مشاريعورقة سياسات

الأزمة اليمنية: نحو ثقافة الحل والمرجعية الجامعة

 

وورقتنا السياسية هذه -مساهمة من مركز رؤيا للبحوث والدراسات في تأصيل ثقافة الحل في الأمة- تحاول رسم خارطة للإشكاليات المستحكمة بالبنية اليمنية، والوقوف عند مداخل الحلول والمخارج بنوعيها الحقيقي والوهمي؛ لتكون عندنا رؤية واضحة المعالم لهذه الأزمة من حيث إشكالياتها ومخارجها الحقيقية تمييزاً لها عن غيرها توقف صناع القرار اليمني والمؤثرين فيه على مسارات الخروج من هذه الأزمة.

اليمن ومسارات التأزيم:

    لم تكن الأزمة الراهنة لليمن وليدة اللحظة، وإنما هي أزمة شهدت تجذراً منذ بدايات تكوين البنية السياسية، ولا يسعنا بيان تاريخية الأزمة وتغلغلها في هذه البنية؛ وإنما مقصودنا أن ننبه على أن مظاهرها لم تكن محض مصادفة سيئة في سيرة النظام السياسي اليمني وبيئته الحاضنة، بل جاءت معبرة عن مسار ساهمت في رسمه سياسات نظام استدرج اليمن إلى مضايق كلها تصب في دائرتي الاستبداد والفساد؛ بحثاً عن مصالح ذاتية أو خدمة للغير بالوكالة، على حساب حقوق المجتمع اليمني وأهدافه في التنمية الشاملة، ومن هنا فإن ما شهده اليمن في الآونة الأخيرة من انهيار في البنية السياسية وغياب للشرعية عن بيئتها الجغرافية، وسيطرة لمليشيات الحوثي الطائفية، وتدخل إقليمي متحكم في اليمن قراراً وتوجيهاً يعد بلا ريب حصاد سياسات شوهاء قام بها نظامه السياسي طوال عقود لم يجن اليمن وشعبه بسببها إلا الحرب والدمار والفقر والحصار والتفرق والتشتت وتحكم الإقليم فيه … إلخ.

وبالانتقال من العام إلى الخاص في قراءة إشكاليات هذا المشهد، وما آلت إليه مساراتها، وكجزء من ردود الأفعال على كثير من السياسات الشوهاء فيه، نرى أن هناك ثورة حدثت عام 2011، كان من ثمارها إسقاط علي عبدالله صالح، وفق مبادرة خليجية، تعد بحد ذاتها انقلاباً على الثورة الشبابية؛ لأنها أعطت مجالاً لصانعي الاستبداد في لعب أدوار سياسية في المشهد اليمني يصب في صالحهم، وقد تجسد ذلك فيما يسمى بالانقلاب على الثورة، أو الثورة المضادة عام 2014، بعد التحالف بين صالح والحوثيين أسقط الرئيس هادي وتم وضعه تحت الإقامة الجبرية مع حكومته، ولكن تمت إعادته على يد دول الخليج، وإزاء هذه المعطيات الفارقة في المشهد تظهر عليه معالم الاضطراب والفوضى وعدم الاستقرار مع قرار سياسي فاقد لبوصلته، بسبب انقسام البنية السياسية لهذا المشهد، مع تدخل إقليمي في مساراته.

الحركة الحوثية: التكون والتمكن:

بعد نجاح ثورة الخميني 1979م سافر حسين الحوثي إلى طهران في عدة سفرات، ثم سافر والده بدر الدين الحوثي يستنجدون بإيران ويطلبون منهم الدعم بغرض دعوى الحفاظ على المذهب الزيدي من ذوبانه وانكماشه وسط المذهب الشافعي والمدرسة الوهابية، وتوصلوا في النهاية إلى إيجاد قاعدة مشتركة تقارب بين الاثني عشرية والزيدية، وتتفق مع ولاية الفقيه؛ فخرج هذا الاتفاق وتبلور في عقائد فرقة الجارودية، مع تأكيده على أهمية التفريق بين المذهبين وإبطال دعوى التماثل.

ورفعوا شعارات تتوافق مع شعارات إيران مثل: “الموت لأمريكا الموت لإسرائيل اللعنة على اليهود النصر للإسلام”؛ لاستجلاب الدعم واستدعاء الصراع في المنطقة بدعوى الحفاظ على المذهب الزيدي، ومحاولة منهم لجر أطراف الصراع الدولي إلى اليمن لمواجهة “الوهابية” كما صرح بذلك يحيى الحوثي لمجموعة العلاقات الدولية عن أن سبب قيام الزيدية بعد اندثارها هو: الحفاظ على ضياع الهوية، وقال: “عملنا الأساس هو مكافحة الوهابية”.

