استعراض

مسيرة الديمقراطية الأمريكية ومحاولات الأنجليكانية اختطافها

 مفاصل في الحكاية الأمريكية

 

مما لا شك فيه أن التاريخ السياسي والديني للولايات المتحده أعقد وأوسع من أن يختصر في مقال، لكن هذا لا يمنع من اختصار وترتيب مسار جوهري فيه كمسار القوى الأنجليكانية – الإنجيلية الصهيونية – التي صارت أوسع بكثير من مجرد طائفة أو كنيسة، بل باتت أكبر قوة دينية شبكية في العالم تأثيراً ونمواً وحركية، حيث تطورت – تنظيمياً وعقدياً – خلال آخر ١٠٠ سنة بصورة متسارعة داخل أمريكا ثم خارجها.

الإنجيلية أصبحت ذات قوة تبشيرية عنقودية لا مثيل لها، فأسست المحطات الإعلامية الشبكية وتفننت فيها منذ عصر الراديو حاصدة أموالاً خيالية، واستطاعت أن تحول كثيراً من أتباع الكنائس إلى صفها بل وكثير من اليهود كذلك، وهي تنافس الإسلام في سرعة النمو والانتشار دون الطوائف الأخرى.

وفي سياق تاريخي فإن البروتستانت المؤسسين الذين هاجروا إلى العالم الأمريكي الجديد هرباً من الملكيات المتسلطة وصكوك الكنيسة الكاثوليكية وقيود البابوية المتحجرة التي خنقت طرق عيش الناس، حرصوا على تأسيس كيانات سياسية تستبعد تدخل الدِّين بوضوح في حكمهم وحُريَّاتهم وهي ما تسمى بالعلمانية الكنسية والديمقراطية الجديدة، رغم أن هذه الطوائف المهاجرة كانت متمسكة بالتدين العام ولم تتراجع عنه بعد الثورة الصناعية أسوة بأوروبا، وكذلك كان تدين معظم رؤساء أمريكا بداية من جورج واشنطن.

لقد مر النظام الأمريكي بعواصف شديدة اجتازها خلال ٢٥٠ سنة كالحرب الأهلية الدامية بين الشمال الأكثر انفتاحاً والجنوب الأكثر تديناً وإقطاعاً. ثم ها نحن حديثاً صرنا أمام مشهد متكرر من الاستقطاب الشديد، وها هو ذات الجنوب الأبيض المتدين مع امتداداته يعود تدريجياً وبقوة من خلال ولايات الحزام الجنوبي المقدس ومعقل الأنجليكانية محاولاً تغيير المعادلات السياسية الداخلية، غير مكتفي بتأثيره القوي على نظام السياسة الخارجية؛ ليحاول إدخال عامل الدين بصورة غير مسبوقة لتؤثر في البناء الديمقراطي الداخلي الذي شاركت في تثبيته قديماً. هذا الأمر سبب حالة من الهيجان السياسي والاجتماعي الذي ألقى بظلاله على ذات معسكر اليمين المتدين، وباتت أطرافه تنشطر في مواقفها الداخلية ما بين محاولة اختطاف الدولة وما بين الحفاظ على النظام العتيد.

من أجل تثبيت معالم السير التاريخي لنظام هذه الدولة العظمى وتقريبه للباحثين، وصولاً لهذا المسار الحرج الذي بدأ يتشكل وينمو منذ فترة الرئيس ترومان ونيكسون، ودون الولوج في تحليل الأحداث وعلاقة الدين بالسياسة، جاء هذا الرصد التلخيصي لترتيب مفاصله كما هي، مع أقل قدر ممكن من التدخل في سرد الأحداث طامحاً إلى تقديم مادة تساعد المهتمين في فهم أبعاد ما يدور وسيدور لاحقاً في سياقه الصحيح وأرضيته الواقعية داخل مجتمعات الولايات المتحدة:

1- أسس البروتستانت الإنجليز البيورتنز “المتطهرون” مستوطنات متفرقة بحكم ذاتي قائم على أساس سلطة الناس والحرية، لتنسق فيما بينها سنة 1620م.

