صناعة الكراهية وتشويه الظاهرة الإسلامية
صناعة الكراهية وتشويه الظاهرة الإسلامية([1])
مدخل.. خطاب كراهية الظاهرة الإسلامية وبواعثه
يُمثل المتدينون بشكل عام -بكافة أطيافهم ومشاربهم الفكرية- صورةطيافهم النموذج العملي الواقعي للتعاليم الدينية، لذلك تُعد حملات الكراهية التي تُبث ضدهم كلهم موصّلة بصورة أو بأخرى إلى كراهية التعاليم والمبادئ والشرائع التي يتبعونها، فالشخص الذي يرفع أي شعار ويتمسك به ويدعو إليه ويروّج له، إذا كرهه مَن حوله سيكرهون ما يحمل من أفكار ومعتقدات وما يردده من مبادئ وتعاليم، خاصة مع وجود حملات موجهة لشيطنته وساعية إلى إثبات أنه أصل كل شر وسبب أي بليّة، على عكس النقد الهادئ الذي يُوضع في إطاره الخاص، كنقد موضوع معين أو شخص ما أو مجموعة محددة، فهو لا يؤدي إلى الكراهية ولا الشيطنة ولا العدائية؛ بل يكون صحياً إذا صوحب بضوابط النقد البناء.
فعلى سبيل التقريب، إن وصْف الأفراد الذين يحرصون على صلاة الفجر في المسجد على سبيل المثال بالتشدد لأدائهم الصلاة في ذاك الوقت، هو في حقيقته وصف بصورة أو بأخرى لهذه الشعيرة بالتشدد، ورمْي الفتاة التي ترتدي حجاب الرأس بالتطرف لأجل تغطية جسدها لا يعني إلا أن فريضة الحجاب نفسها من تطبيقات التطرف، واتهام مَن يردد أن دخول الجنة يكون فقط للمسلمين بأنه يعادي المجتمع، هو في الحقيقة اتهام للعقيدة التي تقرر ذلك بوضوح وقطعية، وهكذا في باقي الشرائع والعقائد الإسلامية، وهذا ما يحدث تماماً في خطاب الكراهية الصادر ضد المتدينين.
ومن النماذج المشهورة والآثار المشهودة ما نراه في بعض الرسوم الكاريكاتورية والأفلام السينيمائية والمسلسلات التلفزيونية، التي تصوّر الإنسان المتطرف في هيئة رجل يرتدي قميصاً طويلاً أبيض اللون وغطاء رأس وله لحية طويلة، وهي عين الصورة التي نقلتها لنا السيرة النبوية وكتب الشمائل المحمدية عن النبي محمدﷺ، والمرأة المتطرفة تُصور على أنها ترتدي الملابس الواسعة الفضفاضة وتغطي وجهها، وهي نفس الهيئة التي ثبتت عن أمهات المؤمنين زوجات الرسولﷺ، فالجمهور بصورة تلقائية سيكره هذه الصورة ويتغير إدراكه إلى النقيض تماماً.
وقد حفظ التاريخ الأوروبي لنا تجربة مشابهة من بعض الزوايا، ودالة على خطورة الكراهية وآثارها، سواء كانت حقيقية أو مفتعلة، فهي في كلتا الحالتين تؤدي إلى نتيجة واحدة، ففي الحالة الأوربية في قرونهم المظلمة كانت حقيقية؛ إذ إن القساوسة بأفعالهم الاستبدادية ودولتهم الثيوقراطية وتكسُّبهم من صكوك الغفران ومحاكمهم التفتيشية التي استهدفت المختلفين معهم دينياً وفكرياً وعلمياً بأبشع أنواع التعذيب، وإفسادهم الواسع في شتى المجالات مما هو متواتر في كتب التاريخ الأوروبي، جعل أغلب الشعوب الأوروبية تكرههم بشدة، وتلفظ الدين المسيحي نفسه، ولكن الفرق هنا أن مسببات هذا اللفظ وهذه الكراهية كانت حقيقية، وأن الشعور بالكراهية كان مبرراً وطبيعياً، بينما حملات الكراهية في بلادنا مختلقة مصنوعة صنعاً ومدعومة دعماً، من سلطات استبدادية رأت في المرجعية الإسلامية كأيديولوجية والنموذج المتدين بها خطراً على عروشها، خاصة بعد ثورات الربيع العربي التي انطلقت أواخر عام 2010، والتي ما أن فُتحت نافذة من الحرية إلا وسارعت الشعوب باختيار مَن ينتسبون إلى الحضارة الإسلامية ليقودوا البلاد، بغض النظر عن اتفاقنا أو اختلافنا مع أصحاب التجارب السياسية “الإسلامية”، ولكنها حقيقة ثابتة بالواقع تدلل على ما لهؤلاء المتدينين من شعبية لدى الجماهير([2]).
على الجانب الآخر يُوجَّه خطابٌ مادح يكيل الثناء لنموذج آخر من التديُّن “الحديث”، وهو النموذج الانتقائي، ذلك النموذج الذي يقدّم صورة جديدة للشخص المتدين، الذي يؤيد السلطة وإن كانت استبدادية، فلا يعترض على أي ممارسات وإن كانت محرمة في الدين الإسلامي نفسه، ولا يأمر بمعروف أو ينهى عن منكر، ويحث الآخرين على طاعة الحاكم وإن عملوا ضد شعوبهم، ويحذرهم من المتدينين الآخرين الذين هم “خوارج” و”إرهابيون”، ويفتي بأن حُكمهم هو القتل، ولا يرى أي تعارض بين التدين وبين التفسخ الأخلاقي والفن الهابط والعُري أو اعتناق الأفكار الدخيلة، منتقياً من القرآن الكريم والسنة النبوية ما يؤيد قوله وفق فهم مُحرَّف، بأسلوب اجتزائي انتقائي لا يعتبر السياق ولا المعنى الصحيح ولا أسباب النزول، وهو أسلوب أشبه بالتحريف المعنوي للدين، بالإبقاء على ظاهر النصوص دون تغيير، مع تبديل معاني ومدلولات هذه النصوص وتزييف الأحكام المأخوذة عنها([3]).