بدأ تشكيل أول خلية أو نواة للحوثيين في صعدة عام 1982باسم “تنظيم الشباب المؤمن”، وفي تلك المرحلة ظهرت مدرسة أخرى للسلفيين في دماج، وتوسعت أكثر بعد عودة الشيخ مقبل الوادعي بصورة نهائية إلى اليمن نهاية الثمانينيات.

وما بين حرب الخليج الأولى والثانية، أصبح التنافس واضحاً واشتدت ضراوته بين إيران والسعودية، وكان هو المحرك الأساس للحروب الإقليمية، وكان لهما دور بارز في تأجيج الصراع المذهبي والطائفي في الإقليم.. أما في اليمن فقد ظهر فصيلان: الأول حوثي بدعم إيراني، والثاني سلفي مدعوم من السعودية. وكان لعلي عبدالله صالح يد كبيرة في ظهور الفصيليين، وكان الدعم يأتي من إيران والسعودية بواسطته، ولكنه حاول توظيف ذلك سياسياً ضد شركاء العملية السياسية خلال تلك الفترة.

بعد أحداث سبتمبر 2001م بدأوا بالتمرد على الرئيس السابق سياسياً، وبدأت تظهر من قِبل قياداتهم المخترقة للجنة الدائمة للمؤتمر الشعبي العام بعض التصريحات المعادية للنظام الجمهوري، أمثال يحيى المتوكل، فشعر صالح بقلق بالغ من تنظيمهم، ولكنه كان يعلم أنه قادر على تصفيتهم في أي لحظة؛ فبدأت المواجهة العسكرية عام 2004 وسميت بالحرب الأولى، وكانت نتيجتها في نفس العام هزيمتهم وقتل قائدهم والأب الروحي لتنظيمهم حسين بدر الدين الحوثي، وتطهرت صعدة بالكامل،  وأُلقي القبض على من تبقى منهم أو اشتبه بالانتماء لهم في سجون الدولة؛ فتدخلت كثير من الوساطات للإفراج عنهم، كان من أبرزها وساطة بريطانيا وإيران وقطر.

وفي عام 2006م وبعد فوز علي صالح بالانتخابات الرئاسية للفترة الثانية، تمكنت بعض الجهات في الداخل والخارج من إقناعه بالإفراج عنهم وأنهم سيلتزمون بترك الأسلحة الثقيلة وتسليم المباني الحكومية، وأنهم سيكونون الساعد الأيمن للتخلص من القيادات العسكرية والأمنية والقبلية التي تشكل أي خطر مستقبلي على نظامه، وبدأت الدولة بتمكينهم من بعض الوزارات لممارسة تلك التصفيات في جميع مؤسسات الدولة، وسمح لهم بأخذ الزكاة وجباية الأموال من المواطنين في صعدة، فازداد طموحهم السياسي لتحقيق أهداف أكبر على الأرض.

وأثناء حروب صعدة الستة تدخلت مجموعة من علماء الزيدية للوساطة، ووضعوا لصالح عدة شروط لإيقاف الحرب في صعدة،كان من أهمها: سحب الوحدات العسكرية المستحدثة في صعدة، وأن المسؤول الأول أمام الدولة المحافظ الشامي الذي تم تعيينه نزولاً عند رغبة الحوثي، وأن عبد الملك الحوثي هو المسؤول عن الحوثيين ويمنع تدخل قائد المنطقة العسكرية علي محسن صالح في شؤون صعدة، وسحب جميع المراكز السنية واستبدال مراكز تتبع المذهب الزيدي من أبناء المنطقة بها، إعادة جميع الأساتذة الوافدين إلى صعدة من محافظات أخرى واستبدال أساتذة من نفس المحافظة بهم، وإنشاء جامعة زيدية على غرار جامعة الإيمان السلفية وجامعة الأحقاف الشافعية وغيرها. فحينما عرضوا تلك النقاط على الرئيس السابق صالح سخر منهم، وردّ عليهم بقوله: كان عليكم أن تذهبوا إلى السيستاني للمصادقة عليها. إشارة منه إلى أن اليمن ليست ولاية فارسية شيعية، ولكنه في النهاية نفذ لهم جزءًا من تلك الشروط؛ لعل أبرزها إضعاف الفرقة المدرعة الأولى، وتعيين المحافظ الشامي المعروف بولائه للحوثيين.

