سوريا الجديدةملفـات

سوريا الحرة الجديدة: أولويات الإدارة الانتقالية في مواجهة التحديات الكبرى

تقرير عن ورشة

مقدمة

في ظل التحولات السياسية التي تشهدها الساحة السورية نظم مركز رؤيا للبحوث والدراسات، ورشة سياسية بعنوان سوريا الحرة الجديدة: أولويات الإدارة الانتقالية في مواجهة التحديات الكبرى،  إذ تمر سوريا بمرحلة حاسمة في تاريخها الحديث، حيث تشهد قيادة جديدة تلت انهيار نظام الأسد الذي ترك البلاد في حالة من الانهيار العميق، فقد أفضى حكم النظام السابق إلى تدمير مؤسسات الدولة، وتفكيك الاقتصاد، وتراجع الخدمات الأساسية، مما انعكس بشكل كارثي على الحياة المدنية، ويطرح الوضع الانتقالي الحالي تساؤلات جوهرية حول آليات إعادة الإعمار، وتأسيس دولة تضمن العدالة والكرامة للمواطنين، فضلاً عن استعادة الأمن والاستقرار، فلطالما شكلت سوريا قلبًا نابضًا في مفترق طرق الإمبراطوريات عبر التاريخ، وهذا الإرث لا يزال قائمًا حتى يومنا هذا، حيث أضحت سوريا أرضًا للتنافس بين القوى الدولية والإقليمية، فمع اندلاع الثورة السورية في سياق الربيع العربي، تصاعدت الأحداث لتتحول البلاد إلى ساحة صراع بالوكالة، تدخلت قوى إقليمية كإيران إلى جانب قوى كبرى كروسيا والولايات المتحدة لتحقيق أجنداتها، مما أدى إلى تمزيق النسيج السوري وإفقاد الأغلبية السنية حضورها المؤثر، وتحولت سوريا عقب المطالبة بالحرية والكرامة إلى رقعة شطرنج جيوسياسية، وأصبحت مساحة لصراع النفوذ إلى أن وصلت الثورة إلى هذه المحطة الجديدة واستطاع الثوار  دخول دمشق وإسقاط نظام الأسد.

تمر سوريا بمرحلة حاسمة في تاريخها الحديث، حيث تشهد قيادة جديدة تلت انهيار نظام الأسد الذي ترك البلاد في حالة من الانهيار العميق، فقد أفضى حكم النظام السابق إلى تدمير مؤسسات الدولة، وتفكيك الاقتصاد، وتراجع الخدمات الأساسية، مما انعكس بشكل كارثي على الحياة المدنية.

ومع ذلك فإنَّ سقوط الأسد لن يعني نهاية صراعات سوريا بل سيفتح الباب أمام مرحلة جديدة، تتجلى فيها تساؤلات ملحة تُطرح حول أولويات المرحلة الانتقالية وكيفية إدارة التحديات الكبرى التي تواجه سوريا الحرة في طريقها نحو بناء دولة مستقرة ومزدهرة، وفي هذا السياق الجديد عُقدت الورشة بمشاركة نخبة من السياسيين والباحثين والإعلاميين، بحثوا فيها بحثًا معمقًا التحديات التي تواجه سوريا في مرحلة ما بعد التحرر، وتحديد الأولويات الانتقالية، إضافة إلى طرح الإجراءات التنفيذية اللازمة لمواجهة هذه التحديات.

محاور النقاش في الورشة

في إطار السعي لفهم التحديات الراهنة واستشراف مستقبل سوريا الحرة، تأتي هذه الورشة لتسلط الضوء على أبرز القضايا التي تواجهها سوريا وقد كانت محاور النقاش خلال الندوة كالتالي:

المحور الأول: أولويات التحديات التي تواجه سوريا الحرة

المحور الثاني: أهم الإجراءات التنفيذية المقترحة في ضوء أولويات التحديات

المحور الثالث: تأثير الأحداث في سوريا على المنطقة العربية

المحور الأول: أولويات التحديات التي تواجه سوريا

ناقش الحاضرون التحديات الكبرى التي ستواجه سوريا الحرة في مرحلة ما بعد إسقاط نظام الأسد، مشيرين إلى أهمية التعامل معها بجدية ووضوح، وكان على رأس تلك التحديات:

  1. تحدي القيادة:

تطرق النقاش إلى أهمية تحديد قيادة قادرة على إدارة المرحلة الانتقالية بحكمة وكفاءة، وأبرز الحاضرون ضرورة أن تتمتع هذه  القيادة بقدرات تنظيمية واستراتيجية تمكنها من توجيه مسار سوريا نحو الاستقرار، كما جرى التنبيه إلى مخاطر انفراد القيادة بالقرار، وما قد يترتب على ذلك من تهديدات تتعلق بإمكانية السيطرة عليها من قبل أطراف خارجية أو استهدافها في حال عدم القدرة على حماية استقلاليتها. وتمت الإشارة إلى أن القيادة بحاجة إلى امتلاك الأدوات اللازمة لتعزيز ثقة الداخل والخارج بمشروعها الجديد، من خلال برامج عمل واضحة وخطط تنفيذية شاملة تستوعب جميع القوى الفاعلة.

