاب وتصنيفهم في دائرة عرقلة العملية السياسية، دون أن يكون لهم موقف من الجرائم العسكرية التي يقوم بها حفتر وميلشياته.
–وأخيراً الموقف الدولي من موضوع الدستور الليبي أو ما يسمى بلجنة الستين التي كان يرأسها الأمريكي علي الترهوني، وقد كان للموقف الدولي دوره في التلاعب بهذه الوثيقة لإجهاض أي مشروع وطني يختاره الليبيون.
خامساً: الرموز الليبية المؤثرة:
في سياق الرموز الليبية الفاعلة والمؤثرة في الساحة الليبية سواء في مسار الثورة والثورة المضادة تبرز جملة من هذه الرموز في إطارين، الأول: إيجابي، وتبرز فيه شخصيات ومؤسسات، منها: الشيخ صادق الغرياني مفتي ليبيا، وهو شخصية لها حضورها البارز في المسارين الشرعي والسياسي وتلقى قبولاً في المجتمع الليبي ولا زالت تلعب دورها في حل المشكل الليبي بتبنيه للرؤية الوطنية، ومنها أيضاً الشيخ الدكتور نادر العمراني الذي كان له حضوره الشرعي والاجتماعي وقد لعب دوراً في استقطاب فئات المجتمع الليبي باتجاه نصرة الحل الوطني ولكن اغتيل على يد الغدر، ومنها أيضاً شخصية ذات بعد اجتماعي وإعلامي وهو الأستاذ سعد العبيدي، وعلى السياق المؤسسي الإعلامي تبرز مؤسستان الأولى قناة التناصح التابعة لدار الإفتاء الليبية، وقناة النبأ.
ويبرز في هذا الإطار كذلك أنموذج مجاهدي مجلس شورى ثوار درنة وقائدها وإن لم يكن مشهوراً في الدائرة الوطنية ولكن يعد مثالاً بارزاً على القيادة الشبابية والقيام بواجباتها والقدرة على مواجهة الحصار الذي ضرب حول المدينة قرابة سنتين وهو: القائد الميداني عطية الشاعري ويسميه أتباعه: المحترم، فتعد درنة وقيادتها الشبابية في حقيقتها مثالاً يحتذى في هذا السياق يمكن تعميمه والقياس عليه في أجزاء أخرى من البلاد.
وأما الإطار الثاني، فهو الإطار السلبي ويتضمن جملة من الشخصيات الإعلامية والسياسية فضلاً عن المؤسسات الإعلامية الداعمة لها، وقد انصب دورها في إفساد عقول الناس وتخريب النسيج الاجتماعي، والتضليل والكذب الإعلامي، ومن هذه الشخصيات الإعلامية: محمد المطلل، وبلعيد الشيخي، وخليفة العبيدي، وسراج الدين المجبري، ومن المؤسسات الإعلامية في هذا المجال: قناة ليبياً أولاً، وهناك شخصيات سياسية لعبت دوراً فاعلاً في تأزيم المشهد الليبي والخروج عن ثورته الشعبية، من أبرزها: محمود جبريل، ومحمود شمام، ونعمان بن عثمان، ورجب بن غزي، وعبدالرؤوف كارا، وهيثم التاجوري، وأيضاً شخصيات لعبت دوراً عسكرياً من خلال بعض التشكيلات العسكرية كما هو الحال بكتيبة التوحيد في المنطقة الشرقية، ومن أبرز هذه الشخصيات: أشرف الميار، وعبدالفتاح بن غليون، وأحمد الطيب، وحمزة الشريف، وعادل الجوارشي، وأحمد الفيتوري، ومحمود الورفلي.
سادساً: السيناريوهات المتوقعة وشروط تحقق كل منها:
في الحديث عن السيناريوهات المتوقعة للأزمة الليبية تبرز إشكالية محاولة الغرب من خلال سياساته وممارساته الدولية والإقليمية رسم سيناريوهات متعددة لكل مشكل بما يتناسب مع مصالحه وتوجهاته، ولذلك من الحكمة أن يطلع المسلمون على أمثال هذه السيناريوهات؛ بغية التعرف على التوجهات الغربية في المراحل اللاحقة، وفي هذا السياق يُطرح بالإضافة إلى السيناريو الوطني خمسة سيناريوهات متداولة في الدائرة الغربية وغيرها سواء من خلال مراكز الأبحاث والدراسات أو من خلال بعض المؤسسات السياسية الحاكمة وشخوصها السياسية:
الأول: حكومة وحدة وطنية يرضى عنها الفرقاء الليبيون بأنصبة مرضية لهم، والتحدي الذي يواجهه هذا السيناريو هو أن ارتهان الحكومة للقوى العسكرية الموجودة على الأرض سيفقدها صلاحياتها وسلطتها الحقيقية، وربما تفرض عليها أجندتها كما حدث لحكومة الصخيرات.
