عقد مركز رؤيا للبحوث والدراسات مؤتمره العلمي الثالث في أكاديمية باشاك شهير بإسطنبول يوم السبت 20/صفر/1441هـ الموافق 19/أكتوبر/2019م، شارك فيه ثلة من الأساتذة والمتخصصين في العمل الإسلامي، وقد تخللت المؤتمر أربع جلسات جاءت على النحو الآتي:
الجلسة الافتتاحية: تعريف بالمؤتمرين السابقين، وبهدف المؤتمر الحالي.
الجلسة الأولى: العقل الاستراتيجي.
الجلسة الثانية: الخطط والنماذج والأدوات (أ).
الجلسة الثالثة: الخطط والنماذج والأدوات (ب).
الجلسة الرابعة: حلقة نقاشية حول التيار العام.
وفي الآتي ملخص مجريات المؤتمر وحواراته، وأبرز ما تمخض عنه من رؤى وأفكار:
الجلسة الافتتاحية:
تعريف بالمؤتمرين السابقين، وبهدف المؤتمر الحالي: وفيها مداخلة الدكتور محمد هشام راغب والمناقشات حولها، وتضمنت ما يأتي:
أولاً: مراجعة حالة “الحركة الإسلامية” والنظر في سبل التعامل مع التحديات الكثيرة المحيطة بها.
أسباب وجوب المراجعة:
-تصاعد التحديات التي تواجه الحركة خاصة مطلع الألفية الجديدة، وزيادة حدتها بعد الربيع العربي.
-جهود خصوم الأمة لا تكتفي الآن بحملتها على الحركة الإسلامية، وإنما صارت تستهدف الإسلام، أصوله وثوابته.
-حملات تشويه الإسلام، وتحريف أصوله، وتقديم نسخا ممسوخة منه في عملية اختطاف واسعة ومتعددة الأذرع.
-تراجع موجات الصحوة الإسلامية وتجمد رصيدها في بلاد المسلمين وغير المسلمين.
-تراجع مستوى التدين العام.
-التخلص من كثير من رموز الحركة الإسلامية، وانتكاس بعضهم.
-القضاء على كثير من المؤسسات الإسلامية.
-حدوث انشقاقات داخل الجماعات الإسلامية الكبرى.
-غياب الرؤية والاستراتيجية لمسار الحركة الإسلامية.
ثانياً: تبنت اللقاءات الثلاثة السابقة المحاور الآتية:
-العمل في ميدان التيار العام للأمة فكرا وحركة.
-السعي لتكوين عقل استراتيجي للأمة.
-بحث “اشكال جديدة” للعمل الإسلامي تعتمد على التجمعات اللامركزية الصغيرة المرنة القابلة للاستنساخ التي تمتد أفقيا ويكون رائدها الفكرة والرؤية والمشروع، وليس الأشخاص والمؤسسات والكيانات الكبرى.
-العمل على أن تكون تجمعات العمل الإسلامي صاحبة تخصصات محددة
-الاجتهاد في تجديد مقاصد وشكل العمل الإسلامي.
ثالثاً: يقدم مركز رؤيا دعوة للمهتمين بالعمل الإسلامي لتأمل مقاربات جديدة تخرج العمل الإسلامي من كبوته الحالية، وتطلق طاقاته وتستعيد فاعليته وتأثيره.
الجلسة الأولى: العقل الاستراتيجي:
أدار الجلسة الدكتور حسين القزاز، وتضمنت الأوراق الآتية:
أولاً: العقل الاستراتيجي: الضرورات والتحديات والأدوات، للأستاذ الدكتور سيف الدين عبدالفتاح، وقد ضمَّنها ما أسماه (أصول الفقه الاستراتيجي والعمراني)، وأسسها على المحاور والمرتكزات الآتية:
-حول مفهوم التحدي.
-مشكلة الفاعلية في عالم المسلمين.
-الاستجابات العليلة للتحديات الكبيرة.
-الرؤية للمستقبل، السنن وواقع التحديات ووهن الاستجابات.
-التفكير الاستراتيجي ومنطقة في قلب الخطر.
-الاستراتيجيات بين التطور والاهتمام.
-عقل استراتيجي والتغير القادم.