البيورتنز هم أوائل المهاجرين الإنجليز الذين وصلوا أمريكا وتمركزوا في ولايات نيو إنجلاند من نيويورك إلى الشمال الشرقي، خصوصاً في ولاية ماساشوستس.

2- البروتستانتية الأم – تعني المحتجين أو المتمردين – يعدون مذهباً وطائفة متمردة على سلطة الكنيسة المطلقة خصوصاً الكاثوليكية والتنسك البابوي والانقطاع الرهباني والملكيات البريطانية والإمبراطوريات الأوروبية. وهم يوصفون بالمتدينين الليبراليين سياسياً ولم يدخلوا الكنيسة في معادلة النظام السياسي بل حرصوا على التعليم وأسسوا أعرق جامعات أمريكا على الإطلاق مثل هارفرد وأم إي تي وجامعة ييل التي تخرج منها معظم الرؤساء.

كان البيورتنز آنذاك أرقى طبقات البروتستانتية التقليدية أو الخط الرئيس الذي يقوم على الإصلاح الكنسي والمجتمعي قبل أن يدخلوا في تحديثات المذاهب الكنسية وتفرعاتها المعتادة أسوة بطوائف البروتستانت التي ما لبثت واستقطبت كثيراً من أفرادها الإنجيلية البروتستانتية ذات السمات الحركية.

3- ثم وصلت جماعات أخرى من المهاجرين البروتستانت الإنجليز الأقل ثقافة ونوعية إلى الجنوب انطلاقاً من فيرجينيا، وصاروا نواة للحرب الأهلية لاحقاً لتمسكهم بالإقطاع والكونفدرالية واللامركزية الشديدة.

4- انتشر المجرمون والمغامرون خلف الذهب إلى المناطق المفتوحة في الوسط والغرب وهؤلاء هم الكاوبوي وليس لهم دور في تأسيس النظام الأمريكي.

5- بقيت المستوطنات تعاني من ضرائب الملكية البريطانية التي هربت منها والذي انتهى بإعلان الثورة الأمريكية على بريطانيا والاستقلال، وتشكلت كونفدرالية من 13 ولاية بكونجرس دون نظام رئاسي، وذلك سنة 1776م.

6- بقي النظام السياسي للولايات ال ١٣ الأمريكية يتمسك بسلطة الشعب والولايات واللامركزية النسبية والحرية أساساً، وتطور من الكونفدرالية إلى الفيدرالية لاحقاً.

7- نشأ الشكل المتطور لاحقاً من خلال الصفقة الكبرى بين الولايات الصغيرة والكبيرة – صفقة كونيكتيكت– التي وازنت بين أدوار السلطات الفيدرالية فيما بينها وأدوار الولايات المكونة ونشأ نظام السيناتورز والكونجرس بحسب هذه الصفقة، وبناءً على ذلك أعلن أول دستور أمريكي سنة 1787م.

فتحت الصفقة والدستور الطريق بثبات نحو الفيدرالية وانتخاب جورج واشنطن بالإجماع كأول رئيس أمريكي سنة 1789م.

اختار جورج واشنطن المتدين الوادي حول ضفاف نهر البوتانك – محل خلاف ولايتي فيرجينيا وميريلاند – ليكون العاصمة واشنطن المستقطعة من الولايتين.

8- بقي النظام السياسي الديمقراطي الأمريكي قائماً على سلطة الشعب وحدٍ معقول من اللامركزية والتوازن بين سلطة الفيدرالية وسلطة الولايات، ولم يظهر عامل الدين والكنيسة بقوة في شكل النظام السياسي والديمقراطي – وإن كان (روح التدين ظهر) في أثناء عبارات في الدستور مثل نثق بالرب – خصوصاً أن تدخُّله بقوة مرفوض منذ التأسيس بسبب الخلفية الملكية البريطانية وطبيعة التحرر البروتستانتي الإصلاحي الأمريكي.

