إقليمُ كوردستانَ-ما بعدَ الاستفتاء-وتحرُّكات حكومة بغداد
ثمَّةَ قناعةٌ, من أطراف فاعلة في العملية السياسية ببغداد والإقليم, مفادها: أنَّ معظمَ مشاكل الإقليم الداخليَّةِ, سَبَبُهُ “تفرُّدُ رئاسته بالقرار” كعادتها, وأنَّ “الدعوة لإجراء الاستفتاءِ حولَ استقلال الإقليم” مرتبطةٌ, بتلكم النزعةِ, وتفارقُ حقيقةُ مقاصدِها, إقامةَ دولة كوردية, تجلبُ مصالح الكورد, وتلبي طموحاتهم التاريخية.
ولمْ يأتِ تشبُّث رئاسة الإقليم بالسُلطة من فراغ, بل ساعدت عليه أمور موضوعية-أبلغ من الذاتية المتَّصلة برغبة بارزاني- فثمَّةَ مواقفُ نقلت “الحزب الديمقراطي”البارتي”, من الضعفِ, دون إمكانية تفوُّقِهِ على الأحزاب الكوردية قبل 2005, ليكونَ الرقمَ الأصعب في العملية السياسية بأربيل, نتيجة تساهل الحزب الندّ”الاتحاد الوطني الكوردستاني” بقيادة طالباني, عَقِبَ تولِّيه رئاسة العراق, وتساهُلِه لصالح “البارتي”, وزعيمه بارزاني؛ الذي تنتهي ولايته عامَ 2013.
وتمَّ تمديدُ ولاية مسعود بارزاني, بما عُرِفَ “بفضيحة 30 حزيران”, لسنتين, باتفاق “اليكيتي” “والبارتي”, شرطَ أن لا يعقُبَهُ تمديد آخر.
وبعد أن بات وشيكاً اتفاق برلمان كوردستان, على تغيير النظام السياسي إلى برلماني, وتحديد صلاحيات الرئاسة, وإنهاء ولاية بارزاني, 19/8/ 2015, جاءَ “الموقف الأمريكي” عبر مندوبها لكوردستان, لعرقلة إقالة بارزاني, لحاجة الولايات المتحدة والتحالف الدولي لمسعود, في زعامة الإقليم, لقتال داعش؛ أظهرَ جليَّاً اعتمادَ الإقليم على مواقف الدول الكبرى ودعمها وحمايتها ومساعداتها؛ ومبرر التمديد “عدم اكتمال النصاب” في البرلمان لإقالته.
وما دام العام 2017 سيشهد نهاية قصة “داعش”, وإنهاءَه في المنطقة؛ حاولَ بارزاني, ربط مكافأة الولايات المتحدة له, لإسهامه بقتال الإرهاب, بإجراء الاستفتاء, ثم الانفصال؛ وضمان بقائه في الرئاسة, بما تمليه تطورات الأحداث, والحاجة لزعامة كوردية, بغياب الزعامات التقليدية: أوجلان لسجنه, وطالباني لمرضه, ونوشيروان مصطفى لموته؛ وبتسويلٍ إسرائيليٍّ؛ لتحقيق الانفصال والاستقلال.
وجرى الاستفتاء بموعده, على ما لقي من معارضةٍ من أطرافٍ, أبرزها:
أولاً: داخلَ الإقليم, حركة التغيير”كوران”, والجماعة الإسلامية “كومل”, لإدراكهما أنَّه يجري لأغراض شخصية, في وقت غاب فيه دعم القوى الإقليمية والدولية.
ثانياً: بغداد عدَّتْهُ مخالفةً للدستور, ولا سيَّما إصرار الإقليم على إجرائه, حتَّى في المناطق المتنازع عليها؛ فتعامَلت بغداد معه بحرفيَّةٍ دستوريَّةٍ مميَّزةٍ؛ شهدَ لها المتخصِّصون حتَّى من الكورد.
ثالثاً: تركيا وإيران, عدَّا الاستفتاء عاملَ حثٍّ لرعاياهما من الكورد, على الاستقلال؛ وأبديا موقفاً موحَّداً, وتنسيقاً غير مسبوق؛ فتح الحديث أمام رؤيةٍ استراتيجية, تؤكِّدُ أهمية الفواعل الإقليمية, بما يَحُدُّ من أثر القوى الكبيرة الدولية في المنطقة, وفي رسم مستقبلها؛ فالتحالف: الإيراني-التركي-العراقي, بعث الأمل لدى الأطراف الثلاثة, وحتى سوريا, في إمكانية السيطرة على أية مشكلة, تشهدها مناطق كوردستان, وتثبيط همم من همَّ من الكورد بالمطالبة بالاستقلال.
رابعاً: الولايات المتحدة-كونها حليف بغداد, وكوردستان-أبدت رغبتها في الإبقاء على الوضع الراهن, والحدود في المنطقة, وأن لايجري تغييرٌ عليها-إلاَّ بعد اتفاقات وتوافقات, تفوق توقعات الإقليم الفجَّة المتسرِّعة-لكثرة الفواعل وتفاوت أهدافهم الاستراتيجية, والاعتبار بما يجري في سوريا, من متغيرات وتحولات المواقف, وفي العراق وطيّ صفحة الإرهاب, والحرب عليه.
إذن, فقد عمل البارتي لأجل لحظة الاستفتاء, لعلمه أهمية عام 2017:
- أنَّ 2017 عام نهاية حرب داعش, وينتظر البارتي”مكافأة” التحالف الدولي وأمريكا, على مساندة بارزاني له.