-محاور الفعل الاستراتيجي: الوعي بالتحديات واستثمار الفرص، الحفاظ على الخمائر، تقليل الخسائر، صناعة بيئة من الوعي والسعي والفعل والتفعيل والفاعلية.
-مركز الدراسات الاستراتيجية والمستقبلية (فاعل): الرؤية والرسالة والهدف، الهيكلة والوحدات، المساهمة المتوقعة.
-المراكز البحثية: مراكز البحوث المستقبلية، مراكز السياسات وصناعة القرار، مركز إدارة الأزمة، مراكز إدارة الفرصة، مراكز التنسيق والتحريك والتشبيك، مراكز البحوث الاستراتيجية والأمن الإنساني، مستودعات الأفكار، مراكز إصلاح الأمة.
-مشروع بحثي لإحياء الأمة: أصول الاستراتيجيات، صناعة المؤسسات والتشبيك، صياغة السياسات، البحث الابتكاري في الأدوات والآليات، تأسيس المقاصد والغايات، بناء العلاقات.
-رابطة المفكرين الاستراتيجيين: الرؤية، الأهداف، القيم التأسيسية والعملية والمهنية، الرؤية التشغيلية.
ثانياً: العقل الاستراتيجي للأمة، للدكتور هشام برغش، وقد تركز حديثه حول معالم كيان العقل الاستراتيجي على وفق ما يأتي:
-الاجتهاد الجماعي وتأكيد مبدأ الشورى وإحياء الفروض الكفائية.
-تكامل وتكافل التخصصات.
-تحديد مواصفات خمائر وبنية وبناء العقل الاستراتيجي.
-إدراك حقيقة الواقع ودينامياته وتعقيداته وتجديداته.
-المرابطة على هذا الثغر وعدم مغادرته مهما كانت حوادث التدافع.
-أشكال وأوعية الكيان الاستراتيجي: البصيرة الاستراتيجية، الرصد الاستراتيجي، الاستراتيجية الجيلية، التدبير والحركة.
-العقل الاستراتيجي له مهام تتوزع إلى بصيرة استراتيجية توفر الرؤية الاستراتيجية، وكيان يستقبلها ويحولها ببرامج تشغيل لتدبير وحركة استراتيجية، وذلك بالتنسيق مع استراتيجية جيلية تراعي تقديم الشباب للقيادة والمسؤولية.
العقل الاستراتيجي تغذيه مراصد استراتيجية، قد تشمل: مراكز دراسات، مصادر معلومات، مراكز استشراف مستقبل، مراكز استغراب، مراكز قياس رأي واستطلاعات، مراصد وأكاديميات تعليمية وتأهيلية.
ثالثاً: نحو تأسيس مراكز ومؤسسات للعلوم السياسية في المنظور الإسلامي، للدكتور فارس العزاوي، وقد ضمَّنها المحاور الآتية:
-ما تضمنه العنوان من عناصر فارقة: تحديد الاتجاه المستقبلي، التأكيد على عملية بناء والتأسيس، حواضن البناء: المراكز والمؤسسات، المجال المتعلق بالعلوم السياسية، وأخيراً بناء على وفق المنظور الإسلامي تأكيداً على الخصوصية الحضارية.
-المسوغات والدواعي: فكرة التيار الإسلامي العام، أزمات علم السياسة، تحديات الأمة وأزماتها المتراكمة وعقلية استثمار الفرصة المواتية، أهمية المأسسة في استثمار الجهود، وضرورة اتخاذ القرار بصددها.
-خصائص العلم في شقه الإسلامي: وحدة الاتجاه، الثبات المنهجي، استقامة منهجية ونسق معرفي منفتح رأسياً وأفقياً، ثبات مفاهيمي، النظر الاستشرافي في مسار الظاهرة السياسية، علم للتدبر والتدبير، تشكيل العقلية الاجتهادية.
-الأهداف والغايات: تجسير الهوة بين الدراسات الشرعية والدراسات السياسية المتخصصة، تشكيل العقلية السياسية في آفاق ثلاث: أفق سياسي، أفق معرفي، أفق منهجي بحثي.
-المقومات: المفاهيم، القضايا، الإشكاليات، المنهج، نماذج القياس والمقاربة.