9- تطور النظام الديمقراطي الأمريكي ونشأت المحكمة العليا ونظام قضائي مفصل وعُدِّل الدستور مراراً بفقرات جديدة وبقي يراعي اللامركزية النسبية وسلطة الشعب بعد نشوء الفيدرالية والدستور الأول والرئاسة المركزية … ويشمل هذا أنظمة حكم وضرائب محلية خاصة بكل ولاية بخلاف أوروبا.    

عُدَّ هذا فارقاً جوهرياً متطوراً عن الديمقراطيات الأوروبية الملكية والمركزية.

10- قامت الحرب الأهلية سنة 1865م بين معظم الولايات الشمالية المؤسسة – الاتحاد الفيدرالي الصناعي – من جهة، والولايات الجنوبية – الكونفدرالية الإقطاعية الزراعية – من جهة أخرى، بسبب رغبة الجنوب بالكونفدرالية الاستقلالية اللامركزية ودخول موضوع تحرير السود المرتبط بالإقطاع مقابل مصالح المصانع على الخط، وكان من نتائج الحرب وصول الضحايا إلى حوالي ٢ مليون ما بين قتيل وجريح.

11- بقي الشمال فعَّالاً صناعياً وواصل الاندماج مع حملات الهجرة الكبرى من إيرلندا وإيطاليا وألمانيا وعموم أوروبا.

12- تمسك الحزبين الديمقراطي – الجمهوري بالفيدرالية ولم تدخل الكنيسة على الخط بصورة واضحة للتدخل بالشكل السياسي والديمقراطي الذي بات علمانياً أكثر وأكثر، وإن كانت روح التدين البروتستانتي التحرري شكلت دافعاً بهذا الاتجاه لإعطاء السلطة للشعب.

13- الحزبان مرا بانعطافات وتقلبات ومراحل ومراكز قوى مختلفة، وبقي النظام الديمقراطي والدستور يتطور ويتجاوز المنعطفات.

14- اعتبر أبراهام لينكولن الجمهوري الذي قاد الشمال ضد الجنوب المتمرد في الحرب الأهلية رائد التحرر، وقاد تحرير السود والذي كان فيه مصلحة للمصانع في الشمال الصناعي، وقيل إنه من أجل كسب السود كجنود ضد الجنوب الذي طالب بالكونفدرالية بدل الفيدرالية. لكن هذا التحرير من العبودية كان لا يشمل قضية المساواة في الحقوق المدنية ونبذ العنصرية، فهذا ضرب من الخيال آنذاك!

15- بدأ الحزب الجمهوري يميل للمحافظة أكثر وينتشر في الجنوب نوعاً ما، وابتعد الحزب الديمقراطي عن المحافظة؛ لكونه بات يميل باتجاه الشمال حيث الأقليات أكثر والليبرالية أوضح.

16- بدأت الطائفة الأنجليكانية تطور من معتقداتها وتنشط في التوسع داخل الكنيسة البروتستانتية الأم وخارجها وتستقل متمايزة كماً ونوعاً، وبات التبشير يأخذ شكلاً نشطاً فعَّالاً في القرن العشرين. والأخطر ازدياد التوسع في معتقدات العهد القديم والتوراة والتوجه الصهيوني وبات كثير من اليهود الصهاينة وغيرهم من داخل المكونات البروتستانتية يتحولون للأنجليكانية التي تمركزت في كارولاينا والجنوب –ولايات الحزام المقدس حالياً – مع ارتفاع نسبة التناسل للأنجليكان في الجنوب والمزارع حتى وصلوا إلى نسبة ٤٠ بالمائة حالياً من إجمالي البروتستانت الذين يشكلون بدورهم الأغلبية في أمريكا مع البيض الآخرين، لكن دون الكاثوليك سيكون البروتستانت أقل من نصف السكان. طبعاً هناك كنيسة بروتستانتية سوداء وهناك الكنيسة الجنوبية المستقلة التي دعمها مارتن لوثر كنج وغيرها!