- يعني العام 2017 التحسُّب لمعركة رئاسية جديدة, لتجاوز دعوات التحول البرلماني, واجترار سيناريو التمديد.
- لهذا عقد “البارتي” نية إجراء الاستفتاء عام 2017, ليؤكِّدُ ارتباط الاستفتاء بالنقطتين أعلاه, وأنه وسيلة تمسُّك بالرئاسة, وتجاوز ما يَحدُّ من صلاحيَّاتِها.
في حين, تنوَّعت مواقف الأحزاب الكوردية بشأن هذا الإعلان:
- فالاتحاد الوطني”اليكيتي”, الشريك الدائم, “للبارتي” في تقاسم سلطة الإقليم, كانَ معارضاً لإجراء الاستفتاء, حتَّى عشيَّةَ إجرائه؛ ولا سيَّما إجرائه بكركوك, والمناطق المتنازع عليها؛ فكركوك تحت هيمنته, ويخشى فقدانها, لقراءة المواقف المعارضة للاستفتاء؛ وتمكَّن “البارتي” من استمالة نجم الدين كريم محافظ كركوك, لصالحه, واستمالة كوسرت رسول, وآخرين من قيادات “اليكيتي”, ما ألقى بظلاله على أحداث ما بعد الاستفتاء.
- أمّا كوران, وكومل, فقد كانا ضدَّ مساعي “البارتي”, وأنَّهما ضدَّ “الاستغلال”, وليسا ضدَّ “الاستقلال”, زيادةً على إدراكهما المواقف الرافضة للاستفتاء, وما يعرِّض القضية الكوردية ومكاسبهم في الإقليم للخطر.
- أمَّا الاتحاد الإسلامي الكوردستاني”يكرتو”, فقد أيَّد الاستفتاء, ودعم”البارتي” في إجراء الاستفتاء, تلبيةً لتطلعات أعضائه والكورد في الاستقلال, والاكتفاء بمظنة ترتيب الأمور من رئاسة الإقليم حول الاستفتاء مع الدول المعنيَّة.
تلك المواقف من الاستفتاء, ومواقف ما بعد الاستفتاء, جسَّدت أزمة العلاقات بين الأحزاب الكوردية, وما سيلقي بظلاله على مستقبل إقليم كوردستان نفسه؛ فقد حمَّل “البارتي” -في حربه الإعلامية- “اليكيتي”, مسؤولية تسليم كركوك, وعدم مقاومة القوات الاتحادية؛ ويدَّعي “البارتي” من ناحية أخرى, وجود مقاومة من أهالي كركوك, في حين يطمئن “اليكيتي” الناسَ على استقرار الأوضاع, ولا سيما أنَّ كركوك عادت تحت هيمنة الشرطة المحلية, وقائدها من “اليكيتي”وهو أمرٌ يخلي وفاض “البارتي” من إمكانية حتى التواجد الرمزي بكركوك.
أمّا الإجراءات المعدَّة سلفاً: من تركيا, وإيران, والعراق, بعد الاستفتاء, فتجملُ في:
– ضرورة إلغاء أو تجميد نتائج الاستفتاء.
– حدد العراق 72 ساعة لوقف الرحلات الدولية. من كوردستان وإليه.
– طالبَ العبادي بتسليم آبار نفط كركوك, من نجل طالباني, خلال 48 ساعة.
– اتفاق اليكيتي وقاسم سليماني بتسليم الأرض, والانسحاب دون قتال.
– وتوالت شروط بغداد, وبدت ككرة ثلجٍ, استمراراً وتسارُعاً وتعاظماً.
وتمَّ اتفاق”اليكيتي” وبغداد, على تسليم أماكن بكركوك منها: مطار كركوك, ومعسكر كيلو 1, وآبار هافانا, وآبار باي حسن, وآبار الدبس, لكن الاتفاق والانسحاب لم يكونا معلنين, ما سبَّبَ فوضى, وهبوط معنويات البيشمركة, دفعَ إعلام البارتي لشنِّ حملة تشويه, تسببت بنزوح عشرات آلاف المدنيين مع الجيش, وأن جيش يكيتي قوات 70, خان القضية وسلَّمِ المناطق يوم 16/10/2017.
قضى الاتفاق بعد الانسحاب يتم تسليم الأمن بكركوك للشرطة المحلية بقيادة عميد خطاب, من حزب اليكيتي, وتبقى القوات العراقية بمعسكر ك 1 والمطار, وتسليم الآبار.
وأصدرت-مؤخّراً-المحكمة الاتحادية بإجماع تسعة قضاة: قراراً بشأن حرمة وحدة العراق, وعدم جواز انفصال أي جزء منه, وفقاً للدستور؛ ما يدعم إجراءات العبادي, قضائياً إزاء أزمة كوردستان؛ وقد أيَّدت قرار المحكمة الاتحادية الأمم المتَّحدة, ودعت الإقليم لاحترامه, والعمل تحتَ خيمةِ الدستور؛ وألاَّ تخرجَ الحوارات القادمة عن الدستور, ومحاولة جرِّ بغداد إلى إقرار موادِّه, المتَّصلة بتطلُّعات الكورد, عقب إقرارهم باحترام الدستور والاحتكام إليه, وعدم تجاوز النظام الفيدرالي.
