ملفـاتوباء كورونا

بعد تعليق الجمع والجماعات

ماذا نفعل؟

بشكل متسارع قررت عدة دول تعليق صلوات الجمع والجماعات، وأفاق ملايين المسلمين على واقع مؤلم جديد لم يخطر على بال أحد منذ أسابيع قليلة، واقع ربما لم يعرفه المسلمون في تاريخهم أبدا.
كتب عدد من العلماء في فقه تلك القرارات وتباينت آراؤهم، وظهر أن المجامع الفقهية كان ينبغي أن تبادر قبل تفاقم الوباء، وتجتمع مع خبراء من الأطباء والصحة العامة لتصدر فتوى تستبق بها هذا الوضع الطارئ والارتباك المؤسف، ولا تدع الأمر بيد السياسيين وحدهم، وهو ما لم يحدث للأسف الشديد، اللهم إلا من مجمع فقهاء الشريعة بأمريكا الشمالية الذي أصدر فتوى مفصلة منذ حوالي عشرين يوما، فيها أحكام للظروف والملابسات المحتملة.

والآن بعد أن وقع هذا في كثير من بلاد المسلمين، ماذا نفعل؟
أولا بالنسبة للموفقين الذين كانوا يحافظون على صلاة الجماعة في المساجد وفي نفوسهم أسى لا يعلم عمقه إلا الله، فنرجو أن تُجرى عليهم نفس الأجور الآن وهم يصلون في بيوتهم، ذلك لأن المعذور شريك للعامل في الأجر، وقد قال نبينا ﷺ عمن تخلف بعذر مانع في الخروج معه لغزوة تبوك بمشاقها الهائلة:
“إن بالمدينة أقواما ما سرتم مسيرا، ولا قطعتم واديا إلا كانوا معكم”
قالوا: يا رسول الله، وهم بالمدينة ؟!
قال “وهم بالمدينة، حبسهم العذر”.
وهذا نظير ما في البخاري وغيره أن النبي ﷺ قال: إذا مرض العبد أو سافر كتب له مثل ما كان يعمل مقيمًا صحيحًا.
قال الحافظ في الفتح في شرح هذا الحديث: (وهو في حق من كان يعمل طاعة فمنع منها وكانت نيته – لولا المانع – أن يدوم عليها، كما ورد ذلك صريحًا عند أبي داود) انتهى. وكان سعيد بن المسيب رحمه الله يقول:
“من هم بصيام أو صدقة أو حج أو عمرة أو شيء من الخير فحال دونه حائل كتب الله له أجره”.

وأما من لم يكن محافظا على صلاة الجماعة، فلعله ينوي الآن أن يقبل على هذه النعمة العظيمة بعد أن يرفع الله تعالى البلاء ويكشف الغمة. وقد قرأت أمس تغريدة مؤثرة لشاب كويتي، يقول إنه لم يكن من رواد المساجد، ولكنه شعر بحزن شديد في قلبه لقرار الإغلاق وعاهد الله أن يلتزم بصلاة الجماعة بعد انفراج المحنة.

في كثير من بلادنا يلزم الناس بيوتهم، ويجدون أمامهم متسعا كبيرا من أوقات الفراغ. البعض يشتكي من الملل والضجر من هذا الفراغ، والأصل أن نستشعر نعمة الوقت والفراغ، وقد قال المصطفى ﷺ (نعمتان مغبون فيهما كثير من الناس: الصحة والفراغ).

فأولا بالنسبة للصلاة، احرص قدر الإمكان على جمع أسرتك لتصلوا معا جماعة، وقد قال ابن قدامة: (ولو أمَّ الرجلُ زوجته أدرك فضيلة الجماعة)، وقال الشيخ بن باز رحمه الله (ومن فاتته الصلاة مع الجماعة وصلى إماماً لزوجته فلا بأس، ويرجى لهما فضل الجماعة إذا كان معذوراً، ولكنها تصف خلفه ولا تقف معه).
وحبذا لو اتخذوا مصلى ثابتا في بيتهم يكون محلا ثابتا لتنزل الرحمات وحف الملائكة.

ومع توفر الأوقات في البيوت هناك مجال واسع لطلب العلم، والقراءة والاطلاع. وهناك مجال لزيادة الورد اليومي من القرآن الكريم تلاوة وحفظا وتفسيرا، وعند البعض أوقات تكفي الآن لختم القرآن كل عشرة أيام بسهولة ويسر. إن لم تكن تحفظ القرآن أو بعضه، فحدث نفسك بهذا الأمل الجميل، واصرف عنك تثبيط الشيطان ووسواسه، فقد حفظ كتاب الله الصغير والكبير، والمشغول والفارغ، والأعجمي والعربي، وحاشا لله أن يحرم من أقبل عليه ورغب أن يحفظ كتابه الكريم، فقط اعزم واحزم أمرك وتوكل على ربك.

ثم لنجعل من الأوقات التي نقضيها على شبكات التواصل الاجتماعي رصيدا لنا عند ربنا، بالدعوة إليه ونشر الخير والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، والتزود من كل علم نافع لنا ولأولادنا، وعلى الشبكة عدد لا يحصر من الدورات العلمية النافعة في كافة فنون العلم، والكثير منها مقدم بطرق مبتكرة وأساليب جذابة، كما يعطي بعضها شهادات تدريب معتمدة.

زر الذهاب إلى الأعلى