يطرح الوضع الانتقالي الحالي تساؤلات جوهرية حول آليات إعادة الإعمار، وتأسيس دولة تضمن العدالة والكرامة للمواطنين، فضلاً عن استعادة الأمن والاستقرار، فلطالما شكلت سوريا قلبًا نابضًا في مفترق طرق الإمبراطوريات عبر التاريخ، وهذا الإرث لا يزال قائمًا حتى يومنا هذا، حيث أضحت سوريا أرضًا للتنافس بين القوى الدولية والإقليمية،

كما أكد الحاضرون على أن القيادة يجب أن تكون قادرة على اتخاذ قرارات مصيرية في ظل ظروف معقدة، ودعوا إلى الاهتمام برأي الخبراء والمتخصصين من مختلف المجالات لتقديم الدعم الفني والإرشادي، وأشاروا إلى أن وجود قنوات اتصال فعّالة بين القيادة والمجتمع أمر ضروري لتوحيد الصفوف وتجنب الانقسامات.

  1. تحدي الرغبة في القصاص والعدالة الانتقالية:

ناقش الحاضرون التحدي المتمثل في رغبة المظلومين في القصاص العادل من مرتكبي الجرائم بحق الشعب السوري، في إطار تحقيق مفهوم العدالة الانتقالية، وجرى التأكيد على أن العدالة الانتقالية يجب أن تكون شاملة، تراعي حقوق الضحايا، بشكل متوازن لا يعارض استقرار الدولة ويحول دون الوصول إلى الاحتراب الداخلي ويؤسس لمجتمع قائم على العدل، وأكد الحضور على أن هذا المسار يتطلب وضع آليات شفافة تعالج انتهاكات الماضي دون تمييز، مع توفير ضمانات تحول دون عودة المجرمين إلى مواقع النفوذ.

  1. تحدي بناء المجتمع

تناول الحاضرون التحدي الأساسي المتمثل في إعادة بناء مجتمع يعاني من مشاعر الانكسار والهوان، نتيجة سنوات طويلة من القمع والدمار، وأكدوا على ضرورة استنهاض طاقات المجتمع، وتعزيز مشاعر الإنجاز والتطلع لمستقبل أفضل، وذلك بتفعيل المؤسسات التراثية الناجحة ذات الدور التاريخي في تعزيز التكافل الاجتماعي وخدمة المجتمع، مثل مؤسسات الأوقاف، نظراً لدورها الفاعل في المجالات غير السيادية، كالصحة والتعليم، مما يسهم في تقديم خدمات أساسية للمواطنين دون الاعتماد الكامل على الهياكل الحكومية المركزية، كما تم التشديد خلال الورشة على بناء بيئة مجتمعية داعمة تعيد للسوريين شعورهم بالكرامة والانتماء، وتفتح المجال لمشاركتهم الفاعلة في عملية إعادة الإعمار والتنمية.

  1. تحدي التنسيق المؤسسي وتكامل الجهود المجتمعية:

ناقش الحاضرون أهمية وضع رؤية واضحة لتنظيم العمل المجتمعي، بعيداً عن العشوائية أو التنافس السلبي بين الفاعلين، وأكدوا على ضرورة استخدام استراتيجية تشبيك المؤسسات من خلال بناء قواعد بيانات مركزية تُسهم في توحيد الجهود وتنسيقها بين مختلف الهيئات والمؤسسات العاملة في سوريا الحرة، كما أكدوا على أن التنسيق الفعّال بين المؤسسات الحكومية والمدنية يُعد أساسًا لتفادي التكرار وتوزيع الموارد بشكل عادل، مما يعزز فاعلية البرامج والمشاريع لأن العمل المؤسسي المنظم هو العنصر المحوري لبناء الثقة بين الشعب ومؤسسات الدولة المستقبلية.

 

  1. تحدي طبيعة الشرعية الحاكمة: دستورية أم ثورية؟

تناول النقاش مسألة تحديد طبيعة الشرعية التي يجب أن تستند إليها الإدارة الانتقالية في سوريا الحرة، وهل ينبغي الاعتماد على شرعية دستورية أم تبني شرعية ثورية؟!