وبدأت الدعوات في دماج تشيع أن الحوثي يريد استئصال السنة وتسوق ذلك في السعودية، والحوثي في مقابل ذلك أيضاً سوق خطاباً يظهر فيه خطورة الوهابية ومنهجها التكفيري.

مظاهر التعاون بين الحوثيين وإيران مذهبياً وسياسياً:

في عام 2010 صرح الأب الروحي للحوثيين في محافظة الجوف شايف العميسي لصحيفة أخبار اليوم، بأن الحوثيين يسعون إلى تحويل اليمن إلى ولاية فارسية ويزرعون خلايا نائمة في تعز، وأن جميع شعاراتهم ومناسباتهم وأموالهم من إيران وحزب الله.

ما بين 2009-2011 م نشرت تقارير سرية لخبراء في الأمم المتحدة رفعت إلى مجلس الأمن الدولي، أن إيران تقدم أسلحة إلى المتمردين الحوثيين في اليمن منذ عام 2009على الأقل، وقال التقرير إن سفينة صيد إيرانية جرى احتجازها في فبراير 2011 من جانب السلطات اليمنية، وكانت تحمل 900 صاروخ مضاد للدبابات إيراني الصنع، وكانت الشحنة موجهة للمتمردين الحوثيين، وبموجب قرار من الأمم المتحدة اعتمد في عام 2007، لا يحق لإيران بيع أسلحة بموجب الحظر المفروض عليها (إسكاي نيوز عربية).

جميع الشعارات والاحتفالات المناسبات والأناشيد معدة إعداداً إيرانياً بحرينياً لبنانياً  “حزب الله”.

تصريحات القيادات الإيرانية في الحرس الثوري كالقائد علي رضا زاكاني وغيره عام 2014، وهم يباركون سقوط العاصمة اليمنية صنعاء ويبشرون بسقوط الرياض، وكانوا يصرحون قبل سقوط صنعاء بأن لديهم في اليمن أبطالاً وجنوداً أضعاف حزب الله اللبناني.

الدعم اللا محدود بالمال والسلاح للحوثي بدءًا بالاستقطاب والتدريب وإرسال البعثات والمنح والخبراء والمراكز العلاجية، وإرسال السفن المحملة بالأسلحة والمتفجرات كجيهان الأولى والثانية قبل وبعد 2011.

بعد إسقاط الحوثيين لعمران وصنعاء 2014، قاموا بإخراج السجناء الإيرانيين من السجن المركزي بعمران وسجن الأمن القومي بصنعاء.

تطويق منطقة الخليج من كل الجوانب بالمليشيات الشيعية تمهيداً لإسقاطها من جنوبها بالحوثيين، ومن القطيف والدمام ونجران، ومن الكويت والبحرين.

تصريح القيادات الحوثية بأنهم سيقومون برفع شعار الموت لأمريكا على الكعبة 2014.

وصفه لجميع الأطراف السياسية اليمنية والمخالفين له بالجماعات التكفيرية والداعشية والوهابية، ويرسلون مقاتليهم إلى تعز وعدن وغيرها من منطلق ثارات الحسين وتكفيرا ًلخصومهم.

قيامه بتفجير وإغلاق المراكز الشرعية ومراكز تحفيظ القرآن الكريم، باعتبارها مساجد الوهابيين التكفيريين النواصب الذين يعادون آل البيت.

احتلال جامعة الايمان أحد قلاع السنة في اليمن، مع أنها تدرس المذهب الزيدي أيضاً.

فرض خطباء للمساجد من مذهبهم بالقوة.

فرض الجبايات والزكوات على التجار لدعم مناسباتهم الدينية، ولتمويل جهادهم ضد البغاة كما يزعمون (المجهود الحربي).

ملاحقة العلماء والدعاة والمفكرين والإعلاميين، الذين لا يؤمنون بالمذهبية والعنصرية واعتقالهم أو قتلهم.

تغيير المناهج والمقررات الدراسية بما يتوافق مع معتقداتهم.

إقامة الحوزات العلمية في كثير من المحافظات ورفع الشعارات المذهبية بين طلاب المدارس الابتدائية.

إجبار القنوات على رفع الأذان موافقاً لمذهبهم، ومن ذلك (إذاعة يمن ميوزك)، وهذا لم يكن موجوداً في اليمن وليس بين اليمنيين وآل البيت الأطهار أي قطيعة؛ فهم يصلون عليهم ليل نهار كعقيدة، ولكن الحوثية الإيرانية “ينكشون” في الطائفية.

