العقل اليهوديملفـات

في سنن تدافع العمران ودور اللامركزية فيه

كان هذا عنوان كلمة فضية المهندس طاهر صيام في الندوة التي عقدها مركز رؤيا، بعنوان:

(مستقبل طوفان الأقصى في ضوء السنن الإلهية)

وتضمنت كلمته المحاور التالية:

  • محورية سنن التدافع في السياق الحضاري:

لأنّ أفكار الناس وعقائدهم متعدّدةٌ، فقد تعدّدت تبعاً لذلك الثقافات وبالتالي الحضارات الناتجة عنها، وهيمن الصراع والمدافعة على العلاقة بين الحضارات، صراعٌ وتدافعٌ تحكمه سننٌ إلهيةٌ معلومةٌ. “فليس من مصلحة الإنسان أن تخلو الحياة من التدافع؛ لأنَّه هو الطريق إلى دفع الفساد عن الأرض وإقرار الحق والعدل… وبدون ذلك، تأسن الحياة وتسيطر عليها روح السلبية… ولدفع عوامل الإفساد التي تضر بالحياة، اقتضت حكمة الله أن يُقرَّ هذه السُّنة.

وهذه المدافعة تتجلى في صورٍ شتى، تبعاً لاختلاف الدوافع والأسباب.  

إذن، التدافع من السنن الإلهية المتعلقة بالتجديد والتغيير ما بين ارتفاع وهبوط، كما دل على ذلك حديث أنس في البخاري: “حَقٌّ علَى اللَّهِ أنْ لا يَرْتَفِعَ شيءٌ مِنَ الدُّنْيا إلَّا وضَعَهُ”.

أشكال التدافع: المدافعة الحضارية تكون بكل وسيلةٍ مشروعة مادية أو معنويةٍ، ولا بد “أن يتخذ لذلك التدافع كل أشكال الصراع: مذهبياً، سياسياً، عسكرياً، أخلاقياً، اقتصادياً، وحضارياً… أمراً بالمعروف ونهياً عن المنكر

وهكذا لو عدنا إلى قوله تعالى: (وَلَوْلَا دَفْعُ اللَّهِ النَّاسَ بَعْضَهُم بِبَعْضٍ لَّفَسَدَتِ الْأَرْضُ) لوجدنا أنّ “خلاصة أقوال أهل العلم بالتفسير ليس بينها تعارض، واختلافهم فيها اختلاف تنوع… ذلك أنّ المدافعة بين الحق والباطل ذات دوائر، بعضها محيط ببعض، فمدافعة العصاة من أهل الملة دائرة، ودفع المنافقين وفضحهم دائرة من ورائها، ومدافعة الكفار ومجاهدتهم من بعد ذلك…”.  (سنن الله في الأمم، حسن الحميد، ص234).

  • التدافع وفاعلية اللامركزية المعنوية والحسية:

التدافع له مقدماتٌ ويحتاج قوىً معرفية. وتفعيلُ طاقاتٍ متنوعةٍ تجعل منه تدافعًا حضاريًا يستدعي كل الإمكانات الحضارية (اللامركزية) الناعمة والمعنوية والمادية لدى الأمة؛ بكل طاقاتها وتنوعها العرقي وأطراف امتدادها الجغرافي والمعرفي.

إنّ هذه (اللامركزية) قوةٌ رساليةٌ دعوية تستجيب لها الفطر والنفوس على مستوى الانتشار العالمي الواسع وحشد الطاقات وفتح الجسور مع الآخر قبل الانتقال بها نحو أي تتويج مركزي.

مكائد وضيق المركزية:

نلاحظ اليوم بجلاء أنّ المكر العالمي حريصٌ على عدم خروج دعوة الإسلام من مركزيتها الجغرافية والمادية والمعنوية والإدارية، حتى يسهل عليه حشرها ومحاصرتها وقطع أسباب انتعاشها ومنع تنفسها من رئات أخرى، فاجتهد في تقطيع أوصالها وتواصلها مع أطرافها وأطراف العالم.

إنّ المستكبرين يعلمون أنّ كياناتهم تهددها عالمية الرسالة بما تحمله من قوة الحق ونور الوحي وميثاق الفطرة وعدالة القضية وسمو القيم.

من ثمار سعة اللامركزية: صناعة أدوات جديدة للتغيير، وتفعيل وتحسين الموجود منها؛ وضخ الدماء الجديدة، لتتبادل المكونات الأدوار وتتنوع وتتطور في خدمة الأمة، وبالتالي سيصعب محاصرتها مركزيًّا أو فشلها كلها. فمثلاً:

–  نماذج لنجاعة حركة الأمة من الأطراف: ففي القرنين الرابع والخامس وقعت مراكز العالم الإسلامي تحت سلطة القرامطة والبويهيين والفاطميين واهتزت الأندلس، لكن تحركت الأطراف تباعًا؛ فانقضّ عليهم السلاجقة والغزنويون ثم الزنكيون وصلاح الدين، فقشعوهم. أما المرابطون فقد سَمَت عصبيتهم إلى الإمارة من القواصي لتُحيي أمر الإسلام. وكذلك فعل الترك في الأناضول.

  • جوانب من اللامركزية عند ابن خلدون:

يعتبر ابن خلدون: هو الأب الحقيقي لنظريات المركز والأطراف التي شغلت مختلف التخصصات العلمية.

ونحن في حديثنا عن ديناميكية اللامركزية والأطراف ندور في فلك نظرية ابن خلدون في أهمية العصبية المادية -عصبة الناس- والعصبية المعنوية -الفكرة والدين- وذلك لإحداث التحولات في الأمم. وهو مما نادى ابن خلدون بملاحظته من خلال الحركة في القواصي والأطراف حيث الفراغات المادية والمعنوية؛ إذ “يحدث الفراغ في الأطراف غالبًا… والأطراف مصطلحٌ خلدوني أصيل يعبر عنه في مكانٍ آخر بالقاصية. وابن خلدون يعتبر أن الاطراف تقوم فيها العصبيات الجديدة بالتمدد نحو المركز…”.

وفي الوقت الذي تعتبر فيه غزة عقبًة ديمغرافية أمام مركز تل أبيب المسيطر عمرانيًّا وحضاريًّا في الشرق الأوسط، علينا أن لا نغفل عن مركزية النموذج الإيراني ودولة الملالي التي تم فُتح الطريق لها غربيًّا لتحلَّ محلَّ الشاه الذي امتلك عصبية الشعب دون عصبية المذهب.

وهكذا وُجدت الوصفة المطلوبة في نموذج الثورة الإيرانية وتصديرها وحملها لشعار فيلق القدس ومؤتمر القدس؛ فباتت طهران مركزًا آخر يتقاسم حمل عداء العرب مع مركز تل أبيب!

ثم قام المركز الإيراني بشطر العصبية السُّنيَّة للقضية القدس التي توحد شعوب العالم الإسلامي من خلال زج النموذج الدموي المذهبي الإيراني ليلقي عباءته على قضية القدس بعدما نجح في تجزير الحاضنة السنية في الفضاء المحيط في فلسطين وهلهل العواصم العربية وديمغرافيتها.

 

زر الذهاب إلى الأعلى