أشار الحاضرون إلى أهمية دراسة تجارب الثورات السابقة والاستفادة من دروسها، حيث رجح المناقشون فكرة العمل تحت مظلة الشرعية الثورية، باعتبارها الإطار الأكثر ملاءمة لضمان حماية الثورة وتمكينها، مع التأكيد على أن هذه الشرعية تتيح اتخاذ قرارات جريئة وحاسمة في مواجهة محاولات الاختراق أو النزاعات الداخلية، بالإضافة إلى تعزيز التماسك الداخلي خلال المرحلة الانتقالية، ومع ذلك، شدد المشاركون على ضرورة أن تكون الشرعية الثورية مرحلية ومحددة الأهداف.

  1. تحدي الهجمة الخارجية

ومع ذلك فإنَّ سقوط الأسد لن يعني نهاية صراعات سوريا بل سيفتح الباب أمام مرحلة جديدة، تتجلى فيها تساؤلات ملحة تُطرح حول أولويات المرحلة الانتقالية وكيفية إدارة التحديات الكبرى التي تواجه سوريا الحرة في طريقها نحو بناء دولة مستقرة ومزدهرة،

ناقش المشاركون في الورشة التحدي المتمثل في محاولات القوى الخارجية استعادة بناء مؤسسات الدولة السورية وفق مصالحها الخاصة، وذلك بعد انهيار مؤسسات الدولة العميقة العسكرية والأمنية، وأشار الحاضرون إلى أن العديد من القوى الإقليمية والدولية تسعى إلى إعادة تشكيل هذه المؤسسات أو إنشاء بدائل لها عبر منظمات أو تجمعات تابعة لها، بهدف تحقيق مصالحها السياسية والاقتصادية في سوريا، مؤكدين أن هذه الهجمة الخارجية تشكل تهديدًا حقيقيًا لاستقلالية الثورة السورية وقد أكد الحضور على أهمية بناء مؤسسات جديدة ذات طابع سيادي مع الحذر من أي تدخلات خارجية قد تضر بمصالح الشعب السوري وتؤدي إلى إعادة الهيمنة على القرار السوري.

  1. تحدي البناء السياسي: ما هو شكل نظام الحكم؟

تركز النقاش في هذا المحور حول التحدي المرتبط بتحديد شكل النظام السياسي الذي يجب أن يعتمده الشعب السوري في مرحلة ما بعد سقوط النظام، فقد أشار الحاضرون إلى أن الغرب، في محاولاته لتوجيه المستقبل السياسي لسوريا، يسعى إلى فرض نموذج ونمط الدولة الحديثة التي تهدد بطبيعتها مصالح وأهداف سوريا والأمة الإسلامية.

في مواجهة ذلك، أكد المشاركون على ضرورة البدء ببناء منظومة الأمة، والتي يجب أن تنطلق منها منظومة الدولة والحكم، فالعمل المجتمعي الصحيح، الذي يشمل تفعيل مؤسسات المجتمع المحلي، هو الذي يبني النظام السياسي العادل والمستدام.

  1. تحدي تماسك الُلحمة الداخلية لفصائل الثورة

أشارت المناقشات إلى أن قوة الُلحمة الداخلية بين فصائل الثورة تعد من أبرز التحديات التي تواجه مسار الانتقال السياسي في سوريا، ورغم الإنجازات التي حققتها الثورة، إلا أن تباين الرؤى والاختلافات بين الفصائل قد يشكل عائقًا في توحيد الصفوف وتحقيق الأهداف المشتركة.

وقد اقترح الحاضرون عقد مؤتمر شامل يضم العلماء وأهل الرأي والساسة، من أجل رسم معالم المرحلة الانتقالية بشكل توافقي يضمن توحيد الجهود وتعزيز التعاون بين مختلف الفصائل، يهدف هذا المؤتمر إلى تأسيس رؤية مشتركة للمستقبل السياسي لسوريا الحرة، ووضع أسس لمرحلة جديدة.

 

  1. تحدي طبيعة الدور التركي

أكدت المناقشات على أهمية الدور التركي في المرحلة الانتقالية لسوريا الحرة، حيث أشار الحاضرون إلى ضرورة إدخال تركيا بشكل إيجابي وفاعل في دعم المسار الثوري، مشيرين إلى أن تركيا تعتبر فاعلا استراتيجيًا مهمًا في المنطقة، وأن التنسيق معها بشكل متوازن قد يساهم في تحقيق الاستقرار وحماية الثورة من التحديات الداخلية والخارجية، وقد طرحت فكرة عقد اتفاق دفاع مشترك مع تركيا، وهو ما من شأنه تعزيز أمن المنطقة الشمالية من سوريا وضمان حماية مكتسبات الثورة.

  1. تحدي عدم تصور الواقع بشكل صحيح

تحديد قيادة قادرة على إدارة المرحلة الانتقالية بحكمة وكفاءة، وأبرز الحاضرون ضرورة أن تتمتع هذه القيادة بقدرات تنظيمية واستراتيجية تمكنها من توجيه مسار سوريا نحو الاستقرار، كما جرى التنبيه إلى مخاطر انفراد القيادة بالقرار، وما قد يترتب على ذلك من تهديدات تتعلق بإمكانية السيطرة عليها من قبل أطراف خارجية أو استهدافها في حال عدم القدرة على حماية استقلاليتها.