منع صلاة التراويح والاعتداء على المصلين في كثير من المساجد.

إحراق الكتب والمكتبات التي تتحدث عن السنة، بما في ذلك المكتبات الزيدية.

الإصرار على إدخال قضية صعدة من ضمن القضايا الرئيسة في أي حوار أو مصالحة.

اعتقال كل رموز أطياف أهل السنة المختلفين معه، حتى الحجوريين الذين لا يحملون أي مشروع سياسي استهدفهم.

معاداة جماعة التبليغ السنية المسالمة التي ليس لها موقف سياسي، وقد أدركت الجماعة هذا البعد ولم ترسل أفرادها إلى منطقة صعدة طيلة الفترة الماضية.

المناورة الحوثية على الحدود اليمينية السعودية بمشاركة خبراء ايران.

إرسال الخبراء لصناعة وتطوير الصواريخ البالستية حتى يتم ضرب العمق الخليجي.

كثير من المحافظات كانت ترفض القتال وتسلم للحوثي، ولكنه يأبى إلا أن يشعل فتيل القتال، حتى يفتحها عنوة ولا يكون لأهلها أي قرار يذكر.

– مقتل علي عبدالله صالح، وكان الحوثة يرددون عند مقتله أنه تم أخذ الثأر لقائدهم حسين الحوثي.

ومن ذلك أن الرئيس السابق في اليمن كان يقول إن الحوثي يتلقى أموالاً من إيران، والطرف الآخر يقول إن الدولة تقاتله بأموال سعودية، وكان كل ذلك بغرض الابتزاز من السعودية وإيران.

وأصبحت حرب صعدة ببعدها السني الشيعي الكامن والمضلل في آن واحد جزءًا من التنافس في المنطقة، حتى أن بعض الأطراف حاولت أن تلعب دوراً في الصلح كدولة قطر خلال الحروب الستة، ولكن بعض المحللين السياسيين يرون أن السعودية كانت وراء إفشال ذلك، وأما عن حقيقة الصراع المذهبي الطائفي العنصري قبل وبعد مقتل صالح، فقد أصبحت واضحة الملامح والمآلات، إذ أضحى للحوثيين خبرة في الجمع بين الصراع المذهبي من جهة والسياسي من جهة أخرى، فيؤسسون تحالفات خارج سياقهم المنهجي طالما أن تحقق أهدافهم السياسية والعقائدية.

التحالف وسياساته المتعارضة ومساراته الملتبسة:

في منتصف ليل الـ26من مارس/آذار 2015 انطلقت عملية “عاصفة الحزم” بمشاركة تحالف مكون من 10 دول بقيادة السعودية، هدفها المعلن صد الحوثيين الذين بسطوا سيطرتهم على أغلب المناطق في اليمن، والبرغم من هذا الهدف المعلن إلا أن المشهد السياسي في اليمن ازداد تعقيداً بعد مشاركة قوات التحالف العربي المنقسم على نفسه في أهدافه واستراتيجياته ما بين مؤيد ومعارض وساكت في تحرير اليمن، فأما المؤيد لتحرير اليمن من الحوثي فقد كانت السعودية هي المتصدرة له وفقاً لرؤيتها القائمة على محاربة التشيع، ولكنها انقسمت على نفسها ما بين مؤيد لحسم المعركة في اليمن ليكون البديل “الشرعية الضعيفة بقيادة هادي”، ومشاركة الإخوان المسلمين في الحكم بصورة ضعيفة، وما بين معارض لحسم المعركة في اليمن حتى يبعد الإخوان المسلمين -الإصلاح- عن المشهد تماماً، وهذا هو رأي تيار الدولة العميقة في السعودية، أو إضعافهم وتقزيمهم وإبقاء جزء من قوات الحوثي وصالح كقوة موازية لمواجهتها وردعها في يوم من الأيام.

وقد نُفذ جزء كبير من ذلك بإضعاف الإخوان سياسياً وعسكرياً ومحاصرتهم حتى في أماكن النفي الإجباري في فنادق الرياض، أو في الميدان، واشتُريت ولاءات عدد كبير من المشايخ والشخصيات لضمان التبعية للسعودية؛ وأُجري عدد من الزيارات والمحادثات السرية وغير السرية بين المملكة وبين صالح سابقاً من جهة والحوثي من جهة أخرى، وقد كان ذلك في سلطنة عمان أو ما صرح به وزير خارجيتها الجبير، وتأكدوا من أن اليمن لن تشكل أي تهديد عسكري للمملكة.