فخطورة هذا السعي أنه “يختطف” صورة التدين الصحيح، وذلك لصالح نموذج آخر يمثل الطبعة المحرَّفة للشخص المتدين، في ثوب إسلامي مدعوم بالفتاوي المتسربلة برداء الدين والصادرة عن علماء السلطة، إضافة إلى التسبب في موجات إلحاد وكراهية للدين الإسلامي وشرائعه نفسها.
ومن مظاهر خطورة خطاب الكراهية أنه يُعبِّد الطريق لتقبُّل الانتهاكات التي تحدث للمستهدَفين بهذا الخطاب، ومن أدل الوقائع على ذلك ما حدث في مصر عقب الانقلاب العسكري (3 يوليو 2013) من مذابح متعددة بحق المنتمين إلى التيارات الإسلامي (أشهرها مذبحة فض اعتصام رابعة العدوية التي قُتل فيها أكثر من ألف إنسان غير آلاف الإصابات) وسط تقبُّل شريحة مجتمعية بل واحتفالاتها بهذه الدماء المهراقة، دون شعور بأي ذنب أو تأنيب ضمير أو حتى احترام لهيبة الموت، وذلك نتيجة ما سبق الانقلاب العسكري من حملات كراهية ممنهجة ضد التيارات الإسلامية بشكل عام، بصفتها الشر المستطير المحدق بالبلاد، الأمر الذي وصلت نتيجته قبيل الانقلاب وبعده إلى الاعتداء العشوائي في الطرقات على بعض مَن يظهر عليهم السمت الإسلامي، كاللحية أو غطاء الوجه أو القميص الطويل، وكثير من المعتدَى عليهم لم يكونوا حتى تابعين لأي جهة سياسية أو حزبية([4]).
ولا تقتصر آثار خطاب الكراهية المدمرة على المستوى المحلي فقط؛ بل تمتد إلى خارج البلاد وإلى المحيط الإقليمي، فتعيد تعريف وتحديد العدو، وتُحول العدو إلى صديق، والصديق إلى عدو، ولا أدل على ذلك من مثال المقاومة الفلسطينية وتشويهها وبث خطاب الكراهية حولها من قِبل أذرع النظام السياسي المصري الإعلامية بعد 3 يوليو 2013، فقد غابت عداواة الكيان الصهيوني عن الإعلام المصري، في حين حضرت بقوة الخطابات العدائية المليئة بالكراهية تجاه المقاومة الفلسطينية، مما أوجد تأثراً عند شريحة من المجتمع المصري خاصة التي تستقي معلوماتها وثقافتها من الإعلام المصري([5]).
فخطاب الكراهية يجعل المستمع يصدق أي شيء يقال عن المستهدَفين من الخطاب، بغض النظر عن صحة ما يقال أو عدمها، فالشعور بالكراهية إذا تمكن من الشخص لا يصبح حريصاً على تقصي الحقيقة والتأكد من دقة المعلومات والأخبار والاتهامات، بل يبادر إلى التصديق كنوع من التشفي ممن يكرهه.
المطلب الأول: جهات صناعة الكراهية
- الحكومات الاستبدادية
كما سبق وأشرنا إلى أن الحكومات الاستبدادية من الجهات التي تقف وراء خطاب الكراهية الصادر تجاه الظاهرة الإسلامية، خاصة مع فقدان هذه الحكومات للشرعية لما ترتكبه من انتهاكات بحق مواطنيها، ولما تتبعه من سياسات إفقار وفشل اقتصادي وتوزيع للدخول بعيداً كل البعد عن العدالة الاجتماعية، الأمر الذي يجعل الأنظار الشعبية تتحول إلى منافسيها كمنقذين ومشاريع تحررية وإصلاحية واستقلالية، وهو الأمر الذي يزعج الدول الوظيفية ويجلئها إلى تشويه الظاهرة الإسلامية ككل سعياً إلى فض الشعوب من حولها، واغتيال التيارات الإسلامية معنوياً بصفتها المنافس الرئيسي الشعبي، وإيجاد حالة من التشويش المتعمد حول مسائل العقيدة والفقه والأخلاق ودور الدين في السياسة والمجتمع.
فهذه الأنظمة تعمل على محورين، المحور الأول: إيجاد دين إسلامي جديد. والمحور الثاني: إيجاد متدينين جدد.
أما المحور الأول: فتعمل فيه على ما يشبه التحريف المعنوي لمفاهيم دينية أساسية، كمفاهيم الشريعة الإسلامية، والجهاد في سبيل الله، والحكم بما أنزل الله، والاستقامة على الدين، والأخلاق، والولاء والبراء، وغير ذلك من المفاهيم. فهي تدعو مثلاً إلى “تجديد الخطاب الديني”، والمقصود بذلك التخلص من كثير من المعاني والمفاهيم الإسلامية الصحيحة بحجة أنها قد فُهمت خطأ.
فيأتي الخطاب الديني الجديد ليحاول أن يسوّي بين عقيدة المسلمين وغيرها من الأديان، ويؤصل إلى أن أصحاب الديانات الأخرى يسلكون طريق الحق كما يسلكها المسلمون، ولكن فقط من طريق آخر فطرق الحق متعددة، ومن يعمل صالحاً يدخل الجنة مهما كانت عقيدته، وذلك كله فيما يبدو سعياً إلى سحب سلاح العقيدة الراسخة في دين الحق من المتدينين به، وإيجاد حالة من الحيرة والبلبلة تُضعف من قوة السعي.
خطاب يقضي على المعاني الحقيقية للجهاد في سبيل الله، هذا المفهوم الواسع الذي يحث المسلم على الدفاع عن دينه ووطنه والعمل الجاد الدؤوب لدنياه وآخرته، وعلى أن يقول كلمة الحق في وجه سلطان جائر ليكون سيد الشهداء، فالخطاب الجديد يقضي على هذه المعاني فيُصوّر أن الجهاد مرادف لإراقة الدماء بغير وجه حق وأنه “إرهاب” وأنه كان لزمن محدود وانتهى، سعياً إلى إيجاد نموذج المسلم المستأنَس الأليف الذي لا يتفوه بكلمة حق أو إصلاح، المطيع دائماً مهما حدث حوله من سلب لخيرات بلاده وظلم وإفقار، وتبعية للغرب، وتغيير في الدين، ونشر للانحلال، وغزو فكري… إلخ، وهكذا يُفعل مع باقي المفاهيم الإسلامية.