الجلسة الثانية: الخطط والنماذج والأدوات (أ):
أدار الجلسة الدكتور وصفي عاشور أبو زيد، وقد تضمنت الأوراق الآتية:
أولاً: نموذج المخيمات التربوية الدعوية التعليمية للشباب من الجنسين: الأهمية والمنهجية والثمرات، للدكتور نواف التكروري، وقد ضمَّنها ستة محاور:
المحور الأول: أهمية هذه المخيمات: توقيتها يتوافق مع أزمات كثيرة عصفت ولا تزال تعصف بالمجتمعات الإسلامية.
المحور الثاني: أهداف المخيمات: بناء منهجي منضبط، مواجهة المشاريع الفكرية المنحرفة وتحصين الشباب منها، ترسيخ فكرة الأمة الواحدة، تطوير الوعي في كيفية التعامل مع الاختلاف، تأهيل الشباب فكرياً، بناء منهجيات للتغذية الروحية.
المحور الثالث: منهجية العمل في المخيمات الشبابية: العمل المشترك، الفئة المستهدفة هي الشباب، التنوع في الجنسيات والأقاليم، التنوع في التوجهات والمدارس الفكرية، تحقيق التواصل في المعايشة.
المحور الرابع: المحاور الأساسية في المخيمات والملتقيات الشبابية: التجارب الشبابية، قضايا العالم الإسلامي، التجربة التركية، المحور التدريبي، محور الأنشطة، المحور الإيماني.
المحور الخامس: نماذج المخيمات والملتقيات الشبابية: الملتقى العلمي الدولي للشباب، مخيمات الشابات التركيات، الملتقى الدولي للشابات.
المحور السادس: الثمرات والتوصيات: أما الثمرات، فهي: تحقيق صورة مصغرة من وحدة الأمة، تحقق التواصل المباشر، استشعار هموم الأمة والاطلاع على القضايا، اكتشاف طاقات شبابية. وأما التوصيات، فهي: الاهتمام بالبرامج والملتقيات الشبابية، التعاون بين المؤسسات العاملة في ملتقيات مشتركة، منهجة الملتقيات الشبابية، وضع مدد كافية للملتقيات.
ثانياً: نموذج العمل الطلابي، للمهندس عاصم عرب، وجاءت محاوره على وفق ما يأتي:
-مقاصد الكيان: رعاية واحتواء الشباب دعوياً وتربوياً وتعليمياً.
-وحدة العمل – العدد (25) والحيز الجغرافي (حي أو جامعة أو فريق …).
-دورية اللقاء والمنهج المقترح (تصحيح تلاوة، تفسير جزء عم، فقة السنة من باب الطهارة والصلاة، فقه السيرة، الأربعون النووية).
-الدعم المالي: المشرف، ولي الأمر، المؤسسات.
-المظهر العام للمجموعة يراعي الضوابط الشرعية والعادات والتقاليد بحسب كل نطاق جغرافي.
-التنسيق مع الوحدات الأخرى: يفضل الحفاظ على استقلالية المجموعة وعدم جعلها في دائرة تنظيمية أكبر.
-مواصفات المشرف: السن، الإلمام بالمنهج، القدوة وتميز المشرف، التدريب والتطوير.
محددات عامة: العمل بالمشروعات، التركيز على علاقة كل قطر بالإسلام لتعميق الانتماء، التركيز على الأصول والبعد عن الأمور الخلافية قدر الإمكان، الحرص على إصلاح النفس والغير، الشراكة مع الآباء، التكافل الذكي، استثمار الدور المسجدي، الاعتماد على الوسائل العملية المكملة للمنهج، تفاعل الطلبة داخل المجموعة، المعايشة من خلال نشاطات المجموعة، استثمار الطاقات، تعلم الحرف، مراعاة ظروف كل قطر، النظر إلى المجموعة بوصفها محضناً تربوياً ودعوياً.
ثالثاً: تجربة بناء التوافقات مع جهات متنوعة فكرياً وعملياً، للدكتور خير الله طالب، وقد ضمَّنها ما يأتي:
-مقاصد مراجعة التجارب: أخذ العبرة والدروس المفيدة في التحسين، توفير الوقت والجهد والمال.