أشار الحاضرون إلى أن أبرز التحديات التي تواجه سوريا هو عدم تصور الواقع بشكل صحيح، إذ أنه في حقيقة الأمر لا تزال سوريا في مرحلة استكمال التحرير، مشيرين إلى أن هناك أصحاب مصالح داخلية وخارجية يسعون للتدخل في مستقبل البلاد، حيث أكد الحاضرون أن هذا التحدي يكمن في ضرورة الوعي بأن التحرير الكامل يتطلب مواجهة القوى المعادية للثورة، سواء كانت من النظام أو القوى الإقليمية والدولية التي تحاول إعادة فرض هيمنتها على سوريا.

11.تحدي الإفراط في الدعوات للمسامحة

أشار المشاركون في الورشة إلى أن أحد التحديات الكبرى التي تواجه سوريا الحرة هو الإفراط في الدعوات للمسامحة مع النظام السابق دون النظر إلى ضرورة استبدال القيادات العليا في المؤسسات العسكرية والإعلامية وغيرها. فالتساهل مع أولئك الذين كانوا جزءًا من النظام السابق قد يؤدي إلى إعادة إنتاج نفس الممارسات التي أسهمت في فساد النظام واستبداده، وقد أكد الحاضرون على ضرورة التركيز على التطهير المؤسسي والتغيير.

  1. تحدي سرعة عودة العلماء والكوادر للداخل السوري

أشار المشاركون إلى أن أحد التحديات الكبيرة التي تواجه سوريا الحرة هو وجود العلماء والمفكرين في الميدان السوري للمساهمة الفعالة في عملية البناء والانتقال، فقد كانت الظروف الأمنية والسياسية المعقدة قديما تحول دون عودة العلماء والمختصين إلى سوريا للمشاركة في بناء المؤسسات التعليمية والدينية والإدارية، وقد تغير الحال الآن مما يستلزم عودة تلك الكوادر إلى الداخل السوري.

  1. تحدي الإعلام المضاد الذي يشوه الثوار

من التحديات الكبرى التي تواجه سوريا هو الدور المضاد للثورة لبعض وسائل الإعلام العربية التي تسعى لتشويه صورة الثوار، خاصة من خلال إعادة تدوير بعض وجوه النظام القديم، والتي تهدف إلى تقليل الدعم الشعبي للثوار وتوجيه الرأي العام ضدهم، مما يشكل عقبة كبيرة في سبيل تعزيز شرعية الثورة، وأكد الحاضرون على أهمية بناء شبكة إعلامية قوية وفعالة من أجل تصحيح هذه الصورة المشوهة من خلال تعزيز وسائل الإعلام البديلة التي تبرز حقيقة الثورة.

14.تحدي التقسيم

من أبرز التحديات التي تواجه سوريا الحرة هو خطر التقسيم الداخلي الذي يتجلى في بؤر متعددة، أبرزها:

  1. بؤرة الجنوب: حيث توجد جماعة أحمد العودة والتي سارعت بدخول دمشق حين شعرت بقرب دخول الثوار إليها، مما يعكس تحركًا مرتبطًا بمصالح ضيقة قد تهدد وحدة سوريا وتهدد المستقبل السياسي للبلاد.
  2. بؤرة قسد الكردية: التي تطالب بحكم ذاتي في مناطق شمال شرق سوريا، وهو مطلب يثير القلق حول تأثيراته على وحدة الأراضي السورية، خاصةً في ظل التوترات المستمرة مع باقي المكونات السورية.
  3. بؤرة العلويين: حيث يوجد تجمع لبقايا النظام العلوي في المناطق الجبلية والساحلية، الذين ربما يسعون لتكوين كيانات منفصلة أو تعزيز وضعهم السياسي في المستقبل.

15.تحدي الاستجابة للعدوان على سوريا

من أبرز التحديات التي تواجه سوريا في المرحلة الحالية هو الاستجابة السريعة لمحاولات التعدي على أراضيها، خاصة في ظل تغول دولة الاحتلال على منطقة الجولان، فمع تزايد الانتهاكات الإسرائيلية في الجولان المحتل يزداد التحدي في كيفية مواجهة هذه المحاولات التوسعية وضمان حقوق سوريا في تلك المنطقة الاستراتيجية.

  1. تحدي الخطاب المطلوب

من التحديات الكبرى التي تواجه سوريا في المرحلة الحالية هو تصميم خطاب نوعي يتناسب مع مختلف فئات المجتمع، ويشمل خطابًا للمرأة، خطابًا للعامل، خطابًا للفلاح، خطابًا للمثقف، وخطابًا للشباب، ويتطلب الأمر تقديم رسائل موجهة بعناية لكل فئة لضمان تفاعلها مع المرحلة الانتقالية وبناء مستقبل مشترك.