أما المحور الثاني: فتعمل على إيجاد حالة من التدين المغشوش، المغاير لحالة التدين المعروفة عند المسلمين، من اعتناق الاعتقاد الصحيح، والمحافظة على الشعائر الإسلامية، والتحلي بالأخلاق الحميدة، وتعمير الكون، والسعي في إصلاح المجتمعات، وهكذا من صور التدين المستقرة لدى المسلمين.
أما صورة التدين المغشوش فلا تحتاج إلى كل ذلك، فقط تكون بـ”الانفتاح” على الأديان الأخرى والإيمان بأنها طرق صحيحة متنوعة لدخول الجنة، وأن يكون الشخص مُحباً للـ”فن” ومحترماً “للفكر” و”الثقافة” ومتبنياً “للدين الوسطي” و”الوسطية” وأن يكون شعاره “التنوير”، وكلها مصطلحات ترمي إلى إيجاد نموذج متدين فارغ من مضمونه ولا يأخذ من الدين إلا اسمه إضافة إلى مجموعة من المواعظ والشعائر المنتقاة، وتروّج آلتها الإعلامية لهذه الصورة مقابل الذم والتحقير للصورة الأخرى المعروفة المستقرة لدى المسلمين والتي تدل عليها نصوص الوحيين، وتصف أصحابها بالتشدد والتزمت وبأنهم سبب تخلف المسلمين وبلادهم.
- ثانياً: أطراف إقليمية
تعمل أيضاً حكومات إقليمية على صناعة الكراهية الموجهة للظاهرة الإسلامية، على صعيدها الداخلي لنفس الأسباب التي ذكرناها في النقطة السابقة، ولأسباب أخرى تتعلق بالظاهرة الدينية في الدول المجاورة، إذ إنها تقوم بما يشبه النهج الاستباقي أو الوقائي؛ لمنع قيام أي مشاريع تحررية أو استقلالية على مرمى حجر من حدودها، مما يغذي أمثال تلك المشاريع في داخل بلادها ويعطيها النموذج المحتذى والدافع للتغيير والإصلاح، الأمر الذي يهدد عروشها. فتلجأ هي الأخرى إلى مهاجمة الظاهرة الإسلامية في بلاد مجاورة لتصل بشعوبها إلى كراهية هذه الظاهرة مما يمثل مانعاً شعبياً لازديادها داخلياً، ولِتُسقط الشعوب هذه الكراهية على الظاهرة الإسلامية الموجودة أمامها.
وقد أخذت الحكومات الإقليمية هذا النهج بصورة أكثر صرامة بعد ثورات الربيع العربي، التي انتقلت رياحها من بلد إلى آخر بسرعة كبيرة، مما حدا بهذه الحكومات أن تكثف خطاب الكراهية وتتخذ الإجراءات المختلفة لعدم تكرر هذه الثورات مرة أخرى في محيطها الإقليمي.
- جهات غربية
منذ أحداث الحادي عشر من سبتمبر على وجه الخصوص، بدأت موجات خطاب الكراهية الغربي تتزايد بكثرة، ولأن هذا الحادث كان على الأراضي الأمريكية فقد انطلقت حملات الكراهية من الولايات المتحدة الأمريكية، وهي مَن هي كقوة عظمى مسيطرة تقريباً على العالم وتمتلك آلة إعلامية جبارة، وتحظى بنفوذ سياسي كبير في الدول العربية نظرًا لتبعية الأنظمة العربية في معظمها للسياسات الأمريكية، ولم تكن أوروبا بعيدة عن ذلك، فبدأت حملات الكراهية نحو الظاهرة الإسلامية تتزايد وعبرت عنها المظاهرات التي تنطلق من حين لآخر منددة بالإسلام والمسلمين وبناء المساجد، والأفلام التي تصور الإرهابي بأنه شخص مسلم له لحية ويردد الكلام باللغة العربية، وربما لم يكن سعي الأنظمة العربية الممنهج لتشويه الظاهرة الإسلامية إلا انعكاساً للإملاءات والتوجيهات الجديدة الأمريكية.
- غلاة العلمانيين والملحدون
خلف هذه الحسابات الوهمية في معظمها ومجهولة الهوية على مواقع التواصل الاجتماعي وخاصة “تويتر”، والتي هي متنوعة ونشطة بقدر كبير ، تجد الحديث مركزًا على المسلمين مع اتهامات متعددة وخطاب يمتلئ كراهية، فالمسلمون أعداء الإنسانية، ويُفكّرون بجزئهم الأسفل (إشارة إلى الهوس الجنسي)، وهم السبب وراء الحروب، وأنهم يظلمون المرأة ويحتقروها… إلخ، وهو خطاب يجعل المستمع له ربما يرى أن من الخدمات الجليلة التي يقدمها إلى الإنسانية أن يقتل هذه الكائنات “البشعة” التي تتصف بهذه الصفات المشينة.
- بعض المنتسبين إلى التيارات الإسلامية
إن بعض المنتسبين إلى التيارات الإسلامية، أسهموا بصورة غير مباشرة في توجيه خطاب الكراهية إلى الظاهرة الإسلامي ككل، بما يحمله بعضهم من منهج متساهل في التكفير وعداء المجتمع تارة، وبما يفعله بعض آخر من سفك دماء معصومة أو الدخول في معارك دون ضبط لميزان المصالح والمفاسد ودون اعتبار لفقه الواقع تارة أخرى، ناهيك عن قيام بعض المنتسبين إلى التيارت الإسلامية بإصدار الفتاوي الشاذة وإظهار الأقوال المندرسة والجدال حولها وتبني ما لا يعرفه الناس ولا تستطيع عقولهم تصوره ولا فهمه، بعكس المنهج الإسلامي الذي يوصي بأن يكون الحديث الديني مع الجمهور بما يعرفون حتى لا يتسبب المتحدِّث في أن يُكذِّب المتحدَّث إليه النصوص الدينية([6]).