أما الإمارات فقد كان لديها أهداف أساسية من التحالف، أولها يتمثل في الهدف الاقتصادي القائم على وضع الاحتياطات اللازمة لإيقاف ميناء عدن، حتى لا يكون بديلاً عن دبي ولا يتم ذلك إلا بعد ترسيخ انفصال الجنوب عن الشمال، بعد إضعاف أكبر الكيانات المتواجدة في الجنوب وهم الإصلاح والمؤتمر والسلفيون، وتأسيس قوة عسكرية جديدة موالية للإمارات من الفقراء والبدو في المناطق الجنوبية أو ما يسمى بالعصبة الحضرمية، والقيام بإجراء تصفيات لجميع الخصوم في الجنوب، وأبرزهم الإصلاح والسلفيون، وإنشاء العديد من السجون والمعتقلات لتعذيب الناس وتخويفهم، وممارسة الضغوط المباشرة على الشرعية بفرض تعيينات في السلطة المحلية والقيادات العسكرية من الشخصيات الموالية لها ومن ذلك جميع محافظي المحافظات الجنوبية، وما المجلس الانتقالي الانفصالي ومنع الرئيس هادي من الرجوع إلى عدن إلا جزء لا يتجزء من مشروعها التدميري في فرض وصايتها على اليمن.

أما الإمارات فقد كان لديها أهداف أساسية من التحالف، أولها يتمثل في الهدف الاقتصادي القائم على وضع الاحتياطات اللازمة لإيقاف ميناء عدن، حتى لا يكون بديلاً عن دبي ولا يتم ذلك إلا بعد ترسيخ انفصال الجنوب عن الشمال، بعد إضعاف أكبر الكيانات المتواجدة في الجنوب وهم الإصلاح والمؤتمر والسلفيون

الحلول والمرجعيات:

أولاً: ثقافة الحل:

تبرز في هذا السياق جملة من الإشكاليات التي تستدعي وعياً بضرورة النظر في أبعادها وحواضنها على مستوى الفكر والحركة؛ باعتبارها عوامل مساعدة في تأزيم الموقف إذا لم يؤخذ بالحسبان التداعي في سبيل بحثها والنظر في مسبباتها وجذورها التاريخية في البنية المجتمعية اليمنية والسعي إلى إيجاد مخارج وحلول تسعها وغيرها، تساهم بصورة فاعلة في تجاوز أزمتها المستحكمة، وأهم هذه الإشكاليات:

. الطائفية:

ليس للطائفية في اليمن تمظهر عقائدي واضح المعالم في سياقاتها التاريخية على مستوى الحاضنة الشعبية، إذ تحكم الخارطة المذهبية في اليمن ثنائية المذهبين الزيدي والشافعي، وهما متقاربان إلى حد بعيد على مستوى الفروع، وبالرغم من أن معالم أصول المذهب الزيدي لها من الخصوصية التي تجعلها مغايرة عن غيرها من المذاهب، إلا أنها ليست حاضرة بقوة على مستوى العامة؛ وهذا ساعد إلى حد كبير في التناغم مع المكون المذهبي الآخر داخل البنية المجتمعية بحيث تجسدت على إثره حالة من التعايش والتسامح بين مكوناتها، ولكن كان للأصول العقائدية المغايرة للزيدية انعكاساتها على بعض مكوناته من  النخب الفكرية والسياسية، كما تجسد ذلك في الحركة الحوثية، ولكن في سياق عقائدي سياسي في آن واحد.

فقد أخذت هذه الحركة على عاتقها الدعوة إلى عودة حكم الأئمة إلى اليمن والإبقاء على الهوية الزيدية، ولكن بسياق مغاير عن المذهبية الزيدية، وهو تبنيها نظرية ولاية الفقيه ومذهب الأئمة الاثني عشرية؛ ليجعلها بهذا الإطار خارج الدائرة الزيدية رغم ادعاءاتها بخلاف ذلك، وبسببه شهدت دعماً كبيراً من النظام الإيراني منذ بداية تأسيسها، والإشكال الذي جعل الطائفية تبرز بصورة كبيرة في المشهد اليمني، هو التوظيف السياسي الذي لعبه علي عبدالله صالح في غض الطرف عن نشاطات الحركة وامتدادها على الأرض؛ مناكفة في مواجهة التيار السني الذي يمثله التجمع اليمني للإصلاح والتيارات السلفية، وهو ما أجج صراعاً فكرياً انعكس أثره بالضرورة على الصراع المسلح الذي شهدته اليمن منذ أحداث صعدة حتى هذه اللحظة التي شهدت أخيراً مقتل علي عبدالله صالح على يد الحوثيين أنفسهم بعد تحالف مصلحي هش، ومن خلال ما آل إليه الحل العسكري