وبعدُ؛ فيمكنُ استقراء المواقف, وتحليل الأحداث, وبناء التوقُّعات المتَّصلة بمستقبل إقليم كوردستان, على ما يأتي:
أوَّلاً: أثر صدى الاستفتاء على القضية الكوردية:
بعد أن عُدَّ إقليم كوردستان إنجازاً متقدِّماً يُحسَبُ لصالِحِ القضيَّة الكوردية, وعدَّ أملاً وأنموذجاً يُحتذى, ومركزاً جاذباً للكورد في العالَمِ كُلِّه؛ ألقت مواقف دول العالَمِ غير المؤيِّدة للاستقلال, وموقف الدولُ الإقليمية الحازمةِ في رفضه, وضعف قدرات وإمكانيات الإقليم, في إدارة الأزمة, وضعف الاندماج بين التيارات الكوردستانية, وتواضع كسب التأييد الشعبي المسؤول؛ ألقت كلُّها بظلالها, على مسارات القضية الكوردية, ومستوياتها, الممتدة في أكثر من دولة.
1.ففيما يخصُّ الأقلية الكوردية في إيران, وقد تحمَّست للاستفتاء, وخرجت بتظاهرات مؤيِّدةٍ, جعلتها تستذكرُ أوّل دولةٍ أعلنت في تاريخ الكورد ووُئِدَتْ؛ إلاَّ أنَّهم صُدِموا لانعدام مقاومة الإقليم لإنجاز مشروع استقلاله؛ جعلهم يستحضرون فشل قيام دولتهم, أكثر ممَّا يستحضرون إعلانها, والآمال المعقودة بها؛ ولمسوا إصرار إيران على وحدتها.
2.أمَّا أصداء ما جرى على القضية الكوردية في تركيا, فقد خَبُرتْ مواقف تركيا الحازمة تجاهَ استقلال كوردستان العراق, فما سيكون منها إزاء رعاياها, أشدُّ حزماً؛ ما يجعل خيار قبول الحكم الذاتي, ومبادرات الرعاية على عهد أردوغان, أمراً مقبولاً, وإن لم يرقَ إلى مستوى التطلعات التاريخية.
3.وما يتَّصل بالكورد بسوريَّا, ولا سيَّما عقب تسليحهم من قبل الولايات المتحدة, فقد بدا الأمر مجرَّد استخدامهم, محاربين ضدَّ الإرهاب؛ واحتوائهم والتأثير في مواقفهم, مقابل التسليح والتمويل؛ وقد بدا ذلك واضحاً, من تصريحاتهم بتمسُّكهم بحقوقهم لكن ضمن سوريا الفدرالية الموحَّدة, في ظلِّ رعاية حقوق الأقليات فيها, على أساس المواطنة.
يضاف إلى ذلك خيبة الأمل الكبيرة, التي أصابتْ كورد العالم بالمواقف السلبية- من استقلال إقليم كوردستان-للقوى العالمية الفاعلة, وتحديداً مواقف الولايات المتحدة, التي رعتْ القضيةَ الكوردية, ولا سيما في العراق, بدءاً بحظر الطيران-وإنشاء خط 36-بداية تسعينيات القرن الماضي.
ثانياً: الدور الإقليميّ في توجيه الأزمة, وتحديد مسارات سيرورتها:
ويمكن بحثه من خلال نقطتين:
=تتَّصل أوَّلُها بصدى الاستفتاء في الموقف التركي: وهو مرتبطٌ بعوامل منها:
1.أثر الاستفتاء في كورد تركيا, وتحفيزهم للاستقلال, وهو الاعتبار الأهم, وصرَّح بعضٌ مسؤولي تركيا ومحلليهم؛ لطمأنة كورد العراق, أنهم غيرُ مستهدفين, حالَ إلغاء الاستفتاء, أو تجميده عقب إجرائه.
2.لم يكن تحالف تركيا وإسنادهم مسعود بارزاني, إلاَّ في ظلِّ ما يضمن مصالح تركيا.
3.دعم الأقلية التركمانية, ضِمنَ التزام تركيا بالأقليات التركمانية, في العالَم, وطموحاتها بموضع قدم في الموصل وإن ثقافياً, وضمان انفتاح كركوك لمكوناتها.
4.هذه الطموحات دفعت تركيا للتنسيق المعمق مع: إيران, والعراق.
5.القضية الأخرى المهمة لتركيا: تأمين خط تصدير النفط العراقي عبر أراضيها, بما يحقق تعويضها عن موقفها الداعم لبغداد ضد استفتاء الإقليم ومحاولة انفصاله, وقد لوَّحت بغداد بذلك.
= وتتَّصل ثانيها بموقف إيران من الأزمة:
1.إيران لها ذات المخاوف التركية, من إثارة النعرة الانفصالية لكوردها؛ فلا يمكن السكوت عن إجراء الاستفتاء, ولا عن محاولة الانفصال, وإلاَّ كان سابقةً لا تُحمَدُ عقباها على إيران-وتركيا- ومستقبل وحدتها.
2.لإيران هيمنة واضحة على السليمانية, وقيادات اليكيتي, لا تريد التفريط بها.
3.القضية المركزية الأهمّ, تأمين خطٍ واصلٍ بينها وأذرُعِهَا في الشام, عبر الموصل, لضمان هيمنتها برسم الخط الاستراتيجي الإيراني, والهلال الشيعيّ.