لكن وكما أشرنا في صدر ذلك البحث أن خطاب الكراهية الذي يستهدف تشويه الظاهرة الإسلامية، كان من الممكن أن يكون في إطار نقدي محدد وموجه إلى الشخص المغالي أو المجموعة التكفيرية أو الفكر التكفيري، ولكن الذي حدث أن استغل أصحاب هذا الخطاب هذه الأخطاء الموجودة في أتباع كل دين نظراً لاختلاف الأفهام ومستويات العقول، استغلتها لتشويه الظاهرة الإسلامية ككل وكأن جميع التيارات الإسلامية كلها متبنية لهذه الانحرافات.
المطلب الثالث: أدوات صناعة الكراهية
- الإعلام
سلاح الكراهية الأبرز هو الإعلام التحريضي غير المهني، سواء الإعلام الحكومي الرسمي، أو إعلام رجال الأعمال المتحالفين مع السلطة والمؤيدين لها، والذي تسيطر عليه أيضاً الدول الاستبدادية، فهو إعلام ليس حراً البتة وغير مستقل على الإطلاق.
ولنأخذ مثالاً بالصحف المطبوعة المصرية فقد جاء السب والإهانة والتحريض على العنف من أكثر فئات خطابات الكراهية المرصودة، و٥٧ ٪ من خطابات الكراهية في الصحف اليومية كانت في مقالات الرأي والأعمدة، وكُتاب المقالات هم أول منتجي خطابات الكراهية بنسبة أكثر من ٧٠٪، و٩٠٪ من هذه الخطابات في محور السياسة. أما الصحف الأسبوعية، فأكثر من ٣٥٪ من خطابات الكراهية في الصحافة المصرية الأسبوعية تتركز في فئة التحريض على العداء، و٨٥٪ جاءت في أبواب الآراء، وأكثر من ٨٧٪ من منتجي خطابات الكراهية في الصحف الأسبوعية المصرية المرصودة من كتاب المقالات([7]).
وتبقى التغطية الإعلامية المصرية أثناء التمهيد للعملية الأمنية الدموية لفض اعتصام رابعة العدوية، ثم أثناء عملية الفض وأيضاً بعدها، النموذج الأكثر وضوحاً على نشر ثقافة الكراهية بكل صورها، من تبرير للقتل وتحريض على جزء من الشعب، كأنموذج قناة سي بي سي والمذيعة لميس الحديدي في 18أغسطس 2013([8]) من نشر للكراهية وتحريض على العنف، ومثلها عشرات النماذج على التحريض على الكراهية والعنف والقتل([9]).
وسُجلت عشرات من خطابات التحريض في هذه المرحلة مثل هذه الخطابات التحريضية في 30 يوليو2013 والتي روجت أن الاعتصامات بؤر مسلحة وسكان رابعة والنهضة أسرى في أيدي المعتصمين، وكالخطابات التي أذيعت بتاريخ 27 يوليو 2013 قبل عملية الفض والتي تضمنت صوراً مختلفة من خطابات الكراهية([10]).
ويمكن أن نوثق عشرات من صور الحض على الكراهية والعنف من خلال تغطية الإعلام المصري لأحداث مثل: “موقعة الجمل”، و”محمد محمود“، و”مجلس الوزراء”، و”الحرس الجمهوري”، و”المنصة“، و”رمسيس الأولى” والثانية، و“الذكرى الخامسة لثورة يناير”، وغير ذلك، حتى أن هناك تصريحاً شهيراً لأحد الإعلاميين وقتها يقول فيها إن بودّه أن تقوم قوات الشرطة بقتل أربعمائة من “الإرهابيين”. ويعني بذلك المتظاهرين([11]).
- الفن
أما الفن فقد استخدم أيضاً كأداة لخطاب الكراهية للظاهرة الإسلامية؛ وتكمن خطورة هذه الأداة في أنها محببة لعموم الناس وتأثيرها فيهم كبير، ومن أظهر الأمثلة على استخدام الفن في بث الكراهية أغنية المطرب علي الحجار، التي تبث كلماتها معاني من قبيل أن التيارات الإسلامية شعب والمصريين شعب آخر “إحنا شعب وانتوا شعب”، وأن لهذه التيارات رباً وللمصريين رباً آخر “رغم أن الرب واحد لنا رب وليكوا رب”، وأنهم أصحاب مصالح، وعملاء للولايات المتحدة الأمريكية، وأنهم يحصرون الدين في الثياب القصيرة والحجاب أو بتعبير الحجار “الستارة”، وأن هذه التيارت لن تكون أبداً مثل المصريين، ووجّه لهم في النهاية أمراً بأن يجمعوا غنمهم وكأنهم رعاة غنم، وإبلهم وخيامهم كأنهم رعاة إبل في الصحراء، وأن يرحلوا بعيداً عن مصر:
“انتوا تجار المنابر النازلين الصاعدين ”
“في المصالح والمناصب الآكلين الشاربين”
“لما أمريكا بتأمر تصرخو بقولة آمين”
“احنا شايفين أن ديننا دعوة للنور والحضارة”
“وانتو حاصرتوه في حكاية ثوب قصير أو ستارة”
“ولأن مصر المؤمنة قبل التاريخ في دمنا”
“عمرنا ما هنبقي زيك ولا انت هتكون زينا”
“لِم غنمك أو جمالك والعشيرة والخيام وابعد بعيد عن أرضنا” ([12]).
وقام عدد من الفنانين ببث خطاب شديد الكراهية، مثل الكوميديان أحمد آدم الذي سخر من ضحايا فض اعتصام رابعة العدوية، وصوّر ما حدث أنه تمثيلية ومحاولة من الضحايا لتزوير الصور ونشرها لجذب انتباه العالم الإسلامي([13]). وقال في عهد مرسي وفي أغنية ساخرة إن قيادي بجماعة الإخوان قال لليهود عودوا إلى مصر مرة أخرى، وقال إن اليهود هم مَن رفضوا هذه الدعوة، وسط ضحكات عالية من الحضور([14]).
ولعب الممثل هاني رمزي أيضاً دوراً نشطاً ومركزاً من خلال قناة (إم بي سي مصر) لبث خطاب سخرية وكراهية، من قبيل إن كل شيء انقلب إلى الأسوء من حين بدأ حُكم الإسلاميين، وأنهم سرقوا الشعب كله، وأنه أصبح معدوماً ومقهوراً([15]).