  1. تحدي العقل الاستراتيجي لإدارة الثورة

يتمثل التحدي في الحاجة إلى عقل استراتيجي موحد لإدارة الثورة بشكل فعال، قادر على اتخاذ قرارات حاسمة تنسجم مع أهداف الثورة، مع الحفاظ على وحدة الصف الثوري وتفادي الانقسامات الداخلية، حيث تتطلب المرحلة الانتقالية إطارًا قياديًا قادرًا على اتخاذ قرارات حاسمة تحقق مصالح الشعب، ويبرز هذا التحدي في ظل الحاجة الملحة للحفاظ على وحدة الصف الثوري وتجنب الانقسامات الداخلية التي قد تؤدي إلى إضعاف الزخم الثوري وإطالة أمد المعاناة.

المحور الثاني: أهم الإجراءات التنفيذية المقترحة في ضوء أولويات التحديات

تواجه سوريا الحرة كما مر معنا تحديات مصيرية للانتقال من دولة فاشلة إلى دولة قوية عادلة، بدايتها أن يكون للأمن والاستقرار أولوية لتوحيد القوى الأمنية وتوفير الأمان للمواطنين كما ينبغي إعادة بناء الاقتصاد السوري من خلال مشاريع تنموية تدعم الاستثمارات المحلية والدولية، كما يجب إعادة بناء الثقة بين مكونات الشعب السوري من خلال المصالحة إلى غير ذلك من الأولويات، وقد تناول هذا المحور أهم الإجراءات التنفيذية المقترحة بما يحقق استقرار سوريا الحرة ويضمن نجاح المرحلة الانتقالية:

  1. الأنوية الصلبة وتفعيل الدور المجتمعي

ناقش الحاضرون أهمية تنشيط الأنوية الصلبة عقب نجاح الثورة السورية وسقوط نظام بشار الأسد، باعتبارها القاعدة الأولى لأي عملية إصلاح أو إعادة بناء للمجتمع، إذ تُعد هذه الأنوية مجموعات متماسكة من الأفراد والمؤسسات الصغيرة، تعمل على استيعاب التحولات المتسارعة، وقيادة المشهد المحلي نحو الاستقرار والتنمية. ومن خلال تنظيم العمل المجتمعي والتواصل الفعّال، تُتيح الأنوية الصلبة نشر الوعي بأهمية المشاركة الشعبية في القرارات المصيرية، بما يسهم في تقوية البنية الداخلية للمجتمع.

ناقش الحاضرون التحدي المتمثل في رغبة المظلومين في القصاص العادل من مرتكبي الجرائم بحق الشعب السوري، في إطار تحقيق مفهوم العدالة الانتقالية، وجرى التأكيد على أن العدالة الانتقالية يجب أن تكون شاملة، تراعي حقوق الضحايا، بشكل متوازن لا يعارض استقرار الدولة ويحول دون الوصول إلى الاحتراب الداخلي ويؤسس لمجتمع قائم على العدل

يتطلب هذا الدور تعزيز الترابط بين الأفراد في الأحياء والقرى، وتشجيعهم على استثمار الفرص المتاحة لتحقيق تغيير ملموس في إدارة الموارد والخدمات، كما أنّ الأنوية الصلبة تُعزز من قدرتها على مواجهة التحديات السياسية والاقتصادية، من خلال بناء شبكات محلية تُركّز على الاحتياجات المباشرة للسكان، وتُسهم في تجاوز آثار الانهيار السابق على جميع المستويات.

إن نجاح هذه الأنوية في القيام بدورها يفتح المجال لنشر روح الإصلاح في المجتمع بأسره، ويُمهّد الطريق لإعادة بناء الهياكل الإدارية والخدمية على أسس قوية من العدالة والشورى، وهكذا، تتحوّل المحليات إلى نقاط انطلاق تُعزّز من صلابة الدولة، وتعيد توجيه الثورة نحو أهدافها الكبرى في إقامة مجتمع يسوده الأمن والاستقرار والتنمية المستدامة.

  1. الاستفادة من النواة الإعلامية في مناطق الثورة

من الإجراءات التنفيذية المقترحة الاستفادة من النواة الإعلامية التي تطورت خلال سنوات الثورة في منطقة إدلب، بما في ذلك القنوات والإذاعات التي أسسها الثوار، وكذلك استثمار البنية التحتية لمؤسسات الإعلام الخاصة بالدولة والمتاحة حالياً، فهذه المؤسسات تمتلك استوديوهات حديثة وأجهزة ومعدات يمكن الاستفادة منها في إدارة حملات إعلامية فعالة داخل سوريا وخارجها، مما يعزز قدرة الثورة على نقل رسالتها.