4.وتسعى إيرانُ-كسابقتها تركيا-بالاستئثار باستحداث خطٍ لنقل نفط كركوك, وهو ما يلبّي حاجتها لموارد, تعوِّض ما قد ينضب من نفط إيران, بعد سنوات محدودة؛ ولها من التأثير في احتمال استئثارها بخط نفط كركو ما لها في بغداد, بما يفوق ما لتركيا فيها.
ولعلَّ من أبرز ما يمكن الإشارةُ إليه, في إطار التعاون التركي/الإيراني, وتوافقهما فيما اتَّصل باستفتاء كوردستان, ما يسجِّلُ سابقةً في إطار التأثير الإقليميّ في قضاياه وفي مشاكلِه, بما يفوق التأثير الدوليَّ, وما يجلب الانتباه من سرعة تنسيق المواقف, والخطط المستقبلية, بين إيران وتركيا, وما كان من التعامل مع حكومة المركز ببغدادَ, إزاء أزمة الاستفتاء؛ بما يجعل الدورَ الإقليميَّ أمراً له أثره في سيرورة ما سيطرأُ فيه, وبما يضغطُ تأثير الدور العالميّ في المنطقة؛ ولعلَّ ما يمكن تسجيلُه إزاء هذا الأمر نقاط أبرزها:
- أنَّ التهديدات الموجَّهة لإيران, وإرادة إدارة الولايات المتحدة, من إعادة النظر في البرنامج النووي الإيرانيّ, لها أثرها في تقارب إيران من تركيا, إضافةً إلى تقرُّبها وتحالفها مع روسيا؛ بما أثمر بالتالي توليد ضغوطات أوربية على الإرادة الأمريكية تلك, بتحويلها من إعادة النظر بالاتفاق النووي, إلى الدعوة إلى استحداث ملحقٍ به.
- الأمر الآخر, ما يتَّصل بتركيا, التي تحولَّت من إدارة ظهر أوربا لها واتحادها, إلى أن تدير تركيا ظهرها لأوربا, باستحداث نشاط استراتيجيٍّ, في المنطقة, لا يستبعد إمكانيَّة التقارب مع أيِّ طرفٍ, إقليميٍّ, عقب ما أقامته من علاقات بإيران, وبروسيا فيما يتصل بالمنطقة, وفيما يرسمُ مستقبلها ولا شك.
ثالثاً: استقالة “مسعود بارزاني” عن رئاسة الإقليم, وملابساتها:
1.طلبَ بارزاني, وهو يقدِّم استقالته, أن لا تُعَدَّلَ صلاحياتُ رئاسة الإقليم؛ فهو لم يزل يتطلَّع لفوزه وحزبه في الانتخابات القادمة, لضمان تمتُّعه هو أو من يُرشَّحُ للرئاسة, بكامل الصلاحيات, ما يُسَجَّلُ عليه, أنَّه يأمرُ ويوجِّهُ حتّى وهو يقدِّمُ استقالَته.
2.تعني الاستقالةُ: توزيعَ صلاحيات الرئيس على: رئيس البرلمان, وحكومة نجيرفان بارزاني-وبما أنَّ رئيس البرلمان دكتور يوسف صادق منع من دخول أربيل-يعني انتقال صلاحياته لنائبه من”البارتي”, يعني بقاء سلطة ما بعد الاستقالة بيد البارتي؛ يعكسُ هوسهم بالسلطة, الذي عمَّقَ تحفُّظ الأحزاب الكوردية, التي ينحدر أغلبُ قادتها من السليمانية؛ وقد عانت ما عانته من حربها ضدَّ أربيل, منتصف تسعينيات القرن الماضي, وخلَّفت عشرات آلاف الضحايا, بما يفوق ضحايا صراعاتهم القومية لعقود.
3.يؤكِّدُ ذلك”فرضية الأحزاب الكوردية”, أنَّ مشكلةَ كوردستان مشكلة “رئاسة مسعود” وتفرُّده؛ وأكَّدوا ضرورة “تفكيك مؤسسة الرئاسة, ليكون النظام”برلمانياً”؛ وقناعتهم”أنَّ المجتمع الدولي لا يريد التعامل مع بارزاني”, وبمحاولات داخلية من:نجيرفان, وبعض قيادات البارتي, وصلوا لضرورة استقالته.
رابعاً: الموقف الخارجي ومنه: الموقف الأمريكي, البريطاني, الفرنسيّ:
1.تلقَّت القوى الخارجية, نبأ الاستقالة بالترحيب؛ وأبدت إمكانية تعاملها مع نجريفان, وكأنّها شرط للتعامل مع الإقليم.
2.أن تشترك في إدارة الإقليم: رئاسة الوزراء بقيادة “نجيرفان”, و”الأحزاب الأخرى”.
3.ضرورة رسم خارطة طريق, لتجاوز آثار الاستفتاء, وما أثاره من مشكلات ومواقف.
4.إجراء حوار بنّاء مع بغداد, تحت مظلة الدستور, واعتباره مرجعَ الحوار؛ يعني ضمناً “دعم بقاء الإقليم” كونه ابن الدستور العراقي, ومرعيٌّ منه؛ بعد أن خسر الإقليم لبغداد تواجده في ثلاث محافظات: نينوى, وديالى, وصلاح الدين, وبقي الإقليم في أربع محافظات: أربيل, سليمانية, دهوك, وحلبجة, وبقاء كركوك في وضعها الذي فرضته واقعياً بغداد, بالتوافق مع “اليكيتي”.