17- حتى مجيء نيكسون بقي معظم الرؤساء من البروتستانت – الخط الرئيس – وبعضهم بلا دين مُعلَن حيث لم يكن التديُّن محوراً سياسياً، بينما صار الأنجليكان جاهزين للانقضاض السياسي والتأثيري بعدما أسسوا اللوبيات مع شركات الأسلحة والدخان والصهاينة.

18- لم تكن الساحة الديمقراطية المحلية جاهزة بعد للراديكالية الأنجليكانية وتأثيرها العلني ولا الحزب الجمهوري؛ كون أن البيض عموماً والبروتستانت يمسكون كل شيء بلا منافس، وهذا لا ينفي أن الشعب الأمريكي في أساسه يميل للتدين أكثر بكثير من أوروبا وكل ذلك مهد للأنجليكانية السياسية!

19- جاء التحول الاجتماعي والسياسي الثاني الأهم في الستينات من بوابة السود بعد أبراهام لينكولن، وهذه المرة على يد مارتن كنج لوثر والمسيرة المليونية لواشنطن للمطالبة بالحقوق المدنية والمساواة سلمياً وبتمهيد من الرئيس جون كينيدي الذي دعم قبل اغتياله الحقوق المدنية للسود.

أطلق كينيدي مقولته الشهيرة: “أمريكا أمة من المهاجرين” وهي التي حاربها ترمب وقبله صامويل هنتنجتون في كتابه ” من نحن؟ “.

اغتيل كينيدي ثم كنج بعده بسنوات!

20- كان كينيدي الكاثوليكي الكارزماتي المثقف قد دشن رئاسته كأكثر رئيس أمريكي شعبية في التاريخ بمكافحة إنشاء اللوبيات وشركات المصالح ولم يكن مرضياً عنه لدى اليهود وقد فاز على نيكسون.

21- كان نيكسون عقائدياً مولعاً بالتاريخ والدين وقضى ٨ سنوات كنائب رئيس لأيزنهاور ثم فاز لاحقاً بعد مقتل كينيدي ليدشن مرحلة تأثير الدين على السياسة الأمريكية بصورة واضحة وصار مرجعاً استراتيجياً لرونالد ريغان ومَنْ بعد ريغان.

ألَّف نيكسون أكثر من عشرة كتب تمزج السياسة والاستراتيجيات والسوسيولوجيا والدين منها: “نصر بلا حرب”، “وانتهز الفرصة”، “والنصر الحقيقي”، “والسلام الحقيقي”، واتخذ نيكسون من اليهودي كيسنجر مستشاراً ثم وزير خارجية في خطوة جريئة!

22- تحرك الأنجليكان داخل البيض واليهود بقوة دفع مضاد لظهور تيار كينيدي والسود الاجتماعي التغييري، وظهر الإعلام التبشيري بقوة على يد أمثال بات روبترسون نادي ٧٠٠، ومرشدي الرؤساء مثل المتطرفين الأنجليكان جيري فالويل – مؤسس جامعة ليبيرتي – وبيلي غراهام وابنه اللذين قادا الأنجليكان لعقود طويلة.

23- كان كارتر القس إنجيلياً فتمَّ دعمه ثم أطلق الأصوليون المسيحيون بشكل أوسع ما يسمى بالتحالف المسيحي ليومنا هذا، وهو لوبي ضم بعض الديمقراطيين المتدينين أيضاً ويدعم دولة “إسرائيل”، لكن الأنجليكان وجدوا أن الحزب الجمهوري أكثر تقبلاً فثبتوا الريغانية، ثم انبثق المحافظون الجدد منها ومعهم آل بوش – كان بوش الابن لا ينام قبل الاتصال بالقس غراهام -، وبذلك منذ نيكسون بات الرؤساء في الحزب الجمهوري أنجليكان أو تحت تأثيرهم المباشر من خلال اللوبيات وقوة الناخبين في ولايات الحزام المقدس الجنوبي خصوصاً.