-تجربة واقعية (الندوات التشاورية) وذكر فيها مزايا التجربة ونقاط الضعف.
-تجارب مفيدة في بناء الأفكار المشتركة في بيئة متنوعة، وذكر فيها تجربتين: تجربة محلية لتنظيم عمل في الساحة السورية، وتجربة نموذجية لمعالجة مشكلة فكرية على مستوى عالمي.
-أكد في استعراضه للتجربتين على جملة من الأبعاد التي يلزم اعتبارها عند البحث في مشاريع مقاربة أو مغايرة، وأهم هذه الأبعاد: وضوح الأفكار والأهداف وتجنب إشكالية الغموض، التدرج في إنضاج الفكرة، استثمار التخصص في مراجعة ما تحقق من خطوات، عقد ورش للنقاش والمراجعة، الوصول إلى رؤى مشتركة في النظر إلى المشروع وما يعقبه من خطوات تنفيذية.
-تعرض الباحث إلى فكرة المؤتمر في ضوء التجارب التي سبقت، وأثار جملة من الأسئلة المتعلقة بالخطوات المنجزة: ما فكرة المشروع الذي نحن بصدده؟ ما نتيجة الورش والمؤتمرات السابقة؟ وهل توفرت لأصحاب الأوراق؟ ما مدى الربط بين كل فعالية أو ورشة وما سبقها؟ ما الرابط بين أوراق هذا المؤتمر وبين الفكرة والنتائج السابقة؟ ما نتيجة هذا المؤتمر؟ وما علاقتها بما سبق؟
-ثم طرح أسئلة أخرى حول الفكرة من حيث النتائج التي توصل إليها: كيف توصل المؤتمر إلى هذه النتيجة؟ هل توصل إلى هذه المحددات من خلال دراسة علمية؟ وما علاقة كل ورقة في هذا المؤتمر بهذه الفكرة؟ وكيف استخدمها؟ وهل اطلعت إدارة المؤتمر على الأوراق قبل تقديمها للتأكد من ارتباطها بالفكرة؟ وما مراحل العمل التالية حتى نضح الفكرة وتعميمها على المعنيين؟
-عرض الباحث في ختام ورقته إشكاليتين: عدم وضوح الفكرة للجميع، واختلاف تصورات المشاركين عن المخرجات المأمولة. كما حذر من أمرين استوحاهما من التجارب السابقة: ضعف الربط بأصل الفكرة (نقص البناء التراكمي)، واحتمالية تغير مسار الفكرة إلى فكرة أخرى.
الجلسة الثالثة: الخطط والنماذج والأدوات (ب):
أدار الجلسة الدكتور عطية عدلان، وعُرضت فيها التجارب الآتية:
أولاً: أكاديمية الشريف العلمية، استعرض الشيخ عبدالخالق الشريف في هذه التجربة مبررات التأسيس والإنشاء لهذه الأكاديمة ورؤيتها وهدفها ونشاطاتها، وذلك على وفق الآتي:
-تأسست الأكاديمية في مدينة أبردين في أسكتلندا عام 2015م، وافتتحت فرعها الرسمي في إسطنبول عام 2019م، لتكون مؤسسة من مؤسسات جمعية الشريف للعلوم الإسلامية، وكان المبرر لتأسيسها التجاوب مع حاجات كثير من الناس في دراسة العلوم الشرعية خارج الأطر الرسمية.
-الرؤية: تقديم علم متكامل بالمدارسة والممارسة وفقه اللسان والقلب.
-الهدف: الوصول إلى الريادة في التعليم الشرعي، تنمية المواهب والقدرات، بناء الشخصية المسلمة في إطار الشريعة، الإسهام في محاربة كل انحراف فكري وسلوكي إفراطاً أو تفريطاً، إكساب الدارسين الملكة الفقهية بمناهج معدة لذلك، تعليم المرأة المسلمة والإسهام في إعداد طالب علم شرعي، العمل على إخراج مجموعات متميزة من طلبة العلم الشرعي.
-الوسائل: إقامة دورات شرعية متخصصة، عمل ورش متخصصة ودراسات منهجية لتلبية احتياجات الواقع ومستجداته، إقامة دورات نظامية وعن بعد عبر الشبكة الدولية، نشر المحاضرات المرئية والمسموعة، تدريب عدد من الباحثين والقيام بمشروعات بحثية مختلفة مع الهيئات المعنية، إعداد ونشر الكتب والدوريات، وإقامة الندوات في موضوعات مختلفة.