5.أن يكون للأحزاب الكوردية دور في قادم الأحداث؛ وتبنِّيها”التحوُّل البرلماني”.
6.إقامة انتخابات برلمانية في الإقليم, بداية فبراير 2018؛ فقد انتهت صلاحية عمل برلمان إقليم كوردستان 6/11/2017.
وبعدُ؛ فممَّا يمكن تسجيلُه, بشأن ضمور التأثير الدوليّ ومنه الدور الأمركيّ, قياساً بالدور الإقليميّ, ولا سيَّما التركيّ/الإيرانيّ, يتمثَّلُ في نقاط أبرزها:
- أنَّ التراجُعَ المسجَّلَ على الدور والتأثير الدولي, ولا سيما الأمريكيّ, جاء لاستشعارِ الولايات المتحدة, أنَّ ما يمكن أن تقوم به تركيا وإيران, لا يعارض-بل ويحقِّقُ-ما تشتهيه أمريكا بشأن الاستفتاءِ, الذي رفضتهُ ابتداءً, لما لمسته من تعنُّت البارزانيّ, الذي لم يعوِّل على الموقف الأمريكي, وبالتالي تركُه-بلا دعمٍ يُسجَّل من الأمريكان- يلقِّنه الدرس الذي ترغب فيه الولايات المتحدة.
- أنَّ الولايات المتَّحدة-وقد تبنَّت دعم قوات سوريا الديمقراطيةَ, بقياداتها الكوردية-لا تريد القيامَ بعملٍ مباشرٍ-يتجاوز توجيهاتها لحكومة بغداد الحليفة-بما يُفَسَّرُ تخلِّياً عن دعمها القضيَّةَ الكورديَّةَ, الذي سهَّلَ لها استعادَةَ مكانتها الاستراتيجية, المؤثرة في مستقبل سوريا, عقب تصاعُدِ الدور الروسيّ فيها.
- الأمر الآخر, أنَّ الدول خارج المنطقة, لا تريد أن تصطدم بغايات الدول الإقليمية الاستراتيجية, ولاسيّما التي تؤثِّر بشكلٍ مباشر في نسيجها الاجتماعيّ, وفي مستقبل وحدتها, وقد تنامت قدراتها في توجيه مستقبله, ولا سيما إزاء قضيَّةٍ, يرعاها دستورٌ, هي من أشرفت على كتابته.
- والأمر الآخر الذي يبرِّرُ انحسار التأثير الأمريكي, وبقائه موجِّهاً لبغداد وللإقليم من بعيد؛ ما كان من انهماكها بترتيب بناء علاقات عربية, مع إسرائيل, التي تخلَّت هي الأخرى عن دعم مشروع الاستفتاء, وتنصَّلت عن موقفها السابق إزاءَه.
خامساً: مستقبل كركوك:
1.ما يتصل بترتيبات مجلس المحافظة:
أ.رئيس المجلس الحالي عربيٌّ, غير متحمس للتغيير, حسب مراقبين, يعقبُهُ تركمانيّ.
ب.يسعى اليكيتي لتنصيب محافظ منه, وإلاَّ فقد يعينُهُ العباديُّ, من اليكيتي؛ لهذا يسعى اليكيتي والتركمان, لعقد اجتماع مجلس كركوك, وانتخاب المحافظ, ورئيس مجلس المحافظة, دون إبطاء.
2.ما يتصل بالوضع الأمني, والعسكري:
أ.استهداف القوات الاتحادية, والحشد الشعبي, من أفراد مدفوعين من”البارتي”, الذي يسعى لتعقيد الأمر, فقد أفلس من مستقبل كركوك.
ب.القوات الاتحادية بصدد الانتشار خارج كركوك, وترك أمنها للشرطة المحلية, وعناصر”جهاز مكافحة الإرهاب”بتكليف العبادي.
ت.وثمَّةَ محاولةٌ لإفراغ كركوك من الأسلحة, ومصادرة الأسلحة حتَّى التي رخَّصها آسايش”أمن”كركوك قَبْلاً بإقامة سيطرات تفتيش, تقوم بها قواتٌ اتّحادية؛ “وقد” تتطوَّر إلى عملياتِ تفتيشٍ منظّم, للمساكن والمباني, لا سيَّما عقب استهداف القوات الاتحادية, برصاصٍ غير معروف المصدر, للحدِّ من تطوِّرها إلى حرب عصابات, تسمح لأطراف فقدت فاعليَّتها بدخول معادلة مستقبل كركوك.
ث.سادَ أهلَ كركوك شعورٌ بالطمأنينة, للحدّ من عمليات الاختطاف, التي تعرَّضت لها المكوّنات, لاسيما غير الكوردية؛ ترجعُ لوجود عصابات مأجورة, تُسَخَّر لتحقيق مكاسب سياسيَّة؛ يرجَّحُ ارتباطها بقيادات أمنية تابعة لقوات الآسايش بكركوك.
ج.بقي تواجد القوات الاتحادية محصوراً في: مطار كركوك, ومعسكر”k1“.
3.مايتّصل بالنفط:سُلِّمت الآبار لبغداد, لإدارتها.
سادساً: الموقف بين بغداد والإقليم, وتطوُّره, ومظاهر تأجيجه, ومستقبله:
1.لاحتواء الأزمة, لا بدَّ من منع القيادات العسكرية, من التصريحات المؤججة للصراع, كتصريحات”هادي العامري, وباقر صولاغ” لاسيما عقبَ إعلان البيشمركة استعدادها للتفاوض الشامل لكلِّ المواضيع العالقة.