واقترح الحضور⁠ عددا من الإجراءات المهمة في هذا الملف منها:

  • ⁠ ⁠إصدار لائحة لتنظيم الإعلام، تضع الخطوط العريضة المانعة لانفلات إعلامي.
  • إنشاء شركات إنتاج تابعة – أو مدعومة – للدولة، للإنتاج الإخباري والدرامي وللأطفال.
  • ⁠ ⁠إنشاء عدد من القنوات الفضائية الخاصة المدعومة أو التابعة للدولة، ويمكن شراء بعضها استباقا للوقت.
  • ⁠ ⁠التعاقد مع أبرز المؤثرين الشباب ذوي الانتماء الوطني والثوري والدعوي، ودعمهم ماديا وترويجيا.
  1. الاهتمام بالإعلام البديل

يعد الاهتمام بالإعلام البديل من الإجراءات التنفيذية الضرورية في المرحلة القادمة، فيمكن للإعلام البديل أن يؤدي دورًا مهمًا في توعية الشعب السوري وفضح ممارسات النظام وأعوانه، فضلاً عن تسليط الضوء على قضايا الثورة بشكل غير تقليدي، من خلال استخدام منصات الإنترنت ووسائل التواصل الاجتماعي، يمكن توجيه رسائل مباشرة إلى الجمهور، مما يعزز من قدرة الثورة على نقل سرديتها في مواجهة التضليل الإعلامي.

  1. اختيار الكفاءات بغض النظر عن الانتماءات الشخصية

من الإجراءات التنفيذية الهامة هي اختيار الكفاءات اللازمة لإدارة المرحلة الانتقالية دون النظر إلى الانتماءات الشخصية، بل يجب أن يكون الاختيار قائمًا على الكفاءة والقدرة على تحمل المسؤولية، حتى لو كانوا من أهل الثقة المقربين من الثورة، فإن توظيفهم بناءً على معايير الكفاءة أمر أساسي لتحقيق النجاح في تنفيذ المشاريع الحيوية، إذ ينبغي عدم الخوف من اتهامات الانحياز طالما أن الأشخاص المختارين يمتلكون الخبرة والقدرة على تقديم الحلول الملموسة وتطوير المؤسسات الضرورية.

5.المصالحة المجتمعية وسد ذرائع التدخل

من أهم الإجراءات التنفيذية في المرحلة الانتقالية لسوريا ما بعد الثورة، اعتماد معايير صارمة لاختيار الكفاءات القادرة على إدارة شؤون الدولة، فيجب أن تكون الكفاءة والخبرة العملية الأساس في التعيينات، بعيدًا عن الانتماءات الشخصية أو الاعتبارات السياسية الضيقة، ويُعد هذا النهج ضروريًا لضمان تنفيذ المشاريع الحيوية، وإعادة بناء المؤسسات التي تأثرت بفترة الانهيار الطويلة.

استنهاض طاقات المجتمع، وتعزيز مشاعر الإنجاز والتطلع لمستقبل أفضل، وذلك بتفعيل المؤسسات التراثية الناجحة ذات الدور التاريخي في تعزيز التكافل الاجتماعي وخدمة المجتمع، مثل مؤسسات الأوقاف، نظراً لدورها الفاعل في المجالات غير السيادية، كالصحة والتعليم، مما يسهم في تقديم خدمات أساسية للمواطنين دون الاعتماد الكامل على الهياكل الحكومية المركزية

ورغم أن اختيار بعض القيادات قد يكون من أهل الثقة المقربين للثورة، فإنّ هذا الاختيار لا مانع منه، بل لعله الأفضل مع امتلاكهم القدرات اللازمة لتحمل المسؤوليات وتطوير الأداء المؤسسي، كما أن التمسك بمعايير الكفاءة، حتى في وجه اتهامات، يعزز من ثقة الشعب بعملية الانتقال، خاصة إذا أثبتت القرارات جدواها على أرض الواقع، وأسهمت في تحقيق تقدم ملموس واستقرار مستدام.

 

  1. الأمن.. حجر الأساس للنجاح والاستقرار

ناقش الحاضرون أهمية الأمن باعتباره ركيزة أساسية لأي تقدم أو بناء في المرحلة الانتقالية، مؤكدين أن شعبًا عاش سنوات من الخوف والقمع بحاجة ماسة إلى استعادة الأمن بسرعة وفعالية، وأوضحوا أن الأمن الحقيقي لا يقتصر على صدّ المعتدين أو ضبط الجرائم، بل يشمل بناء الثقة بين الناس وقوات الأمن، بحيث تتحول الأجهزة الأمنية إلى حامٍ للحقوق والحريات ومصدر للطمأنينة، بعيدًا عن دورها القمعي السابق.