ثانياً: أكاديمية باشاك شهير للعلوم العربية والإسلامية، استعرض الدكتور عماد الدين رشيد معالم كيان تعليمي بنموذج أكاديمية باشاك شهير للعلوم للعلوم العربية والإسلامية، موظفاً النموذج القياسي الذي استند عليها المؤتمر السابق في عدة نماذج ومنها: الكيان الدعوي والكيان الشرعي، وقد ركز رشيد على جملة من الملامح كما أسماها لهذا النموذج، من أبرزها:
-أن الأكاديمية مؤسسة تعليم وقفية تركية، لم تتقدم للاعتماد في مجلس التعليم العالي التركي، واستعاضت عنه بالاتفاق مع جامعة اليرموك الأردنية.
-ركز على الوسائل والفلسفة المؤسسة لهذا النموذج: أما الوسائل، فهي: التعليم، والبحث العلمي، والتأهيل والتدريب، وبعد مدة من العمل برزت وسيلة جديدة وهي الاستشارات.
-المؤسسة لم تنشأ مستقلة خلية من دافع وحافز، بل كانت نتاج رؤية للمشهد المتأزم للعالم الإسلامي، وأبرز إشكالياته: هشاشة المرجعية الإسلامية، الاعتماد على الحاضنة الشعبية التي لا تستطيع تحقيق الحصانة والحماية، فكان لزاماً مراجعة الذات في هذه الأطر، وأشار رشيد إلى أن كثيراً من المشروعات الإسلامية رفعت شعار تطبيق الشريعة على مدى عقود، ولكنها لم تستطيع تحقيقه في واقع الناس، فكان يلزم النظر إلى ما أولى منه أولاً وهو تمكين الشريعة، ولذلك كانت المؤسسة من مفردات السير في مسار تمكين الشريعة وإحدى وسائله.
-المكونات: الأكاديمية تعمل بالتوازي مع مؤسسات أخرى قائمة أو ينتظر قيامها، وهي: معهد تعليم اللغة العربية للناطقين بغيرها، ومركز الاستشراف للدراسات والأبحاث، ووقف إلهام، ومدارس المستقبل، والقرية العربية.
-مقاصد الكيان وبعده الجغرافي: تنظر المؤسسة إلى المجمع التركي وما يقاربه (الكردي والقوقازي والبلقاني) بالإضافة إلى المجتمع العربي من المهاجرين إلى تركيا بوصفها مجالاً للاستهداف، والأكاديمية أيضاً وضعت في رسالتها تقديم المعرفة في مجالاتها المتعددة برؤية إسلامية لطلبة العلم في جميع أنحاء العالم حسبما تيسر، وهذا يتحقق بإطارين: فروع الأكاديمية في مناطق متعددة: إسطنبول، آغري، الباب، أبوجا بنيجريا، كما أن الأكاديمية في موقعها الرئيس أتى إليها طلاب من 25 دولة.
-الكيان التعليمي له حضوره في المجتمع التركي من خلال اتفاقات وأنشطة متعددة، كما له حضوره في المجتمع السوري في كونه عضواً في مجلس التعليم العالي التابع للحكومة السورية المؤقتة، كما أن له اتفاقات متعددة مع جامعات أخرى خارج الإطارين التركي والسوري.
ثالثاً: الهيئة الشرعية للحقوق والإصلاح، وقد استعرض في هذه المداخلة الدكتور محمد يسري إبراهيم نشأة الهيئة الشرعية للحقوق والإصلاح والظروف أحاطت بالنشأة والمراحل التي مرت سواء ما قبل ثورة 25 يناير أو بعدها، وأبرز ما جاء في المداخلة ما يأتي:
-توقف الدكتور يسري طويلاً عند الحالة المصرية العامة قبل ثورة 25 يناير، وذكر جملة من القضايا والمستجدات التي مرت بالحركة الإسلامية بمصر بجميع أشكالها، ومنها: محاربة الدعوة الإسلامية بعد الحادي عشر من سبتمبر – مواجهة الإسلام فكرياً وعملياً من خلال مراكز أبحاث ومؤسسات وسياسات – التضييق على المناشط الدعوية والخيرية – الحملات الإعلامية المشوهة للإسلام – انسداد أفق الاجتهادات الدعوية – شهود حالة من المراجعات والتراجعات في مسيرة الحركة الإسلامية نهاية التسعينات – تفاقم حالة من الانشقاق والشقاق داخل الكيانات الإسلامية – غياب المرجعية الجامعة – ضعف الأداء السياسي داخل هذه الجماعات – أخطاء جمة في الجانب الإداري والمنهجي في العمل الإسلامي.