. المناطقية والقبلية:

المناطقية والقبلية في الحالة اليمنية في بعديها الاجتماعي والسياسي -بسبب سياسات التشويه والتهميش- لها حضورها البارز لدى أربابها في البحث عن مخارج وحلول تصب في تحقيق مكوناتها لمصالحهم السياسية والاقتصادية، فاليمن تبرز فيه القبيلة والعشيرة كبنى اجتماعية فاعلة ومقررة وليست مجرد  تشكيلات تنتمي إلى الماضي، فبنية القبيلة الاجتماعية تشكل السمة المميزة للتركيبة الاجتماعية، وفاعليتها لا ترتبط بالسلوك الفردي فحسب بل بالسلوك الجمعي أيضاً وضمن مجالات الفعل السياسي والاجتماعي، وتعد الأسرة الممتدة هي القاعدة العريضة التي تتكون منها القبيلة، وتشكل الرابطة القبلية العامل الرئيس والأكثر أهميه في البناء القبلي خاصة في مناطق الشمال والشمال الشرقي من البلاد.

وإزاء هذه الحقيقة فلا غرو أن تتجه البنية الاجتماعية والسياسية في اليمن صوب استحضار المكونات المجتمعية ضمن المصالح السياسية والاقتصادية، والتي قد تتضمن “وحدة الهدف بإنهاء ما يُسمى الانقلاب واستعادة الدولة” نحو التأثير في السلوك السياسي المقابل للقيم المرتبطة بالمفاهيم والأفكار المنفتحة والمنغلقة بالمجتمع، والتي أصبحت سمة بارزة لحالة الازدواجية الهوياتية في ظل وحدة الهدف، غير أن المبادئ المعنية بإيجاد الحلول السياسية ما زالت في إطار “دائرة الفرز والاستقطاب” لمصلحة مكاسب آنية، التي تبدو بأنها مبنية على عدد من الافتراضات المضللة عن طبيعة الحياة السياسية والاجتماعية والقبلية القائمة أو المأمولة، والتي تجسد تفسيراً انتقائياً للخطاب السياسي الذي يتعامل مع المستجدات وليس الرؤى الاستراتيجية، وهذه بحد ذاتها تعد عقدة تستدعي الحلول والمخارج، ويضاف إليها تأثير الدعوات الجنوبية التي تهدد البنية السياسية بالتفكك والانفصال، وهي ذات بعد لا يقتصر على المناطقية فحسب، بل له أثره الاجتماعي والسياسي؛ بحكم التجربة التاريخية التي خاضها أهل الجنوب إبان العهد الاشتراكي.

. الحزبية:

حداثة النشأة للأحزاب السياسية اليمنية وما تبنته من مبادئ ومرجعيات منهجية في تسيير حركتها السياسية لم يجعلها تتجنب التأثير القبلي والمناطقي في حركتها، فالأحزاب السياسية قد عجزت عن تقديم بديل مؤسّسي نوعي للمؤسّسة القبلية في اليمن، كما لم يؤدِّ إعلان التوجّه نحو التعدّدية السياسية والحزبية إلى الحدّ من الولاءات القبلية في اليمن، هذا فضلاً عن تأثرها بالبنى الفكرية السياسية التي سادت المنطقة العربية في النصف الثاني من القرن العشرين، والناظر في الخارطة الفكرية لهذه الأحزاب يدرك حجم التأثر بالمنظومة الفكرية الحاكمة للبنى السياسية خارج اليمن، ما بين قومية وإسلامية واشتراكية .. في غيرها.

وبالنظر إلى طبيعة الصراع الذي شهدته اليمن ولا زالت يظهر أن هناك ضعفاً كبيراً أصاب البنية السياسية لهذه الأحزاب، لم تعد بسببه قادرة على تغيير مساراتها باتجاه الحفاظ على تماسك البنية اليمنية، خاصة بعد التغيرات المتسارعة التي أصابت اليمن في الآونة الأخيرة، جعلتها بلا قيمة حقيقية في الواقع أفقدها الثقة في نظر كثير من مكونات هذه البنية، وهو ما يستدعي في نظر الكثير من المراقبين إلى أهمية التأكيد على دور الشباب والمراهنة على أبناء الثورة في تجاوز الأزمة الحالية وبناء اليمن الجديد.