كما شددت النقاشات على ضرورة إدارة ملف الأمن بحكمة وشفافية من قبل القيادة الجديدة، لأن نجاح هذه المهمة سيكون حجر الزاوية في إعادة بناء الثقة بين الشعب ومؤسساته، ومحو آثار الأيام الحالكة التي عاشها السوريون، وبيّن الحاضرون أن أي فشل أو اضطراب في هذا الجانب قد يعيد إنتاج الفوضى، مما يُهدد مسيرة النهوض والبناء، ويُفقد الحكومة الجديدة زخمها وشرعيتها أمام المجتمع المحلي والدولي.

7.الاستعداد للتعامل مع الحصار المحتمل

ناقش الحضور  قضية أنه قد يكون من المتوقع أن تتعرض الثورة السورية لضغوطات وحصار، خاصة مع استمرار مسارها الذي يصب في مصلحة الشعب السوري وليس في مصلحة القوى الخارجية، ولذلك، من الضروري أن تكون هناك استعدادات مسبقة للتعامل مع آثار هذا الحصار، عبر وضع خطط مرنة تتناسب مع الظروف الصعبة التي قد تنشأ، ينبغي على القيادة الثورية ترتيب خطوات واضحة وواقعية للتعامل مع هذه التحديات، مع وضع استراتيجيات لتأمين الموارد الأساسية وإدارة الأزمات، مما يتيح للثوار مواصلة المسار الثوري بنجاح حتى كسر الحصار وتحقيق الأهداف المنشودة.

  1. التخطيط لاستيعاب ملايين العائدين

ناقش الحاضرون التحديات الجسيمة التي ستواجه الحكومة الجديدة مع عودة ملايين المهجّرين من الداخل والخارج إلى سوريا، حيث سيواجه هؤلاء العائدون واقعًا صعبًا يتمثل في بيوت مهدمة، وخدمات شبه معدومة، وفرص عمل غائبة، مما ينذر بتفاقم معاناتهم وإعاقة إعادة الاستقرار للمجتمع.

واتفق المتحدثون على أن التعامل مع هذا التحدي يتطلب وضع خطط طارئة وشاملة تتضمن توفير مساكن مؤقتة تليق بالكرامة الإنسانية، إلى جانب الإسراع في إعادة تشغيل الخدمات الأساسية مثل المياه والكهرباء والتعليم والصحة، وشددوا على أن خلق فرص عمل مستدامة هو حجر الزاوية في تحقيق الاستقرار الاقتصادي والاجتماعي للعائدين، داعين إلى تعاون محلي ودولي لتمويل مشاريع إعادة الإعمار وتفعيل المبادرات المجتمعية التي تسهم في دمج المهجّرين داخل مجتمعاتهم الجديدة وإعادة بناء حياتهم على أسس مستقرة ومزدهرة.

المحور الثالث: تأثير الأحداث في سوريا على المنطقة العربية والإقليم

ناقش الحاضرون التأثير العميق للأحداث في سوريا على دول الجوار والمنطقة برمّتها، في ظل تعقيدات إقليمية ودولية متشابكة:

أولا سوريا الحرة مشتلاً للإصلاح ونواة لتغيير استراتيجي في العالم العربي:

من أبرز التحديات التي تواجه سوريا في المرحلة الحالية هو الاستجابة السريعة لمحاولات التعدي على أراضيها، خاصة في ظل تغول دولة الاحتلال على منطقة الجولان، فمع تزايد الانتهاكات الإسرائيلية في الجولان المحتل يزداد التحدي في كيفية مواجهة هذه المحاولات التوسعية وضمان حقوق سوريا في تلك المنطقة الاستراتيجية.

أكد الحاضرون أن سوريا الحرة يمكن أن تصبح مشتلاً للإصلاح لباقي الأمة ونواة لعقل استراتيجي يسهم في بناء مستقبل مشترك قائم على العدالة والتكامل مشددين على أهمية النفير الاستراتيجي القادم بعيدًا عن الهيمنة الأمريكية، مؤكدين أن نجاح الحالة السورية سيحقق مردودًا ضخمًا على الأمة بأكملها، ويعيد التوازن بعيدًا عن مراكز الهيمنة العالمية.