-وبالنظر إلى هذا الواقع دارت حوارات بين العلماء والحكماء والدعاة مقصودها الإسهام في إخراج الأمة والتيار الإسلامي من حالة التيه، فنشأت الهيئة الشرعية جراء هذا التفاعل قبل الثورة، وكانت الفكرة حينها إنشاء منصة يتشارك فيها أهل العلم والدعوة، ولما حدثت الثورة كانت الهيئة الشرعية جاهزة للتطوير من كونها موقعاً ألكترونياً إلى هيئة شرعية جامعة تقوم على رعاية الحقوق والحريات.
-وقد تشكلت اليهئة الشرعية بعد التشاور من رئيس ونائب ومجلس أمناء يتكون من عشرة أعضاء، ثم تغيرت الهيكلية فأضحى للرئاسة ثلاثة نواب وزيد عدد أمناء الهيئة إلى ستة عشر نائباً، واتخذت الهيئة لها اسماً وشعاراً هو: (الهيئة الشرعية للحقوق والإصلاح)، وجاء في نظامها أنها: هيئة علمية إسلامية وسطية مستقلة، وتتكون من مجموعة من العلماء والحكماء والخبراء.
-قصدت الهيئة تحقيق جملة من الأهداف، أهمها: العمل على وحدة الصف وجمع الكلمة وتقديم الحلول للمشكلات المعاصرة، حماية الحقوق الإنسانية والحقوق الشرعية، إيجاد مرجعية راشدة، البحث في المستجدات والقضايا المعاصرة.
-كما أعلنت الهيئة عنايتها في نطاقات خمس: الشأن العام، البحوث والإصدارات العلمية، البيانات والمؤتمرات والندوات، إدارة التدريب، لجنة الفتيا. وجعلت قسماً خاصاً للتطوير والمشروعات.
-أصدرت الهيئة نحواً من سبعين بياناً طيلة عمرها الذي تجاوز السنتين، وأصدرت عدداً من بيانات ما يسمى إئتلاف القوى، وعقدت خمسة مؤتمرات عامة جامعة، وصدرت عنها أيضاً بيانات تناولت الأمة في فلسطين وسوريا وقضايا أخرى.
الجلسة الرابعة: حلقة نقاشية حول التيار العام، قدم فيها الدكتور محمد هشام راغب مقدمة عامة عن فكرة التيار العام والإشكالات التي يمكن أن تعرض لها، وأبرز ما جاء في مقدمته:
-الحالة الشعورية التي تسود أبناء الحركة الإسلامية من انسداد الأفق في العمل الإسلامي والإصابات والتراجعات التي أصابته بأسباب كثيرة ترجع في مجملها إلى بنيته الداخلية والضغوط الخارجية التي تعرض لها، كل هذا جعل الأجيال الجديدة من أبناء هذه الحركة يصابون بشيء من الإحباط والتراجع في النظر إلى مستقبل هذه الحركة وجدوى استمرارها في مسارها الحالي.
-هذه الحالة الشعورية تحفز العاملين في الحقل الإسلامي إلى استدعاء المراجعات اللازمة للعمل الإسلامي، وإعادة النظر في كثير من الأفكار والرؤى والخطط السياسات التنفيذية بما يتاسب ويتناغم مع واجب هذا الوقت الذي تمر به الأمة.
-ضرورة النظر إلى التحديات الآنية على أنها تحديات مفصلية يلزم التعامل معها في إطار من الاستجابات الفاعلة لا العليلة.