من هنا سُجِّلت عبارات دينية وصليبية سياسية عميقة – من نيكسون وريغان وآل بوش وترمب – لم تكن معهودة بهذا الزخم من الرؤساء الأمريكان مثل التبشير بمعركة أرمجدون؛ ذكرها ريغان مراراً وبوش أكثر ولا يزال الأمر متعلقاً بالسياسة الخارجية أكثر.

24- ثم أطلق منظرو الأنجليكانية والمحافظون الجدد أيديولوجياتهم الدينية السياسية بوضوح، وصارت تقوم على عقيدة التمكين في القدس وعودة المسيح وصراع الحضارات، ثم أطلقوا حربهم على العراق بشعارات صليبية مثل أرمجدون!

25- انطلق صامويل هنتنغتون مستقلاً عن المحافظين الجدد بالعمل في إدارة الإنجيلي المتردد (القس جيمي كارتر)، وكان صامويل مستشاراً أمنياً ثم أسس مجلة فورين بولسي، لكنه لم يستطع اختراق الديمقراطيين بصورة كافية، ليكشف عن نظرية صدام الحضارات، ثم ليتوجها بكتاب “من نحن وتحديات القومية الأمريكية” ؟ وهو الذي رفض فيه (مقولة كينيدي) أن “أمريكا أمة من المهاجرين” ودعا إلى ضرورة دمج جميع الأمريكان في قيم الهوية البروتستانتية والإنجليزية – المدنية والحرية والمساواة – قائلاً إن المؤسسين هم مستوطنون بروتستانت وأمريكا قامت على مبادئهم، وبالتالي على الكاثوليك الأسبان مثلاً الانصياع لهذه الثقافة.

باتت كتب صامويل من أدبيات الأنجليكانية، ومن هنا جرى تصنيف هنتنجتون بالمحافظ حتى لو عمل مع كارتر القس الديمقراطي، فدعته صحيفة الواشنطن بوست “بنبي الترامبية”!

26- جاءت الترامبية كمرحلة أخيرة كما وصفها السياسي الأسود فان جونز بمقولة:

“White backlash to Obama era”

وكرد فعل من البيض في المناطق الحضرية والضواحي والأرياف الذين عانوا اقتصادياً. ورد الفعل هنا قوي بعد رئيس أسود لأول مرة!

27- كل هذه المقدمات فتحت الطريق للترامبية التي وجدت الساحة البيضاء والأنجليكان جاهزين للسير معه، ومن ثَمَّ ركب الموجة الصهيوأنجليكانية، وأعلن مع نتنياهو أنه أفضل رئيس خدم الصهيونية، والأهم أن ترامب دفع السياسة الأمريكية الداخلية والخارجية إلى حالة غير مسبوقة من الأيديولوجية والعقائدية والعنصرية وإن كانت بدأت على يد نيكسون!

28- تكرست السياسة الخارجية لترامب بدعم من اليمين المسيحي ليجعل دعم مملكة الصهيونية أمَّ قضايا السياسة الخارجية في تزاوج بين مصالح ترامب والعقيدة الصهيوأنجليكانية، في الوقت الذي تكرست فيه الأولوية الدونية للناتو وللحلفاء الأوروبيين حيث يعد الإنجيليون الأوروبيين لا دينيين وليبراليين عموماً!

29- محلياً، اندمجت قواعد واسعة من البيض والأنجليكانية مع تيار ترامب وصار لها قوى مؤثرة وغير تقليدية في الحزب الجمهوري الذي بات كثير من مرشحيه خاضعين لقاعدة ترامب الشعبية، وتشكل تيار ترامب (ماجا):

MAGA:  Make America Great Again

30- في المقابل ومع خسارة ترامب بدأ التيار التقليدي الجمهوري وبعض الإنجيليين يسعون في التخلص الناعم من الترامبية ومحاولة الحفاظ على المؤسسات التقليدية والمصالح العليا، التي لا يمكن التضحية بها لصالح الفوضى وضياع قوة النظام الأمريكي الكلي الذي لا ينتمي له ترامب ويحاول اختطافه مع بعض المتعصبين الذين أعلنوا ولاءً مطلقاً له ضد التيار التقليدي، مثل: السيناتور البارز ليندزي غراهام ونيوت غينغريش والقس جاري فالويل مؤسس جامعة ليبيرتي الأنجليكانية المتعصبة وعصبة فوكس نيوز.