وقد نظمت جريدة المشاهير حفل سحور بفندق سميراميس قاعة كليوباترا لتكريم عدد من الإعلاميين والفنانين الذين لعبوا “دوراً بارزاً” فى الدعوة لفعاليات 30 يونيو التي سبقت الانقلاب العسكري، وكان لهم الدور الأكبر من خلال خطاب الكراهية والتحريض فى خلع الرئيس السابق، وكرمت الجريدة على سبيل المثال وائل الإبراشي ولميس الحديدى وأحمد موسي وأمانى الخياط ومعتز الدمرداش، والفنان هانى رمزى والفنان عمرو مصطفى، وفي هذا اللقاء قيلت عدة كلمات منها ما قاله رجل الأعمال (جورج باسيلي) إن التحاور مع التيارات الإسلامية غير ممكن ولا يجدي معهم إلا “الضرب بالرصاص”([16]).
- علماء السلطة
من أدوات نشر الكراهية ضد الظاهرة الإسلامية علماء السلطان، وذلك عن طريق شيطنتهم للتيارات الإسلامية والتأصيل الديني لوجوب قتلهم لكونهم من الخوارج، وأشهر من قام بهذا الدور مفتي الجمهورية السابق د. علي جمعة؛ إذ تحدث إلى جمع غفير من العسكريين منهم الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي، ووزير الدفاع السابق صدقي صبحي، ووزير الداخلية الأسبق اللواء محمد إبراهيم، وقادة أفرع الجيش ووزارة الداخلية، ومما جاء في حديث جمعة عن المعارضين:
“اضرب في المليان.. هؤلاء الخوارج..طوبى لمن قتلهم وقتلوه، يجب أن نطهر مدينتنا ومصرنا من هذه الأوباش.. إنهم لا يستحقون مصريتنا.. إننا نصاب بالعار منهم.. يجب أن نتبرأ منهم براءة الذئب من دم ابن يعقوب.. ناس نتنة ريحتهم وحشة [رائحتهم سيئة] في الظاهر والباطن.. ولقد تواترت الرؤى بتأييدكم [أي قادة الجيش والشرطة] من قِبل رسول الله ومن قِبل أولياء الله.. مسجد حرّقه رسول الله لأنه لا يريد هذه اللواعة ولا هذا المكر.. لا تَخَف بدعوى الدين.. فالدين معك والله معك والرسول معك والمؤمنون معك” ([17]).
المطلب الرابع: الحالة المصرية ونموذج لصناعة الكراهية
- قبل ثورة 25 يناير
نستطيع أن نُرجع نشأة خطاب الكراهية الموجه للظاهرة الإسلامية في مصر في التاريخ المعاصر إلى حقبة الرئيس المصري الأسبق جمال عبد الناصر، الذي رأى في جماعة الإخوان المسلمين تهديداً لعرشه، فأخذ يستهدفهم بأسلحة مختلفة تنوعت ما بين اعتقال وتعذيب ومصادرة أموال وغير ذلك، وكان من تلك الأسلحة خطاب الكراهية الموجه لكل ما هو إسلامي، خطاب امتد إلى السخرية بواسطة عبد الناصر شخصياً من صورة المتدين الذي يسميه “أبو ذقن”، والذي يتهمه بأنه يريد “استغفال الناس” وأن يصبح “أمير المؤمنين” ليسرق أموالهم، ثم قال عبد الناصر ما معناه إن الشعب لن يقبل ذلك وكما نتف لحية مَن فعل ذلك من قبل فسينتف لحية هذا المتدين أيضاً[18].
وقد خفت خطاب الكراهية في بدايات عصر السادات نتيجة سعيه للانفتاح على الإسلاميين وكسبهم إلى صفه في وقت لم يكن له شعبية، لكن في أواخر عهده أطلق السادات خطاب كراهية ضد ما سماه “الجماعات الإسلامية” وردد بعض الاتهامات غير الحقيقية، كقوله: “إن هذه الجماعات لا تأخذ بأي مذهب في تفسير القرآن والسنة وتعتمد فقط على تفسير “أمير الجماعة” للآيات القرآنية والأحاديث النبوية، وأخذ بعض الأقوال الشاذة لبعض أفراد قلائل موصوفين بالغلو في التكفير وعممها على جميع التيارات الإسلامية؛ كتحريم الصلاة خلف الأئمة الموظفين لدى الدولة، وتحريم العمل في وظائف الدولة، وتحريم التعليم لأن القائمين عليه “من الكافرين”، وتحريم الملكية الخاصة، وتحريم تعليم المرأة، وغير ذلك.
وقد كان من الواضح أن خطاب السادات هو خطاب يستهدف إحداث حالة من الكراهية لدى نواب المجلس الحاضرين وعموم الشعب تجاه التيارات الإسلامية، وقد تأثر الحاضرون بالفعل وأحدثوا جلبة عقب قراءة هذه الاتهامات[19].
وجاء عصر مبارك الذي امتلأ بخطاب الكراهية للظاهرة الدينية على أصعدة مختلفة، أهمها الأفلام والمسلسلات، وقد أصبحت تلك القوة الناعمة بارزة بصورة كبيرة في عهد مبارك، بخلاف ما قبلها من حقب؛ ففي حقبة عبد الناصر لم يُستخدم الفن كثيرًا في تصوير الجماعات الإسلامية على أنها حركات إرهابية ومتشددة، واقتصر على السخرية من الشخصية المتدينة وإظهارها في صورة العاجز أو داعم الاستبداد، إذ كانت الأفكار الدينية تعد أفكاراً رجعية عند النظام الناصري، كما في فيلم جعلوني مجرمًا[20] الذي يظهر فيه الشيخ عاجزاً عن تقديم أي حل، وفيلم الزوجة الثانية[21] الذي يظهر فيه الشيخ في ثوب عالم السلطان المنافق. أما حقبة السادات فشهدت الانفتاح على الإسلاميين في بدايتها وتقديمهم بصورة إيجابية وأنهم تعرضوا للظلم، كما في فيلم الكرنك[22]، وفيلم إحنا بتوع الأتوبيس[23]، بصورة تجعل المشاهد يتعاطف مع الإسلاميين بإزاء ما ارتكب ضدهم من انتهاكات في العهد الناصري.