2.لا تتمادى بغداد برفع سقف مطالبها, والذهاب بعيداً, لحدود 2003؛ فقد يولِّدُ ممانعةً ومقاومةً من الكورد؛ تتحوُّل بهم-“من نفسية المنهزم”, وفق تعبيرهم هم, بقبول إرادة بغداد بوصفها”المنتصر” تحتَ مظلة الدستور-إلى اتخاذ”موقف قوميّ” كورديّ, وشعور المظلومية والاستهداف القومي, وتهميش مشاركتهم في بغداد, أو إلغاء اعتبار”إقليم كوردستان” أمراً واقعاً, أنشأه دستور العراق.
3.ساعتها تجد القوى السياسية الكوردية نفسها بين كمّاشتَي: النَفَسِ الطائفي والقوميّ ببغداد, وعنجهية القائمين على شأن الإقليم, وعدم تحمُّلهم مسؤوليتهم التاريخية.
4.محاولة بغداد ضغط ميزانية الإقليم 2018, إلى 12.67% بدلاً عن 17%, أقرَّها مجلس الوزراء, لرفعه لمصادقة البرلمان عليه؛ سمِّيت ميزانية”محافظات شمال العراق”؛ دفع نجيرفان, لطلب إجراء حوار سريع مع بغداد, قبل مصادقة البرلمان؛ يتيح لبغداد الدفع بالحوار, وجني الثمار, قبل تفويت فرصة فرض إرادتها الدستورية.
5.ثمَّة نَفَس خارجي “يؤكِّد اعتبار إقليم كوردستان إقليماً واحداً”, أعطى دفعةً للكورد, وفسحةَ أمل, في عدم نكوصهم”لمحافظات شمال العراق”؛ وقد يعرقل انسيابية الحوار مع بغداد, للحدِّ من التنازلات لها.
6.ثمة تصريحات ومواقف ومقالات أصدرها مسؤولون: كهادي العامري, وباقر صولاغ, تؤكِّد أن لا تعامل مع الإقليم, ما لم ينفِّذ شروطَ: إلغاء الاستفتاء, وتسليم المعابر والمطارات, والخروج من كركوك والمناطق المتنازع عليها, والعودة إلى 2003, وتسليم عائدات النفط؛ ثمَّ يأتي التفاوض مع الإقليم.
7.ومقابل الموقف المتشدّد, الذي لا يمكن تصوُّرُه خارج الإرادة الإيرانية؛ تأتي مظاهر التساهل والتفاهم مع السليمانية “واليكيتي, بفتح المعابر الحدودية: باشماخ, وبرويس خان, دون معبر حاجي عمران, الواقع تحت سيطرة البارتي, يؤكِّدُ مضيَّ اليكيتي بعيداً مع إيران ليضمن: ترشيد قرارات بغداد: إزاء الإقليم, واليكيتي تحديداً, بوصف بغداد والسليمانية منطقتي نفوذ إيراني”بامتياز”.
سابعاً: الأحزاب السياسية, تحديداً التغيير”كوران”, والجماعة الإسلامية”كومل”:
1.قُبَيل استقالة بارزاني, حاولَ”كوران” “وكومل” اقتراح تشكيل حكومة إنقاذ وطني, عَدَلَا عنها لتغيُّرِ الموقف الدوليِّ, الداعم لحكومة نجيرفان, والأحزاب الأخرى, كحكومة تصريف أعمال, لحين إجراء الانتخابات.
2.تؤمن الأحزاب الكوردستانية, أنَّ حلَّ المشكلة القائمة, يكمن في “إضعاف البارتي, وقيادته ممثلةً ببارزاني”, وأن لا يتمَّ دعمه في التفاوض مع بغداد؛ فالفرصةُ مواتيةٌ للتخلُّص من سطوتهما, في ظلِّ الموقف الدوليّ.
3.وبلغَ التوجُّسُ من هيمنة البارتي, حتَّى عقبِ إنهاء ولايةِ البارزانيّ, أنْ أظهرت شخصيات سياسية رغبتها, في استقدام ما يشبه”الوصاية الدولية” تضمن: تخفيف سطوة بغداد إزاء الإقليم, والحدّ من سطوة البارتي معاً.
- باتت قيادات “كوران, وكومل” مستهدَفةً بأربيل بارزاني, الذي يتهمهما بخيانة القضية الكوردية, لرفضهما الاستفتاء, والتشكيك بنتائجه, واستُهدفَ علي باربير أمير الجماعة الإسلامية, ومنعت قيادات”كوران” من دخول أربيل, والمشاركة في اجتماعات البرلمان.
ثامناً: نشاط “اليكيتي” المرتقب:
1.دعا اليكيتي في 4-5/11, لتفكيك المكتب السياسي, وتصفية القيادة والمكتب السياسي من شخصيات والت مسعود بارزاني.
2.سيتمُّ الإعلان عن الأسماء العشرة, التي ستتولّى قيادة اليكيتي, بقيادة كوسرت رسول, وفق النظام الداخلي, الذي يقرر أن يدار المكتب السياسي بقيادة نائب رئيس المكتب, ويمتدُّ عمل القيادة الانتقالية, حتى فبراير 2018, بإجراء انتخابات, تسمِّي أعضاء المكتب السياسي, وقيادات اليكيتي.