-ضرورة الحفاظ على الرصيد الإسلامي الذي يمثله المتدينون بمختلف مظاهرهم الفكرية والحركية، والحيلولة دون انفراط عقده.
-العمل الإسلامي يعرض له سياقان من حيث المنهجية المتبعة في مساره: الأول: جماعات وحركات إسلامية هرمية مركزية تعاني من مشاكل عميقة في بناها. الثاني: تيار إسلامي عام مكون من وحدات صغيرة لا مركزية تنساب في المجتمع، ليست بديلاً للجماعات القائمة ولا تعمل على تقويضها في عملها بل تكون رديفاً وموازية لها.
اتجاهات النقاش:
أثارت الجلسات الأربع في المؤتمر جملة من الإشكالات والأفكار والرؤى التي دعمت الأوراق البحثية والنماذج المطروحة في إطار فكرة التيار الإسلامي العام، وهذا الدعم تراوح بين الإشادة بما هو مطروح والتطوير له، والنقد والتقويم، وفيما يأتي أبرز الاتجاهات التي دار حولها النقاش في جلساته الأربع مع التركيز أكثر على الجلسة الأخيرة المفتوحة:
-هناك جملة من الإشكالات التي عرضت ولا تزال تعرض في العقلية المسلمة، من أبرزها: إشكالية العلاقة بين الفكري والحركي، والعلاقة بين الدعوي والسياسي، تحكم الاستبداد في كثير من مناشطنا ليس فقط في البنى السياسية بل كذلك البنى المجتمعية الأخرى.
-ضرورة أن يفقه علماء الشريعة دورهم السياسي؛ بوصفهم صمام الأمان في العلاقة بين الشعب وساسته، وضرورة أن يقف العالم موقف الحماية للشعب تجاه تغول السلطة.
-فكرة التيار الإسلامي العام ليست جديدة بل طرحت من قبل، وهذا لا يعيبها من حيث الأصل، ولكن لا بد من أن يكون تفعيلها مراعياً متطلبات الواقع المعاصر، وخاصة في ظل هذه التطورات والمتغيرات التي تشهدها أمتنا.
-تنزيل هذه الفكرة على الأرض بعد تأطيرها في كيانات قد يفضي إلى تحكم بعض هذه الكيانات في غيرها؛ بحكم قوة فكرتها ونجاعة فعلها وحركتها، فيوقع العمل الإسلامي مرة أخرى في حالة من الاضطراب وعدم التوازن، مما يعني أن إشكالية الهرمية قد تعرض مرة أخرى.
-الحديث عن قيادة الفكرة يستلزم الحديث عمن يصنع هذه الفكرة ومن يسوقها، مع الأخذ بنظر الاعتبار صناعة الرموز والرجال؛ لأنها هي التي تفعل الفكرة في واقع الناس.
-من الضروري إعادة الاعتبار لدور علماء الشريعة في إحداث وتنمية الوعي عند الناس؛ فمعقد الإصلاح لا يمكن أن يتجاوزهم بل يتوقف عليهم.
-من الإشكاليات القائمة في المشاريع المختلفة: نجاح العمل الفردي وإخفاق العمل المؤسسي.
-إشكالية الغموض في الأفكار والمشاريع جعل كثيراً منها يفضي إلى الفشل.
-التيار الإسلامي العام مرهون نجاحه بالتنظيم.
-ملاحظة الواقع المزري للحركة الإسلامية بكل أطيافها لا ينبغي أن تغطي على التاريخ المشرق والخدمة الجليلة لهذه الجماعات في كل مكان: في نشر الفكرة، وتبليغ الدعوة، ودفع الشبهة، والحفاظ على الهوية، والعمل الخيري والاجتماعي. لكن قد أصابتها أمراض لا يمكن التعافي منها إلا بإرادة ومرونة كبيرة فكرية ونفسية، وكيف تملك زمام أمرها بإرادة وإدارة تغييرية.
-النظر إلى التيار العام لا ينبغي النظر إليه برؤية حدية: إما أن يكون هرمياً أو لا يكون هرمياً، الأمر ليس كذلك، فقد تحتاج بعض وحداته إلى شكل هرمي؛ لأنها لا يمكنها العمل إلا به، وأخرى لا تحتاج إلى شكل هرمي فيسعها النهج الأفقي.