أما عهد مبارك فقد زادت الوتيرة، ومن أبرز الأعمال الفنية بهذا الصدد مسلسل العائلة[24]، وأفلام عادل إمام: الإرهاب والكباب[25]، والإرهابي[26]، وطيور الظلام[27]. ومسلسل لن أعيش في جلباب أبي[28]، ومسلسل الجماعة[29]، وغير ذلك من الأعمال الفنية التي شوهت التيارات الإسلامية بوجه عام.
وقد نجح هذا الخطاب بشكل كبير في ترسيخ انطباعات لدى قطاع عريض من الجماهير أن حاملي هذه الأفكار “إرهابيون” و”متشددون” يجب الحذر منهم وإبعاد الناشئة عنهم، وصارت هيئة الشخص الذي يرتدي ثوباً أبيض وله لحية تساوي في مخيلة عدد لا بأس به من الشعب الشخص الإرهابي الذي يقاتل الدولة والشرطة ويرتكب العمليات الإرهابية، أو الشخص المتشدد ضيق الأفق ومحدود التفكير
وقد نجح هذا الخطاب بشكل كبير في ترسيخ انطباعات لدى قطاع عريض من الجماهير أن حاملي هذه الأفكار “إرهابيون” و”متشددون” يجب الحذر منهم وإبعاد الناشئة عنهم، وصارت هيئة الشخص الذي يرتدي ثوباً أبيض وله لحية تساوي في مخيلة عدد لا بأس به من الشعب الشخص الإرهابي الذي يقاتل الدولة والشرطة ويرتكب العمليات الإرهابية، أو الشخص المتشدد ضيق الأفق ومحدود التفكير. وقد أصبح “السُّني” -أي الشخص الملتحي كما يطلق عليه المصريون- عند عدد من الناس يتاجر بالدين ويتستر به لأكل أموال الناس بالباطل، وظهرت تنبيهات مشهورة من بعض الفئات من التعامل مع “السُّنيين” والحذر منهم.
وشارك في ترسيخ هذه الصورة الكُتاب اليساريون والليبراليون، الذين فتحت لهم الصحف التي تنتمي إلى نفس التيارات أبوابها، واستضافتهم القنوات الفضائية في برامجها، إضافة إلى دور النشر والفكر، الذين أخذوا على عاتقهم نشر “التنوير” ومقاومة “الرجعية”.
- بعد ثورة 25 يناير
منذ اليوم الأول للثورة المصرية.. طفق الإعلام يردد أن وراء هذه الثورة “الإخوان” و”السلفيون”، وأنه يجب الحذر من محاولاتهم جر البلاد إلى الفوضى، وأن ميدان التحرير مليء “بالإخوان” و”السلفيين”، وأن شباب الثورة تظاهر في اليوم الخامس والعشرين ثم رحل، والتيارات الإسلامية استغلت الحدث لإدخال البلاد في فوضى خلاقة… إلخ هذا الكلام.
وبعد تنحي مبارك وظهور التيارت الإسلامية بصورة طبيعية وتجمعهم بصورة عادية لم تكن مسموحة في حقبة مبارك، تفاجأت التيارات العلمانية وأجهزة الدولة العميقة بهذا الكم الهائل الذي يحضر مؤتمراتهم وتجمعاتهم، وأظهرت التيارات الإسلامية قدرة كبيرة على الحشد خلال الثورة وفعاليتها وما أعقبها من تظاهرات، وخاصة حشدهم لاستفتاء 19 مارس 2011، مما جعل خصوم التيارات الإسلامية يطلقون حملة مركزة في القنوات الفضائية والصحف ومواقع التواصل الاجتماعي مشحونة بخطاب الكراهية ومصحوبة باتهامات أغلبها غير حقيقي، على شاكلة أن بعض التيارات الإسلامية شكلت جماعات للتعدي على “مرتكبي المعاصي” في الشوارع، ووجهوا تحذيرات لغير المحجبات من النزول إلى الطرقات، وانتشرت شائعات أن بعض هذه التيارات يقطع آذان الأقباط، وانطلقت حملات سخرية مثل قول البعض إن المطربين سيبدلون كلمات أغانيهم لتحمل كلمات دينية تناسب العهد الجديد… إلخ
ومع تولي الرئيس السابق محمد مرسي لحكم مصر عبر انتخابات أكد نزاهتها وعدم تزويرها مراقبون ومنظمات محايدة متعددة، زاد خطاب الكراهية بصورة كبيرة ضد الظاهرة الإسلامية، كرد فعل على خلفية مرسي كعضو سابق بجماعة الإخوان المسلمين ورئيس لحزبها السياسي حزب الحرية والعدالة، وقد وجد خطاب الكراهية نحو الظاهرة الإسلامية مساحات شاسعة نتيجة إتيانه عقب خطاب استقطابي حاد ساد فترة ما قبل الانتخابات الرئاسية وأثنائها.
وقد أخذ خطاب الكراهية نحو الظاهرة الإسلامية منذ ذلك التوقيت فصاعداً صورة أكثر منهجيةً وتنظيماً وترتيباً، في إطار خطوات تمهيدية للانقلاب العسكري الذي حدث بعد ذلك بعام واحد، في بيئة وصل قطاع واسع منها إلى الشعور بالكراهية والعداء للتيارات الإسلامية، وأصبح مهيأ لقبول أي شيء يحدث بحقهم، وقد انعكس ذلك في فرح وسعادة المتأثرين بخطاب الكراهية بالانتهاكات الحقوقية التي حدثت لآلاف من التيارات الإسلامية، رغم اشتمال هذه الانتهاكات على صور بشعة كالقتل والحرق والتعذيب والاعتقال، ورغم انتشار صور هذه الفظائع، مما يدلل على خطورة خطاب الكراهية على وعي الإنسان؛ خاصة إذا كان مصحوباً بتصوير المستهدفين في هيئة الحشرات أو الحيوانات، فالإعلام التحريضي دأب على وصف أفراد التيارات الإسلامية بـ«الخِرفان»، في خطوة تُذكّر بوصف الراديو في رواندا لشعب التوتسي بـ«الصراصير» وذلك قبل مذابح مات فيها مئات الآلاف منهم بدم بارد، “فهذا النوع من الوصم والوصف بالحيوانية ينزع الإنسانية عن الآخر، ويفتح الباب على مصراعيه لتجريده من أبسط حقوقه، وهكذا رأينا مواطنين يحتفلون بعد ساعات من مذبحة رابعة التي قتلت فيها الشرطة قرابة ألف شخص في أبشع مذبحة شهدتها مصر”.[30]
المطلب الخامس: وسائل مواجهة صناعة الكراهية
باب البحث عن وسائل لمواجهة خطاب الكراهية باب واسع وجدير بالاهتمام، من أجل القضاء على هذا الخطاب الذي تنتج عنه الكوارث، وفيما يلي بعض المقترحات المحفزة على التفكير والابتكار في هذا الباب، وبالطبع الأحرى بالدول جميعها أن تمنع خطاب الكراهية بقوة القانون الشرعي، ولكن حتى مع تقاعس الدول تجاه ذلك الأمر إما بسبب أنها وراؤه والمغذية له أو بسبب آخر، تظل هناك وسائل بأيدي الشعوب ومفكريها وأهل الحكمة فيها، تتطلب بذل الوسع قدر الإمكان، والمقترحات كما يلي:
- عقد المحاضرات وتأليف الكتب وكتابة المقالات وإلقاء الخُطب، التي تسلط الضوء على خطورة خطاب الكراهية.