3.ترتيب الأمور بمساندة معنوية إيرانية, وتأكيد هيمنة أسرة طالباني في اليكيتي. 4.دعا”اليكيتي”: كوران, وكومل, والاتحاد الإسلامي, لإنشاء كتلة موحدة, تتبنّى:
أ.حلِّ أزمة كوردستان.
ب.عزل “البارتي ولا سيما بقيادة بارزاني” من التصدّي لحلِّ الأزمة؟
ت.تحجيم دور”البارتي” المستقبلي, ليعود لحجمه الطبيعيّ, والحؤول دون تأثيره غير المشروع في الانتخابات القادمة-وفق ما تتداوله الأحزاب المناوئة للبارتي- وتسخير مقدِّرات الإقليم لصالحه فيها.
ث.تضييق هيمنة البارتي على: النفط, والإعلام, والمنافذ الحدودية, والمطار, ما يؤكد وجود اتفاق بين: بغداد, والسليمانية, بقيادة اليكيتي وبمباركة القوى السياسية: كوران, وكومل, وحتى الاتحاد الإسلامي, وإن كانت مواقف الأخير تصبُّ في صالح بارزاني إبّان الاستفتاء؛ في محاولةٍ من الاتِّحاد الإسلامي صورةَ غيابه عن النضال المسلَّح ضدَّ نظام صدَّام- وفق رؤية الأحزاب المنافسة له-بصورةٍ يؤكِّدُ انحيازه التامَّ للقضيَّة الكوردية إذا هو دعمَ البارزاني في الاستفتاء.
تاسعاً: مستقبل تنظيم “البارتي” وتنافس قياداته:
بعد أن قرَّر المجتمع الدولي عدم التعامل مع بارزاني- وفق معلومات سرية مؤكدة حصلت عليها الأحزاب- وترحيبه باستقالة مسعود بارزاني, يمكن تسجيل ما يأتي:
1.وجود أكثر من قوَّة مسلحة, تابعة لقيادات “البارتي” المتعدِّدة؛ يُرجِّحُ حدوثَ صراع سياسي بين القيادت, لترجيح قيادة دون أخرى, بمؤهِلَين اثنين:
أ.حجم القوة المؤيدة له, وإمكانياته المالية.
ب.موقفها من مستقبل الإقليم, من حيثُ: موافقة الرغبة الدولية في تحديد مآلات الأمور في الإقليم, من جهة, ومدى التأييد لهذه القيادة من لدنِّ الأحزاب الكوردستانية الأخرى, بما يدعم مشاركتها في اتخاذ القرار, من غير تزوير, أو شعور من القيادات الجديدة, بأنها ورثت رئاسةَ الإقليم استحقاقاً.
2.ومن ناحية أخرى: فإنَّ قيادة نجيرفان البارزاني, مقبولة دولياً, وفق الموقف الأمريكي والفرنسي, ومحلياً على مستوى الإقليم, لكون نجيرفان, شخصيةً ترتبط في نسبها بالسليمانية, وله مواقف وطنية معتدلة كوردستانياً, وقبوله من الأحزاب الكوردية: لكون أغلب قياداتها, وكثير من مؤيديها هم من السليمانية, وحلبجة.
عاشراً: مستقبل الإقليم وشكله:
خسر الإقليم 16 قضاء و44 ناحية, خسر الإقليم بحدود 51% من مساحة الإقليم خلال يومين أو ثلاثة من الأزمة؛ وقد راجت بشأن مستقبل الإقليم السيناريوهات المحتملة الآتية:
1.تقسيم الإقليم إلى إقليمين: بين السليمانية وأربيل, وهو مشروع إيراني يتبناه المالكيُّ في بغدادَ؛ يضمن لإيران نفوذها في السليمانية, وكذلك امتدادهُ في كركوك, ليعطي هذا الأمر صورةً تعكسُ حقيقةَ دوافع تركيا في موقفها من الاستفتاء, كونه محاولةً لإبعادِ شبح العمل الكوردي المسلَّح فيها, والمساس بوحدة أراضيها, وبنسيج شعبها؛ ويعكسُ رغبةَ إيران بتثبيت ركائز تاثيرها في العراق, وفي الإقليم, وفي كركوك, ودعم الاقتصاد الإيرانيِّ الذي أنهكه التسليحُ, ودعم تصدير الثورة, وشبح نضوب النفط؛ ما يفسِّرُ تلويح “البارتي” وتصريحات أربيل, لاستثارة تركيا, وإضعاف تحالفها مع إيران وبغداد, ضدَّ اربيل, حليفة تركيا التقليديّة.
- تقسيم الإقليم إلى محافظات: ويتبناه العباديُّ, بما يُعتَقَدُ أنَّه يلبِّي رؤيةَ الولايات المتحدة, وتصوُّرَها لعراق ما بعد “تنظيم الدولة الإسلامية”, في إطار صورة الشرق الأوسط, عقب تقسيمه إلى دويلاتٍ عديدةٍ, تحمل وراء حدودها الجددة بوادر صراعٍ, له بداية بلا نهاية, بما يحقِّقُ أمن حليفتها إسرائيل, من جهة؛ وباعتبار ما قام به الإقليم نكثاً للالتزام بالدستور, وبالتالي يبيح لبغداد العودة إلى وضع ما قبل 2003؛ إلاَّ أنَّ المؤشرات تشير إلى أنَّ الولايات المتحدة ستعدِلُ عن ذلك, إلى دعم بقاء الإقليم, وإعادة ربط أربيل بها بإعادة ما تقدِّمه لها من دعمٍ؛ زيادةً على ما يمكن أن تنسجه من علاقات مع اليكيتي, وتثبيت موطئ قدم في الأراضي التي يشرف على أوضاعها الأمنية, بما قد يصل إلى بناء معسكرات, أو قاعدةٍ جويَّةٍ, تُحدِّ من توغُّل إيران في العراق, ومن هيمنته على قرار اليكيتي مواقفه وإدارته.
