ملفـاتوباء كورونا

أنهلك وفينا الصالحون؟ قال نعم إذا كثر الخبث

أنهلك وفينا الصالحون؟ قال نعم إذا كثر الخبث

من الإشارات القرآنية التي لها تعلق بنسق العلاقة بين الإنسان ونمط حياته بعيداً عن منهج الاستقامة وما يمكن أن يؤول إليه تماديه في بعده عن الله تعالى التخويفُ بالآيات، وقد جاء في كتاب الله تعالى في موضعين، جاء الأول تصريحاً في قوله تعالى: (وما نرسل بالآيات إلا تخويفاً)[الإسراء: آية 59]، والثاني إشارةً في قوله تعالى: (ومن آياته يريكم البرق خوفاً وطمعاً)[الروم: آية 24]، والآية في سياق التخويف من معانيها مما له صلة بموضوعنا ما ذكره بعض المفسرين: أنها الموت الذريع كما قاله الحسن، وآيات الانتقام تخويفاً من المعاصي[1]، وهما متداخلان معنى ومغزى، والعبرة التي نلمسها في حديثنا عن ظاهرة الكورونا وأثرها البالغ والخطير على الحياة الإنسانية، أنها يقيناً في دائرة الآيات التي قصد بها تخويف الخلق من التمادي في الباطل ومن الاستمرار في المعاصي.

ولا يعني هذا أننا نجعل الناس كلهم مسلمهم وكافرهم في سياق واحد من حيث الحكم عليهم هلاكاً وإهلاكاً إلا من جهة غلبة الخَبَث، كما قالت زينب مستفسرة بقولها: “أنهلك وفينا الصالحون يا رسول الله؟!”، قال: “نعم، إذا كثر الخبث”، وهنا جزاء الخبث لا يستثني صالحاً من طالح، وهو المعنى الذي أشار إليه القرآن منذراً ومحذراً في قوله تعالى: (واتقوا فتنة لا تصيبن الذين ظلموا منكم خاصة واعلموا أن الله شديد العقاب)[الأنفال: آية 25]، فإن تذييل الآية بشدة العقاب جاء مقترناً بالفتنة التي من معناها الذنوب والمعاصي التي تستوجب العذاب والعقاب، نقول إننا لا ننظر إلى الناس في سياق واحد من حيث حكمهم، بل نقول إن هذه الآيات وما ينزله الله في خلقه من أمراض وأوبئة ومصائب إن تدور ما بين عقاب للعاصي وابتلاء للمطيع، ولا يخلو النظر عند الأخير من نقص وقصور على الوجه الذي ذكرناه في عموم العذاب من آثار الفتنة وغلبة الخبث في المجتمع الإنساني، وقد قال عليه الصلاة والسلام: “لم تظهر الفاحشة في قوم قط، حتى يعلنوا بها، إلا فشا فيهم الطاعون والأوجاع التي لم تكن في أسلافهم الذين مضوا”.

إن من الأبعاد التي تثيرها ظاهرة الكورونا أن يكون الإنسان على ذُكرٍ في النظر إلى مسوغات وأسباب وعوامل هذه الظاهرة وأمثالها، فالله عز وجل يمهل العبد إذا عصاه علَّه يراجع نفسه ويحاسبها ويهذبها مما جنته يداه، فإذا أصابه شيء من العذاب والعقاب، فقد يكون بسبب استدامته المعاصي والمجاهرة فيها، وقد أحسن من علم عادة الله تعالى في التعامل مع الذين تردَّوا في الرذائل حتى فسدت فطرهم وأخلاقهم، وقد أشار الراغب في ذريعته إلى أن ترك الفضائل والإحسان والعدالة والتمادي في الرذائل مفضٍ إلى العذاب الأليم، فاللهم عفوك وعافيتك في الدنيا والآخرة[2].

 

[1] ابن الجوزي، زاد المسير، بيروت، المكتب الإسلامي، ط3، 1403هـ/1983م، ج5ص52.

[2]  الراغب الأصفهاني، الذريعة إلى مكارم الشريعة، القاهرة، دار السلام، ط1، 1428هـ/2007م، ص127.

زر الذهاب إلى الأعلى