مستشفى ابن الخطيب: شواهد تؤكد الفشل السياسي
كنا في مقالات سابقة قد عالجنا موضوع ظاهرة الفشل السياسي في المنطقة العربية، واتخذت هذه المعالجة مسالكها لبحث هذه الظاهرة والتنبيه عليها في إطار مؤشرات عامة وفقاً للواقع الذي تعيشه نماذج هذه الظاهرة، وقد وقع الاختيار من الكاتب على نموذجين وهما لبنان والعراق، والمؤشرات بمختلف صورها تؤكد على أن هذين البلدين يعانيان من أزمة كبيرة في منظومتيهما السياسية وانعكاسات هذه الأزمة في البنى العامة لهما، والواقع بامتداده الزمني يؤكد على أن هذه الأزمة استحالت فشلاً سياسياً كبيرة على مختلف الأصعدة.
وما زال النموذج العراقي يقدم لنا دلائل وبراهين واضحة المعالم على فشله السياسي، والجديد فيه حادثة مستشفى ابن الخطيب في بغداد/الرصافة، هذه الحادثة من حيث مجرياتها تمثل كارثة إنسانية بكل ما تعنيها الكلمة من معنى، وفي سياق تفاصيلها كما ذكرت ذلك وسائل الإعلام المرئي والمقروء فإن الحادثة وقعت مساء السبت الرابع والعشرين من نيسان الجاري في مستشفى ابن الخطيب الواقع في جنوب شرق بغداد عند منطقة التقاء نهر ديالى بنهر دجلة، والمستشفى من حيث أصله أنشئ عام 1962م وكان تابعاً للقوات المسلحة وكان مخصصاً لمرضى الأمراض الانتقالية ثم انتقلت إدارته إلى وزارة الصحة وخصص في الآونة الأخيرة للمرضى المصابين بفايروس كورونا، وقد اندلع حريق في المستشفى نتيجة انفجار إحدى إسطوانات الأكسجين في الطابق المخصص للإنعاش الرئوي مما أدى إلى وفاة 82 شخصاً وإصابة 110 آخرين.
وبعيداً عن تفاصيل هذه الكارثة الإنسانية الجديدة في العراق، فإن الحادث يؤكد حجم الانهيار الذي يعيشه القطاع الصحي في العراق، وقد عانى العراقيون بشكل كبير من ضعف الخدمات الصحية في بلدهم خاصة مع انتشار فايروس كورونا في البلاد، وكانت معاناتهم في العلاج منه تكمن في أن المستشفيات لم تكن آمنة عند التعاطي معه في معالجته مما دفعهم إلى العلاج بعيداً عنها، وأقرب الدلائل التي تتعلق بالحادث المعني أن مستشفى ابن الخطيب لم يكن فيه نظام حماية من الحريق فضلاً عن أن المبنى بناؤه وتسقيفه يساعد على انتشار الحرائق.
ليس هناك تجنٍ في توصيف المنظومة الصحية في العراق بأنها منهارة؛ لأن ذلك التقرير لم يأت من خارجها، بل قد أتى من داخلها، فالحادث يأتي في ظل استمرار التدهور في الواقع الصحي والتراجع المستمر في الخدمات الصحية في المؤسسات المتخصصة، وقد كشفت التقارير المالية في عام 2017م أن هناك ضعفاً في البنى التحتية لهذه المؤسسات، فهي تعاني من التلوث وغياب الرقابة والصيانة المستمرة وعدم النظافة، وتعاني أيضاً من نقص في المعدات والأجهزة اللازمة، وللتنبيه فإن النظام الصحي ومؤسساته في العراق مما هو قائم إنما هو من تركة النظام السابق، وهذا يثبت يقيناً أن الحكومات المتعاقبة منذ عام 2003م حتى هذه اللحظة لم تستطع أن تقدم دليلاً وبرهاناً على صدق الوعود التي قدموها للعراقيين، ويشهد لذلك أيضاً بيانات وزارة الصحة العراقية الرسمية نفسها، فهذا وزير الصحة العراقي السابق الدكتور علاء الدين العلوان في حكومة عبد المهدي أشار في تقريره الرسمي في أيار 2019م إلى معاناة النظام الصحي في العراق من شحة التمويل وتدني الأولوية الممنوحة للصحة في الموازنة الحكومية، وقد انعكس هذا على بنية المؤسسات الصحية من حيث عددها وكفاءتها ونجاعة البرامج الصحية والنقص الحاصل في المعدات والأدوية، وقد ازداد الأمر سوءاً مع انتشار الوباء الجديد.
انعكاسات هذه الحادثة في المشهد العراقي لا شك له أثره من الوجهة السياسية، فالعراقيون مجمعون على أن ما جرى مرجعه فساد المنظومة السياسية والفشل الذريع الذي أحدثته المحاصصة السياسية التي شرعنها الاحتلال منذ عام 2003م حتى أضحى العراق بها عبارة عن أهداف ومصالح يتصارع عليها الساسة وأحزابهم ولا يستثنى من ذلك أحد من المكونات السياسية، وانتفاضة الشباب في العام الماضي لم تكن إلا من أجل إسقاط هذه المنظومة والوصول إلى بناء نظام سياسي يأخذ على عاتقه مصالح الشعب وحقوقه في الأمن والعيش الهنيء، ولن يكون ذلك حتى يحقق الشعب أمانيه المسلوبة بإخراج العراق من منظومة الاستتباع التي رهن نفسه بها على يد ساسته، ويوم يكون العراق حراً عند ذلك يسعه بناء نموذجه ومثاله الذي يستوعب شعبه ومكوناته كلها على قاعدة من التعاون والتعايش المشترك وتغليب المصلحة الوطنية على المصالح الحزبية والطائفية.