- نشر ثقافة التربية الإعلامية، وتدريب الصحفيين والإعلاميين على القواعد المهنية والأخلاقية، وفي القلب منها عدم التحريض على الكراهية.
- حث الشعوب على مقاومة خطاب الكراهية على مواقع التواصل الاجتماعي.
- السعي -في الدول التي تكفل المساحات الحرة- إلى سن القوانين للنص على تجريم الحض على الكراهية.
- إطلاق الحملات الإعلامية التي تندد بالقائمين على خطاب الكراهية، وتضعهم في قائمة سوداء.
- عقد الندوات والفعاليات التي تناقش خطاب الكراهية وتقاومه.
- التوقف عن مقابلة خطاب الكراهية بخطاب مماثل له، والاكتفاء بالنقد القائم على الأدلة والبراهين.
- قيام المؤسسات الحقوقية، بعمليات رصد لحظية مستمرة لخطابات الكراهية، وتوثيقها، لملاحقة مرتكبيها وكشفهم للجماهير.
- قيام منظمات المجتمع المدني، بتحريك دعاوي قضائية أمام المحاكم الدولية، للتعامل مع خطابات الكراهية التي تستوفي الشروط.
- مقاومة الاستبداد بصفته الداعم الرئيسي لخطاب الكراهية ومصدره.
- قيام علماء الدين بدورهم بتبيين حكم الدين في خطاب الكراهية وإثم من يقوم به.
- إضافة موضوع خطورة خطاب الكراهية إلى المناهج التعليمية في المدارس.
- إطلاق المبادرات الشعبية والوطنية التي تحث على الاتفاق على إيقاف خطاب الكراهية، والاستعاضة عنه بخطاب نقدي بناء.
خاتمة
إن خطاب الكراهية الموجه للظاهرة الإسلامية ككل لا يستفيد منه إلا أعداء الأمة الإسلامية بجميع أطيافهم، وهو موجه لصدر من يقوم به من أبناء هذه الأمة لا لغيره، فنتيجته هو إضعاف الثقة، وخلخلة الاعتقاد في كمال الدين، وإحداث الفرقة في المجتمع، وسيادة الشك، وتحريف الدين الصحيح، وترسُّخ الفشل لجميع مساعي الوحدة، وخطاب الكراهية يضطر الطرف المقابل إلى الدفاع عن نفسه والرد بخطاب كراهية مضاد، وهكذا تدخل المجتمعات في دوامة من الكراهية والتدمير الذاتي.
وقد ساعدت بعض الشخصيات المنتمية لبعض التيارات الإسلامية في إعطاء شيء من المبرر لأصحاب خطاب الكراهية، وذلك بما وقعت فيه من إطلاق لكلمات غير مسؤولة، وفعل أفعال غير محسوبة، مما أعطى شبهة دليل لمصدري خطاب الكراهية كي يوجهوه إلى التيارات الإسلامية ككل، في حين كان بإمكانهم أن ينتقدوا الشخص أو الجماعة التي صدر عنها هذا الأمر، دون تشويه لصورة المتدين وبعض مسائل الشريعة نفسها غير المتعلقة بشخص أو جماعة، بقدر تعلقها بالدين نفسه ونصوصه الشريفة.
وهكذا ينشأ خطاب الكراهية للظاهرة الإسلامية ما بين تصرفات غير مسؤولة من جانب، وأهل كراهية مترصدين للتشبث بكل كلمة هنا أو هناك من جانب آخر، سعياً لتقديمها بين يدي كلماتهم التحريضية كمبررات.
لن تكون هناك أي فرصة للوحدة أمام التحديات الاجتماعية والسياسية والاقتصادية ما دام خطاب الكراهية موجوداً ومشتعلاً، وهذا الأمر مقصود لإحداث الفرقة بين التيارات المختلفة، وهي طريقة قديمة حديثة في السيطرة على الشعوب، “فرّق تسُد”، وهو مصطلح سياسي وعسكري “يعني تفريق قوة الخصم الكبيرة إلى أقسام متفرقة، أي تفريق قوة الخصم الكبيرة إلى أقسام متفرقة لتصبح أقل قوة وهي غير متحدة مع بعضها البعض، مما يسهل التعامل معها، وتجري عادة من خلال إثارة الفتن الطائفية أو التحريض على العنصرية والانتقام، وكذلك من خلال إشعال الحروب الداخلية والخارجية لإنهاك الأطراف. وشواهد هذه الطريقة التاريخية كثيرة”[31].
فالذي يقوم بخطاب الكراهية ويدعمه في الغالب السلطة المستبدة أو من يؤيدها، لأنها تستفيد من حالة الفرقة وليست من مصلحتها الوحدة، فانشغال الشعوب بسؤال الوحدة وكيفية مواجهة التحديات يعرض هذه السلطات لخطر الثورات واندلاع المعارضات، بعكس الحال التي يكون الشعب فيها مشغولاً بعضه ببعض.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
([1]) نقصد بالظاهرة الإسلامية كل ما يتعلق بالرموز الإسلامية، وكل ما يتعلق بالدين.