الثاني: أن تترك ليبيا للرعاية الدولية، بحيث تنشر فيها قوات حفظ سلام عربية وأفريقية مدعومة من الناتو، ويظل هذا الوضع حتى تنشأ حالة من الاستقرار، وهذه القوات تفرض حكومة وفاق وطني على الليبيين خارج دائرة الاختيار، وهذا شبيه بما تم القيام به بعد الحرب العالمية الثانية، حيث وضعت ليبيا تحت الرعاية الدولية برئاسة أدريان بلت، وأعقب هذا الترتيب كتابة الدستور عام 1951.
الثالث: ويسمى سيناريو المقاولة من الباطن، وصورته أن تعطى ليبيا لإدارة إقليمية وتحديداً مصر والجزائر، وقد يكون للخليج رأي فيها كذلك، يقوم هؤلاء المقاولون بالمشاركة في إدارة ليبيا طالما أن الفرقاء الليبيين غير قادرين على إدارة المشهد، وهذا السيناريو شبيه بالحالة اللبنانية أثناء الحرب الأهلية، فقد تدخلت سوريا والسعودية فيها.
الرابع: ويسمى سيناريو الصومال، وصورته أن تترك ليبيا للتفكك الكامل، وهذا التفكك يجعل الليبيين مع الوقت يستسلمون إلى أي حل يفرض من الخارج بدون استشارة القوى الوطنية، وهذا الحل يطرح من قبل الأمريكان بحيث يصاحبه تجميد للأرصدة الليبية في الخارج، وقطع الدعم بالسلاح، والإبقاء على الحصار وملاحقة الجماعات الإرهابية في الداخل، ثم يؤتى بحكومة ضعيفة تدعم دولياً.
الخامس: سيناريو التقسيم الصريح، وفي سياقه يقترحون أربعة أشكال للتقسيم: الشكل الفيدرالي أو الكونفدرالي، والشكل القبائلي، والشكل الجهوي في ثلاث مناطق، والشكل الطولي بين الشرق الليبي وغربه.
السادس: تبني الحل الوطني، وهذا يضعف أي تدخل دولي أو إقليمي، وحتى يستطيع هذا الحل إضعاف التدخل الخارجي يلزم القوى الوطنية أن تقدم قيادة بديلة تستطيع أن تستقطب الليبيين حولها.
سابعاً: توصيات الخروج من الأزمة:
تثار في هذا السياق عدة أسئلة تضمنت إشكالات الأزمة الليبية وبعض الرؤى المتعلقة بالحل، ويعد تباين الإجابات حول هذه الأسئلة أحد الأسباب الرئيسة في تشرذم صف الثورة وتيارها سواء على مستوى الإسلاميين أو غيرهم، ما لم تتحد الإجابات أو تتقارب حولها على الأقل في الموقف العملي تجاهها، وهذا سيقودنا بالفعل إلى الحل الجوهري المجمل الذي تنبثق منه كل الحلول الفرعية الأخرى:
السؤال الأول: المهيمن على المشهد السياسي هو الاتفاق السياسي في الصخيرات، وقد تباينت الرؤى حول هذا الاتفاق في تيار الثورة، فبعضهم يرفض هذا الاتفاق من حيث الأصل وهو ما يتبناه الساعدي نفسه، وهناك من يرى تأييد هذا الاتفاق ومحاولة العمل من داخله لأجل تصحيحه، ومن أكثر الأشياء التي يواجهون بها التيار الرافض في المناقشات والحوارات البينية: هل هناك بدائل عن الاتفاق السياسي؟
السؤال الثاني: وهو محل خلاف داخل صف الثورة، هل البعثة الدولية (ليون – كوبلر – سلامة) تريد حل المشكل الليبي أم لا؟
السؤال الثالث: ما هي الخطوط الحمراء التي يجب أن يتفق عليها تيار الثورة على عدم التفريط فيها وتجاوزها؟
السؤال الرابع: هل من الصواب شرعاً وواقعاً أن يبقى كل فصيل من فصائل الثورة منكفئاً على نفسه حزباً كان أو جماعة أو مؤسسة؟ أم يجب أن يتدارك هذا التيار أمره ويلم شتاته ويوحد قيادته العامة؟
السؤال الخامس: هل نحن في مسار التفاوض موطئون أنفسنا على أن هذا المسار قد يطول فيحتاج إلى صبر ومطاولة وثبات؟
السؤال السادس: هل نحن عاجزون عن لملمة الشتات؟ وهل هذا العجز مرجعه فقدان الإمكانيات الذاتية؟ أم أنها موجودة كامنة في البنية الليبية ولكن تحتاج إلى من يخرجها من مكنونها ويوظفها في سياقها الوطني؟
وفي سياق الحديث عن البدائل هناك عشرات الرؤى والأفكار النظرية، في إشارة إلى أن الرافضين لاتفاق الصخيرات عندهم بدائل بخلاف ما يروجه عنهم مخالفوهم، ولذلك يلزم تبني أي حل ذات صبغة وطنية ليبية بعيداً عن التدخل الخارجي، فدار الإفتاء الليبية باعتبارها أحد الرافضين لاتفاق الصخيرات لا تتبنى حلاً بعينه، ولكنها مؤيدة لحل بأيدي ليبية، وشخصية مثل الشيخ صادق الغرياني لها رؤيتها السياسية الواعية فضلاً عن مكانتها الشرعية تعد شخصية جامعة، وقد أطلق الغرياني في إطار الحل الوطني الشامل: “دعوة إلى رص الصفوف”، تستقطب الموافقين والمخالفين في الدائرة الليبية، وضمَّن دعوته الاجتماع على قاعدتين: الأولى: عدم التلاوم على الماضي. والثانية: الخروج من عباءة الصخيرات ورسم حل وطني بأيدي ليبية خالصة يقدم إلى المجتمع الدولي.