عندما لم تتشكل قيادة منظمة ببرنامج موحد يترجم تطلعات الثوار، فكان القرار الأول للخارج؛ هو المنظم الوحيد في ظل انقسام الداخل، وهو ما جعل البلاد مرهونة بتدخل الخارجي فيها؛ ليشكل التدخل الخارجي نفسه إشكالية متأزمة في الحل.

. التدخل الخارجي وتحريف مسار ثورة الشباب:

ثورة الشباب اليمنية كانت أسوة بأخواتها العربية مبشرة بنهاية عهود من الاستبداد والتحكم بحياة الناس عبر سياسات مشخصنة سواء في بعدها الفردي أو الجماعي، ولم تتجاوز أهداف الثورة إزاحة الرئيس السابق علي عبدالله صالح؛ لأنها رأت أن إزالة هذه العقبة هي واجب الوقت في حينها، ولئن كانت من ميزات الثورة أنها أخذت طابعاً شعبياً بمشاركة مختلف القوى السياسية التي اتفقت في هدف التغيير أو إسقاط النظام، إلا أن هذه الميزة ذاتها تحولت عائقاً في مسار هذه الثورة، عندما لم تتشكل قيادة منظمة ببرنامج موحد يترجم تطلعات الثوار، فكان القرار الأول للخارج؛ هو المنظم الوحيد في ظل انقسام الداخل، وهو ما جعل البلاد مرهونة بتدخل الخارجي فيها؛ ليشكل التدخل الخارجي نفسه إشكالية متأزمة في الحل.

ثانياً: مداخل الحل والمرجعيات المطروحة:

    في سياق الحديث عن مداخل الحل، هناك ثلاثة مداخل للحل: الداخلي، الإقليمي، والخارجي: فحينما يكون الداخل ضعيفاً يتحكم فيه الإقليم والخارج بموجب ما تقتضيه مصالحهما، ولكي نستطيع أن نقلل من أثر الإقليم في الداخل لا بد أن نترجم إمكاناته إلى معادلات في عملية الحل؛ لأجل -برغم صعوبته وامتداد الإقليم فيه- تحريكه باتجاه الفعل ووضع الحلول.

ولأجل إحكام عملية وضع الحلول لا بد من الوقوف أولاً على أساس مرجعي محكم يساهم بفعالية في الخروج من الأزمة، والناظر فيما هو مطروح على الساحة اليمنية يقف على مرجعيتين:

الأولى: مرجعية حقيقية: وهي مرجعية يلزم اعتمادها في تفعيل عملية الحل، وتتمثل في: الدستور اليمني، والنظام الجمهوري، والوحدة اليمنية.

الثانية: مرجعية زائفة: وهذه تساهم في تأزيم المشهد أكثر من مساهمتها في وضع حل لأزماته، وهي: المبادرة الخليجية، ومخرجات الحوار الوطني، والرئيس عبدربه منصور هادي، والقرارات الدولية، فالمبادة الخليجية لا تصلح أن تكون مرجعية؛ لكون بنودها الرئيسة لم تعد صالحة بحكم ما آلت إليه الأمور في اليمن، وأما مخرجات الحوار الوطني، فإنها تعاني من مشاكل شكلية وموضوعية، ففي شكلها لا تعدو كونها مسودة ورشة عمل ضخمة، تحتوي على أكثر من ألف وسبعمائة قرار وتوجيه، تتضمن قضايا متفاوتة الأهمية كما أنها تتصف بالتناقض، وأما في موضوعها فإنها ووجهت بمعارضة شديدة من كثير من المكونات السياسية يجعلها خارج إطار المرجعية الجامعة، وأما الرئيس هادي، فواقعه يغني عن بيانه، إذ أن وجوده بعيداً عن أرض الصراع جعله في دائرة الأسر وانعدام التأثير، وبالنسبة للقرار الدولي رقم 2216 مضامينه غير واقعية بحكم مخالفته لواقع الحال الذي شهد سيطرة الحوثيين على الجزء الشمالي من اليمن وخاصة صنعاء، والمطالبة بعودة الأمور إلى ما قبل الانقلاب عام 2014 لا يجعل القرار محل تقدير إلا عند الرئيس هادي وداعميه.