- بقاء الإقليم: يبدو راجحاً تحقُّقُه-وفق ما يُتَوَقَّعُ- ولكن؛ بقيادةٍ جديدة, تلتزم بالدستور؛ لأنَّ سيناريوهات تقسيم الإقليمِ, أو حتَّى إلغائِه, ما كانَ ليبرِّرَهُ غيرُ أمرين:
أ. قياداتُه التقليديَّةِ, ممثَّلةً بالرئيس مسعود بارزاني, الذي حمَّلتْهُ الأطرافُ الفاعلةُ-الكورديَّةُ السياسيَّةُ, قبل الأطراف السياسية في بغدادَ-مسؤوليَّةَ إرادة تجاوُزِ الدستورِ.
ب. إجراءُ الاستفتاءِ, والتمسُّكِ بنتائجهِ, وعدِّهَا سابقةً قانونيَّةً, يُعتَدُّ بها من الكورد مستقبلاً, أمام بغداد والتفاوض معها بشأن مستقبل الإقليم.
وثمَّةَ محاولاتٍ يتبنَّاها بعض الفاعلين الرئيسيّين في الاتحاد الأوربي, وكذا الولايات المتحدة, في الضغط على نيجيرفان بارزاني-بوصفه صاحب الصلاحيات الأوفر عقب تنحي مسعود بارزاني- ليعلن نيجيرفان رسميَّاً التزامه بقرار المحكمة الاتحادية, التي عدَّت الإستفتاءَ أمراً لا شرعيَّةَ دستوريةَ له, وألغت نتائجَه, بدلَ ‘لانه احترامَه وحسبْ, والفرق بيِّنٌ ولا شكَّ.[1]
ويترتَّبُ عليه-حالَ تحقُّقهِ-ضبط الإقليم من حاله الذي يجنح قبل الاستفتاء لمزيد من الاستقلال, في العلاقات الخارجية, والتسليح, وانحسار تواجد المركز, لحالٍ: يجعل الإقليم منضبطاً بالصلاحيات الدستورية, في كلِّ المجالات, ويفقده تطلُّعه لضمِّ كركوك, وفرض أمرٍ واقعٍ, إبَّان قتال “تنظيم الدولة الإسلامية”, لينحسرَ الخلاف على المناطق المتنازع عليها, جرَّاء أزمة الاستفتاء, وما كشفته للإقليم وللمركز عن مواقف, لا تقبل الاختلاف والتنازع, الذي قد يجرُّ العراق بإقليمه لصراعٍ لا يجدي نفعاً ذا أثر؛ والضمن لذلك بزوغ قيادة في الإقليم جديدة, تحفظ بقاءَهُ, دون إلغاءٍ أو تقسيم؛ تفرزها التحالفات المضادَّة لاتجاه مسعود بارزاني, يؤكدها تقارب: الجماعة الإسلامية, وجماعة التغيير, والاتحاد من أجل العدالة والديمقراطية.[2]
وممَّا سجَّلُ كذلكَ, تلكُّؤ بغداد في المضيِّ بعقد حوارات جادَّةٍ مع الإقليم؛ يحقِّق لبغداد إمكانيَّةَ جني ثمارِ إقرار الجميع بأنَّ الاستفتاء خروجٌ على الدستور, ومحاولة تمرير مشروع موازنة العام 2018, بما يتجاوز النسبة المعهودة للإقليم إلى ما دون 17% ,لكنَّ الفتور عن المفاوضات يزيد الفراغ؛ ويسمح بدخول متغيِّراتٍ جديدةٍ, في إطار البحث عن بدائل, قد تعكِّرُ لبغدادَ, صفوَ أجواء التفاوض والحلول, مع الحتالف الكوردي الجديد؛ في وقتٍ قد تزايدَ ضغطُ المشكلات الاقتصادية على شعب كوردستان, وهذا ما يفسِّرُ وجود اتفاق مبدئي بين بغداد والتحالف السياسي الكوردي الثلاثي, حول حلِّ المشاكل المالية بخطًى حثيثةٍ, تخفف معاناة الشعب الكوردي, وتفقد القيادات التقليدية للإقليم عرى التفرُّدِ بسلطة الإقليم.
وسيكون للانتخابات القادمة, والاصطفافات لأجلها من القوى السياسية, أثرٌ بالغٌ وحاسمٌ في مستقبل الإقليم, لكن؛ باتجاه بقائِهِ كياناً دستورياً معتبراً, وإن جرت فيه انقسامات, فما نرجحه أنَّها ستكون في خارطة القوى السياسية, والعملية السياسية في بغدادَ وأربيل, لا في خارطة الإقليم نفسه.
[1] وثمَّة تفصيل سيأتي بمشيئة الله في التقرير القادم المتّصل بهذا الشأن.
[2] وفيه تفصيله في ورقتنا القادمة إن شاء الله, المتصلة بالتكتلاات الانتخابية في الإقليم وبغداد.