فخلاصة القول حل الأزمة يكمن في توحيد القيادة لصف الثورة والمساهمة في الالتفاف حولها من الأطراف الليبية المؤثرة في المشهد، وأبرز الأطراف الفاعلة فيه: الإخوان المسلمون، وحزب العدالة والبناء، ودار الإفتاء الليبية، ومجالس الحكماء والأعيان، كتائب الثوار التي لم تنضم إلى الثورة المضادة، وبعض الشخصيات المؤثرة من مثل عمر الحاسي رئيس الوزراء السابق، الدكتور عبدالرحيم الكيب رئيس حكومة سابق .. في غيرهم ممن يتبنى الرؤية الوطنية ويعمل في سياقها.
وقد طرحت في سياق التعقيب مسألة البعد العملي للحل تحت ما سمي: فلسفة الشغل، وذكرت في إطاره عدة تساؤلات: ما هو المسار الذي يلزم الدخول فيه؟ هل نستطيع كإسلاميين أن نتعاطى السياسة وكيف؟ وهل عندنا القدرة على مواجهة الخداع في السياسة الذي يمارسه ضدنا المجتمع الدولي؟ هل عندنا الوسائل التي من خلالها نستوعب القبائل في الداخل الليبي والتعاطي مع مجلس الحكماء؟ هل عندنا القدرة على توحيد العمل العسكري وتقوية الجبهة العسكرية؟ هل نستطيع أن نطيل أمد الشغل لتحقيق أهدافنا في المراحل القادمة؟ بحيث ونحن نمارس التفاوض نستحدث تكوينات تنظيمية جديدة تسع الشباب والنساء والمهنيين، ونوجد أدوات جديدة على مستويات متعددة، وخاصة على مستوى الإعلام، وهل نستطيع من خلال تفعيل هذه الأدوات أن نلجم الحركات المنحرفة والمعوقة للمسار الوطني ولحمته كما هو الحال في تيار الجامية؟ وهل نستطيع أن نجعل فكرة المجالس البلدية في إطار جامع وإدارة موحدة؟ هل لدينا القدرة على رسم سلم الأولويات بحسب ما تقتضيه المرحلة الزمنية الراهنة؟ هذه العناصر كلها تكون في سياق ورقة بحثية تطرح للنقاش وتوجه إلى المعنيين بالشأن الليبي.
ثامناً: وعلى سبيل الخاتمة: جاء التأكيد على ضرورة الحل الوطني في الخروج من الأزمة الليبية، وفي سياقه يلزم الحديث عن مسهلات الحل الوطني وتحدياته، وأن التحدي المهم يكمن في تسويق هذا الحل الوطني، في ظل أن الذي يملك السوق هو الحل الدولي، ومن هنا فإن التدافع الذي يمكن أن يحدث بين الحلين يتطلب منا أن يكون الحل الوطني متسماً بالوضوح في كل القضايا التي سيقت في التعقيب عن برنامج العمل وفلسفة الشغل، والخطوات والمراحل المتعلقة به، وصناعة الأدوات وصناعة الحل؛ لكونها صناعة ثقيلة تتطلب بنية تحتية من التأييد الشعبي، وهذا يستدعي أن يكون الشعب في دائرة الوعي بهذا الحل وأن يكون هو الفاعل والمؤثر في الموقف، وأما مسألة القيادة وإن كان طرح اسم الشيخ صادق الغرياني في بعض المداخلات، فإن المعول عليه هو الشباب، فنحتاج إلى نخبة جديدة من الشباب، والشيخ الغرياني وغيره يكون في دائرة التوجيه والنصح، ولكن وبحسب مقتضيات المرحلة الراهنة فإن القيادة التي تملأ خريطة الشباب تكون في سياق جماعي وليس فردياً.