ثالثاً: المخارج والحلول:

وبناء على ذلك، فإن هناك حلين في ضوء المعطيات والمرجعيات السابقة:

حل خارج سياق التحالف، ويبرز فيه ثلاثة حلول فرعية: الأول: المصالحة الداخلية وإعداد البيئة لها، تستقطب مكونات المجتمع اليمني كاملة بما فيهم الحوثيون

الأول: حل مع وجود التحالف، بحيث يكون راعياً له: والأدوات المطروحة في سياق هذا الحل: مجلس النواب، وحكومة وطنية فاعلة، وخطة استراتيجية عسكرية شاملة، تعيد اليمن إلى الشرعية وتقضي على المشروع الحوثي واستحكامه بمختلف مظاهره. ولكن الإشارة الهامة في هذا الإطار أن قيام التحالف بوضع حل يعيد التوازن والذاتية والفعالية للقوى السياسية اليمنية بحيث تأخذ الأمور بزمامها لا يعد مطلباً سعودياً، بل إن المطلب السعودي الحقيقي يكمن في أن تكون هناك دولة يمنية تابعة لها متماهية في سياساتها.

الثاني: حل خارج سياق التحالف، ويبرز فيه ثلاثة حلول فرعية: الأول: المصالحة الداخلية وإعداد البيئة لها، تستقطب مكونات المجتمع اليمني كاملة بما فيهم الحوثيون، وهو حل يعد جزءاً من حل ولكنه في غاية الأهمية. والثاني: مشروع الشباب والأحرار (الكتلة الجديدة). والثالث وهو جزء من حل كذلك: استثمار قوة العلماء داخل اليمن في إيجاد التوصيف والمخرج الشرعي للحالة اليمنية.

التوصيات والآليات:

  • ضرورة إيقاف الحملة العسكرية للتحالف العربي، وتسليمه دفة العملية السياسية للسلطة الشرعية بصورة حقيقية على الأرض بعيداً عن سياسات الأسر واستراتيجياتها المتبعة من قبل بعض مكونات التحالف، وهذا يتسنى في سياق ضغوط من أطراف ثلاثة: السلطة الشرعية، والمطالبات من الداخل، الوساطة من أطراف خارجية خارج سياق التحالف.
  • اعتماد المرجعية الحقيقية الممثلة في الدستور اليمني والنظام الجمهوري والوحدة الوطنية؛ باعتبارها مرجعية جامعة متفقاً عليها بين أطراف النزاع في حل الأزمة.
  • المصالحة الداخلية بين مكونات المجتمع اليمني بما فيهم الحوثيون، وتكون عبر حوار جامع لكل الأطراف يغلب المصلحة الوطنية على غيرها من المصالح، وهذا يستدعي بنية خطاب جامع ولغة إعلامية في سياق تهدئة، والدعوة إلى اجتماع يشمل ممثلي الأطراف جميعها.
  • دعم القيادات الشابة ومشروع الشباب والأحرار، ويمكن تحقيقه في سياق تأسيس وتكوين ائتلاف شبابي أو منظمات شبابية فاعلة .. في غيرها.
  • استثمار منظمات المجتمع اليمني ووسائل الإعلام والاتصال في لعب دور فاعل في إعادة اللحمة الداخلية وتقويتها، برسم وتخطيط استراتيجية تستدعي كل مفردات الخطاب الجامع؛ لأجل الحفاظ على تماسك البنية اليمنية وعدم الانسياق وراء دعوات التفكك والتفتت.
  • تشكيل حكومة وطنية جامعة تضم القوى الفاعلة على الأرض.
  • استثمار المؤسسات السياسية الشرعية وخاصة مجلس النواب بعد تجميعه؛ باعتباره ممثلاً حقيقياً لمكونات المجتمع اليمني، مع إمكانية نقل السلطة إليه في حالة عجز الرئيس هادي عن إدارة المشهد في المرحلة القادمة.
  • استثمار قوة العلماء داخل اليمن في إيجاد التوصيف والمخرج الشرعي للحالة اليمنية، وضرورة تفعيل هيئة علماء اليمن؛ باعتبارها الهيئة الجامعة لعلماء الشريعة، والدعوة إلى مؤتمر جامع بالتنسيق بين الهيئة ولجنة الفتوى بجميع مكوناتهما.
  • الخيار العسكري -في حالة إصرار الحوثي على سياساته الحالية- بدعم قوة الجيش اليمني وتكثيف المواجهة المسلحة؛ لتحقيق تقدم على الأرض، وتوجيه دفة الأزمة باتجاه مفاوضات جامعة للأطراف تكون الشرعية اليمنية واللحمة الوطنية هي مسارها الجامع.

 

زر الذهاب إلى الأعلى