ملفـاتوباء كورونا

ليقضي الله أمرا كان مفعولا

ثلاثة أحداث وقعت أمس تؤكد الطبيعة الوحشية لبعض نظم الحكم الغربية، وأن شعوبها عموما أفضل أخلاقا وإنسانية من حكامهم.

 

ليست مصادفة ما أعلنه الرئيسان الأمريكي والبرازيلي أمس في نفس الوقت تقريبا!

فقد أعلن ترامب عن رغبته في إنهاء الإجراءات التي تهدف إلى إبقاء وباء كورونا تحت السيطرة وأكد على عزمه إعادة فتح البلاد للعمل قبل عيد الفصح في ١٢ إبريل القادم، وقال إنه من غير المعقول أن يكون العلاج أسوأ من المرض، وأنه كما يموت ناس من الفيروس سيموت أكثر منهم من الكساد وتوقف الاقتصاد. وتأتي تصريحات ترامب برغم معارضة سلطات الصحة العامة، وحكام الولايات، وحتى بعض أعضاء إدارته لهذه الأفكار التي تأتي في وقت تتسارع فيه وتيرة الإصابات والوفيات في الولايات المتحدة. وقال ترامب “إن الأمة لا تستطيع تحمل الإغلاق الذي أدى بالبلاد، واقتصادها البالغ 20 تريليون دولار، إلى طريق مسدود فعليًا خلال الأيام القليلة الماضية. ستفتح أمريكا، مرة أخرى، وقريباً، للعمل.. قريبا جدا”.

 

وأمس أيضا قللّ الرئيس البرازيلي مرة أخرى من خطورة الوباء، وهاجم حكام الولايات الرئيسية بما في ذلك ريو دي جانيرو وساو باولو، وهي الولايات التي أمرت السكان بالبقاء في منازلهم وفرضت الحجر الصحي. واتهم الرئيس البرازيلي بولسونارو، خصومه السياسيين والصحافة بـ”خداع” المواطنين عن عمد حول مخاطر فيروس كورونا الجديد، ورفض “هستيريا” وسائل الإعلام بالفيروس، الذي وصفه بأنه “إنفلونزا صغيرة”.

 

إذا أضفنا لهذين الحدثين ما نقلته الصحيفة البريطانية الرصينة (الصانداي تايمز) من تسريب صوتي لدومينيك كامنغز، كبير مستشاري رئيس الوزراء البريطاني، عارض فيه تشديد الإجراءات لاحتواء فيروس كورونا في بريطانيا، حتى لو أدى ذلك لوفاة عدد كبير من المتقاعدين والمسنين.  وقد نفت الحكومة البريطانية صحة ما ورد في التسريب.

 

يكاد يجمع علماء الصحة شرقا وغربا أن ذروة الوباء لم تأت بعد، وأن الأمور ستسوء قبل أن تتحسن، وقد انحازت مؤخرا معظم الحكومات – مكرهة – إلى الإصغاء لرأي العلماء ذوي الاختصاص، وحسمت خيارها بين المحافظة على صحة وحياة شعوبها، وبين المحافظة على اقتصاد البلاد، فاختارت الأولى بعد تردد وتأخر ثبت أنه باهظ التكلفة.

 

الحالة الاقتصادية الحالية ضاغطة، وهناك توقعات كثيرة بأن تبلغ نسبة البطالة في الدول المتقدمة أكثر من ٢٠٪ خلال الشهر القادم، ثم قد ترتفع لأبعد من هذا في مايو ويونيو. هذه الضغوط قد تجعل بعض الأنظمة الحاكمة تتراخى حتى تبدأ عجلة الاقتصاد في الحركة مرة أخرى، وهو مكمن خطر واضح.

كلام ترامب وبولسونارو ومستشار جونسون، يؤكد ميل هؤلاء للتضحية بالبعض من أجل الاقتصاد، وإن كان ترامب قد صاغها بشكل مخفف مدعيا أنه يمكن فتح الأعمال مرة أخرى، مع أخذ إجراءات احترازية في العمل بتباعد العمال والموظفين عن بعضهم البعض. علماء وخبراء الصحة العامة يؤكدون على كارثية هذا التصور، وأن انهيار المنظومة الصحية تحت الضغط الوبائي من شأنه أن يشل البلاد ويشل الاقتصاد أيضا ويدفع البلاد كلها إلى كساد غير مسبوق. لمح ترامب إلى أن حالة الكساد الاقتصادي ستعرض البلاد لحالة من عدم الاستقرار الداخلي، لكن صدرت أصوات كثيرة أمس – بعضها لرموز من الحزب الجمهوري – تحذر من أن عدم إعطاء الوقت الكافي للإجراءات التي تم اتخاذها من شأنها أن تودي بحياة مئات الالاف، وأن نرى نسبة كبيرة من الأطقم الصحية يموتون أمام أعيننا.

قال توم إنجليسبي ، مدير مركز جونز هوبكنز للأمن الصحي ، “إن قضاء أسبوع واحد تحت هذه الإجراءات والقيود ثم التحدث بالفعل الآن عن التخلي عنها أمر غير مسؤول وخطير”. وقال إن إزالة القيود الآن ستسمح للفيروس “بالانتشار على نطاق واسع وبسرعة رهيبة ويمكن أن يقتل الملايين في العام المقبل مع تأثير اجتماعي واقتصادي هائل”.

 

وجاء تعليق بيل جيتس – مؤسس مايكروسوفت – قاسيا، فقال:

“لا يوجد حقًا حل وسط ، ومن الصعب جدًا أن تقول للناس:” مرحبًا بكم، استمروا في الذهاب إلى المطاعم ، واذهبوا لشراء منازل جديدة ، ولكن من فضلكم تجاهلوا كومة الجثث التي ستمرون عليها على قارعة الطريق. نريدكم أن تستمروا في الإنفاق لأنه ربما يكون هناك سياسي يعتقد أن نمو الناتج المحلي الإجمالي هو كل ما يهم “.

 

إن الجدل التبسيطي الذي عرضه ترامب ومناصروه من المحافظين، والذي يقدم صحة الاقتصاد الأمريكي على صحة مواطنيها، يكشف ببساطة عدم وجود استراتيجية وطنية طويلة المدى من الحكومة الأمريكية، والتي لم تكن موجودة أصلا قبل تفشي الوباء.

 

برغم تأكيد ترامب أن محنة الوباء يجب أن تكون بعيدة عن الحزبية والنزاعات الإيديولوجية، لكن من الواضح أن القناعات الفكرية للنظم الحاكمة هي التي ستحدد مسار الأحداث عندهم، مهما كانت التكلفة، وأيا ما كانت المخاطرة،

وليقضي الله أمرا كان مفعولا.

 

زر الذهاب إلى الأعلى