([2]) نقد التجارب السياسية الإسلامية أمر لا ينبغي الجدال حول مشروعيته وصحته، فالفرق واضح بين الإسلام كدين مقدس، وبين من يتفاعلون مع هذا الدين ويتمثلون تعاليمه في الواقع المعيش، الأول معصوم، أما تطبيقاته البشرية فهي غير معصومة ومعرضة للخطأ على مستوى الفهم والإجراء، وإنما الحديث هنا عن خطاب الكراهية الموجه للظاهرة الإسلامية ككل، وهو ما سيتضح فيما يلي من صفحات.
([3]) من صور تشويه الظاهرة الإسلامية: صناعة صورة إسلامية للمستبد، فهذا بحد ذاته يُعد تشويهاً للصورة الإسلامية، سواء قام بهذا التشويه المستبد نفسه كما يقول الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي مثلاً إنه مسؤول عن “دين المصريين” (http://bit.do/sisil)، أو قام به علماء السلطان كالذين وصفوه بأنه من رسُل الله (http://bit.do/sisi9). تاريخ الدخول إلى الرابط الإلكتروني: 01-08-2018م.
([4]) ينظر على سبيل المثال: يوتيوب: أنصار السيسي يعتدون علي منتقبة وينزعون عنها النقاب أمام أكاديمية الشرطة. وفيديو آخر قبل مظاهرات 30 يونيو التي مهدت للانقلاب يُظهر اعتداء على شخص ملتحي، يوتيوب: في مصر بلد الأزهر الشريف الإعتداء على ملتحي وتجريده من ملابسه بمحطة السادات. تاريخ الدخول إلى الرابط الإلكتروني: 01-08-2018م
([5]) ينظر يوتيوب وأمثلة على خطابات الكراهية بهذا الصدد: (https://bit.ly/2LBqgAP). تاريخ الدخول إلى الرابط الإلكتروني: 01-08-2018م.
([6]) وردت آثار تؤكد هذا المعنى، منها قول علي بن أبي طالب: “حدثوا الناس بما يعرفون أتريدون أن يُكذب الله ورسوله” (الجامع الصغير، السيوطي، ح3677). وقول عبد الله بن مسعود: ما أنتَ بمحدثٍ قومًا حديثًا لا تبلُغُه عقولُهم ، إلا كان لبعضِهم فتنة (مقدمة صحيح مسلم).
([7]) رصد خطاب الحقد والكراهية في الصحافة المكتوبة، مرصد الإعلام في شمال أفريقيا والشرق الأوسط، تونس، 2015م، http://bit.do/mrsad. تاريخ الدخول إلى الرابط الإلكتروني: 01-08-2018م
([8]) برنامج هنا العاصمة، حلقة بتاريخ 18-8-2013، بعنوان: جولة لشخصيات عامة فى أوروبا لشرح حقيقة عنف الإخوان. تاريخ الدخول إلى الرابط الإلكتروني: 01-08-2018م
([9]) برنامج هنا العاصمة، حلقة بتاريخ 28-7-2013، بعنوان: سكان رابعة يستغيثون بالجيش والشرطة. تاريخ الدخول إلى الرابط الإلكتروني: 01-08-2018م
([10]) يوتيوب: التحريض على القتل والعنف من المذيع أحمد موسى، 24-07-2013م. تاريخ الدخول إلى الرابط الإلكتروني: 01-08-2018م
([11]) أحمد موسى: كنت أتمنى قتل 400 «إرهابيًا» اليوم.. ويجب محاصرة كل منزل بـ”المطرية”، جريدة الشروق، 25 يناير 2015م. تاريخ الدخول إلى الرابط الإلكتروني: 01-08-2018م.
([12]) يوتيوب: علي الحجار، احنا شعب وانتو شعب. تاريخ الدخول إلى الرابط الإلكتروني: 01-08-2018م
([13]) يوتيوب: بني آدم شو: النجم أحمد آدم ساخراً من الإخوان في فض اعتصام رابعة “الجثث كانت بتتحرك وهما بيتصوروا “. تاريخ الدخول إلى الرابط الإلكتروني: 01-08-2018م
([14]) يوتيوب: أحمد آدم يغني للإخوان هما الإخوان علشان إخوان يعملو كدهو. تاريخ الدخول إلى الرابط الإلكتروني: 01-08-2018م
([15]) يوتيوب: هانى رمزى للدكتور محمد مرسى: مبسوط؟! تاريخ الدخول إلى الرابط الإلكتروني: 01-08-2018م
([16]) يوتيوب: رصد: جورج: الإخوان يُضربوان بالرصاص ومينفعش نحاورهم. تاريخ الدخول إلى الرابط الإلكتروني: 01-08-2018م
([17]) يوتيوب: فيديو بعنوان: (علي جمعة شيخ العسكر طوبى لمن قتلهم وقتلوه)، رابط إلكتروني. تاريخ الدخول إلى الرابط الإلكتروني: 01-08-2018م
[18] ينظر: يوتيوب: (جمال عبد الناصر وأصحاب “الذقون”)، http://bit.do/jmal. تاريخ الدخول إلى الرابط الإلكتروني: 01-08-2018م
[19] ينظر: يوتيوب: (السادات يتحدث عن فكر الإخوان المسلمين)، http://bit.do/sdat، تاريخ الدخول إلى الرابط الإلكتروني: 01-08-2018م.
[20] أُنتج في عام 1954م.
[21] أُنتج في عام 1967م.
[22] أُنتج في عام 1975م.
[23] أُنتج في عام 1979م.
[24] أُنتج عام 1994م.
[25] أُنتج عام 1992م.
[26] أُنتج عام 1994م.
[27] أُنتج عام 1995م.
[28] أُنتج عام 1995م.
[29] أُنتج عام 2010م.
[30] خطاب الكراهية هل تعيد مصر تجربة رواندا، أحمد سمير، 14-02-2016م، موقع إضاءات. تاريخ الدخول إلى الرابط الإلكتروني: 01-08-2018م
[31] فرحان حمود، قوة احتلال ناعمة، موقع الرؤية، 06-05-2018م. تاريخ الدخول إلى الرابط الإلكتروني: 01-08-2018م