31- ظهر بوضوح فك ارتباط أقطاب تقليدية مهمة مع ترامب – رغم الحسابات المستقبلية مع قواعد ترامب – وتمثل هذا في زعيم الجمهوريين التاريخي في مجلس الشيوخ وضابط إيقاع الحزب ميتش مكانون ومعه نائب الرئيس الإنجيلي المتدين مايك بنس وتيار المحافظين الجدد كليز ديك تشيني وجون بولتون فضلاً عن قوى أخرى من طرف أنصار جون ماكين المتوفى وآل بوش وبعض رجال الأعمال.

32- تم إحباط انقلاب ترامب اللادستوري المدعوم بقوى شعبية إنجيلية ويمينية على الانتخابات من خلال مايك بنس وميتش مكانون في حلقته الأخيرة مدعومين بالمحكمة العليا – ذات الغالبية الجمهورية – بعد مساهمة تيار جون ماكين والقضاة والحكام والناخبين في هزيمة ولايات أريزونا وجورجيا وبنسلفانيا وكذلك رفض الدعاوى الترامبية في المحاكم من طرف مسؤولين قدامى في الحزب كحاكم وسكرتير ولاية جورجيا!

33- بات الحزب الجمهوري ومعه الإنجيليون في فرقتين وحيرة؛ معظم القوى التقليدية مقابل ترامب وحركته (ماجا) الشعبية المتوسعة والتي يخضع لها كثير من المرشحين الجمهوريين.

34- أخذ الطرفان منذ الآن بالتخطيط لجولة السيطرة على مقاعد الحزب الجمهوري في الانتخابات النصفية بعد سنتين والتمهيد للدفع بمرشح رئاسي بعد أربع سنوات. ترامب يتحدث ويهاجم علناً بينما الطرف الآخر يعمل بصمت ودهاء للتخلص من ترامب بطريقة غير مباشرة – بعيداً عن التصويت العلني المحرج أمام القواعد الشعبية من أجل حجر ترامب – حيث يسهل خصوم ترامب الجمهوريون مهمة الديمقراطيين لإدانة ترامب في المحاكم العامة وقضايا الضرائب كما فعلت المحكمة العليا مؤخراً برد دعوى ترامب في حماية سجلات ضرائبه. لكن هذا الانقسام الجمهوري في النهاية سيخدم الديمقراطيين الذين بدورهم ليسوا في وضع قوي ولديهم تحديات النجاح خلال فترة حكمهم!

35- معركة الهوية الحقيقية ستكون حاسمة سنة 2024م.

 المراجع والمصادر الرئيسة:

– أصول التطرف: اليمين المسيحي في أمريكا – كيمبرلي بلاكر.

– الايفانجليكانية والصراع لتشكيل أمريكا – فرانسيس فيتزجيرالد.

– الدين والسياسة في أمريكا – د محمد عرف زكاء: من أجود الكتب لعالم اقتصاد وسياسة باكستاني في جامعة ماليزيا العالمية.

– كتاب الدين في السياسة الأمريكية – فرانك لامبرت.

– الموسوعة الجزائرية للدراسات السياسية والاستراتيجية.

– موجز التاريخ الأمريكي – فرانسيس ويتني وآخرون.

– الاتحاد والعرق في ذاكرة الحرب الأهلية – ديفيد بلايت.

– مقدمة في الأصولية المسيحية في أمريكا – عادل المعلم.

– الصحافة والإعلام الأمريكي.

 

زر الذهاب إلى الأعلى