ثانيا: التأثير في ظل الوضع الإقليمي:

  • العراق: يواجه العراق اختناقًا بالهيمنة الأميركية والإيرانية، ويبحث عن عمق استراتيجي واقتصادي، ويتوقع خطر حرب إسرائيلية جوية مشابهة للحرب على لبنان، في ظل التصعيد الإقليمي عقب التخلص من نظام الأسد.
  • إيران: تعاني من حصار مالي واقتصادي، واحتواء استراتيجي وعقوبات قصوى، وسط استهداف إسرائيلي لترسانتها الدفاعية ومنشآتها النووية والصناعية، وقد يمهد هذا لاستهداف المشروع الإيراني نفسه.
  • لبنان: لطالما كان لبنان الرئة الاقتصادية والجيوسياسية التي تتنفس منها سوريا في مواجهة الحصار والخنق، ويمكن أن يكون التكامل بين البلدين أمرًا جوهريًا في مواجهة الأزمات الأمنية والاقتصادية.
  • الأردن: رغم محدودية استعداده للتكامل مع سوريا، إلا أنه يحتاج إلى فتح الحدود والأسواق معها لتعزيز اقتصاده واستقراره، مما قد يتيح متنفسًا اقتصاديًا جديدًا لسوريا في المرحلة المقبلة.
  • تركيا: تمتلك تركيا مصلحة استراتيجية صلبة في إجهاض مشروع الانفصال الكردي، الذي تعتبره تهديدًا لأمنها القومي ووحدة أراضيها، وهذا المشروع الذي تدعمه بعض القوى الدولية يثير مخاوف تركيا من تشكّل كيان كردي مستقل على حدودها الجنوبية، ما قد يشجع النزعات الانفصالية داخل أراضيها، لذلك ترى تركيا في استقرار سوريا فرصة لتعزيز أمنها الحدودي ما يعد عاملا مهما في تشكيل خارطة المنطقة عقب هذه الأحداث.

وقد اتفق المشاركون على أن استقرار سوريا سيعيد رسم توازنات المنطقة ويفتح آفاقًا استراتيجية جديدة لدول الجوار، ما يجعل حل الأزمة السورية أولوية لا يمكن تجاهلها.

 

 

خاتمة

اختتم الحاضرون حديثهم بالتأكيد على الدروس المستفادة من الثورة السورية، التي يمكن أن تمثل مصدر إلهام لبقية الثورات في العالم العربي وللراغبين في التحرر من الطغيان، وأبرز تلك الدروس هو ضرورة تكوين نواة قوة صلبة قادرة على مواجهة قمع السلطات الغاشمة، إلى جانب العمل على كشف حقيقة الأوضاع في السجون في البلاد العربية الأخرى، التي تشبه إلى حد كبير حال سجون النظام السوري، كما شددوا على وجود فرص حالية للتغيير في كل من اليمن والعراق، حيث تتاح فرصة كبيرة لإحداث تداعيات للثورات في تلك البلدان، مما قد يفتح الطريق لتوسع حالة التماهي الثوري في المنطقة العربية.

من الدروس المستفادة من الثورة السورية، التي يمكن أن تمثل مصدر إلهام لبقية الثورات في العالم العربي وللراغبين في التحرر من الطغيان: ضرورة تكوين نواة قوة صلبة قادرة على مواجهة قمع السلطات الغاشمة، إلى جانب العمل على كشف حقيقة الأوضاع في السجون في البلاد العربية الأخرى، التي تشبه إلى حد كبير حال سجون النظام السوري، كما شددوا على وجود فرص حالية للتغيير في كل من اليمن والعراق، حيث تتاح فرصة كبيرة لإحداث تداعيات للثورات في تلك البلدان

 

تلك كانت أهم نقاط النقاش خلال هذه الورشة، فقد تمحور النقاش في الورشة حول ثلاثة محاور رئيسية، حيث كان المحور الأول مخصصًا لاستعراض التحديات الكبرى التي تواجه سوريا الحرة على المدى القريب والمتوسط والبعيد، وشمل النقاش أبرز التحديات التي تشمل القيادة الانتقالية، العدالة الانتقالية، بناء المجتمع والمؤسسات، وإعادة تشكيل الجيش السوري، بالإضافة إلى التصدي للهجمات الخارجية ومحاولات التقسيم التي قد تهدد وحدة البلاد.

أما في المحور الثاني، فقد ركز على الإجراءات التنفيذية المقترحة للتعامل مع تلك التحديات، وقد توافقت الآراء على ضرورة الاستفادة من بنية الإعلام الثوري القائم وتطوير استراتيجيات لتوظيف الكفاءات الثورية المؤهلة لقيادة المرحلة الانتقالية، كما شدد الحاضرون على أهمية الاستعداد لمواجهة أي حصار محتمل من القوى المعادية، فضلاً عن استعراض الدروس المستفادة من الثورة السورية والعمل على توظيفها لدعم الحركات الثورية المستقبلية، بهدف تحقيق التحرر الكامل من الاستبداد في مختلف أنحاء الأمة.

وفي المحور الثالث، تناول النقاش التأثيرات العميقة على دول الجوار والمنطقة بشكل عام، مؤكدين على أن استقرار سوريا بعد فترة طويلة من الصراع والتحديات سيعيد تشكيل التوازنات الإقليمية، وقد يسهم في تغيير واقع دول الجوار ويؤثر على العلاقات الإقليمية والدولية.

 

زر الذهاب إلى الأعلى